أبوتركي
12-04-2007, 09:26 AM
في دراسة حديثة حول مشاكله التطبيقية
نظام الشركات السعودي لايواكب النهضة الاقتصادية ويحتاج لإعادة نظر
الانضمام لمنظمة التجارة يتطلب تغييرا جذريا في العديد من الأنظمة والقوانين
كان للنهضة الحديثة التي اخذت المملكة بأسبابها وشملت كافة نواحي الحياة منذ عهد الملك عبدالعزيز - يرحمه الله- أثرها الكبير في ازدهار التجارة وازدياد المشروعات العمرانية . وكان من نتيجة ذلك ان قفر عدد الشركات في بضع سنوات من عدد محدود جدا الى مئات الشركات التي تعمل في مختلف الانشطة المالية ، المصرفية ، التجارية ، الصناعية والزراعية في وقت كانت احكامها لاتزيد على بضع مواد في نظام المحكمة التجارية لم تكن كافية لمواجهة كافة المسائل المتعلقة بالشركات . ومن هنا بدأت الحاجة ملحة الى وضع نظام شامل للشركات فضلا عن ان مصلحة الامة اصبحت تقتضي تحققق اشراف الدولة على الشركات ومراقبتها. وحسب دراسة اقتصادية حديثة بعنوان « نظام الشركات السعودي.. مشاكل تطبيقية» لعضو اللجنة الوطنية للمحامين بمجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية ورئيس لجنة المحامين بالغرفة التجارية الصناعية بجدة المحامي الدكتور ماجد محمد قاروب فان نظام الشركات صدر في هذا الخصوص بموجب المرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 22/3/1385هـ، ونص على ان تلغى جميع الاحكام التي تتعارض مع احكامه، واصبح منذ ذلك الحين هو النظام الحاكم للشركات . وصدرت مراسيم ملكية اخرى في اعوام 1387، 1402، 1405، 1412، 1418هـ بتعديل بعض المواد ولكن لم تصدر لائحة تنفيذية للنظام رغم اهميتها في الواقع العملي.
حقق نظام الشركات تطبيقا ناجحا في معظمه خلال نصف قرن وأوفى بالحاجة اليه التي كانت قائمة ابان اصداره وزاد على ذلك انه استمر هذه المدة الطويلة ينظم الشركات ويحقق مصلحة الشركاء ومصلحة المجتمع في آن واحد, وظهر العديد من المشاكل في تطبيق النظام استدعت التعديلات الصادرة عليه الا ان عدم وجود لائحة تنفيذية للنظام زاد صعوبة الامر وان كانت قد صدرت بعض القرارات والتعليمات شأن تطبيق النظام الا انها كانت دائما غير كافية لملاحقة المستجدات على الساحة الاقتصادية.
تقدير النظام
اذا كانت التجارة الدولية اخذت في النمو بشكل مطرد واتفقت دول كثيرة على تحرير التجارة الخارجية وعلى تحقيق القيود والحواجز على البضائع بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، وادى ذلك الى ارتفاع حجم الاستثمارات والمشروعات وتحرك رؤوس الاموال لغايات الاستثمار وازدياد عدد الشركات الى الآلاف ورؤوس اموالها الى المليارات فان الحاجة اصبحت ملحة الى تعديل النظام الحاكم للشركات بما يتفق مع المتغيرات الاقتصادية المحلية وصدور انظمة اخرى جديدة مرتبطة به مثل الاستثمار والسوق المالية ومراقبة شركات التأمين التعاوني بما يتفق مع المتغيرات الاقتصادية الدولية، وبما يحقق نقطة التوازن بين الحوكمة والعولمة.
مشكلات التطبيق
يضيف الدكتور قاروب في اصداره انه يتم ما يطمح اليه المجتمع الاقتصادي من تعديل نظام الشركات في ظل نظام تجاري فان الحديث يقتصر على مشاكل نظام الشركات الحالي باعتباره النظام الحاكم للشركات، وليست هي كل المشاكل وان كانت المشاكل الاهم التي تعتري مسيرة الشركات.
حدود التدخل
من المقرر نظاما في شركة التضامن انه لايجوز للشريك غير المدير ان يتدخل في ادارة الشركة ولكن يجوز للشريك ان يطلع بنفسه في مركز الشركة على سير اعمالها وان يفحص دفاترها ومستنداتها وان يوجه النصح الى مديرها وكل اتفاق على خلاف ذلك يعد باطلا ومن المنصوص عليه في الشركة ذات المسئولية المحدودة انه للشريك غير المدير في الشركة التي لايوجد بها مجلس رقابة ان يوجه النصح للمديرين وله ايضا ان يطلب الاطلاع في مركز الشركة على اعمالها وفحص دفاترها ووثائقها خلال خمسة عشر يوما سابقة على التاريخ المحدد لعرض الحسابات الختامية على الشركاء وكل شرط مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن..؟ ولكن الحاصل عملا ان الشريك المدير لايسمح للشريك غير المدير بالاطلاع مطلقا او لايسمح له بالاطلاع بالكيفية المنصوص عليها آنفا خاصة اذا كانت هناك بادرة اختلاف في وجهات النظر او خلاف حادث بالفعل وينتج عن ذلك انه لايتمكن الشريك غير المدير من الاطلاع وفحص الدفاتر والمستندات.
الثقافة المحاسبية
حتى في حالة السماح بالاطلاع ففي شركة التضامن نص النظام على ان يطلع الشريك بنفسه وقد يعوز هذا الشريك الثقافة المحاسبية التي تجعل من اطلاعه فائدة ويرغب في ان يشاركه من يستطيع الاطلاع الصحيح كمحاسب قانوني او محام ومستشار قانوني له خبرة قانونية او ادارية ومالية ومحاسبية، فهنا يقصر النظام عن تحقيق فائدة الشريك غير المدير بقصرها على شخصه.
وفي حالة السماح باطلاع الشريك غير المدير في الشركة ذات المسئولية المحدودة على اعمال الشركة ودفاترها وثائقها تثور نفس المشكلة اذا طلب الاستعانة بشخص له دراية بالحسابات، علاوة على ان اطلاعه محدد بخمسة عشر يوما سابقة على عرض الحسابات الختامية على الشركاء فلا يسمح له الشريك المدير بالاطلاع في وقت آخر قد يحتاج لبيانات فيه سواء في حالة حدوث خلاف بينما او عدمه.
نصان معطلان
والنتجية انهما نصان في النظام على رغم اهميتها العملية معطلان لا يحققان الغابة التي ابتغاها واضع النظام منهما وهي الشفافية والوضوح لاعمال الادارة لكل الشركاء, والحل هو في تعديل النظام الحاكم للشركات بالزام ادارة الشركة بتمكين الشريك بالاطلاع بشخصه او بمن يعينه لذلك ووضع جزاء مناسب في حالة المخالفة وربما يكون الحل في حكومة الشركات بالمعنى الذي يتناوله اساتذدة الادارة والقانون وهو تأسيس ادارة علاقات تتميز بالشفافية والمصداقية مع الشركاء في الشركة وأول هذه العلاقات السماح للشركاء بالاطلاع على وثائق الشركة والزام ادارة الشركة بالسماح لهم بذلك.
ميزانية الشركة
ينص النظام في شركة المساهمة على انه يجب على اعضاء مجلس الادارة خلال ثلاثين يوما من تاريخ موافقة الجمعية العامة على الميزانية وحساب الارباح والخسائر وتقرير مجلس الادارة وتقرير مراقب الحسابات ان يودعوا مكتب السجل التجاري والادارة العامة للشركات صورا من الوثائق المذكورة.
وينص النظام في الشركة ذات المسئولية المحدودة على ان يعد المديرون عن كل سنة مالية ميزانية الشركة وحساب الارباح والخسائر وتقريرا عن نشاط الشركة ومركزها المالي واقتراحاتهم بشأن توزيع الارباح خلال اربعة اشهر من نهاية السنة المالية, وعلى المديرين ان يرسلوا صورة من هذه الوثائق وصورة تقرير مجلس الرقابة وصورة من تقرير مراقب الحسابات الى الادارة العامة للشركات والى كل شريك خلال شهرين من تاريخ اعداد الوثائق المذكورة.
مراجعة مطلوبة
ويعتقد ان الحكمة من النص على ارسال الميزانية وحساب الارباح والخسائر وتقرير الشركة الى الادارة العامة للشركات ومكتب السجل التجاري هي مراجعة هاتين الجهتين للوثائق للتأكد من صحتها وعدم مخالفتها لاحكام النظام واقامة الادعاء العام على كل من يثبت عمدا في وثائق الشركة بيانات كاذبة وكل من وقع هذه الوثائق او وزعها مع علمه بذلك. ولكن الواقع العملي هو ان ترسل هذه الوثائق الى هاتين الجهتين اللتين تأخذان بهما كما هما دون تدقيق ما دام انها معتمدة من محاسب قانوني معتمد اتكالا من ناحية على المحاسب القانوني ولضعف الامكانيات من ناحية اخرى . ولم نسمح بان الادعاء العام حرك دعوى ضد شركة اموال بسبب عدم صدق بيانات وثائقها الا فيما ندر.
وتبدو أهمية مراجعة الوثائق عند وجود خلاف بين الشركاء فيحتج البعض بأن الميزانية والحسابات والتقارير معتمدة ومرسلة الى الجهة المختصة، ويحتج البعض الآخر بوجود بيانات كاذبة في هذه الوثائق رغم اعتمادها من مراقب حسابات وارسالها الى الجهات المختصة . ولا يتأتى حل لهذه المشاكل إلا بتجنبها بتفعيل النظام بإدراك الحكمة الصحيحة مما يتطلبه النظام من ارسال هذه الوثائق الى هاتين الجهتين وهي أن تقوما بالمراجعة والتدقيق والتأكد من صحة ا لوثائق ومن عدم مخالفة النظام ورفع الادعاء العام ضد المخالفين للنظام وهو ما يتطلب كفاءات مؤهلة نوعا وكما في الادارة العامة للشركات والادارة القانونية بالوزارة وهو أمر غير متوافر ولا في حده الأدنى.
انقضاء شركة الأشخاص
نص النظام على ان تنقضي شركة التضامن والتوصية البسيطة بوفاة أحد الشركاء أو بالحجر عليه أو بشهر افلاسه أو اعساره أو انسحابه من الشركة اذا كا نت مدتها غير معينة, ومع ذلك يجوز النص في عقد الشركة على أنه اذا توفى أحد الشركاء تستمر الشركة مع ورثته ولو كانوا قصرا, وكذلك يجوز النص في عقد الشركة على إنه اذا توفى أحد الشركاء أو حجر عليه أو شهر افلاسه أو اعساره أو انسحب تستمر الشركة بين الباقين من الشركاء, ولا يبدو أن هناك حكمة أو علة أو سببا في أن يحكم النص بانقضاء شركة الاشخاص في الحالات المتقدمة ويقضي على صرح اقتصادي مهما كان حجمه ودوره في الاقتصاد الوطني لو مجرد أن اعتور أحد الشركاء احداها وربما ضد رغبة باقي الشركاء الذين يرغبون ويستطيعون الاستمرار بالشركة وكل ذنبهم أنهم لم يفطنوا عند تحرير عقد الشركة الى تضمينه نص يتيح الاستمرار في احدى هذه الحالات . والنص الحالي في النظام يثير مشكلة اخرى هي أنه ينص على انقضاء شركة الاشخاص في الحالات المذكورة اذا كانت مدتها غير معينة، وبمفهوم المخالفة قد يفهم أن الشركة تستمر اذا كانت مدتها معينة فهل هذا هو ما قصده واضع النظام؟ واذا استمرت الى نهاية مدتها ماذا بعد؟ هل تنقضي أم تستمر بالاتفاق على تجديد المدة لمدة أو مدد أخرى مماثلة؟ وسواء كانت مدة الشركة معينة أو غير معينة ما علاقة المدة بالحالات المذكورة التي قد تصيب أحد الشركاء؟ فالأثر الذي يصيب الشركة جراء اصابة أحد الشركاء فيها بإحدى الحالات هو نفسه سواء كانت الشركة محددة المدة أو غير محددة.
وكانت المحافظة على الصروح الاقتصادية من شركات الأشخاص ومعظمها شركات عائلية تقتضي أن يكون الاصل هو نص النظام على استمرار شركات الاشخاص في الحالات السابقة للباقين من الشركاء وورثة الشريك المتوفى، والاستثناء هو أن ينص على جواز النص في عقد الشركة على عدم استمرارها في احدى الحالات المذكورة، فيكون ذلك الحل المنطقي والمناسب والعملي.
النظام .. الحاكم!!
ويشدد الدكتور قاروب على ان نظام الشركات هو النظام الحاكم للشركات العائلية التي لا يخرج شكلها القانوني عن أشكال الشركات التي عرفها النظام، ويضيف : « ليس هناك نظام خاص بالشركات العائلية، حتى أنه ليس هناك اية استثناءات من أحكام النظام للشركات العائلية، حتى أن وصف الشركات بأنها عائلية للدلالة على أن الشركاء فيها يرتبطون برابطة الدم أو النسب والمصاهرة، وقد تكون الشركة العائلية من شركات الاشخاص وقد تكون من شركات الأموال حتى أنها تكون من شركات المساهمة المغلقة» .
ويمضي موضحا ان الشركات العائلية هي جزء هام من دعائم الاقتصاد الوطني ساهمت بأنشطتها في النهضة الاقتصادية ولاتزال تحمل مسؤولية الصناعة والتجارة والاستثمار والخدمات في البلاد . وان المحافظة على الشركات العائلية شأنه شأن المحافظة على الشركات بصفة عامة وعلى الثروة الوطنية التي تمثلها وعلى الانشطة والأغراض التي تأسست من أجلها والنجاحات التي أحرزتها والعمالة التي وظفتها والشهرة التي اكتسبتها , لكل ذلك من الخسارة الجسيمة أن نترك هذه الشركات تتعرض للانهيار أو التصفية مهما كانت الأسباب وأول ما يجب مراجعته هو النظام الحاكم للشركات وتعديله ليتواكب مع المستجدات العصرية والمتغيرات الدولية والمحلية.
توصيات
واذا كانت المتغيرات قد أفضت الى أن أصبح العالم على اتساعه قرية صغيرة تجتمع دوله على اتفاقيات دولية في مختلف مناحي الحياة وأهمها الاقتصاد والمال، اتفاقيات يجب أن تحترم وأن تكون هي الحاكمة في مختلف بقاع العالم وهو ما أطلق عليه العولمة، واذا كانت كل دولة لها خصوصيتها وتاريخها وحضارتها ومكانتها ورغم انضمامها الى اتفاقيات دولية تعتز بشريعتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها ولا ترضى عنها بديلا، فالحل سهل وميسور وهو أن تضع كل دولة الانظمة الحاكمة فيها وفق ثوابتها ومعاييرها ولا بأس بأن تسترشد بالاتفاقيات الدولية ما دامت لا تتعارض مع هذه الثوابت والمعايير, وان واضعي الانظمة مدعوون الى مراجعة الانظمة جميعها في ظل العولمة ليضعوا أنظمة حاكمة جديدة أو يعدلوا القائمة منها ليتحقق التوازن المفقود بين الحكومة والعولمة وبشكل خاص الى مراجعة نظام الشركات لأنه يجمع المال والاقتصاد والعمل ويجمع المجتمع بكل شرائحه ويترك آثاره السلبية والايجابية على الاقتصاد بكل أطيافه.
واذا كان هذا هو المطلوب من السلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى والسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة التجارة والصناعة وبمساعدة هامة من القطاع الخاص ممثلا في الغرف التجارية ومجلسها فإن السلطة القضائية ممثلة في المحاكم العامة والتجارية في التنظيم القضائي الجديد, وكذلك ديوان المظالم مطالبة بأن تطبق النظام الحالي للشركات وتفعله بتطبيقات قضائية تستلهم الحكمة من النصوص القائمة وتستشعر الواقع العملي من خلال ما يعرض على المحاكم وتصدر أحكام فيها الحلول والمعالجات لقصور النظام بما يساعد واضعي الانظمة الجديدة على الالتفات والانتباه الى أوجه القصور للعمل على تلافيها عند اصدار الأنظمة الجديدة أو تعديل القائمة.
والسلطة القضائية مطالبة بأن تحافظ على استمرار الشركات العائلية أحد أركان الاقتصاد الوطني بأن تخصص الدائرة التجارية في ديوان المظالم أو القاضي في المحكمة العامة ومستقبلا في المحكمة التجارية لنظر منازعات الشركاء في الشركات العائلية من قضاة أكفاء لهم خبرة طويلة في مثل هذا النوع من المنازعات يحكمون بالشرع والنظام ومقتضيات العدالة والعرف السليم والتقاليد الاسلامية المرعية من خلال تخصيص أو تفرغ الدائرة في الديوان أو القاضي في المحكمة لنظر النزاع من خلال تخصيص يوم في الأسبوع أو دوام مسائي لكل قضية مع المعاونين الاكفاء، وبشرط أن يحسم لأي منهما الاختصاص النوعي والمكاني لنظر جميع أوجه النزاع المالي والعقاري والتجاري وتحصر في القضية كل وجميع الصلاحيات والاختصاصات وأن يكون لهما المقابل المادي المجزي بل المغري لحثهم ودفعهم للعمل في اقل وقت ممكن، بما لا يتجاوز العام في كل حال من الأحوال لحماية الاقتصاد بتلك المنازعات الخاصة بالشركات العائلية وأن يكون ذلك من خلال آلية واضحة من قبل وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء ومقام ديوان المظالم برعاية كريمة من قبل المقام السامي.
ويختتم قاروب بقوله : « نتمنى على الغرف التجارية ومجلسها الموقر والمركز الوطني للشركات العائلية بتبني هذا المقترح وتفعيله الذي توجد له سوابق يمكن الاعتماد عليها ومثال ذلك في تطبيق نظام السوق المالية ذلك حماية للشركات والشركاء والاقتصاد.
نظام الشركات السعودي لايواكب النهضة الاقتصادية ويحتاج لإعادة نظر
الانضمام لمنظمة التجارة يتطلب تغييرا جذريا في العديد من الأنظمة والقوانين
كان للنهضة الحديثة التي اخذت المملكة بأسبابها وشملت كافة نواحي الحياة منذ عهد الملك عبدالعزيز - يرحمه الله- أثرها الكبير في ازدهار التجارة وازدياد المشروعات العمرانية . وكان من نتيجة ذلك ان قفر عدد الشركات في بضع سنوات من عدد محدود جدا الى مئات الشركات التي تعمل في مختلف الانشطة المالية ، المصرفية ، التجارية ، الصناعية والزراعية في وقت كانت احكامها لاتزيد على بضع مواد في نظام المحكمة التجارية لم تكن كافية لمواجهة كافة المسائل المتعلقة بالشركات . ومن هنا بدأت الحاجة ملحة الى وضع نظام شامل للشركات فضلا عن ان مصلحة الامة اصبحت تقتضي تحققق اشراف الدولة على الشركات ومراقبتها. وحسب دراسة اقتصادية حديثة بعنوان « نظام الشركات السعودي.. مشاكل تطبيقية» لعضو اللجنة الوطنية للمحامين بمجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية ورئيس لجنة المحامين بالغرفة التجارية الصناعية بجدة المحامي الدكتور ماجد محمد قاروب فان نظام الشركات صدر في هذا الخصوص بموجب المرسوم الملكي رقم م/6 وتاريخ 22/3/1385هـ، ونص على ان تلغى جميع الاحكام التي تتعارض مع احكامه، واصبح منذ ذلك الحين هو النظام الحاكم للشركات . وصدرت مراسيم ملكية اخرى في اعوام 1387، 1402، 1405، 1412، 1418هـ بتعديل بعض المواد ولكن لم تصدر لائحة تنفيذية للنظام رغم اهميتها في الواقع العملي.
حقق نظام الشركات تطبيقا ناجحا في معظمه خلال نصف قرن وأوفى بالحاجة اليه التي كانت قائمة ابان اصداره وزاد على ذلك انه استمر هذه المدة الطويلة ينظم الشركات ويحقق مصلحة الشركاء ومصلحة المجتمع في آن واحد, وظهر العديد من المشاكل في تطبيق النظام استدعت التعديلات الصادرة عليه الا ان عدم وجود لائحة تنفيذية للنظام زاد صعوبة الامر وان كانت قد صدرت بعض القرارات والتعليمات شأن تطبيق النظام الا انها كانت دائما غير كافية لملاحقة المستجدات على الساحة الاقتصادية.
تقدير النظام
اذا كانت التجارة الدولية اخذت في النمو بشكل مطرد واتفقت دول كثيرة على تحرير التجارة الخارجية وعلى تحقيق القيود والحواجز على البضائع بعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية، وادى ذلك الى ارتفاع حجم الاستثمارات والمشروعات وتحرك رؤوس الاموال لغايات الاستثمار وازدياد عدد الشركات الى الآلاف ورؤوس اموالها الى المليارات فان الحاجة اصبحت ملحة الى تعديل النظام الحاكم للشركات بما يتفق مع المتغيرات الاقتصادية المحلية وصدور انظمة اخرى جديدة مرتبطة به مثل الاستثمار والسوق المالية ومراقبة شركات التأمين التعاوني بما يتفق مع المتغيرات الاقتصادية الدولية، وبما يحقق نقطة التوازن بين الحوكمة والعولمة.
مشكلات التطبيق
يضيف الدكتور قاروب في اصداره انه يتم ما يطمح اليه المجتمع الاقتصادي من تعديل نظام الشركات في ظل نظام تجاري فان الحديث يقتصر على مشاكل نظام الشركات الحالي باعتباره النظام الحاكم للشركات، وليست هي كل المشاكل وان كانت المشاكل الاهم التي تعتري مسيرة الشركات.
حدود التدخل
من المقرر نظاما في شركة التضامن انه لايجوز للشريك غير المدير ان يتدخل في ادارة الشركة ولكن يجوز للشريك ان يطلع بنفسه في مركز الشركة على سير اعمالها وان يفحص دفاترها ومستنداتها وان يوجه النصح الى مديرها وكل اتفاق على خلاف ذلك يعد باطلا ومن المنصوص عليه في الشركة ذات المسئولية المحدودة انه للشريك غير المدير في الشركة التي لايوجد بها مجلس رقابة ان يوجه النصح للمديرين وله ايضا ان يطلب الاطلاع في مركز الشركة على اعمالها وفحص دفاترها ووثائقها خلال خمسة عشر يوما سابقة على التاريخ المحدد لعرض الحسابات الختامية على الشركاء وكل شرط مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن..؟ ولكن الحاصل عملا ان الشريك المدير لايسمح للشريك غير المدير بالاطلاع مطلقا او لايسمح له بالاطلاع بالكيفية المنصوص عليها آنفا خاصة اذا كانت هناك بادرة اختلاف في وجهات النظر او خلاف حادث بالفعل وينتج عن ذلك انه لايتمكن الشريك غير المدير من الاطلاع وفحص الدفاتر والمستندات.
الثقافة المحاسبية
حتى في حالة السماح بالاطلاع ففي شركة التضامن نص النظام على ان يطلع الشريك بنفسه وقد يعوز هذا الشريك الثقافة المحاسبية التي تجعل من اطلاعه فائدة ويرغب في ان يشاركه من يستطيع الاطلاع الصحيح كمحاسب قانوني او محام ومستشار قانوني له خبرة قانونية او ادارية ومالية ومحاسبية، فهنا يقصر النظام عن تحقيق فائدة الشريك غير المدير بقصرها على شخصه.
وفي حالة السماح باطلاع الشريك غير المدير في الشركة ذات المسئولية المحدودة على اعمال الشركة ودفاترها وثائقها تثور نفس المشكلة اذا طلب الاستعانة بشخص له دراية بالحسابات، علاوة على ان اطلاعه محدد بخمسة عشر يوما سابقة على عرض الحسابات الختامية على الشركاء فلا يسمح له الشريك المدير بالاطلاع في وقت آخر قد يحتاج لبيانات فيه سواء في حالة حدوث خلاف بينما او عدمه.
نصان معطلان
والنتجية انهما نصان في النظام على رغم اهميتها العملية معطلان لا يحققان الغابة التي ابتغاها واضع النظام منهما وهي الشفافية والوضوح لاعمال الادارة لكل الشركاء, والحل هو في تعديل النظام الحاكم للشركات بالزام ادارة الشركة بتمكين الشريك بالاطلاع بشخصه او بمن يعينه لذلك ووضع جزاء مناسب في حالة المخالفة وربما يكون الحل في حكومة الشركات بالمعنى الذي يتناوله اساتذدة الادارة والقانون وهو تأسيس ادارة علاقات تتميز بالشفافية والمصداقية مع الشركاء في الشركة وأول هذه العلاقات السماح للشركاء بالاطلاع على وثائق الشركة والزام ادارة الشركة بالسماح لهم بذلك.
ميزانية الشركة
ينص النظام في شركة المساهمة على انه يجب على اعضاء مجلس الادارة خلال ثلاثين يوما من تاريخ موافقة الجمعية العامة على الميزانية وحساب الارباح والخسائر وتقرير مجلس الادارة وتقرير مراقب الحسابات ان يودعوا مكتب السجل التجاري والادارة العامة للشركات صورا من الوثائق المذكورة.
وينص النظام في الشركة ذات المسئولية المحدودة على ان يعد المديرون عن كل سنة مالية ميزانية الشركة وحساب الارباح والخسائر وتقريرا عن نشاط الشركة ومركزها المالي واقتراحاتهم بشأن توزيع الارباح خلال اربعة اشهر من نهاية السنة المالية, وعلى المديرين ان يرسلوا صورة من هذه الوثائق وصورة تقرير مجلس الرقابة وصورة من تقرير مراقب الحسابات الى الادارة العامة للشركات والى كل شريك خلال شهرين من تاريخ اعداد الوثائق المذكورة.
مراجعة مطلوبة
ويعتقد ان الحكمة من النص على ارسال الميزانية وحساب الارباح والخسائر وتقرير الشركة الى الادارة العامة للشركات ومكتب السجل التجاري هي مراجعة هاتين الجهتين للوثائق للتأكد من صحتها وعدم مخالفتها لاحكام النظام واقامة الادعاء العام على كل من يثبت عمدا في وثائق الشركة بيانات كاذبة وكل من وقع هذه الوثائق او وزعها مع علمه بذلك. ولكن الواقع العملي هو ان ترسل هذه الوثائق الى هاتين الجهتين اللتين تأخذان بهما كما هما دون تدقيق ما دام انها معتمدة من محاسب قانوني معتمد اتكالا من ناحية على المحاسب القانوني ولضعف الامكانيات من ناحية اخرى . ولم نسمح بان الادعاء العام حرك دعوى ضد شركة اموال بسبب عدم صدق بيانات وثائقها الا فيما ندر.
وتبدو أهمية مراجعة الوثائق عند وجود خلاف بين الشركاء فيحتج البعض بأن الميزانية والحسابات والتقارير معتمدة ومرسلة الى الجهة المختصة، ويحتج البعض الآخر بوجود بيانات كاذبة في هذه الوثائق رغم اعتمادها من مراقب حسابات وارسالها الى الجهات المختصة . ولا يتأتى حل لهذه المشاكل إلا بتجنبها بتفعيل النظام بإدراك الحكمة الصحيحة مما يتطلبه النظام من ارسال هذه الوثائق الى هاتين الجهتين وهي أن تقوما بالمراجعة والتدقيق والتأكد من صحة ا لوثائق ومن عدم مخالفة النظام ورفع الادعاء العام ضد المخالفين للنظام وهو ما يتطلب كفاءات مؤهلة نوعا وكما في الادارة العامة للشركات والادارة القانونية بالوزارة وهو أمر غير متوافر ولا في حده الأدنى.
انقضاء شركة الأشخاص
نص النظام على ان تنقضي شركة التضامن والتوصية البسيطة بوفاة أحد الشركاء أو بالحجر عليه أو بشهر افلاسه أو اعساره أو انسحابه من الشركة اذا كا نت مدتها غير معينة, ومع ذلك يجوز النص في عقد الشركة على أنه اذا توفى أحد الشركاء تستمر الشركة مع ورثته ولو كانوا قصرا, وكذلك يجوز النص في عقد الشركة على إنه اذا توفى أحد الشركاء أو حجر عليه أو شهر افلاسه أو اعساره أو انسحب تستمر الشركة بين الباقين من الشركاء, ولا يبدو أن هناك حكمة أو علة أو سببا في أن يحكم النص بانقضاء شركة الاشخاص في الحالات المتقدمة ويقضي على صرح اقتصادي مهما كان حجمه ودوره في الاقتصاد الوطني لو مجرد أن اعتور أحد الشركاء احداها وربما ضد رغبة باقي الشركاء الذين يرغبون ويستطيعون الاستمرار بالشركة وكل ذنبهم أنهم لم يفطنوا عند تحرير عقد الشركة الى تضمينه نص يتيح الاستمرار في احدى هذه الحالات . والنص الحالي في النظام يثير مشكلة اخرى هي أنه ينص على انقضاء شركة الاشخاص في الحالات المذكورة اذا كانت مدتها غير معينة، وبمفهوم المخالفة قد يفهم أن الشركة تستمر اذا كانت مدتها معينة فهل هذا هو ما قصده واضع النظام؟ واذا استمرت الى نهاية مدتها ماذا بعد؟ هل تنقضي أم تستمر بالاتفاق على تجديد المدة لمدة أو مدد أخرى مماثلة؟ وسواء كانت مدة الشركة معينة أو غير معينة ما علاقة المدة بالحالات المذكورة التي قد تصيب أحد الشركاء؟ فالأثر الذي يصيب الشركة جراء اصابة أحد الشركاء فيها بإحدى الحالات هو نفسه سواء كانت الشركة محددة المدة أو غير محددة.
وكانت المحافظة على الصروح الاقتصادية من شركات الأشخاص ومعظمها شركات عائلية تقتضي أن يكون الاصل هو نص النظام على استمرار شركات الاشخاص في الحالات السابقة للباقين من الشركاء وورثة الشريك المتوفى، والاستثناء هو أن ينص على جواز النص في عقد الشركة على عدم استمرارها في احدى الحالات المذكورة، فيكون ذلك الحل المنطقي والمناسب والعملي.
النظام .. الحاكم!!
ويشدد الدكتور قاروب على ان نظام الشركات هو النظام الحاكم للشركات العائلية التي لا يخرج شكلها القانوني عن أشكال الشركات التي عرفها النظام، ويضيف : « ليس هناك نظام خاص بالشركات العائلية، حتى أنه ليس هناك اية استثناءات من أحكام النظام للشركات العائلية، حتى أن وصف الشركات بأنها عائلية للدلالة على أن الشركاء فيها يرتبطون برابطة الدم أو النسب والمصاهرة، وقد تكون الشركة العائلية من شركات الاشخاص وقد تكون من شركات الأموال حتى أنها تكون من شركات المساهمة المغلقة» .
ويمضي موضحا ان الشركات العائلية هي جزء هام من دعائم الاقتصاد الوطني ساهمت بأنشطتها في النهضة الاقتصادية ولاتزال تحمل مسؤولية الصناعة والتجارة والاستثمار والخدمات في البلاد . وان المحافظة على الشركات العائلية شأنه شأن المحافظة على الشركات بصفة عامة وعلى الثروة الوطنية التي تمثلها وعلى الانشطة والأغراض التي تأسست من أجلها والنجاحات التي أحرزتها والعمالة التي وظفتها والشهرة التي اكتسبتها , لكل ذلك من الخسارة الجسيمة أن نترك هذه الشركات تتعرض للانهيار أو التصفية مهما كانت الأسباب وأول ما يجب مراجعته هو النظام الحاكم للشركات وتعديله ليتواكب مع المستجدات العصرية والمتغيرات الدولية والمحلية.
توصيات
واذا كانت المتغيرات قد أفضت الى أن أصبح العالم على اتساعه قرية صغيرة تجتمع دوله على اتفاقيات دولية في مختلف مناحي الحياة وأهمها الاقتصاد والمال، اتفاقيات يجب أن تحترم وأن تكون هي الحاكمة في مختلف بقاع العالم وهو ما أطلق عليه العولمة، واذا كانت كل دولة لها خصوصيتها وتاريخها وحضارتها ومكانتها ورغم انضمامها الى اتفاقيات دولية تعتز بشريعتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها ولا ترضى عنها بديلا، فالحل سهل وميسور وهو أن تضع كل دولة الانظمة الحاكمة فيها وفق ثوابتها ومعاييرها ولا بأس بأن تسترشد بالاتفاقيات الدولية ما دامت لا تتعارض مع هذه الثوابت والمعايير, وان واضعي الانظمة مدعوون الى مراجعة الانظمة جميعها في ظل العولمة ليضعوا أنظمة حاكمة جديدة أو يعدلوا القائمة منها ليتحقق التوازن المفقود بين الحكومة والعولمة وبشكل خاص الى مراجعة نظام الشركات لأنه يجمع المال والاقتصاد والعمل ويجمع المجتمع بكل شرائحه ويترك آثاره السلبية والايجابية على الاقتصاد بكل أطيافه.
واذا كان هذا هو المطلوب من السلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى والسلطة التنفيذية ممثلة في وزارة التجارة والصناعة وبمساعدة هامة من القطاع الخاص ممثلا في الغرف التجارية ومجلسها فإن السلطة القضائية ممثلة في المحاكم العامة والتجارية في التنظيم القضائي الجديد, وكذلك ديوان المظالم مطالبة بأن تطبق النظام الحالي للشركات وتفعله بتطبيقات قضائية تستلهم الحكمة من النصوص القائمة وتستشعر الواقع العملي من خلال ما يعرض على المحاكم وتصدر أحكام فيها الحلول والمعالجات لقصور النظام بما يساعد واضعي الانظمة الجديدة على الالتفات والانتباه الى أوجه القصور للعمل على تلافيها عند اصدار الأنظمة الجديدة أو تعديل القائمة.
والسلطة القضائية مطالبة بأن تحافظ على استمرار الشركات العائلية أحد أركان الاقتصاد الوطني بأن تخصص الدائرة التجارية في ديوان المظالم أو القاضي في المحكمة العامة ومستقبلا في المحكمة التجارية لنظر منازعات الشركاء في الشركات العائلية من قضاة أكفاء لهم خبرة طويلة في مثل هذا النوع من المنازعات يحكمون بالشرع والنظام ومقتضيات العدالة والعرف السليم والتقاليد الاسلامية المرعية من خلال تخصيص أو تفرغ الدائرة في الديوان أو القاضي في المحكمة لنظر النزاع من خلال تخصيص يوم في الأسبوع أو دوام مسائي لكل قضية مع المعاونين الاكفاء، وبشرط أن يحسم لأي منهما الاختصاص النوعي والمكاني لنظر جميع أوجه النزاع المالي والعقاري والتجاري وتحصر في القضية كل وجميع الصلاحيات والاختصاصات وأن يكون لهما المقابل المادي المجزي بل المغري لحثهم ودفعهم للعمل في اقل وقت ممكن، بما لا يتجاوز العام في كل حال من الأحوال لحماية الاقتصاد بتلك المنازعات الخاصة بالشركات العائلية وأن يكون ذلك من خلال آلية واضحة من قبل وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء ومقام ديوان المظالم برعاية كريمة من قبل المقام السامي.
ويختتم قاروب بقوله : « نتمنى على الغرف التجارية ومجلسها الموقر والمركز الوطني للشركات العائلية بتبني هذا المقترح وتفعيله الذي توجد له سوابق يمكن الاعتماد عليها ومثال ذلك في تطبيق نظام السوق المالية ذلك حماية للشركات والشركاء والاقتصاد.