أبوتركي
12-04-2007, 05:31 PM
شرق آسيا على مشارف أزمة مالية
محمد الشرقاوي من القاهرة
هل هو النصيب والقضاء والقدر .....أم لعنة الاقتصاد تحل عليها ثانية ؟ فلم تكد تمر عشر سنوات من وقوع الأزمة المالية التي عصفت بمنطقة شرق آسيا في عام 1997، إلا وكانت تلك المنطقة قد انتصبت واقفة على قدميها فازداد ثراؤها وقل فقراؤها، وباتت تلعب دوراً عالمياً أكبر من أي وقت مضى. وتحسنت مستويات دخل السكان تحسّناً ملحوظاً مقارنة بما كانت عليه الحال قبل وقوع تلك الأزمة، وشهدت بعض بلدانها ـ كالصين وفييتنام وكمبوديا والديمقراطية الشعبية ـ تحقق معدلات نمو استثنائية في مستويات الدخل. ونتيجة لذلك، استطاع أكثر من 100 مليون شخص في مختلف أنحاء شرق آسيا منذ عام 2000 الخلاص من براثن الفقر المدقع، ومازالت معدلات الفقر تواصل تقلصها.
وتمضي منطقة شرق آسيا، بعد أن استطاعت التصدي لتلك الأزمة والتغلب على الكثير من أوجه الضعف الاقتصادية التي أفضت إليها، بخطى سريعة لتنضم إلى مصاف البلدان المتوسطة الدخل. وواقع الأمر أنه مع انتقال فييتنام من مصاف البلدان المنخفضة الدخل إلى شريحة البلدان المتوسطة الدخل ـ وهو أمر من المرجح حدوثه في أوائل عام 2010 ـ فإن أكثر من 95 في المائة من سكان منطقة تلك المنطقة سيكونون في بلدان متوسطة الدخل. وبالنظر إلى معدلات النمو الحالية التي تشهدها تلك المنطقة، فإن عدد من يعيش تحت خط الفقر لن يتعدى 25 مليون نسمة بحلول عام 2020 وذلك من إجمالي عدد السكان البالغ بليوني نسمة.
ولكن، تأتي في خضم هذا النمو الملحوظ الموجة التالية من التحديات القاسية التي يمكن أن تؤدي إلى إبطاء معدلات النمو إذا لم يتم التعامل معها على نحو لائق وهذا ما يحاول البنك الدولي ان يرصده في بيان صدر له اليوم .
حيث يتمثل أحد أهمّ تلك التحديات التي تواجه منطقة شرق آسيا فيما يُطلق عليه مجازاً اسم "شَرَك البلدان المتوسطة الدخل". ويوضح لنا التاريخ أنه بينما نجح العديد من البلدان في الانتقال من مصاف البلدان المنخفضة الدخل إلى مصاف البلدان المتوسطة الدخل، فإن عدداً قليلاً نسبياً قد واصل تقدمه لينضم إلى شريحة البلدان المرتفعة الدخل. وعلى أي بلد يرغب في الانتقال إلى مصاف البلدان المرتفعة الدخل، أن يكون لديه اقتصاد يتخصص على نحو متميز في مجالات منتقاة بحيث يمكنه تحقيق وفورات الحجم والريادة التكنولوجية.
وتُظهر تجربة كل من اليابان وسنغافورة وتايوان (الصين) وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ (الصين)، وهي بالفعل من بلدان منطقة شرق آسيا، أن الانتقال إلى مستويات الدخل الأعلى هو أمر ممكن ولكن هذه المهمة ليست بالمهمة السهلة.
حيث تواجه الصين حالياً تحديات تتصل بكونها بلداً متوسط الدخل، ويتعلق الكثير منها بالضغوط البيئية. فعلى سبيل المثال، تضم الصين 20 من بين مدن العالم الأكثر تلوثاً البالغ عددها 30 مدينة، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع استخدام الفحم لأغراض توليد الطاقة. كما أن التآكل الشديد في التربة والأمطار الحمضية وتلوث المجاري المائية يؤثر كذلك على حياة الملايين. ويهيمن قطاع الصناعات التحويلية، وليس قطاع الخدمات، على الاقتصاد الوطني، مما يؤدي إلى تفاقم الضغوط البيئية.
ولمعالجة تلك المشاكل وغيرها، تعكف الحكومة الصينية حالياً على وضع سياسات تستهدف "تصحيح توازن الاقتصاد" و"السعي لإقامة مجتمع متجانس". ويتمثل هذا الهدف، إلى جانب الحفاظ على معدلات نمو سريع، في تحقيق تحوّل في طبيعة الإنتاج من الصناعة إلى الخدمات، وزيادة الاعتماد على الطلب المحلي، وتحقيق نمو يتشارك الجميع في قطف ثماره بشكل عادل ومنصف، وعلى نحو يتسم بقدر أكبر من الاستدامة البيئية.
وفيما يتعلق بباقي بلدان هذه المنطقة حيث تختلف طبيعة تلك التحديات إلى حد ما في أجزاء أخرى من منطقة شرق آسيا. فتلك المنطقة تضم بين جنباتها العديد من البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل التي تشهد معدلات نمو تبلغ نحو 2 في المائة، وهو أقل مما كان عليه قبل وقوع الأزمة. وقد شاب الضعف الاستثمارات في تلك البلدان، كما أن نصيبها من التجارة العالمية يتعرض لضغوط في الوقت الذي تعمل فيه على التكيف مع الصعود السريع للصين. وبينما حقق صعود الصين مكاسب هائلة في مستوى الرفاهية لدى المستهلكين في جميع أنحاء العالم، فقد أدى إلى خلق ضغوط تنافسية شديدة لاقتصادات بلدان أخرى من شرق آسيا في الأسواق العالمية.
بالإضافة إلى هذ التحديثات او كما اطلق عليها البنك الدولي بانها مواطن الضعف ، فإن منطقة شرق آسيا تمر حالياً بأسرع عملية توسع حضري يشهدها العالم على الإطلاق، إذ تشير التوقعات إلى أن أكثر من 500 مليون شخص سينتقلون إلى المدن في تلك المنطقة على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة ـ بواقع مليوني شخص شهرياً تقريباً. ويفرض ذلك ضغوطاً هائلة على أنظمة النقل والكهرباء وإمدادات المياه والصرف الصحي التي تعاني في الأساس من عدم كفايتها.
الحلول والأسباب
وعن الحلول المقترحة للخروج من براثن الأزمة فوفقاً للعدد الأخير من تقرير آخر المستجدات في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ (East Asia & Pacific Update) ـ وهو تقرير نصف سنوي صادر عن البنك الدولي يُعنى بسلامة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة ـ ينبغي على شرق آسيا مواصلة التركيز على: إصلاح مناخ الاستثمار بها ، تلبية النقص في العمالة الماهرة ، تحرير التجارة في الخدمات ، الاستثمار في مرافق ومقومات البنية الأساسية، تعميق أسواق رأس المال وتنويع أنشطتها، العمل على بناء وتحسين أنظمة الحماية الاجتماعية.
ولخص التقرير بداية تلك الأزمة بان هناك عدد من العوامل أدت إلى وقوع الأزمة المالية التي عصفت بمنطقة شرق آسيا. فقد نشأ موطن الضعف الرئيسي نتيجة لارتفاع مديونية البنوك ومؤسسات الأعمال في تلك المنطقة بسبب حصولها على قروض كثيرة قصيرة الأجل من مصادر أجنبية بالعملة الصعبة. وقد وقع ذلك، جزئياً، في وقت كانت أسعار الصرف مربوطة عملياً بالدولار الأمريكي لمدة طويلة، مما أدى إلى خلق شعور زائف بالأمان، وشجع ذلك على الاقتراض الخارجي، الأمر الذي أدى إلى زيادة التعرض لمخاطر الصرف الأجنبي في القطاع المالي وقطاع مؤسسات الأعمال. وأدى الإخفاق في الحد من وصول النشاط الاقتصادي إلى مستويات محمومة في تايلاند وكثير من البلدان الأخرى في هذه المنطقة، إلى وجود عجز كبير في الحساب الخارجي، وبوادر ظهور "فقاعات" في أسعار الأصول وسوق الأوراق المالية. وقد أخفقت القواعد التحوطية والرقابة المالية المتراخية في معالجة التدهور الحاد في نوعية حوافظ القروض لدى البنوك.
وما إن حل منتصف عام 1997، حتى بدأ مستثمرو القطاع الخاص، فجأة ودون سابق إنذار، في تحويل قسم كبير من أموالهم من خمسة من بلدان منطقة شرق آسيا، هي: تايلاند وكوريا وماليزيا والفلبين وإندونيسيا. وفي واقع الأمر، جرى سحب أكثر من 100 بليون دولار أمريكي من هذه المنطقة في عامي 1997 و 1998، بواقع حوالي 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لهذه المنطقة كل عام، مما أدى إلى حدوث كساد اقتصادي، وتخفيضات هائلة في قيمة العملات، وارتفاع معدلات التضخم بشدة، وانهيار أسواق المال في تلك البلدان الخمسة التي تمر بهذه الأزمة.
وفي غضون ستة أشهر، ازداد عدد العاطلين عن العمل في إندونيسيا بحوالي 800 ألف شخص على الأقل، وفي تايلاند بحوالي 1.5 مليون، وفي كوريا بحوالي 1.35 مليون. ومع انخفاض قيمة عملات تلك البلدان، انخفضت أجور القوى العاملة. حيث انخفضت القيمة الحقيقية للأجور بحوالي 12.5 في المائة في كوريا بنهاية عام 1998، وبحوالي 6 في المائة في تايلاند.
وبدأت دوامة الفقر ـ الذي كان قد انخفض في مختلف بلدان منطقة شرق آسيا إلى معدل غير مسبوق يبلغ 9 في المائة سنوياً في السنوات الخمس التي سبقت وقوع هذه الأزمة ـ في الارتفاع بشدة ثانية. وشهد عام 1998 سقوط نحو 19 مليون إندونيسي و1.1 مليون تايلاندي في براثن الفقر. ولم ينتظم آلاف الأطفال في تايلاند والفلبين وإندونيسيا في المدارس في العام الدراسي الجديد في 1998 بعد أن فقد آباؤهم وظائفهم ومقدرتهم المالية على دفع الرسوم المدرسية. وأشارت بعض التقارير في وقت لاحق إلى سرعة تدهور الأوضاع الصحية بين النساء والأطفال إذ لم يعد الناس قادرين على تحمل أسعار الأدوية.
محمد الشرقاوي من القاهرة
هل هو النصيب والقضاء والقدر .....أم لعنة الاقتصاد تحل عليها ثانية ؟ فلم تكد تمر عشر سنوات من وقوع الأزمة المالية التي عصفت بمنطقة شرق آسيا في عام 1997، إلا وكانت تلك المنطقة قد انتصبت واقفة على قدميها فازداد ثراؤها وقل فقراؤها، وباتت تلعب دوراً عالمياً أكبر من أي وقت مضى. وتحسنت مستويات دخل السكان تحسّناً ملحوظاً مقارنة بما كانت عليه الحال قبل وقوع تلك الأزمة، وشهدت بعض بلدانها ـ كالصين وفييتنام وكمبوديا والديمقراطية الشعبية ـ تحقق معدلات نمو استثنائية في مستويات الدخل. ونتيجة لذلك، استطاع أكثر من 100 مليون شخص في مختلف أنحاء شرق آسيا منذ عام 2000 الخلاص من براثن الفقر المدقع، ومازالت معدلات الفقر تواصل تقلصها.
وتمضي منطقة شرق آسيا، بعد أن استطاعت التصدي لتلك الأزمة والتغلب على الكثير من أوجه الضعف الاقتصادية التي أفضت إليها، بخطى سريعة لتنضم إلى مصاف البلدان المتوسطة الدخل. وواقع الأمر أنه مع انتقال فييتنام من مصاف البلدان المنخفضة الدخل إلى شريحة البلدان المتوسطة الدخل ـ وهو أمر من المرجح حدوثه في أوائل عام 2010 ـ فإن أكثر من 95 في المائة من سكان منطقة تلك المنطقة سيكونون في بلدان متوسطة الدخل. وبالنظر إلى معدلات النمو الحالية التي تشهدها تلك المنطقة، فإن عدد من يعيش تحت خط الفقر لن يتعدى 25 مليون نسمة بحلول عام 2020 وذلك من إجمالي عدد السكان البالغ بليوني نسمة.
ولكن، تأتي في خضم هذا النمو الملحوظ الموجة التالية من التحديات القاسية التي يمكن أن تؤدي إلى إبطاء معدلات النمو إذا لم يتم التعامل معها على نحو لائق وهذا ما يحاول البنك الدولي ان يرصده في بيان صدر له اليوم .
حيث يتمثل أحد أهمّ تلك التحديات التي تواجه منطقة شرق آسيا فيما يُطلق عليه مجازاً اسم "شَرَك البلدان المتوسطة الدخل". ويوضح لنا التاريخ أنه بينما نجح العديد من البلدان في الانتقال من مصاف البلدان المنخفضة الدخل إلى مصاف البلدان المتوسطة الدخل، فإن عدداً قليلاً نسبياً قد واصل تقدمه لينضم إلى شريحة البلدان المرتفعة الدخل. وعلى أي بلد يرغب في الانتقال إلى مصاف البلدان المرتفعة الدخل، أن يكون لديه اقتصاد يتخصص على نحو متميز في مجالات منتقاة بحيث يمكنه تحقيق وفورات الحجم والريادة التكنولوجية.
وتُظهر تجربة كل من اليابان وسنغافورة وتايوان (الصين) وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ (الصين)، وهي بالفعل من بلدان منطقة شرق آسيا، أن الانتقال إلى مستويات الدخل الأعلى هو أمر ممكن ولكن هذه المهمة ليست بالمهمة السهلة.
حيث تواجه الصين حالياً تحديات تتصل بكونها بلداً متوسط الدخل، ويتعلق الكثير منها بالضغوط البيئية. فعلى سبيل المثال، تضم الصين 20 من بين مدن العالم الأكثر تلوثاً البالغ عددها 30 مدينة، ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع استخدام الفحم لأغراض توليد الطاقة. كما أن التآكل الشديد في التربة والأمطار الحمضية وتلوث المجاري المائية يؤثر كذلك على حياة الملايين. ويهيمن قطاع الصناعات التحويلية، وليس قطاع الخدمات، على الاقتصاد الوطني، مما يؤدي إلى تفاقم الضغوط البيئية.
ولمعالجة تلك المشاكل وغيرها، تعكف الحكومة الصينية حالياً على وضع سياسات تستهدف "تصحيح توازن الاقتصاد" و"السعي لإقامة مجتمع متجانس". ويتمثل هذا الهدف، إلى جانب الحفاظ على معدلات نمو سريع، في تحقيق تحوّل في طبيعة الإنتاج من الصناعة إلى الخدمات، وزيادة الاعتماد على الطلب المحلي، وتحقيق نمو يتشارك الجميع في قطف ثماره بشكل عادل ومنصف، وعلى نحو يتسم بقدر أكبر من الاستدامة البيئية.
وفيما يتعلق بباقي بلدان هذه المنطقة حيث تختلف طبيعة تلك التحديات إلى حد ما في أجزاء أخرى من منطقة شرق آسيا. فتلك المنطقة تضم بين جنباتها العديد من البلدان المتوسطة والمرتفعة الدخل التي تشهد معدلات نمو تبلغ نحو 2 في المائة، وهو أقل مما كان عليه قبل وقوع الأزمة. وقد شاب الضعف الاستثمارات في تلك البلدان، كما أن نصيبها من التجارة العالمية يتعرض لضغوط في الوقت الذي تعمل فيه على التكيف مع الصعود السريع للصين. وبينما حقق صعود الصين مكاسب هائلة في مستوى الرفاهية لدى المستهلكين في جميع أنحاء العالم، فقد أدى إلى خلق ضغوط تنافسية شديدة لاقتصادات بلدان أخرى من شرق آسيا في الأسواق العالمية.
بالإضافة إلى هذ التحديثات او كما اطلق عليها البنك الدولي بانها مواطن الضعف ، فإن منطقة شرق آسيا تمر حالياً بأسرع عملية توسع حضري يشهدها العالم على الإطلاق، إذ تشير التوقعات إلى أن أكثر من 500 مليون شخص سينتقلون إلى المدن في تلك المنطقة على مدى السنوات الخمس والعشرين المقبلة ـ بواقع مليوني شخص شهرياً تقريباً. ويفرض ذلك ضغوطاً هائلة على أنظمة النقل والكهرباء وإمدادات المياه والصرف الصحي التي تعاني في الأساس من عدم كفايتها.
الحلول والأسباب
وعن الحلول المقترحة للخروج من براثن الأزمة فوفقاً للعدد الأخير من تقرير آخر المستجدات في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ (East Asia & Pacific Update) ـ وهو تقرير نصف سنوي صادر عن البنك الدولي يُعنى بسلامة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في هذه المنطقة ـ ينبغي على شرق آسيا مواصلة التركيز على: إصلاح مناخ الاستثمار بها ، تلبية النقص في العمالة الماهرة ، تحرير التجارة في الخدمات ، الاستثمار في مرافق ومقومات البنية الأساسية، تعميق أسواق رأس المال وتنويع أنشطتها، العمل على بناء وتحسين أنظمة الحماية الاجتماعية.
ولخص التقرير بداية تلك الأزمة بان هناك عدد من العوامل أدت إلى وقوع الأزمة المالية التي عصفت بمنطقة شرق آسيا. فقد نشأ موطن الضعف الرئيسي نتيجة لارتفاع مديونية البنوك ومؤسسات الأعمال في تلك المنطقة بسبب حصولها على قروض كثيرة قصيرة الأجل من مصادر أجنبية بالعملة الصعبة. وقد وقع ذلك، جزئياً، في وقت كانت أسعار الصرف مربوطة عملياً بالدولار الأمريكي لمدة طويلة، مما أدى إلى خلق شعور زائف بالأمان، وشجع ذلك على الاقتراض الخارجي، الأمر الذي أدى إلى زيادة التعرض لمخاطر الصرف الأجنبي في القطاع المالي وقطاع مؤسسات الأعمال. وأدى الإخفاق في الحد من وصول النشاط الاقتصادي إلى مستويات محمومة في تايلاند وكثير من البلدان الأخرى في هذه المنطقة، إلى وجود عجز كبير في الحساب الخارجي، وبوادر ظهور "فقاعات" في أسعار الأصول وسوق الأوراق المالية. وقد أخفقت القواعد التحوطية والرقابة المالية المتراخية في معالجة التدهور الحاد في نوعية حوافظ القروض لدى البنوك.
وما إن حل منتصف عام 1997، حتى بدأ مستثمرو القطاع الخاص، فجأة ودون سابق إنذار، في تحويل قسم كبير من أموالهم من خمسة من بلدان منطقة شرق آسيا، هي: تايلاند وكوريا وماليزيا والفلبين وإندونيسيا. وفي واقع الأمر، جرى سحب أكثر من 100 بليون دولار أمريكي من هذه المنطقة في عامي 1997 و 1998، بواقع حوالي 5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لهذه المنطقة كل عام، مما أدى إلى حدوث كساد اقتصادي، وتخفيضات هائلة في قيمة العملات، وارتفاع معدلات التضخم بشدة، وانهيار أسواق المال في تلك البلدان الخمسة التي تمر بهذه الأزمة.
وفي غضون ستة أشهر، ازداد عدد العاطلين عن العمل في إندونيسيا بحوالي 800 ألف شخص على الأقل، وفي تايلاند بحوالي 1.5 مليون، وفي كوريا بحوالي 1.35 مليون. ومع انخفاض قيمة عملات تلك البلدان، انخفضت أجور القوى العاملة. حيث انخفضت القيمة الحقيقية للأجور بحوالي 12.5 في المائة في كوريا بنهاية عام 1998، وبحوالي 6 في المائة في تايلاند.
وبدأت دوامة الفقر ـ الذي كان قد انخفض في مختلف بلدان منطقة شرق آسيا إلى معدل غير مسبوق يبلغ 9 في المائة سنوياً في السنوات الخمس التي سبقت وقوع هذه الأزمة ـ في الارتفاع بشدة ثانية. وشهد عام 1998 سقوط نحو 19 مليون إندونيسي و1.1 مليون تايلاندي في براثن الفقر. ولم ينتظم آلاف الأطفال في تايلاند والفلبين وإندونيسيا في المدارس في العام الدراسي الجديد في 1998 بعد أن فقد آباؤهم وظائفهم ومقدرتهم المالية على دفع الرسوم المدرسية. وأشارت بعض التقارير في وقت لاحق إلى سرعة تدهور الأوضاع الصحية بين النساء والأطفال إذ لم يعد الناس قادرين على تحمل أسعار الأدوية.