المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدولة تحتكر قطاعات بأمها وأبيها من النفط إلى صناعة الخبز.. وتترك 'حتات' الأسهم



أبوتركي
14-04-2007, 12:47 AM
الدولة تحتكر قطاعات بأمها وأبيها من النفط إلى صناعة الخبز.. وتترك 'حتات' الأسهم للشركات
في البورصة فتات الاقتصاد.. والخافي أعظم





14/04/2007 كتب مبارك الشعلان:
تكاد لا تخلو صفحات الاقتصاد في الجرائد اليومية من اخبار البورصة، فما الصحافة الا مرآة لأوضاع البلد. هذا البلد الذي ينام على 10 في المائة من احتياطيات العالم النفطية، اصبح شغله الشاغل ارتفاع المؤشر السعري او تحييد عدد من الاسهم، او حتى منع ادراج احدى الشركات. فمن احاديث الدواوين الى مكاتب الوزارات اعتادت 'اذن الجدران' على اشاعات التداول وشجونه، فهل اصبح البلد كله بورصة ببورصة؟ ولماذا لا تزال قطاعات اقتصادية اساسية مثل انتاج الخبز وبيع المواشي بيد الدولة في القرن الحادي والعشرين؟ هل الزراعة والصناعة والسياحة والتجارة قطاعات ادنى مستوى واقل ربحية من بيع الاسهم وشرائها في سوق الكويت للأوراق المالية؟ لماذا يستحوذ قطاعا البنوك وشركات الاستثمار على اكثر من 50 في المائة من القيمة السوقية للبورصة، في حين لا تزال قطاعات عدة 'شبه عذراء'؟ هل بات احتكار الدولة لقطاعات مختلفة يهدد النظام الرأسمالي الحر؟ ولماذا لا تلعب الشركات دورها الموزون في تشكيل عصب الاقتصاد، كما فعل القطاع الخاص في سنغافورة وماليزيا في ثمانينات القرن الماضي؟ وهل بات الاستحواذ على شركات اهم من وضع حجر اساس لمشروع تنموي يخلق فرص عمل لمواطنين يشكلون عبئا على ادارات الدولة؟
يرجع وزير سابق الهوس في البورصة الى ثقافة الاستسهال المنتشرة في المجتمع 'والتي لا تريد اي نوع من التعب والمشقة، وتفتقد اي روح من المبادرة التي اصبحت تتلاشى مع الاشياء الجميلة التي تلاشت من ثقافة وممارسات المجتمع'.
ويقول ان البورصة اختزلت معظم النشاط التجاري، فلا يوجد نشاط آخر يظهر بالصورة مثلما تستحوذ البورصة على اهتمام وتعاملات المستثمرين، فكل نشاط آخر مغيب، او هكذا يراد له، فالناس اصبحوا يركضون وراء قيم استهلاكية ربتهم عليها الحكومات المتعاقبة، فأصبحت سياسة المنح والخدمات العامة هي المهيمن على الثقافة الكويتية.
ويضيف الوزير: 'ان اتجاه الشركات للعمل في غير مجالها، والدخول في مضاربات في البورصة لا تعكس اتجاهات السوق والشركات المدرجة في البورصة فقط، بل ممارسة ثقافة مجتمع بأكمله يعمل في غير مجاله من اجل تحقيق مكاسب سريعة'.
مرآة حقيقية
خبير اقتصادي، كان يشغل منصبا استثماريا كبيرا، يرى عكس ذلك فهو يقول ان سوق الاوراق المالية هو القاعدة التي يقوم عليها اقتصاد اي دولة لديها انفتاح اقتصادي حقيقي.. فهي المرآة الحقيقية لاقتصاد أي بلد.. فجميع شركات الاستثمار والتجارة والصناعة والخدمات والطاقة موجودة وبالتالي فجميع القطاعات ممثلة بالبورصة. ويستشهد بتجربة السوق الاميركي الذي يعد نموذجا للاقتصاد المتقدم فيقول ان القيمة الرأسمالية للشركات المدرجة تصل الى 15 تريليون دولار، بما يؤكد ان جميع القطاعات موجود في البورصة، بجميع عمليات الشركات تنعكس على اسعارها في البورصة، وبالتالي تعكس الاقتصاد الكلي، وهذا الامر غير متوافر لدينا. فالدولة تهيمن على 70 في المائة من النشاط الاقتصادي ولديها الآن فرصة ذهبية لزيادة نشاط البورصة.. فهي لو تخلت عن ربع مساهماتها في الدخل القومي لمصلحة القطاع الخاص لزادت قيمة البورصة مرتين'.
ويعطي الخبير مثالا على ذلك في عملية التحول من القطاع العام للقطاع الخاص، بتجربة شركة الاتصالات المتنقلة mtc التي زادت قيمتها نحو 10 اضعاف.
ويقول ان على الحكومة لعب دور محوري في تشجيع الناس للاتجاه للبورصة، وطرح فرص استثمارية لاقناع الناس بأهمية توطين استثماراتهم، هذا الامر لا يأتي الا في خلال سياسة واضحة للتخلي عن مساهمات الحكومة بدلا من سياسة 'التكويش' التي تتبعها لدرجة جعلتها تتاجر في كل شيء فهي تبيع النفط الى جانب اسعار التذاكر، وحتى 'الكرشة' و'الكوارع' و'المجبوس' من خلال شركات تابعة للحكومة مازالت تعتبر احتكارية لانشطة بعينها.. وهذا الأمر غير موجود حتى في الدول الاشتراكية، الصين لم تعد تفعل ذلك'.
الاقناع بالاستثمار
ويرى الخبير ان المخرج هو باتباع اسلوب الدول المتقدمة والقيام بسياسات ل'تضبيط' البورصة من خلال تشريعات تقنع الناس بالاستثمار وتجعلهم اكثر شفافية والتزاما بالقانون، فهذا هو الدور الحقيقي للدولة في الاقتصاد الحر، لكننا للاسف في دول متأخرة لا تأخذ بسياسات الدول المتقدمة.
ويعتقد انه من الخطأ ان تلجأ الحكومة لتنفيذ مشاريع ضخمة حتى لو كانت في قطاعات الحديد والصلب، وصناعة السيارات او التكنولوجيا المتطورة، والصواب ان تشجع القطاع الخاص على ان يقوم بهذه المهمة.
ويقول: 'لو تتخلى الحكومة عن بقية مساهماتها لتغير الوضع كثيرا، يكفي ان نعرف انه لو تمت خصخصة شركة مطاحن الدقيق، لأصبحت من اكبر شركات الأغذية في الخليج، وأصبحت قيمتها مضاعفة مرات مرات'.
ويتساءل: 'أين كانت شركات مثل بيت الأوراق المالية او مجموعة الأوراق المالية او الهواتف او المخازن العمومية عندما كانت في عهدة الحكومة، وأين وصلت مع القطاع الخاص؟'
تنويع مصادر الدخل
ويعترف خبير اقتصادي معروف بأنه 'وبعد 60 سنة من شعارات تنويع مصادر الدخل، فشلنا في هذا الهدف وما زال 95% من ايرادات الموازنة يمولها النفط... وما زال 85% من الكويتيين يعملون في الحكومة وفي قطاعات رسمية ممولة من النفط وليس اي مصدر آخر'.
وشدد 'فشلنا مرة اخرى حتى في اختصاصنا في القطاع النفطي، فالنرويج مثلا بخبرة 30 عاما فقط بدأت في تصدير خبرات نفطية... فنحن حتى الآن لا نعرف نتعامل مع حقول الشمال، مضيفا 'فشلنا في استثمار الفوائض المالية وتحريك القلق الموضوعي داخلنا لمعرفة كيفية توظيفها لصناعة بلد مختلف يزخر بتنويع مصادر الدخل، فإذا لم نفعل ذلك سيأتي يوم يهاجر فيه الكويتيون مثلما هاجروا في السابق للتجارة والغوص، طالما اننا لا نعرف كيف نتعامل مع النفط، الذي هو قدرنا ومستقبلنا القابل للنضوب اكثر مما نتوقع، لأننا لا نعرف على وجه الدقة حجم الاحتياطيات النفطية. فحتى الآن نعرف الباقي اقل من نصف مما نعتقد بوجوده.
الأغنياء لا يتأثرون
ويرى الخبير المخضرم ان من يتأثر بهذا الوضع هم أغلبية الناس ممن يعتمدون على ايرادات النفط، 'لأن الأغنياء لا يتأثرون، فهم يستطيعون ان يعيشوا في اي بلد في العالم، لكن هؤلاء قلة في مقابل الأكثرية الذين يعتمدون على صناعة النفط، هم الذين تتم المتاجرة السياسية باسمهم تحت شعار اعطوهم ما يريدون، بس سكتوهم'.
الفرص والفوائض
إلى ذلك يرجع خبير اقتصادي آخر هوس الشباب في البورصة فيقول 'انه علينا أن نتعامل أحيانا مع غرائز البشر مثلما نتعامل مع عقولهم، فالإنسان بطبيعته يريد أن يعظم دخله في أقرب فرصة ممكنة، وبالتالي 'ان وجد' مجال لتعظيم الدخل لأكبر قدر ممكن في أقل فترة ممكنة سواء كنت كويتيا أو يابانيا أو حتى في مجاهل افريقيا فهذه هي فلسفة الغريزة البشرية.
ويضيف في بلدنا تكون الفرص متاحة للاستثمار مساوية لحجم رؤوس الأموال المتاحة. هذه الظاهرة تكون في حدودها الدنيا وتنحصر في الأعمال الحقيقية، لأن ليس هناك ما يكفي من فوائض وهناك ما يكفي من فرص، وبالتالي يكون 'التزاوج' بين الفرص والفوائض في حدود لا يترك معها مجال كبير لانحراف هذه النواقص للمضاربة. وفي الدول التي فيها النواقص أكبر من حجم الفرص، لابد أن يحدث هذا الانسياق إلى الفرص الوهمية. وحكاية 'الدكاكين' التي وصلت أسعارها إلى 12 مليون دينار في 'خلوات' تعبر عن أكبر عمليات المضاربات.
ويضيف الخبير انه في ظل وجود فوائض عالية لابد أن تحقق ما تحققه أن تتخطى الأعراف والقوانين الموجودة فإذا وجد قانون صارم وإدارة عنيفة وقوية يقل الانحراف، لكن إذا كانت القوانين 'رخوة' والإدارات 'متسيبة' هذا الأمر يعطي دعما إضافيا للانخراط في هذا الاتجاه مما يؤدي إلى طغيان المضاربة، سواء في البورصة أو العقار على ما عداه من أنشطة اقتصادية.
'جينات' الكويتيين
ويرى مراقبون 'قديمون في المهنة' انه ربما يكون الأمر متعلقا ب 'الجينات' فلو أخذنا تاريخ الكويت سنجد ان أهم عملية اقتصادية قبل النفط لوجدنا الغوص على اللؤلؤ، وهو عبارة عن عمل 'مضاربي' بحت أما ان 'تضرب' معاك أو 'تضرب' عليك وتعلن إفلاسك.
والعمل الآخر هو تهريب الذهب من الهند وإلى الهند ففوائض هذا العمل عالية جدا لكن فيه مخاطرة كبيرة جدا. وهو ما برع به أهل الكويت في السابق. والاندفاع باتجاه كل عمل من هذا النوع له علاقة بالجينات، فالمخاطرة عالية جدا من ناحية، ولكنها من ناحية أخرى قد تحقق عوائد عالية جدا.
وركوب البحر أكبر مجازفة وحياة البر مجازفة خطيرة أيضا، لذلك لابد أن يكون للجينات دور كبير في الموضوع وحب المغامرة يكون إحدى سماتها الشخصية.
مشروع أزمة دائمة
ويقول مصدر استثماري ان البورصة أصبحت شماعة يعلق كل من يدير أزماته عليها. بينما البورصة في كل دول العام قناة لحشد المدخرات أو حلقة من الحلقات في عملية البناء التنموي، لذا تجد الأزمات 'البورصوية' في العالم متباعدة. أما لدينا فهي مشروع أزمة متكرر. وإذا أردت تأخذ الأزمات الكبيرة فهي في 1978 و1982 و1997 و2006. وهذه الأزمات مؤشر صغير على هوس الناس في البورصة.

نماذج عن نجاح شركات مخصخصة
يعتبر مراقب مالي ان خصخصة شركات مطاحن الدقيق ستجعل منها احدى اكبر مؤسسات تصنيع الاغذية في الخليج، ويدعم رأيه بنماذج عن مدى نجاح عدد من الشركات المخصخصة، فيقول 'اين كانت شركات مثل بيت الاوراق المالية والهواتف والمخازن العمومية اليوم لولا استلامها من قبل القطاع الخاص القوي والنشط في الكويت؟'.

هوس الشباب في البورصة.. منذ 1982
يكشف خبير اقتصادي عن دراسة تم اجراؤها على عينة عشوائية ل200 شاب يعملون في الحكومة في عام 1982 عن مدى ارتباطهم في التعامل مع البورصة فاتضح ان 82% من العينة اما غائبون 'جسديا' عن اماكن عملهم، او غائبون 'ذهنيا' من خلال تداولهم في سوق الكويت للاوراق المالية.
ويقول الخبير: عليك ان تدرك هذا 'الهوس' اليوم بعد مرور اكثر من 25 عاما على هذه الدراسة.

الكويتي يبحث عن أرباح البورصة.. كاللؤلؤ
يروي احد الخبراء الاقتصاديين مدى محبة الكويتي للمغامرة، فهو كان يذهب الى الغوص للبحث عن اللؤلؤ، ينزل الى عمق البحر ليعود بعدها اما محملا بصيده الثمين، واما تذهب رحلته سدى، ويقارن الخبير هذه المغامرة التقليدية القديمة بعادة المواطن اليوم على المضاربة في سوق الكويت للاوراق المالية فيتداول اسهما، وتكون النتيجة نفسها، اما ان يعود وبجعبته سلة ارباح وإما أن يخرج خالي الوفاض، 'فهذا يعود الى جينات الكويتي المغامرة' كما يشرح الخبير المالي نفسه.