abo rashid
15-04-2007, 06:04 PM
د. خليل جندي/ جامعة كوتنكن
4 حزيران، 2005
ما من دين جهله الناس واختلفوا في شأنه وظهوره ومعرفة أصله كالدين الأيزيدي، رغم الأبحاث الهائلة التي قامت بها مجموعة كبيرة من الكتاب والباحثين الشرقيين والغربيين، ومع ذلك لم يتبلور رأي موحد في تحديد أصل الأيزيدية، وكل واحد أتبع رأياً ولم يتوصل إلى قدر من الحقيقة. وينبع هذا الاختلاف باعتقادي من المسائل التالية:
1- كون الأيزيدية ديانة غير تبشيرية وقلة احتكاكها بالعالم الخارجي
2- ممارسة طقوسها الدينية بعيداً عن أنظار الغرباء، وهذا ما دفع الآخرين أن ينسجوا حولها الأساطير والألغاز البعيدة عن الواقع.
3- عدم تسجيل نصوصها الدينية وطقوسها وأصولها وعدم إطلاع الغالبية العظمى من الكتاب على ماهية هذا الدين.
4- قلة التحريات والتنقيبات الأثرية في مناطق سكنى الأيزيدية لمعرفة بعض جوانب تاريخهم المغيب.ي
5- غياب التسامح الديني بشكل عام، واستمرار الإسلام السياسي- باعتباره القوة المسيطرة ودين دولة- بين رفض وجود الأديان الأخرى أو عدم الاعتراف بحق الأديان المخالفة أو المختلفة معها في ممارسة طقوسها وتشويه سمعتها.
6- الموقف الديني أو القومي المسبق للعديد من الكتاب حول الأيزيدية، لذا جاءت آرائهم متباينة حول تعيين أصلهم من الناحية الدينية أو القومية. يوقع أولئك الكتاب والباحثون في إشكاليتين رئيسيتين
أ- إشكالية التسمية. ب- إشكالية الانتماء القومي.
وبسبب النقاط الواردة أعلاه والتشويش الكبير في أصل وتاريخ الديانة الأيزيدية، فانه من الصعب على الباحث الجاد، الجزم برأي واحد. لذا فان هنالك عدة نظريات أو فرضيات تطرح نفسها بشأن أصل هذه الديانة ومبادئها الأساسية:
* النظرية الأولى التي تقول أن الديانة الأيزيدية ما هي إلا فرقة إسلامية منشقة أو ضالة يعود تاريخها إلى أواخر القرن السابع الميلادي، وتنسيبها إلى( يزيد بن معاوية ) ثاني خلفاء الدولة الأموية (680-683ميلادية) الذي كان حواريا ( تلميذاً) لمحمد بن عبدالله.ولدعم نظريتهم هذا فقد ذهب أولئك الكتاب مذاهب شتى؛ فمن قال أن اعتقاد الأيزيدية ب ( يزيد) ليتخلصوا من اضطهاد السنّة الذين لا يجلون ( الحسين بن علي) ولرغبتهم في الانتساب إلى شخصية شريفة وممتازة.[1] وافتكر باحث آخر بأن الأيزيدية انتخبوا اسم ( يزيد – اليزيدية) لمسايرة تعصب الحكام المسلمين.[2] ويقول باحث غربي آخر ؛ بأن اسم " اليزيدية " أعطي إلى هذه القبائل من قبل المسلمين للاستهزاء والسخرية.[3] ويؤيد الدكتور جوزيف الأمريكي الرأي القائل بانتساب الأيزيدية إلى ( يزيد بن أنيسة الخارجي ) الذين كانوا على مبدأ " بأن الله يبعث رسولاً من العجم وينزل عليه كتاباً كتب من قبل وسيترك ديانة محمد ويتبع ديانة الصابئين المذكورة في القرآن".[4]
ويتحمس كاتب عربي مسلم آخر رابطاً الأيزيدية بالإسلام وبـ (يزيد بن معاوية) ويعتقد أن اليزيدية الذين ذكرهم السمعاني المتوفي سنة( 562هجرية- 1166 ميلادية) في كتابه " الأنساب " وابن قتيبة في كتابه " الاختلاف في اللفظ"؛ هم نفس اليزيدية الحالية، ثم هاجر إلى نواحيهم الشيخ (عدي بن مسافر) الذي نظمهم وأصلح حالهم. وعلى رأيه أن اليزيدية أقدم عهداً من مجيء الشيخ عدي.[5] وكاتب تركي مسلم ، يربط هو الآخر تاريخ ظهور الأيزيدية بظهور الشيخ عدي بن مسافر بينهم.[6]
وعلى الرغم من إلحاح نفر من الكتاب العرب والمسلمين على أن الأيزيديين أسلموا في زمن الشيخ عدي بن مسافر، ألا أنهم يعترفون بأن أجداد الأيزيديين الحاليين كانوا على دين مخالف "للتوحيد" – حسب رأيهم- أو أنهم كانوا من أصل مجوسي.[7]
إن هذه النظرية لم تلق التأييد حتى من الكتاب المسلمين حيث لا يوجد دليل تاريخي أن (يزيد بن معاوية) أسس خلال الثلاث سنوات ونصف من حكمه ديانة جديدة أو اتبع ديانة محمد.[8] وإذا كان الأيزيديون يذكرون بعض الأحيان اسم ( يزيد- أيزيد) في أدبهم ونصوصهم الدينية فانه إضافة إلى كونه يأتي بمعنى الله، فان الأسباب الأخرى تعود في اعتقادي إلى:ي
ي1- بعد توسع دائرة الفتوحات الإسلامية شرقاً وشمالاً، لاقت الشعوب والأديان الواسعة النفوذ بشكل عام والأقليات الدينية والقومية بشكل خاص أنواعاً من الاضطهاد والتنكيل لترك أديانهم والقبول بالإسلام، وإذا كان الكثيرون قد قبلوا بذلك ألا أن مجموعات دينية رفضت، وخلال خلافة الدولة الأموية وبخاصة زمن حكم ( يزيد بن معاوية) أفسحت في المجال لتلك المجموعات الدينية أن تبقى على معتقداتها شرط أن تحتمي تحت لواء قبيلة عربية قوية أو تحت اسم قائد عربي أو إسلامي قوي وظهرت حينها ظاهرة ( الموالي ) أي أولئك الناس غير العرب وغير المسلمين الذين يحافظون على قومياتهم ومعتقداتهم بتبني اسم قبيلة عربية أو اسم قائد عربي. ولا يستبعد هنا تقبل الأيزيديين لاسم ( يزيد بن معاوية) وأسماء أخرى لاتقاء شر الإسلام. وهنا ربما يتفق المرء مع الشطر الثاني من رأي ( إمبسن) في رغبة الأيزيدية في الانتساب إلى شخصية شريفة وممتازة.
2- بما أن الأيزيديون يؤمنون بالحلول وتناسخ الأرواح فأنهم اعتقدوا بأن جزءاً من القوة الإلهية انتقلت إلى (يزيد) لأنه وحسب رأي العديد من الكتاب المسلمين والمصادر الإسلامية لم يتبع ديانة محمد[9] ، واعتقدت تلك المجموعات الدينية التي لالقت الاضطهاد على أيدي قواد الفتح الإسلامي بعد نشر الدعوة الإسلامية، بأن ( يزيد) هو منقذهم بوجه الإسلام وتخليصهم من الظلم والتنكيل.
3- ويري بعض الكتاب العرب أنفسهم بأن القرشيون و" العرب المستعربة" ومعهم إبراهيم الخليل القادم من أور حرّان " أورفه – الرها- الكاتب" هم من بقايا البابليين الذين تسنى لهم النجاة من المقتلة التي أقامها داريوس دارا إثر احتلاله الثاني لبابل انتقاماً لثورتها عليه وخلعها نير سلطانه، هم الذين بنو حضارة الحجاز.[10] وفي حديث ينسب إلى علي بن أبي طالب يقول: " من كان سائلاً عن نسبنا فإنا من نبط من كوثى" . والنبط عند العرب يعني العراق، أو البابليون الأقدمون. وعلى هذا يكون القريشيون بابلي الأصل فلما دخلوا بلاد العرب أدخلوا إليها لغتهم معهم.[11] وإن صح هذا الرأي في كون القريشيون ليسوا عرباً بل من الشعب البابلي، آنذاك يكون لمسألة إلصاق اسم " يزيد بن معاوية" بالأيزيدية معنى آخر تماماً!.ي
أما بخصوص رأي جوزيف، فانه لا يستند إلى سند تاريخي أو فكري؛ إذ لا علاقة للأيزيديين برسول من العجم – إذا كان بمعنى الفرس أو من الشعوب الإيرانية- ولا وجود لمفهوم النبي بين الأيزيدية بل توجد علاقة روحية مباشرة بينهم وبين خالقهم، هذا أولا، وثانياً : فان مبدأ الخوارج لا ينطبق ومبدأ الأيزيدية الذين يؤمنون بالله وطاووس ملك ويقول بالحلول وتقديس الشمس والنار..الخ.
* النظرية الثانية / الأصل والتسمية: التي تشير إلى أن الديانة الأيزيدية واحدة من تلك الديانات القديمة المستقلة عن بقية الديانات، وربما المنحدرة منها والمتداخلة مع العديد منها، والمستمدة منها بعض الطقوس والعادات أو حتى الأساطير والحكايات القديمة.[12]وتشير بعض المصادر المتوفرة أن الموطن الأصلي ( الأساسي) للديانة الأيزيدية يبدأ بمدينة " يزد" القريبة من خراسان شرق إيران القريبة من الحدود الأفغانية، ويمتد عبر كردستان الجنوبية( كردستان العراق حاليا) والغربية ( كردستان تركيا) والموصل في شمال العراق حتى حلب في الشام( سوريا).[13] وحسب هذه النظرية فإن اسم " اليزيدية أو الأيزيدية " مشتقة من مدينة " يزد Yazd " بإيران، وكان الأيزيديون الحاليون في الأصل زردشتيون يعتقدون بالثنوية Dualism وقد هاجر بعض هؤلاء من يزد إلى نواحي الموصل هرباً من الضرائب الكثيرة واتخذوا من مناطق حلب، سنجار، الشيخان وبحيرة وان والقفقاس مواطن جديدة وأطلق عليهم اسم منطقتهم التي رحلوا منها فسموا يزيديون أو يزديون.[14] وقياساً على هذا الرأي ينقل لايارد عن " نوفانيس" المؤرخ اليوناني من القرن السابع الميلادي: " أن الإمبراطور هرقليوس خيم بجنوده قريباً من مدينة – يزدم- من مدن " حدياب"- أي موصل حالياً./ الكاتب- ويقول " مارتان" قد تكون هذه المدينة أول مكان انتشرت منه اليزيدية"[15] من الصعب تسمية ديانة باسم مدينة؛ فهل سميت اليهودية باسم " أورشليم" أو المسيحية باسم " الناصرة" والإسلام باسم " مكة والمدينة" وهلم جرى!..بل أن أغلب الأديان تسمى باسم آلهتها أو أنبيائها
وبناء على هذا الطرح يتفق أغلبية الكتاب والباحثين على أن تسمية الأيزيدية مشتقة من الكلمة ايزد Ized بمعنى ( الملك الإله) و يزاتا Yazata في الآفيستا= يستحق العبادة، ويزد Yazd باللغة البهلوية وياجاتا Yajata في السنسكريتية. وبذلك يكون معنى ( أزيدي Azidi وإيزيدي Izidi و إزيدي Izedi أو Izdi عباد اللة. ونجد اسم يزيد في أسطورة لملك ايزدا Ezda ويزدان Yazdan جد من أجداد اليزيدية، كما أن يزداني Yazdani قد أطلقت على اليزيديين الأولين.[16]
ويعلل القس سليمان الصائغ تسميتهم بانتسابهم إلى إله كانوا يعبدونه اسمه " يزد" أو " يزدان" مستنداً بذلك على ما جاء في تاريخ " كلدو آشور " نقلا عن " توما المرجي" في القرن التاسع للميلاد؛ الذي ذكر في كتابه " الرؤساء" عن أهالي مدينة " مورغان " إنهم كانوا يعبدون صنماً اسمه " يزد"[17]
ويحاول بحاثة غربيون مرموقون ومعهم بعض البحاثة الشرقيين، أن يأخذوا من الديانة الثنائية منطلقاً لوجود بعض المشابهات بين الديانتين الإيرانية والأيزيدية. ألا أنهم لم يجيبوا : فيما إذا كانت الديانة الأيزيدية عرفت في بلاد إيران أم كردستان؟ ويقول أحد الباحثين في الأديان الإيرانية: أن كثيراً من الوثنيين الإيرانيين عبدة النار و(ش) والزرادشتيين انقادوا ودانوا بالديانة الجديدة كأنها ديانتهم الخاصة. ويدل من كلامه هذا أن الأيزيدية ظهرت بشكلها وتعاليمها في بلاد إيران ومن هناك انتقلت إلى سائر المواقع التي نجدها فيها الآن.[18]
ويضيف " امبسن" إلى نظرية البروفيسور جاكسن: أن الطرق الدينية اليزيدية والمجوسية القديمة نشأت من الزرادشتية، والتاريخ اليزيدي الحديث متأثر من احتكاكهم بالمسيحيين وخضوعهم الجزئي للحكم الإسلامي الذي سبب بعض التغييرات في عقائدهم، ويقول: " لا نعلم إذا كانت الأبحاث في المستقبل سوف تعزز هذه النظرية، أو تظهر نظريات أخرى أصح منها، فلندع ذلك للمستقبل" ويقول أيضا: لأجل أن نصل إلى نتيجة قطعية في أصل المذهب الأيزيدي نحتاج إلى دراسة وثيقة في أحوال الشعوب لأن ذلك هو الطريق المؤدي إلى معرفتها في آسيا الصغرى أكثر من إتباع لغتها وديانتها(...) وأن اليزيدية الذين لا يعرفون إلا النزر القليل عن أنفسهم لهم تقاليد تنبئ بأنهم وفدوا من البصرة ( السومريين) وهاجروا إلى سوريا وقطنوا أخيراً في سنجار.[19] ويميل البروفيسور كراينبروك في أبحاثه أن يربط هو الآخر بين الزرادشتية واليزيدية وأهل الحق ويقارن بين آهورامزدا وبنيامين وطاووس ملك.[20]
وإذا كان بعض الكتاب الشرقيون يرجعون الأيزيدية إلى المانوية[21] فان كتاب آخرون يجزمون بأن الأيزيدية خلف للوثنية وأن المانوية هي أساس الدين اليزيدي ومنها ولد وظهر للوجود، وقد بقي زمناً منصبغاً بصبغة الإسلام ليتخلصوا من الاضطهاد وكانوا يتجنبون دائماً المسلمين الإيرانيين والعراقيين، ثم زالت عنه هذه الصبغة نتيجة الأحداث التي لحقت به، ألا أن لونها لايزال باقياً.[22] ويستند هؤلاء الكتاب في رأيهم إلى وجود الدين المسيحي والمجوسية في جبل هكار[23] قبل ظهور الشيخ عدي. وكان يدين سكان الجبال بالمجوسية ( الزردشتية) على زمن المقتدر بالله ( 282- 320هجرية)، وفي عام (299هجرية) من حكم المقتدر بالله حيث كان المنصور الحلاج (858-922) ظهر بعده أكثر من قرن إنسان اسمه الشيخ عدي في جبل الهكارية والتف حوله مريدون وأتباع كثيرون، ويتساءل الدملوجي: هل كان الناس الذين التفوا حول الشيخ عدي بن مسافر مانويين أم يزيديين؟! ويجيب على سؤاله : إذا كان لأولئك إسلام من العرب والكرد ويدينون بحب يزيد بن معاوية، فلماذا ظهرت عليهم المانوية بكل صورها وأعادوا دور ( ماني) بشكله وصوره؟
إضافة إلى هذه الآراء ، فان هناك من يرجع الأيزيدية من الناحية الدينية إلى النصرانية وينفي علاقتها بالإسلام بحجة وجود بعض المظاهر المسيحية كالتعميد والاعتقاد بالمسيح واحترام البيّع والكنائس. ويؤكد بعض الكتّاب بأن الأيزيدية من أصل صابئي أو كلداني أو آشوري.[24]
أما من الناحية القومية والدينية، فهناك من يقول بأن الأيزيديين يرجعون إلى القبيلة ( التيراهية- ترياها) وأن والد عدي واسمه ( مسفر بن أحمد الكردي) تيرهي، وقد جاء ذكرهم فقط في تاريخ إبن العبري [25] وأخذ عنه هذا الخبر الراهب ( راميشوع) في منتصف القرن الخامس عشر.[26]
ويعتبر باحث عربي آخر ان الأيزيدية من الشعب الكردي ويعبر عن أيزيدية الشيخان بـ " الداسنيين" والداسنيون هم من الأكراد الذين كانوا يوجدون في سلسلة جبال " داسن" وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه وتطلق الآن على جبال المزورية.[27]
وإذا صحت نظرية " اولمستيد" بأن عشيرة مزوري ترجع بالأصل إلى عشيرة " مسوري- موسرى" الآشورية التي كانت في عهد " سنحاريب" فيما بين رافدي " الخاسر" يمكننا القول بأن يزيدية الشيخان هم أحفاد تلك العشيرة الآشورية التي كانت تعيش في فجر التاريخ في هذه المنطقة.[28]
أما أيزيدية سنجار ، طور عابدين، دياربكر، حلب، سعرد، وبدليس وماردين إلى ما وراء حدود وان، فبلاد القوقاس لا جدال في أنهم يرجعون إلى سلالات كردية وهم بالأصل من شعوب سلسلة جبال " زاغروس" الذين وجدوا في هذه الجبال منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة سنة.[29]
* النظرية الثالثة
كون الديانة الأيزيدية من بين الديانات القديمة في منطقة وادي الرافدين والهلال الخصيب، تطرح فرضية وجود قرائن وعلاقات متعددة الجوانب بين الديانات العراقية القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية من جهة، وبين الديانة الأيزيدية من جهة أخرى. ويمكن حصر جوانب الصلة بين الأيزيدية والديانات المذكورة أعلاه في
1- بعض الطقوس والاحتفالات والأعياد وخاصة عيد رأس السنة الذي يصادف يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان وكان يسمى بعيد ( أكيتي) عند السومريين و ( سرصال) عند البابليين والأيزيديين، وكذلك مهرجانات الربيع( احتفالات آلهة المدن) ويسمى عند الأيزيديين ب (الطوافات)، ولكل قرية أيزيدية مهرجانها ( يبدأ بعد عيد رأس السنة ويستمر إلى أواخر شهر حزيران)، ويوم الأربعاء من كل أسبوع هو اليوم المقدس لدى الأيزيدية مثلما كان الحال عند البابليين.
2- تحريم الزواج وكذلك العمل وغسل الملابس والجسم وحلاقة الرأس وحرث الأرض يوم الأربعاء وتحريم الزواج في شهر نيسان عند الأيزيديين كما كان الحال لدى البابليين،باعتباره شهر زواج الأنبياء والأولياء وشهر زواج الآلهة والملوك عند البابليين وقبلهم عند السومريين حيث كان يحتفل بزواج الإله( ننجرسو) بالإلهة ( بناو) في مدينة جرسو.[30]
3- التقارب الكبير بين الإله آنو السومري والإله نابو وطاووس ملك الأيزيدي في المجالات التالية
أ- الإله الواحد؛ ذو الثنائية في الواحد؛ أي تتجسد في الإله الواحد قوى الخير والشّر، النور والظلام في آن واحد، والرمز المقدس الأعلى لدى الديانات الثلاث
ب- ارتباطاً بقضايا التنجيم والفلك فان كوكب (عطارد) هو الرمز الذي يمثل هؤلاء الآلهة الثلاثة.
ج- يوم الأربعاء هو يوم كوكب عطارد (رمز لطاووس ملك، نابو، آنو) وهو يوم مقدس لدى البابليين والأيزيديين.
د- الرمز الذي يعبر عنه عطارد " وهو شاب راكب طاووساً بيمناه حيّة وبيسراه لوح يقرأه ، وصورته الأخرى رجل جالس على كرسي بيده مصحف يقرأه، وعلى رأسه تاج وعليه ثياب خضر وصفر.[31]
وتلعب الحيّة دوراً كبيراً في ميثولوجيا الأيزيدية وكذلك في ميثولوجيا الشعوب المختلفة، وتحتوي الأحاديث التي تروي عن الحيّة تناقضات الحياة؛ فهي التي ترتبط بالحياة والموت وترمز للخير والشّر في آن واحد وتعبر عن الحكمة والدهاء وهي رمز تفاؤل حيناً وشؤم أحياناً أخرى، وحامية لخزائن المال والحكم، ويجري الحديث عنها بنوع من التبجيل والاحترام والخوف معاً
هـ- التراتبية الدينية( الطبقات الدينية) والالتزام بمبدأ الوراثة في المراكز الدينية هي ممثالة بين الأيزيديين والبابليين.
و- وجود شخصية الإله سن وتقديسه عن الأيزيديين والبابليين.[32]
س- إضافة إلى وجود مراسيم وطقوس أخرى مع وجود أسماء ومفردات مشتركة بين الأيزيديين الحاليين والسومريين والبابليين.[33]
* النظرية الرابعة
إن جهود الكتّاب والباحثين هي أولاً وأخيراً محل تقدير لما بذلوه من جهد فكري كي يكشفوا الستار عن بعض جوانب الديانة الأيزيدية، أو أن يتعرفوا على تاريخها ومنبع عقيدتها، ألا أنه بإمكان الباحث الفطن، أو من له إلمام ولو بسيط بمعتقدات الأيزيدية والإطلاع على طقوسهم وأدبهم الديني، أن يحاجج- إن لم يفند- فرضيات بعض الكتّاب والباحثين ومسلماتهم ، كون الأيزيدية من بقايا المانوية أو الزردشتية. أنا لا أنكر وجود قرائن وعادات وطقوس متشابه بينهما، كما توجد عبادات متشابه بين الأيزيدية والديانة المصرية القديمة أو الإغريقية والسبئية فيما يخص تقديسهم الشمس مثلا؛ حيث أن البيئات الجغرافية المتشابهة تخلق عبادات وثقافات متقاربة دون أن يكون هنالك احتكاك بين المجموعات البشرية المختلفة
4 حزيران، 2005
ما من دين جهله الناس واختلفوا في شأنه وظهوره ومعرفة أصله كالدين الأيزيدي، رغم الأبحاث الهائلة التي قامت بها مجموعة كبيرة من الكتاب والباحثين الشرقيين والغربيين، ومع ذلك لم يتبلور رأي موحد في تحديد أصل الأيزيدية، وكل واحد أتبع رأياً ولم يتوصل إلى قدر من الحقيقة. وينبع هذا الاختلاف باعتقادي من المسائل التالية:
1- كون الأيزيدية ديانة غير تبشيرية وقلة احتكاكها بالعالم الخارجي
2- ممارسة طقوسها الدينية بعيداً عن أنظار الغرباء، وهذا ما دفع الآخرين أن ينسجوا حولها الأساطير والألغاز البعيدة عن الواقع.
3- عدم تسجيل نصوصها الدينية وطقوسها وأصولها وعدم إطلاع الغالبية العظمى من الكتاب على ماهية هذا الدين.
4- قلة التحريات والتنقيبات الأثرية في مناطق سكنى الأيزيدية لمعرفة بعض جوانب تاريخهم المغيب.ي
5- غياب التسامح الديني بشكل عام، واستمرار الإسلام السياسي- باعتباره القوة المسيطرة ودين دولة- بين رفض وجود الأديان الأخرى أو عدم الاعتراف بحق الأديان المخالفة أو المختلفة معها في ممارسة طقوسها وتشويه سمعتها.
6- الموقف الديني أو القومي المسبق للعديد من الكتاب حول الأيزيدية، لذا جاءت آرائهم متباينة حول تعيين أصلهم من الناحية الدينية أو القومية. يوقع أولئك الكتاب والباحثون في إشكاليتين رئيسيتين
أ- إشكالية التسمية. ب- إشكالية الانتماء القومي.
وبسبب النقاط الواردة أعلاه والتشويش الكبير في أصل وتاريخ الديانة الأيزيدية، فانه من الصعب على الباحث الجاد، الجزم برأي واحد. لذا فان هنالك عدة نظريات أو فرضيات تطرح نفسها بشأن أصل هذه الديانة ومبادئها الأساسية:
* النظرية الأولى التي تقول أن الديانة الأيزيدية ما هي إلا فرقة إسلامية منشقة أو ضالة يعود تاريخها إلى أواخر القرن السابع الميلادي، وتنسيبها إلى( يزيد بن معاوية ) ثاني خلفاء الدولة الأموية (680-683ميلادية) الذي كان حواريا ( تلميذاً) لمحمد بن عبدالله.ولدعم نظريتهم هذا فقد ذهب أولئك الكتاب مذاهب شتى؛ فمن قال أن اعتقاد الأيزيدية ب ( يزيد) ليتخلصوا من اضطهاد السنّة الذين لا يجلون ( الحسين بن علي) ولرغبتهم في الانتساب إلى شخصية شريفة وممتازة.[1] وافتكر باحث آخر بأن الأيزيدية انتخبوا اسم ( يزيد – اليزيدية) لمسايرة تعصب الحكام المسلمين.[2] ويقول باحث غربي آخر ؛ بأن اسم " اليزيدية " أعطي إلى هذه القبائل من قبل المسلمين للاستهزاء والسخرية.[3] ويؤيد الدكتور جوزيف الأمريكي الرأي القائل بانتساب الأيزيدية إلى ( يزيد بن أنيسة الخارجي ) الذين كانوا على مبدأ " بأن الله يبعث رسولاً من العجم وينزل عليه كتاباً كتب من قبل وسيترك ديانة محمد ويتبع ديانة الصابئين المذكورة في القرآن".[4]
ويتحمس كاتب عربي مسلم آخر رابطاً الأيزيدية بالإسلام وبـ (يزيد بن معاوية) ويعتقد أن اليزيدية الذين ذكرهم السمعاني المتوفي سنة( 562هجرية- 1166 ميلادية) في كتابه " الأنساب " وابن قتيبة في كتابه " الاختلاف في اللفظ"؛ هم نفس اليزيدية الحالية، ثم هاجر إلى نواحيهم الشيخ (عدي بن مسافر) الذي نظمهم وأصلح حالهم. وعلى رأيه أن اليزيدية أقدم عهداً من مجيء الشيخ عدي.[5] وكاتب تركي مسلم ، يربط هو الآخر تاريخ ظهور الأيزيدية بظهور الشيخ عدي بن مسافر بينهم.[6]
وعلى الرغم من إلحاح نفر من الكتاب العرب والمسلمين على أن الأيزيديين أسلموا في زمن الشيخ عدي بن مسافر، ألا أنهم يعترفون بأن أجداد الأيزيديين الحاليين كانوا على دين مخالف "للتوحيد" – حسب رأيهم- أو أنهم كانوا من أصل مجوسي.[7]
إن هذه النظرية لم تلق التأييد حتى من الكتاب المسلمين حيث لا يوجد دليل تاريخي أن (يزيد بن معاوية) أسس خلال الثلاث سنوات ونصف من حكمه ديانة جديدة أو اتبع ديانة محمد.[8] وإذا كان الأيزيديون يذكرون بعض الأحيان اسم ( يزيد- أيزيد) في أدبهم ونصوصهم الدينية فانه إضافة إلى كونه يأتي بمعنى الله، فان الأسباب الأخرى تعود في اعتقادي إلى:ي
ي1- بعد توسع دائرة الفتوحات الإسلامية شرقاً وشمالاً، لاقت الشعوب والأديان الواسعة النفوذ بشكل عام والأقليات الدينية والقومية بشكل خاص أنواعاً من الاضطهاد والتنكيل لترك أديانهم والقبول بالإسلام، وإذا كان الكثيرون قد قبلوا بذلك ألا أن مجموعات دينية رفضت، وخلال خلافة الدولة الأموية وبخاصة زمن حكم ( يزيد بن معاوية) أفسحت في المجال لتلك المجموعات الدينية أن تبقى على معتقداتها شرط أن تحتمي تحت لواء قبيلة عربية قوية أو تحت اسم قائد عربي أو إسلامي قوي وظهرت حينها ظاهرة ( الموالي ) أي أولئك الناس غير العرب وغير المسلمين الذين يحافظون على قومياتهم ومعتقداتهم بتبني اسم قبيلة عربية أو اسم قائد عربي. ولا يستبعد هنا تقبل الأيزيديين لاسم ( يزيد بن معاوية) وأسماء أخرى لاتقاء شر الإسلام. وهنا ربما يتفق المرء مع الشطر الثاني من رأي ( إمبسن) في رغبة الأيزيدية في الانتساب إلى شخصية شريفة وممتازة.
2- بما أن الأيزيديون يؤمنون بالحلول وتناسخ الأرواح فأنهم اعتقدوا بأن جزءاً من القوة الإلهية انتقلت إلى (يزيد) لأنه وحسب رأي العديد من الكتاب المسلمين والمصادر الإسلامية لم يتبع ديانة محمد[9] ، واعتقدت تلك المجموعات الدينية التي لالقت الاضطهاد على أيدي قواد الفتح الإسلامي بعد نشر الدعوة الإسلامية، بأن ( يزيد) هو منقذهم بوجه الإسلام وتخليصهم من الظلم والتنكيل.
3- ويري بعض الكتاب العرب أنفسهم بأن القرشيون و" العرب المستعربة" ومعهم إبراهيم الخليل القادم من أور حرّان " أورفه – الرها- الكاتب" هم من بقايا البابليين الذين تسنى لهم النجاة من المقتلة التي أقامها داريوس دارا إثر احتلاله الثاني لبابل انتقاماً لثورتها عليه وخلعها نير سلطانه، هم الذين بنو حضارة الحجاز.[10] وفي حديث ينسب إلى علي بن أبي طالب يقول: " من كان سائلاً عن نسبنا فإنا من نبط من كوثى" . والنبط عند العرب يعني العراق، أو البابليون الأقدمون. وعلى هذا يكون القريشيون بابلي الأصل فلما دخلوا بلاد العرب أدخلوا إليها لغتهم معهم.[11] وإن صح هذا الرأي في كون القريشيون ليسوا عرباً بل من الشعب البابلي، آنذاك يكون لمسألة إلصاق اسم " يزيد بن معاوية" بالأيزيدية معنى آخر تماماً!.ي
أما بخصوص رأي جوزيف، فانه لا يستند إلى سند تاريخي أو فكري؛ إذ لا علاقة للأيزيديين برسول من العجم – إذا كان بمعنى الفرس أو من الشعوب الإيرانية- ولا وجود لمفهوم النبي بين الأيزيدية بل توجد علاقة روحية مباشرة بينهم وبين خالقهم، هذا أولا، وثانياً : فان مبدأ الخوارج لا ينطبق ومبدأ الأيزيدية الذين يؤمنون بالله وطاووس ملك ويقول بالحلول وتقديس الشمس والنار..الخ.
* النظرية الثانية / الأصل والتسمية: التي تشير إلى أن الديانة الأيزيدية واحدة من تلك الديانات القديمة المستقلة عن بقية الديانات، وربما المنحدرة منها والمتداخلة مع العديد منها، والمستمدة منها بعض الطقوس والعادات أو حتى الأساطير والحكايات القديمة.[12]وتشير بعض المصادر المتوفرة أن الموطن الأصلي ( الأساسي) للديانة الأيزيدية يبدأ بمدينة " يزد" القريبة من خراسان شرق إيران القريبة من الحدود الأفغانية، ويمتد عبر كردستان الجنوبية( كردستان العراق حاليا) والغربية ( كردستان تركيا) والموصل في شمال العراق حتى حلب في الشام( سوريا).[13] وحسب هذه النظرية فإن اسم " اليزيدية أو الأيزيدية " مشتقة من مدينة " يزد Yazd " بإيران، وكان الأيزيديون الحاليون في الأصل زردشتيون يعتقدون بالثنوية Dualism وقد هاجر بعض هؤلاء من يزد إلى نواحي الموصل هرباً من الضرائب الكثيرة واتخذوا من مناطق حلب، سنجار، الشيخان وبحيرة وان والقفقاس مواطن جديدة وأطلق عليهم اسم منطقتهم التي رحلوا منها فسموا يزيديون أو يزديون.[14] وقياساً على هذا الرأي ينقل لايارد عن " نوفانيس" المؤرخ اليوناني من القرن السابع الميلادي: " أن الإمبراطور هرقليوس خيم بجنوده قريباً من مدينة – يزدم- من مدن " حدياب"- أي موصل حالياً./ الكاتب- ويقول " مارتان" قد تكون هذه المدينة أول مكان انتشرت منه اليزيدية"[15] من الصعب تسمية ديانة باسم مدينة؛ فهل سميت اليهودية باسم " أورشليم" أو المسيحية باسم " الناصرة" والإسلام باسم " مكة والمدينة" وهلم جرى!..بل أن أغلب الأديان تسمى باسم آلهتها أو أنبيائها
وبناء على هذا الطرح يتفق أغلبية الكتاب والباحثين على أن تسمية الأيزيدية مشتقة من الكلمة ايزد Ized بمعنى ( الملك الإله) و يزاتا Yazata في الآفيستا= يستحق العبادة، ويزد Yazd باللغة البهلوية وياجاتا Yajata في السنسكريتية. وبذلك يكون معنى ( أزيدي Azidi وإيزيدي Izidi و إزيدي Izedi أو Izdi عباد اللة. ونجد اسم يزيد في أسطورة لملك ايزدا Ezda ويزدان Yazdan جد من أجداد اليزيدية، كما أن يزداني Yazdani قد أطلقت على اليزيديين الأولين.[16]
ويعلل القس سليمان الصائغ تسميتهم بانتسابهم إلى إله كانوا يعبدونه اسمه " يزد" أو " يزدان" مستنداً بذلك على ما جاء في تاريخ " كلدو آشور " نقلا عن " توما المرجي" في القرن التاسع للميلاد؛ الذي ذكر في كتابه " الرؤساء" عن أهالي مدينة " مورغان " إنهم كانوا يعبدون صنماً اسمه " يزد"[17]
ويحاول بحاثة غربيون مرموقون ومعهم بعض البحاثة الشرقيين، أن يأخذوا من الديانة الثنائية منطلقاً لوجود بعض المشابهات بين الديانتين الإيرانية والأيزيدية. ألا أنهم لم يجيبوا : فيما إذا كانت الديانة الأيزيدية عرفت في بلاد إيران أم كردستان؟ ويقول أحد الباحثين في الأديان الإيرانية: أن كثيراً من الوثنيين الإيرانيين عبدة النار و(ش) والزرادشتيين انقادوا ودانوا بالديانة الجديدة كأنها ديانتهم الخاصة. ويدل من كلامه هذا أن الأيزيدية ظهرت بشكلها وتعاليمها في بلاد إيران ومن هناك انتقلت إلى سائر المواقع التي نجدها فيها الآن.[18]
ويضيف " امبسن" إلى نظرية البروفيسور جاكسن: أن الطرق الدينية اليزيدية والمجوسية القديمة نشأت من الزرادشتية، والتاريخ اليزيدي الحديث متأثر من احتكاكهم بالمسيحيين وخضوعهم الجزئي للحكم الإسلامي الذي سبب بعض التغييرات في عقائدهم، ويقول: " لا نعلم إذا كانت الأبحاث في المستقبل سوف تعزز هذه النظرية، أو تظهر نظريات أخرى أصح منها، فلندع ذلك للمستقبل" ويقول أيضا: لأجل أن نصل إلى نتيجة قطعية في أصل المذهب الأيزيدي نحتاج إلى دراسة وثيقة في أحوال الشعوب لأن ذلك هو الطريق المؤدي إلى معرفتها في آسيا الصغرى أكثر من إتباع لغتها وديانتها(...) وأن اليزيدية الذين لا يعرفون إلا النزر القليل عن أنفسهم لهم تقاليد تنبئ بأنهم وفدوا من البصرة ( السومريين) وهاجروا إلى سوريا وقطنوا أخيراً في سنجار.[19] ويميل البروفيسور كراينبروك في أبحاثه أن يربط هو الآخر بين الزرادشتية واليزيدية وأهل الحق ويقارن بين آهورامزدا وبنيامين وطاووس ملك.[20]
وإذا كان بعض الكتاب الشرقيون يرجعون الأيزيدية إلى المانوية[21] فان كتاب آخرون يجزمون بأن الأيزيدية خلف للوثنية وأن المانوية هي أساس الدين اليزيدي ومنها ولد وظهر للوجود، وقد بقي زمناً منصبغاً بصبغة الإسلام ليتخلصوا من الاضطهاد وكانوا يتجنبون دائماً المسلمين الإيرانيين والعراقيين، ثم زالت عنه هذه الصبغة نتيجة الأحداث التي لحقت به، ألا أن لونها لايزال باقياً.[22] ويستند هؤلاء الكتاب في رأيهم إلى وجود الدين المسيحي والمجوسية في جبل هكار[23] قبل ظهور الشيخ عدي. وكان يدين سكان الجبال بالمجوسية ( الزردشتية) على زمن المقتدر بالله ( 282- 320هجرية)، وفي عام (299هجرية) من حكم المقتدر بالله حيث كان المنصور الحلاج (858-922) ظهر بعده أكثر من قرن إنسان اسمه الشيخ عدي في جبل الهكارية والتف حوله مريدون وأتباع كثيرون، ويتساءل الدملوجي: هل كان الناس الذين التفوا حول الشيخ عدي بن مسافر مانويين أم يزيديين؟! ويجيب على سؤاله : إذا كان لأولئك إسلام من العرب والكرد ويدينون بحب يزيد بن معاوية، فلماذا ظهرت عليهم المانوية بكل صورها وأعادوا دور ( ماني) بشكله وصوره؟
إضافة إلى هذه الآراء ، فان هناك من يرجع الأيزيدية من الناحية الدينية إلى النصرانية وينفي علاقتها بالإسلام بحجة وجود بعض المظاهر المسيحية كالتعميد والاعتقاد بالمسيح واحترام البيّع والكنائس. ويؤكد بعض الكتّاب بأن الأيزيدية من أصل صابئي أو كلداني أو آشوري.[24]
أما من الناحية القومية والدينية، فهناك من يقول بأن الأيزيديين يرجعون إلى القبيلة ( التيراهية- ترياها) وأن والد عدي واسمه ( مسفر بن أحمد الكردي) تيرهي، وقد جاء ذكرهم فقط في تاريخ إبن العبري [25] وأخذ عنه هذا الخبر الراهب ( راميشوع) في منتصف القرن الخامس عشر.[26]
ويعتبر باحث عربي آخر ان الأيزيدية من الشعب الكردي ويعبر عن أيزيدية الشيخان بـ " الداسنيين" والداسنيون هم من الأكراد الذين كانوا يوجدون في سلسلة جبال " داسن" وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه وتطلق الآن على جبال المزورية.[27]
وإذا صحت نظرية " اولمستيد" بأن عشيرة مزوري ترجع بالأصل إلى عشيرة " مسوري- موسرى" الآشورية التي كانت في عهد " سنحاريب" فيما بين رافدي " الخاسر" يمكننا القول بأن يزيدية الشيخان هم أحفاد تلك العشيرة الآشورية التي كانت تعيش في فجر التاريخ في هذه المنطقة.[28]
أما أيزيدية سنجار ، طور عابدين، دياربكر، حلب، سعرد، وبدليس وماردين إلى ما وراء حدود وان، فبلاد القوقاس لا جدال في أنهم يرجعون إلى سلالات كردية وهم بالأصل من شعوب سلسلة جبال " زاغروس" الذين وجدوا في هذه الجبال منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة سنة.[29]
* النظرية الثالثة
كون الديانة الأيزيدية من بين الديانات القديمة في منطقة وادي الرافدين والهلال الخصيب، تطرح فرضية وجود قرائن وعلاقات متعددة الجوانب بين الديانات العراقية القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية من جهة، وبين الديانة الأيزيدية من جهة أخرى. ويمكن حصر جوانب الصلة بين الأيزيدية والديانات المذكورة أعلاه في
1- بعض الطقوس والاحتفالات والأعياد وخاصة عيد رأس السنة الذي يصادف يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان وكان يسمى بعيد ( أكيتي) عند السومريين و ( سرصال) عند البابليين والأيزيديين، وكذلك مهرجانات الربيع( احتفالات آلهة المدن) ويسمى عند الأيزيديين ب (الطوافات)، ولكل قرية أيزيدية مهرجانها ( يبدأ بعد عيد رأس السنة ويستمر إلى أواخر شهر حزيران)، ويوم الأربعاء من كل أسبوع هو اليوم المقدس لدى الأيزيدية مثلما كان الحال عند البابليين.
2- تحريم الزواج وكذلك العمل وغسل الملابس والجسم وحلاقة الرأس وحرث الأرض يوم الأربعاء وتحريم الزواج في شهر نيسان عند الأيزيديين كما كان الحال لدى البابليين،باعتباره شهر زواج الأنبياء والأولياء وشهر زواج الآلهة والملوك عند البابليين وقبلهم عند السومريين حيث كان يحتفل بزواج الإله( ننجرسو) بالإلهة ( بناو) في مدينة جرسو.[30]
3- التقارب الكبير بين الإله آنو السومري والإله نابو وطاووس ملك الأيزيدي في المجالات التالية
أ- الإله الواحد؛ ذو الثنائية في الواحد؛ أي تتجسد في الإله الواحد قوى الخير والشّر، النور والظلام في آن واحد، والرمز المقدس الأعلى لدى الديانات الثلاث
ب- ارتباطاً بقضايا التنجيم والفلك فان كوكب (عطارد) هو الرمز الذي يمثل هؤلاء الآلهة الثلاثة.
ج- يوم الأربعاء هو يوم كوكب عطارد (رمز لطاووس ملك، نابو، آنو) وهو يوم مقدس لدى البابليين والأيزيديين.
د- الرمز الذي يعبر عنه عطارد " وهو شاب راكب طاووساً بيمناه حيّة وبيسراه لوح يقرأه ، وصورته الأخرى رجل جالس على كرسي بيده مصحف يقرأه، وعلى رأسه تاج وعليه ثياب خضر وصفر.[31]
وتلعب الحيّة دوراً كبيراً في ميثولوجيا الأيزيدية وكذلك في ميثولوجيا الشعوب المختلفة، وتحتوي الأحاديث التي تروي عن الحيّة تناقضات الحياة؛ فهي التي ترتبط بالحياة والموت وترمز للخير والشّر في آن واحد وتعبر عن الحكمة والدهاء وهي رمز تفاؤل حيناً وشؤم أحياناً أخرى، وحامية لخزائن المال والحكم، ويجري الحديث عنها بنوع من التبجيل والاحترام والخوف معاً
هـ- التراتبية الدينية( الطبقات الدينية) والالتزام بمبدأ الوراثة في المراكز الدينية هي ممثالة بين الأيزيديين والبابليين.
و- وجود شخصية الإله سن وتقديسه عن الأيزيديين والبابليين.[32]
س- إضافة إلى وجود مراسيم وطقوس أخرى مع وجود أسماء ومفردات مشتركة بين الأيزيديين الحاليين والسومريين والبابليين.[33]
* النظرية الرابعة
إن جهود الكتّاب والباحثين هي أولاً وأخيراً محل تقدير لما بذلوه من جهد فكري كي يكشفوا الستار عن بعض جوانب الديانة الأيزيدية، أو أن يتعرفوا على تاريخها ومنبع عقيدتها، ألا أنه بإمكان الباحث الفطن، أو من له إلمام ولو بسيط بمعتقدات الأيزيدية والإطلاع على طقوسهم وأدبهم الديني، أن يحاجج- إن لم يفند- فرضيات بعض الكتّاب والباحثين ومسلماتهم ، كون الأيزيدية من بقايا المانوية أو الزردشتية. أنا لا أنكر وجود قرائن وعادات وطقوس متشابه بينهما، كما توجد عبادات متشابه بين الأيزيدية والديانة المصرية القديمة أو الإغريقية والسبئية فيما يخص تقديسهم الشمس مثلا؛ حيث أن البيئات الجغرافية المتشابهة تخلق عبادات وثقافات متقاربة دون أن يكون هنالك احتكاك بين المجموعات البشرية المختلفة