ROSE
16-04-2007, 02:49 AM
شائعات مغلوطة في «أنتو يرب» عن «دبي»
تمثيليا هناك بنفيه صحة هذه الأقوال، ولكنه أكد عزمه على تعزيز وجوده في مراكز الألماس الرئيسية خلال المستقبل القريب، وجاء هذا التعقيب بعدما قامت الدنيا ولم تقعد في انتو يرب مدينة الألماس البلجيكية من جراء اختلاق أقوال غير مؤكدة عن قيام مركز دبي للسلع المتعددة بافتتاح مكتب تمثيلي،
وسرت هذه الأقوال كالنار في الهشيم، وتلبدت أجواء المدينة بالشائعات التي أخرجت من أحشائها ليس نوازع الخوف فقط من أن يؤدي افتتاح مثل هذا المكتب إلى التعجيل بنهاية هذه المدينة التي تربعت على عرش تجارة وصناعة الألماس لقرون عديدة خلت، ولكنها أخرجت أيضاً للعيان أعراض الشيخوخة التي بدأت تصيب هذه المدينة، بحيث بات البعض فيها تنتابه الهواجس لمجرد وجود مكتب تمثيلي لمركز دبي للسلع المتعددة.
واختلقت الأقوال حول هذا المكتب الكثير من الروايات والحكايات التي نسجت قصصا من وحي الخيال، ولكنها عجزت عن تحديد مكان هذا المكتب، واستندت إلى رسالة من إدارة المبيعات والتسويق بمركز دبي للسلع المتعددة تحث التجار هناك على الاستفادة من المزايا العديدة التي يتيحها سوق مجوهرات الألماس في دبي، وبنت الأقوال على هذه الرسالة الكثير من الحكايات، وذهبت إحداها إلى حد تصور أن الرسالة صادرة من المكتب التمثيلي الكائن في أنتو يرب وليست قادمة من دبي.
وأفردت مجلة «إيه دي أل» المتخصصة في مجال صناعة الألماس اهتماما خاصا بهذا الموضوع، وخلصت إلى استنتاج مؤداه أنه من الأفضل لأنتويرب أن تتصرف كما لو كان موجودا إذا ما أرادت إدخال المزيد من التحسينات الإيجابية.
أقوال غير مؤكدة
واستهلت تناولها لهذا الموضوع بإشارتها إلى أن الإشاعات تتردد الآن في أنتو يرب ومنذ أسابيع قليلة مضت حول افتتاح مركز دبي للسلع المتعددة مكتبا هناك بطريقة سرية، وأن الغرض منه هو العمل على التسريع بنزوح الشركات من أنتو يرب إلى دبي، ولفتت وسائل الإعلام إلى أن الكثيرين يتحدثون عن هذا المكتب، رغم أنه يبدو أن لا أحد منهم على علم بمكانه وهو ما يثير التساؤل حول مدى صدق مثل هذه الشائعات.
وبحسب أغلبية المعلقين، أخذ التواجد المادي لمركز دبي للسلع المتعددة شكل خطاب تم إرساله من أنتو يرب باسم المركز إلى العديد من المكاتب الموجودة في أنتو يرب. وأكد الخطاب الموقع عليه من جانب جياتي رباني رئيسة المبيعات والتسويق في مركز دبي للسلع المتعددة أن دبي تقع عند ملتقي الطرق بين آسيا وأفريقيا وروسيا، وإنها تخدم كبوابة لأسواق مجوهرات الألماس في الشرق الأوسط التي تنمو بوتيرة سريعة.
وقد أرفق مع الخطاب وثيقة من صفحتين تتحدث عن حالة التقدم في بناء برج الألماظ علاوة على أوجه التحسينات الأخيرة، وتناولت رباني في رسالتها معالم التسهيلات والخدمات التي سيحتضنها برج الألماظ، وتشمل كلا من بورصة دبي للألماس وأنظمة التعليم وإصدار الشهادات، علاوة على نظام أمني قائم على أحدث التكنولوجيات، وتسهيلات للتخزين بالغة التقدم.
وبالتأكيد، لم يغفل الخطاب التنويه إلى الفوائد التجارية، من بينها، الامتلاك الكامل للأعمال، وهو أمر لم يكن موجودا من قبل، حيث كان من المتعين على المستثمرين الأجانب العمل مع شركاء محليين، وكان ينظر إلى هذا الالتزام على انه محفوف بالمخاطر، إضافة إلى تقديم إعفاء الضريبي لمدة 50 عاما على الدخول الشخصية. واختتمت الرسالة بتوجيه الدعوة للاتصال بأحد أعضاء فريق المبيعات في حالة توافر رغبة الانضمام إلى هذا المجتمع السريع النمو.
تباين وجهات النظر
وكما هو معتاد في مثل هذه الموضوعات التي لم يجر التثبت من صحتها، برز التعارض بين الآراء، فهناك من يتصور بأن تواجد مكتب لمركز دبي للسلع المتعددة في أنتو يرب يمثل خطوة إضافية في اتجاه الإفناء الكامل لأنتويرب، وهناك أيضاً من اعتبر تأسيس هذا المكتب بمثابة فرصة، إلى جانب، هناك من من رأي بأن ثمة مشاكل حقيقية في الأماكن الأخرى من العالم.
وعلق أحد مصنعي الألماس قائلا: تلقى العديد منا هذه الرسالة، ونحن لدينا سبب يدعونا إلى الاعتقاد بأن هذه الرسالة لم تأت من دبي، بل جاءت مباشرة من مكتب كائن في قلب أنتويريب، ومضي في حديثه معلقا «أنه أمر غير عادل بالمرة ومثير للاشمئزاز، وأضاف متسائلا «كيف لهم أن يتصرفوا معنا بمثل هذه الطريقة ؟».
وعلق تاجر آخر قائلا «أن هذا يعد بحق بداية النهاية، ونحن لن نقوم - كما هو الوضع دائما- بالدفاع عن أنفسنا». وواصل حديثه بقوله «كان من المتعين عليهم (أي سلطات أنتويرب) ألا تدع بيتر ميوس يغادر البلاد من دون التوقيع على اتفاقية بعدم المنافسة، وذلك على غرار الحال دائما في جميع الصناعات الأخرى، إذ أنه ذهب بكافة معارفنا، وهو يقوم بتسليمها لمركز منافس.
ويبدو أن بيتر ميوس - بحسب مصادر مجموعة «إيه دي إل» - قد غادر أنتويرب من دون اتخاذ أيه إجراءات للتحوط ضد المخاطر الناشئة عن ذلك، وبالتالي، وإذا ما كان هذا الأمر مؤكدا، فانه أمر مفهوم عدم مطالبته لالتزام ببنود تعاقدية تتعلق بعدم المنافسة.
ويذكر في هذه المناسبة أن مركز دبي للسلع المتعددة قد قام في بداية الأمر بتعيين بيتر ميوس كمستشار خاص للألماس، بهدف المساعدة في أحداث المزيد من التطور في صناعة الألماس، سواء من ناحية تطوير البنية التحتية للسوق، أو من ناحية تعظيم وتوسيع تشكيلة الخدمات المقدمة لتجارة الألماس العالمية، ثم تولى بعد ذلك منصب المدير التنفيذي للألماس والأحجار الكريمة في مركز دبي للسلع المتعددة.
ويتمتع ميوس بخبرة واسعة في قطاع الألماس، حيث شغل منصب المدير المنتدب لمدة 6 سنوات في مؤسسة «إتش أر دي» التي تجمع تحت مظلتها قطاع الألماس البلجيكي، بعد أن عمل مديراً لبورصة أنتويرب للألماس من عام 1992 حتى 1999.
كما يشغل ميوس، وهو من أصل بلجيكي، منصب نائب رئيس مجلس إدارة مجلس الألماس العالمي، وبوصفه أحد أقطاب هذه الصناعة وصاحب التجربة الطويلة في هذا المجال، عقدت الآمال عليه لأن تسهم خبرته الواسعة في تعزيز قدرة مركز دبي للسلع المتعددة على فهم وتلبية احتياجات ومتطلبات تجارة الألماس، وتطوير نشاطات إضافية على المستوى العالمية، من أجل دعم تجارة الألماس خلال المرحلة المقبلة.
فرصة حقيقية
وهناك أيضاً من رأى في هذا التطور على أنه يعد بمثابة فرصة حقيقية، وعبر عن هذا الفريق أحد تجار الألماس الخام بقوله «أن المزيد والمزيد من الشركات قامت على الأقل بافتتاح فروع لها في دبي، إن لم تكن قد قامت بالفعل بنقل مكاتبها هناك، ولن يحدث تغير في مسار هذا الاتجاه، إذ تتوافر هناك إعفاءات ضريبية لمدة 50 عاما، فضلا عن جميع أشكال المزايا والفوائد الأخرى التي من الصعب مقاومتها» ومضي التاجر متسائلا «ما هو السبب الذي يدعونا إلى مقاومة مثل هذه الإغراءات ؟ ولماذا نتكبد خسائر مالية لمجرد الحفاظ على بقاء واستمرار أنتو يرب على قيد الحياة فيما يحقق الآخرون أرباحا ضخمة؟».
ولا تصدر مثل الشكاوى بشأن دبي وبشأن إمكانية أن تقوم بفتح مكتب تمثيلي لها في انتو يرب من كبار اللاعبين، ويعود السبب في ذلك إلى أن كبار اللاعبين يعدون في المحك الأول شركات متعددة الجنسيات، وبالتالي، يمتلكون القدرة على النفاذ المباشر إلى مختلف أنحاء العالم، والأمر الثاني، أن كبار اللاعبين يديرون أعمالهم بناء على اعتبارات وثيقة الصلة بالأعمال، ومن ثم، يسترشدون في اتخاذهم للقرارات باعتبارات ترتبط بعوامل موضوعية أكثر مما ترتبط بالنواحي العاطفية أو السلوكيات غير الرشيدة.
ومن ناحية أخرى، وحتى هذه المرحلة، سيكون من الملائم توضيح حقيقة مؤداها أن العديد من الشركات الرئيسية لا تعتزم نقل مكاتبها إلى أماكن أخري، ولا يوجد مجال للشك، أن دبي تقدم العديد من الفوائد والمزايا، ولكن الكثيرين يدعون إلى الحفاظ على قوة أنتو يرب، وفي حقيقة الأمر، إذا كانت هناك مدينة تنازع هيمنة أنتو يرب في هذا المجال، ستكون جنيف وليست دبي.
وبمعزل عن كافة هذه القضايا، هناك منظور ثالث مرتبط بهذا الموضوع، ويري أنه في حالة قيام أنتو يرب باستضافة مكتب لمركز دبي للسلع المتعددة، فان هذا من شأنه أن يتيح فرصة رائعة، إذ تكمن أحد مصادر قوة أنتو يرب في قدرتها على إتاحة أكبر عدد ممكن من الخدمات المتنافسة، كتلك الخاصة بإصدار الشهادات والبنوك وشركات التأمين ووكلاء الشحن الدوليين.
ويتمثل النهج الأكثر تبصرا في الترحيب بتأسيس مكتب لمركز السلع المتعددة في أنتو يريب، وفي الحقيقة، تكمن أغلب مواطن ضعف أنتو يريب في عدم قدرة المدينة على إعادة هيكلة ذاتها، وذلك عند مقارنتها بمراكز الألماس الأخرى كتل أبيب، حيث تمسكت المدينة التي تعتبر أقدم مركز للألماس غربي بهويتها الحالية على مدى عقود، ولكنها اصطدمت بقوة بتقدم الحداثة،
وعلى مدار دستة من السنوات، تغيرت الساحة جذريا، وواجهت أنتو يرب «الديناصور» صعوبة ضخمة في ملاحقة هذا التطور، وفي ظروف كهذه، يمكن أن يمثل ذراع مركز دبي للسلع المتعددة تحديا مطلوبا لكي تستجيب صناعة الألماس البلجيكية، بدلا من أن تصاب بحالة من التجمد الذي يصل إلى حد الموت، ويمكن أن يتحسن الوضع فقط، إذا ما دفع هذا الأمر الشركات البلجيكية على الابتكار والتفوق.
ويجب عدم نسيان أن جيل تجار الألماس الأقدم كان أسير نظام التسعيري الثابت والاصطناعي لشركة «دي بيرز» والذي استخدم في توليد أرباح ضخمة اصطناعية، الأمر الذي من شأنه أن قاد إلى تعزيز نمو الفاحصين، ولكنه قاد أيضاً إلى تخدير نزعتهم الطبيعية لاصطياد غذائهم، وكنتيجة لذلك، أصبحت الشركات الماسكة بزمام المبادرة هي تلك التي وجدت أنه من المتعين عليها أن تتأقلم سريعا في ظل بيئة غير محمية.
وتفاعل آخرون مع هذه الأخبار بطريقة غير متوقعة، ومن بين هؤلاء، احد صناع الألماس الكبار الذي رد على هذا الإشاعات بقوله «إنني لا أخشى من جذبهم الكثير من الشركات بعيدا عن أنتو يرب، وفي رأيي، يكمن الخطر الحقيقي في السلطات القضائية التي تفعل كل ما في وسعها لدفع شركات الألماس بعيدا عن أنتو يرب.
التحدي الحقيقي
ويرى بعض المحللين أن التجار في أنتويرب يرفضون الإقرار علناً بأن مدينة دبي تمثل تحدياً حقيقياً لموقعهم المتميز في قلب صناعة الألماس، لكن في خلف الكواليس، قامت العديد من متاجر الألماس الكبرى التي تتخذ من مدينة أنتويرب مقراً لها بتحصين رهاناتها، من خلال شراء مساحات مكاتب في برج الماس الذي يتألف من 65 طابقاً والذي تم اطلاقه في مطلع يناير من العام الماضي، وبيعت وحداته بالكامل في أقل من خمس ساعات للشركات العاملة في هذا المجال، ومن بينها «جي آى إيه» و(تاشيه) و(كريستال) و(لاف دايموند)، وهو ما عبر في حد ذاته عن مدى قوة سوق الألماس في دبي.
وأثار هذا الإقبال غيرة البعض، وظهرت تعليقات في وسائل الإعلام لتذكير مدينة دبي بأن مناطحة مدينة أنتويرب يعد ضرباً من ضروب الخيال، وقدموا نصحهم بأنه يجب على دبي ألا تقوم بحصر عدد الدجاج الذي تمتلكه، فعلى مدار السنين، ادعى كثيرون من أحقيتهم بتاج أنتويرب، لكنهم سقطوا بمرور الوقت لعدم قدرتهم على تقديم شيء إضافي لا تقدمه أنتويرب.
لكن هذا الرؤية التي يحاول البعض ترويجها للانتقاص من قدرات دبي تصطدم بواقع مختلف، حيث إن دبي تتمتع بموقع جغرافي فريد ومتميز، بوقوعها على مقربة من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وشبه القارة الهندية وأفريقيا، وبالتالي ستصبح دبي مركزاً لمنطقة الشرق، فضلاً عن أنها توفر لأصحاب الأعمال إمكانية لتوسيع نطاق أعمالهم.
فهي تعتبر مركزاً مهماً لتجارة توزيع الألماس.وفوق كل ذلك، وبمعزل عن المزايا الجغرافية، تعرض دبي حزمة من الحوافز الاستثمارية التي لا تقاوم، من بينها إعفاء كامل من الضرائب، وبنية تحتية من الطراز الأول، وأداء إداري ودود ومرحب بالمستثمرين، وهو ما يساعد على إتمام الإجراءات المهمة كتلك الخاصة بتأشيرات الإقامة وتسجيل العاملين في وقت وجيز.
و هذه المزايا مجتمعة جعلت دبي تمثل تهديدا لاشك فيه لمدينة أنتويرب، وعلى أي حال، فإن صعود مكانة دبي كمركز عالمي للألماس يعكس حالة التطورات الدرامية التي تشهدها هذه الصناعة، وأبرزها سطوع شمس هذه الصناعة التي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار على مواقع أخرى في العالم، بعيداً عن المراكز التقليدية والمعتادة للتعدين والتجارة.
وبمعزل عما يحمله المستقبل بشأن العلاقة بين دبي وأنتويرب، فإنه في الوقت الراهن، تعتبر الإمارات سوقاً مهماً للألماس البلجيكي خاصة من النوع المصقول. حيث تنتعش التجارة بين الدولتين في هذا المجال. وبالتالي تلعب الإمارات دورا مهما كمركز لتوزيع للألماس المصقول في منطقة الشرق الأوسط، باعتبار أن الطلب في هذه المنطقة سيشهد نمواً خلال العقد المقبل. وبالتالي، ستصبح دبي شريكاً تجارياً مهماً لبلجيكا.
وجود مستقبلي
لم تكشف الأقوال عن مدى حقيقة تواجد المكتب من عدمه، وأفاد أحد المصادر أنه قد تم استئجار المكتب في الطابق من مبنى «دايموند بلازا» الكائن في شارع هوفينيرسترات، ومع ذلك، أصر ملاك المبنى بشدة على أنه ليس هناك أي مكتب جرى تأجيره لمركز دبي للسلع المتعددة.
وباقتضاب شديد علق بيتر ميوس الذي تم تعيينه مؤخرا في منصب المدير التنفيذي للألماس والأحجار الكريمة في مركز دبي للسلع المتعددة قائلا: إن مركز دبي للسلع المتعددة لا يمتلك مكتبا تمثيليا في أنتو يرب، ولكن من غير المستبعد العمل على تزايد وجودنا في مراكز الألماس الرئيسية خلال المستقبل القريب.
وبمعزل عما إذا كان هناك مكتب من عدمه، فإن ردود الفعل المعارضة تعد شاهدا على حالة عدم الارتياح، وعلى حقيقة التحديات الماثلة أمام أنتو يرب، وفي نهاية المطاف، ربما يكون الوضع أكثر إيجابية وبناء، إذا ما تصرفت أنتو يرب كما لو كان هذا المكتب موجودا بالفعل.
تمثيليا هناك بنفيه صحة هذه الأقوال، ولكنه أكد عزمه على تعزيز وجوده في مراكز الألماس الرئيسية خلال المستقبل القريب، وجاء هذا التعقيب بعدما قامت الدنيا ولم تقعد في انتو يرب مدينة الألماس البلجيكية من جراء اختلاق أقوال غير مؤكدة عن قيام مركز دبي للسلع المتعددة بافتتاح مكتب تمثيلي،
وسرت هذه الأقوال كالنار في الهشيم، وتلبدت أجواء المدينة بالشائعات التي أخرجت من أحشائها ليس نوازع الخوف فقط من أن يؤدي افتتاح مثل هذا المكتب إلى التعجيل بنهاية هذه المدينة التي تربعت على عرش تجارة وصناعة الألماس لقرون عديدة خلت، ولكنها أخرجت أيضاً للعيان أعراض الشيخوخة التي بدأت تصيب هذه المدينة، بحيث بات البعض فيها تنتابه الهواجس لمجرد وجود مكتب تمثيلي لمركز دبي للسلع المتعددة.
واختلقت الأقوال حول هذا المكتب الكثير من الروايات والحكايات التي نسجت قصصا من وحي الخيال، ولكنها عجزت عن تحديد مكان هذا المكتب، واستندت إلى رسالة من إدارة المبيعات والتسويق بمركز دبي للسلع المتعددة تحث التجار هناك على الاستفادة من المزايا العديدة التي يتيحها سوق مجوهرات الألماس في دبي، وبنت الأقوال على هذه الرسالة الكثير من الحكايات، وذهبت إحداها إلى حد تصور أن الرسالة صادرة من المكتب التمثيلي الكائن في أنتو يرب وليست قادمة من دبي.
وأفردت مجلة «إيه دي أل» المتخصصة في مجال صناعة الألماس اهتماما خاصا بهذا الموضوع، وخلصت إلى استنتاج مؤداه أنه من الأفضل لأنتويرب أن تتصرف كما لو كان موجودا إذا ما أرادت إدخال المزيد من التحسينات الإيجابية.
أقوال غير مؤكدة
واستهلت تناولها لهذا الموضوع بإشارتها إلى أن الإشاعات تتردد الآن في أنتو يرب ومنذ أسابيع قليلة مضت حول افتتاح مركز دبي للسلع المتعددة مكتبا هناك بطريقة سرية، وأن الغرض منه هو العمل على التسريع بنزوح الشركات من أنتو يرب إلى دبي، ولفتت وسائل الإعلام إلى أن الكثيرين يتحدثون عن هذا المكتب، رغم أنه يبدو أن لا أحد منهم على علم بمكانه وهو ما يثير التساؤل حول مدى صدق مثل هذه الشائعات.
وبحسب أغلبية المعلقين، أخذ التواجد المادي لمركز دبي للسلع المتعددة شكل خطاب تم إرساله من أنتو يرب باسم المركز إلى العديد من المكاتب الموجودة في أنتو يرب. وأكد الخطاب الموقع عليه من جانب جياتي رباني رئيسة المبيعات والتسويق في مركز دبي للسلع المتعددة أن دبي تقع عند ملتقي الطرق بين آسيا وأفريقيا وروسيا، وإنها تخدم كبوابة لأسواق مجوهرات الألماس في الشرق الأوسط التي تنمو بوتيرة سريعة.
وقد أرفق مع الخطاب وثيقة من صفحتين تتحدث عن حالة التقدم في بناء برج الألماظ علاوة على أوجه التحسينات الأخيرة، وتناولت رباني في رسالتها معالم التسهيلات والخدمات التي سيحتضنها برج الألماظ، وتشمل كلا من بورصة دبي للألماس وأنظمة التعليم وإصدار الشهادات، علاوة على نظام أمني قائم على أحدث التكنولوجيات، وتسهيلات للتخزين بالغة التقدم.
وبالتأكيد، لم يغفل الخطاب التنويه إلى الفوائد التجارية، من بينها، الامتلاك الكامل للأعمال، وهو أمر لم يكن موجودا من قبل، حيث كان من المتعين على المستثمرين الأجانب العمل مع شركاء محليين، وكان ينظر إلى هذا الالتزام على انه محفوف بالمخاطر، إضافة إلى تقديم إعفاء الضريبي لمدة 50 عاما على الدخول الشخصية. واختتمت الرسالة بتوجيه الدعوة للاتصال بأحد أعضاء فريق المبيعات في حالة توافر رغبة الانضمام إلى هذا المجتمع السريع النمو.
تباين وجهات النظر
وكما هو معتاد في مثل هذه الموضوعات التي لم يجر التثبت من صحتها، برز التعارض بين الآراء، فهناك من يتصور بأن تواجد مكتب لمركز دبي للسلع المتعددة في أنتو يرب يمثل خطوة إضافية في اتجاه الإفناء الكامل لأنتويرب، وهناك أيضاً من اعتبر تأسيس هذا المكتب بمثابة فرصة، إلى جانب، هناك من من رأي بأن ثمة مشاكل حقيقية في الأماكن الأخرى من العالم.
وعلق أحد مصنعي الألماس قائلا: تلقى العديد منا هذه الرسالة، ونحن لدينا سبب يدعونا إلى الاعتقاد بأن هذه الرسالة لم تأت من دبي، بل جاءت مباشرة من مكتب كائن في قلب أنتويريب، ومضي في حديثه معلقا «أنه أمر غير عادل بالمرة ومثير للاشمئزاز، وأضاف متسائلا «كيف لهم أن يتصرفوا معنا بمثل هذه الطريقة ؟».
وعلق تاجر آخر قائلا «أن هذا يعد بحق بداية النهاية، ونحن لن نقوم - كما هو الوضع دائما- بالدفاع عن أنفسنا». وواصل حديثه بقوله «كان من المتعين عليهم (أي سلطات أنتويرب) ألا تدع بيتر ميوس يغادر البلاد من دون التوقيع على اتفاقية بعدم المنافسة، وذلك على غرار الحال دائما في جميع الصناعات الأخرى، إذ أنه ذهب بكافة معارفنا، وهو يقوم بتسليمها لمركز منافس.
ويبدو أن بيتر ميوس - بحسب مصادر مجموعة «إيه دي إل» - قد غادر أنتويرب من دون اتخاذ أيه إجراءات للتحوط ضد المخاطر الناشئة عن ذلك، وبالتالي، وإذا ما كان هذا الأمر مؤكدا، فانه أمر مفهوم عدم مطالبته لالتزام ببنود تعاقدية تتعلق بعدم المنافسة.
ويذكر في هذه المناسبة أن مركز دبي للسلع المتعددة قد قام في بداية الأمر بتعيين بيتر ميوس كمستشار خاص للألماس، بهدف المساعدة في أحداث المزيد من التطور في صناعة الألماس، سواء من ناحية تطوير البنية التحتية للسوق، أو من ناحية تعظيم وتوسيع تشكيلة الخدمات المقدمة لتجارة الألماس العالمية، ثم تولى بعد ذلك منصب المدير التنفيذي للألماس والأحجار الكريمة في مركز دبي للسلع المتعددة.
ويتمتع ميوس بخبرة واسعة في قطاع الألماس، حيث شغل منصب المدير المنتدب لمدة 6 سنوات في مؤسسة «إتش أر دي» التي تجمع تحت مظلتها قطاع الألماس البلجيكي، بعد أن عمل مديراً لبورصة أنتويرب للألماس من عام 1992 حتى 1999.
كما يشغل ميوس، وهو من أصل بلجيكي، منصب نائب رئيس مجلس إدارة مجلس الألماس العالمي، وبوصفه أحد أقطاب هذه الصناعة وصاحب التجربة الطويلة في هذا المجال، عقدت الآمال عليه لأن تسهم خبرته الواسعة في تعزيز قدرة مركز دبي للسلع المتعددة على فهم وتلبية احتياجات ومتطلبات تجارة الألماس، وتطوير نشاطات إضافية على المستوى العالمية، من أجل دعم تجارة الألماس خلال المرحلة المقبلة.
فرصة حقيقية
وهناك أيضاً من رأى في هذا التطور على أنه يعد بمثابة فرصة حقيقية، وعبر عن هذا الفريق أحد تجار الألماس الخام بقوله «أن المزيد والمزيد من الشركات قامت على الأقل بافتتاح فروع لها في دبي، إن لم تكن قد قامت بالفعل بنقل مكاتبها هناك، ولن يحدث تغير في مسار هذا الاتجاه، إذ تتوافر هناك إعفاءات ضريبية لمدة 50 عاما، فضلا عن جميع أشكال المزايا والفوائد الأخرى التي من الصعب مقاومتها» ومضي التاجر متسائلا «ما هو السبب الذي يدعونا إلى مقاومة مثل هذه الإغراءات ؟ ولماذا نتكبد خسائر مالية لمجرد الحفاظ على بقاء واستمرار أنتو يرب على قيد الحياة فيما يحقق الآخرون أرباحا ضخمة؟».
ولا تصدر مثل الشكاوى بشأن دبي وبشأن إمكانية أن تقوم بفتح مكتب تمثيلي لها في انتو يرب من كبار اللاعبين، ويعود السبب في ذلك إلى أن كبار اللاعبين يعدون في المحك الأول شركات متعددة الجنسيات، وبالتالي، يمتلكون القدرة على النفاذ المباشر إلى مختلف أنحاء العالم، والأمر الثاني، أن كبار اللاعبين يديرون أعمالهم بناء على اعتبارات وثيقة الصلة بالأعمال، ومن ثم، يسترشدون في اتخاذهم للقرارات باعتبارات ترتبط بعوامل موضوعية أكثر مما ترتبط بالنواحي العاطفية أو السلوكيات غير الرشيدة.
ومن ناحية أخرى، وحتى هذه المرحلة، سيكون من الملائم توضيح حقيقة مؤداها أن العديد من الشركات الرئيسية لا تعتزم نقل مكاتبها إلى أماكن أخري، ولا يوجد مجال للشك، أن دبي تقدم العديد من الفوائد والمزايا، ولكن الكثيرين يدعون إلى الحفاظ على قوة أنتو يرب، وفي حقيقة الأمر، إذا كانت هناك مدينة تنازع هيمنة أنتو يرب في هذا المجال، ستكون جنيف وليست دبي.
وبمعزل عن كافة هذه القضايا، هناك منظور ثالث مرتبط بهذا الموضوع، ويري أنه في حالة قيام أنتو يرب باستضافة مكتب لمركز دبي للسلع المتعددة، فان هذا من شأنه أن يتيح فرصة رائعة، إذ تكمن أحد مصادر قوة أنتو يرب في قدرتها على إتاحة أكبر عدد ممكن من الخدمات المتنافسة، كتلك الخاصة بإصدار الشهادات والبنوك وشركات التأمين ووكلاء الشحن الدوليين.
ويتمثل النهج الأكثر تبصرا في الترحيب بتأسيس مكتب لمركز السلع المتعددة في أنتو يريب، وفي الحقيقة، تكمن أغلب مواطن ضعف أنتو يريب في عدم قدرة المدينة على إعادة هيكلة ذاتها، وذلك عند مقارنتها بمراكز الألماس الأخرى كتل أبيب، حيث تمسكت المدينة التي تعتبر أقدم مركز للألماس غربي بهويتها الحالية على مدى عقود، ولكنها اصطدمت بقوة بتقدم الحداثة،
وعلى مدار دستة من السنوات، تغيرت الساحة جذريا، وواجهت أنتو يرب «الديناصور» صعوبة ضخمة في ملاحقة هذا التطور، وفي ظروف كهذه، يمكن أن يمثل ذراع مركز دبي للسلع المتعددة تحديا مطلوبا لكي تستجيب صناعة الألماس البلجيكية، بدلا من أن تصاب بحالة من التجمد الذي يصل إلى حد الموت، ويمكن أن يتحسن الوضع فقط، إذا ما دفع هذا الأمر الشركات البلجيكية على الابتكار والتفوق.
ويجب عدم نسيان أن جيل تجار الألماس الأقدم كان أسير نظام التسعيري الثابت والاصطناعي لشركة «دي بيرز» والذي استخدم في توليد أرباح ضخمة اصطناعية، الأمر الذي من شأنه أن قاد إلى تعزيز نمو الفاحصين، ولكنه قاد أيضاً إلى تخدير نزعتهم الطبيعية لاصطياد غذائهم، وكنتيجة لذلك، أصبحت الشركات الماسكة بزمام المبادرة هي تلك التي وجدت أنه من المتعين عليها أن تتأقلم سريعا في ظل بيئة غير محمية.
وتفاعل آخرون مع هذه الأخبار بطريقة غير متوقعة، ومن بين هؤلاء، احد صناع الألماس الكبار الذي رد على هذا الإشاعات بقوله «إنني لا أخشى من جذبهم الكثير من الشركات بعيدا عن أنتو يرب، وفي رأيي، يكمن الخطر الحقيقي في السلطات القضائية التي تفعل كل ما في وسعها لدفع شركات الألماس بعيدا عن أنتو يرب.
التحدي الحقيقي
ويرى بعض المحللين أن التجار في أنتويرب يرفضون الإقرار علناً بأن مدينة دبي تمثل تحدياً حقيقياً لموقعهم المتميز في قلب صناعة الألماس، لكن في خلف الكواليس، قامت العديد من متاجر الألماس الكبرى التي تتخذ من مدينة أنتويرب مقراً لها بتحصين رهاناتها، من خلال شراء مساحات مكاتب في برج الماس الذي يتألف من 65 طابقاً والذي تم اطلاقه في مطلع يناير من العام الماضي، وبيعت وحداته بالكامل في أقل من خمس ساعات للشركات العاملة في هذا المجال، ومن بينها «جي آى إيه» و(تاشيه) و(كريستال) و(لاف دايموند)، وهو ما عبر في حد ذاته عن مدى قوة سوق الألماس في دبي.
وأثار هذا الإقبال غيرة البعض، وظهرت تعليقات في وسائل الإعلام لتذكير مدينة دبي بأن مناطحة مدينة أنتويرب يعد ضرباً من ضروب الخيال، وقدموا نصحهم بأنه يجب على دبي ألا تقوم بحصر عدد الدجاج الذي تمتلكه، فعلى مدار السنين، ادعى كثيرون من أحقيتهم بتاج أنتويرب، لكنهم سقطوا بمرور الوقت لعدم قدرتهم على تقديم شيء إضافي لا تقدمه أنتويرب.
لكن هذا الرؤية التي يحاول البعض ترويجها للانتقاص من قدرات دبي تصطدم بواقع مختلف، حيث إن دبي تتمتع بموقع جغرافي فريد ومتميز، بوقوعها على مقربة من روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وشبه القارة الهندية وأفريقيا، وبالتالي ستصبح دبي مركزاً لمنطقة الشرق، فضلاً عن أنها توفر لأصحاب الأعمال إمكانية لتوسيع نطاق أعمالهم.
فهي تعتبر مركزاً مهماً لتجارة توزيع الألماس.وفوق كل ذلك، وبمعزل عن المزايا الجغرافية، تعرض دبي حزمة من الحوافز الاستثمارية التي لا تقاوم، من بينها إعفاء كامل من الضرائب، وبنية تحتية من الطراز الأول، وأداء إداري ودود ومرحب بالمستثمرين، وهو ما يساعد على إتمام الإجراءات المهمة كتلك الخاصة بتأشيرات الإقامة وتسجيل العاملين في وقت وجيز.
و هذه المزايا مجتمعة جعلت دبي تمثل تهديدا لاشك فيه لمدينة أنتويرب، وعلى أي حال، فإن صعود مكانة دبي كمركز عالمي للألماس يعكس حالة التطورات الدرامية التي تشهدها هذه الصناعة، وأبرزها سطوع شمس هذه الصناعة التي تبلغ قيمتها 60 مليار دولار على مواقع أخرى في العالم، بعيداً عن المراكز التقليدية والمعتادة للتعدين والتجارة.
وبمعزل عما يحمله المستقبل بشأن العلاقة بين دبي وأنتويرب، فإنه في الوقت الراهن، تعتبر الإمارات سوقاً مهماً للألماس البلجيكي خاصة من النوع المصقول. حيث تنتعش التجارة بين الدولتين في هذا المجال. وبالتالي تلعب الإمارات دورا مهما كمركز لتوزيع للألماس المصقول في منطقة الشرق الأوسط، باعتبار أن الطلب في هذه المنطقة سيشهد نمواً خلال العقد المقبل. وبالتالي، ستصبح دبي شريكاً تجارياً مهماً لبلجيكا.
وجود مستقبلي
لم تكشف الأقوال عن مدى حقيقة تواجد المكتب من عدمه، وأفاد أحد المصادر أنه قد تم استئجار المكتب في الطابق من مبنى «دايموند بلازا» الكائن في شارع هوفينيرسترات، ومع ذلك، أصر ملاك المبنى بشدة على أنه ليس هناك أي مكتب جرى تأجيره لمركز دبي للسلع المتعددة.
وباقتضاب شديد علق بيتر ميوس الذي تم تعيينه مؤخرا في منصب المدير التنفيذي للألماس والأحجار الكريمة في مركز دبي للسلع المتعددة قائلا: إن مركز دبي للسلع المتعددة لا يمتلك مكتبا تمثيليا في أنتو يرب، ولكن من غير المستبعد العمل على تزايد وجودنا في مراكز الألماس الرئيسية خلال المستقبل القريب.
وبمعزل عما إذا كان هناك مكتب من عدمه، فإن ردود الفعل المعارضة تعد شاهدا على حالة عدم الارتياح، وعلى حقيقة التحديات الماثلة أمام أنتو يرب، وفي نهاية المطاف، ربما يكون الوضع أكثر إيجابية وبناء، إذا ما تصرفت أنتو يرب كما لو كان هذا المكتب موجودا بالفعل.