المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أين نحن من سيرة المتواضعين ؟



Abu Omar
20-04-2007, 12:51 AM
إن أقل صور التواضع : أن يسيء المرء الظن بنفسه ، وأن يتوقع منها الزلل ، وأن يفترض في اجتهاداته الخطأ والمخالفة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة ، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا ، إن المؤمن خلق مفتناً تواباً نسياً إذا ذكر ذكر ) [ رواه الطبراني ( 3/136 ) ، والهيثمي في المجمع ( 10/201 ) ،
فالعصمة انقطعت بموت النبي صلى الله عليه وسلم ، فليس بعده معصوم ، بل ( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) [ رواه رواه الترمذي برقم (2423) وقال : غريب ، وأخرجه أحمد وابن ماجه والدارمي والحاكم . قال المناوي : وقال الحاكم صحيح ؛ فقال الذهبي : بل فيه لين ] ، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( والله لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وأتى بقوم آخرين يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم ) [ أخرجه مسلم ( 2748 ) كتاب التوبة ، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة ) ] .
إننا ـ أهلَ السنة ـ نعتقد بأنه لا عصمة لبشر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكننا عملياً نجد البعض يستبعد عن نفسه أن يخطئ ، وينفي كذلك عن المقدمين عنده أن يزلوا !! بل تراهم ينزلون ما كان من الآراء من موارد الاجتهاد منزلة الوحي المعصوم !!
أليس ذلك جانباً مهماً من التشخيص الصحيح لحالة التشرذم التي نعانيها ، والتي من أعراضها المكابرة في التسليم بصواب رأي المخالف ، بل ورفض وجوده أصلاً ، والتنكر لحقه في أداء الأمانة التي هي مسؤولية الأمة بأسرها ، وليس من حق أي طائفة أن تستأثر بحملها ؟!!
إن التواضع من شأنه أن يورث إنكار الذات ، ومقت النفس في جنب الله تعالى ، فترى المتواضع ـ في المقابل من هذا ـ خافض الجناح للمؤمنين ، رحب الصدر لزلاتهم ، متقبلاً لنصائحهم ، واجداً لمشتبه أفعالهم وأقوالهم في الخير محملاً ، ولما يراه من خطأ آرائهم في الصواب احتمالاً ، ورحم الله الإمام الشافعي حيث قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب .

وترى المتواضع سامعاً مطيعاً للمقدمين ؛ وإن رآهم دونه منزلة وعلماً ، وأقل منه جدارة وفضلاً ( وإن تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله ). وإن ثمرة التواضع للإخوان في الدين ، وخفض الجناح لعموم المؤمنين ؛ لهو العزة على الكافرين ، ولتلك خلة من يحبهم الله ويحبونه ( أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) [ سورة المائدة ]
وإنك لا ترى المتواضع إلا زاهداً في الصدارة ، راغباً عن البروز ، كارهاً للظهور ( إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ) [ رواه البخاري برقم : (2673) ] .. فهمُهُ الأوحد أن يصنع المجد لأمته ، لا أن يصنع مجداً شخصياً لنفسه ، إنه يرهب أن يقال له يوم القيامة : ( بل أردت أن يقال فلان كذا .. فقد قيل ، خذوه يا ملائكتي إلى النار ) .. [ جزء من حديث أوله : ( أول من تسعر بهم النار يوم القيامة .. ) [ رواه الترمذي برقم (2304) ، وقال : حديث حسن غريب . وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه ] .
أعاذنا الله وإخواننا من أن نكون ممن قال الله تعالى فيهم : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) [ سورة هود ] .
وفي فضل خلق التواضع وآثاره ثبتت أحاديث صحاح منها : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخرَ أحدٌ على أحد ، ولا يبغي أحد على أحد ) [ رواه مسلم برقم (2865) (64) ، وأبو داود (4895) ، وابن ماجه (4214) ، وقال في الزوائد : هذا إسناد حسن لاختلاف في اسم سنان بن سعد أو سعد بن سنان ] . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ) [ رواه مسلم برقم (4689) ، والترمذي برقم (1952) ، وأحمد ـ في مسنده ـ برقم (8647) ، ومالك في الموطأ برقم (1590) ، والدارمي في سننه برقم (1614) ] ، وفيه بيان خطأ من يتطلع إلى الرفعة في الاستطالة على إخوانه المؤمنين ، وفي الأنفة من خفض الجناح لهم .
وأي مطمع يتطلع إليه من أمور هذه الدنيا ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( حق على الله أن لا يرتفع شيء من الدنيا إلا وضعه ) [ رواه البخاري ـ في صحيحه ـ برقم (2659) ، (2660) ، (6020) ] .