أبوتركي
20-04-2007, 01:56 AM
الأغنياء يستفيدون من سخونة الأرض.. و لاعزاء للفقراء
ملف من إعداد - عدنان عضيمة:
بعد أن أصبحت ظاهرة التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض حديثاً يومياً في الصحافة ووسائل الإعلام، تتساءل الآن الأوساط الاجتماعية والسياسية على المستوى العالمي: ما مدى خطورة المشكلة؟، وما تأثيرها على الاقتصاد والحياة ذاتها؟، وهل ثمة من إجراءات أو حلول لها؟·
وظهرت مؤخراً الكثير من المؤشرات والقرائن التي تؤكد أن التغيرات المناخية بدأت بالفعل تلقي بظلها الثقيل على كل من الظواهر الطبيعية التي اعتاد البشر على التعايش معها، وعلى طبائع وعادات الأحياء ذاتها، وعلى سياسات الأمم والشعوب· ويبدو من البديهي أن تترتب عليها أيضاً تأثيرات قوية على الاقتصاد العالمي ذاته·
ومن أمثلة هذه التغيرات أن الكثير من المنحدرات الثلجية الخاصة برياضة التزلج في أوروبا وأميركا وآسيا كانت قبل بضع سنوات فحسب تكتسي غطاءها الثلجي السميك قبل نهاية فصل الخريف، ولكنها تحولت الآن إلى مساحات تغطيها الأعشاب الخضراء بسبب ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض· وبدأت تظهر في المناطق المحاذية لتخوم القطب الشمالي بعض أنواع الأحياء الدخيلة على المنطقة والتي لم تكن تعيش إلا في المناطق المعتدلة· وأصبحت المناطق الصحراوية من أستراليا تعيش حالة جفاف لم يسجّل مثيل لها في تاريخ المنطقة أدت إلى إصابة قطعان الجمال البرية بظاهرة (جنون العطش)· ويمكن القول إن ميزان الحرارة الأرضي يعاني من حالة اضطراب خطيرة ولكنّها ليست مؤقتة بأي حال من الأحوال؛ بل هي ظاهرة دائمة ما لم يتمكن بنو البشر من العثور على طريقة لإعادة التركيبة الغازية لجو الأرض إلى ما كانت عليه قبل حدوث هذه التحولات، وهي المهمة التي توصف بأنها بالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة· وعندما يبحث العلماء عمن يمكن أن توجّه إليه أصابع الاتهام بالتسبب في حدوث هذا التحول المدمّر فإنهم سرعان ما يصلون إلى النتيجة المؤكدة: هو الإنسان·
ومع هذا الواقع المخيف، بدأت الأرقام والإحصائيات التي يتوصل إليها العلماء من خلال دراسات ميدانية، تظهر تباعاً لتزيد من عوامل القلق والاضطراب· وتوقع أحدث تقرير صادر عن (الهيئة الحكومية العالمية المشتركة لدراسة التغيرات المناخية) والذي صدر مؤخراً وأحدث ضجة عالمية، أن ترتفع درجة حرارة جو الأرض بمعدل أربع درجات مئوية كاملة بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين· وبات من الواضح الآن أن من الضروري البحث عن طريقة فعالة لالتقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون O2 من الجوّ طالما أنه يمثل السبب الرئيسي لارتفاع درجة حرارة الأرض·
وبات من الواضح الآن أن أية زيادة جديدة، مهما كانت صغيرة، في درجة حرارة الأرض، سوف تقلب الموازين الاقتصادية والسياسية السائدة· وعلى المدى القصير، سيكون هناك رابحون وخاسرون من ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ ويبدو بوضوح أن التغير المناخي يعمل لصالح دول الشمال الغنية، ولعكس مصلحة دول الجنوب الفقيرة· وخلال العقود القليلة المقبلة سوف تستحق جزيرة (جرينلاند) - أو (الأرض الخضراء)- إسمها بجدارة· ويمكن اعتبار (جرينلاند) قارة منعزلة تقع في أعالي المحيط الأطلسي في القطاع المحاذي للقطب الشمالي وتفوق مساحتها مساحة أوروبا كلها· وسوف تتحول هذه القارة من منطقة مغطاة بالثلج على مدار العام، إلى أرض زراعية بكر تتميز بالخصوبة العالية· وربما كان الروس من أكثر المستفيدين من احترار الأرض (ارتفاع درجة حرارة الأرض ) لأن مناطق التوندرا السيبيرية التي تضم مساحات شاسعة من الأراضي المغطاة بالثلج؛ بدأت بالفعل بالتحول إلى أراض زراعية عالية الخصوبة·
في المقابل هناك الكثير من الخاسرين بسبب التغيرات المناخية؛ حيث ستزداد معاناة الأراضي الزراعية التي تقع على جانبي خط الإستواء من الجفاف وشحّ الأمطار· وتوقع بعض الباحثين البرازيليين أن تتحول الغابات المطريّة الإستوائية التي درج العلماء على تشبيهها ''برئة'' الأرض، بحلول عام ،2100 إلى مجرد مساحات تسودها أعشاب السافانا المتناثرة هنا وهناك لتشبه بذلك سهوب أفريقيا الوسطى التي ترعاها الحيوانات البرية العاشبة· وسوف تتسع رقعة الأراضي الصحراوية التي تجاور المناطق الإستوائية على حساب الأراضي الزراعية التي ستبدأ بالانحسار والتراجع جنوباً وشمالاً· وأصبح الباحثون المتخصصون بمتابعة هذه التغيرات الخطيرة يرسمون خرائط جديدة لمعالم سطح الأرض تأخذ بعين الاعتبار هذه التأثيرات المنتظرة لزيادة حرارة جو الأرض وتبدو فيها الصحراء الأفريقية الكبرى وقد التهمت كل الأراضي الزراعية التي يعتاش منها سكان الساحل والقرن الأفريقي، ويمكن أن تمتد حتى تلاقي صحراء كالاهاري في أقصى جنوب وسط القارة· و بالنسبة لأميركا الوسطى والشمالية، فإن التغيرات المناخية تعني زيادة حدّة وقوة الأعاصير المدمرة· ولم يكن إعصارا كاترينا وريتا اللذان ضربا ولاية نيوأوليانز في صيف عام 2005 إلا بداية لسلسلة من الأعاصير التي ستتردد على الشواطىء الشرقية للولايات المتحدة بين الحين والآخر ووفق إيقاع يزداد شدة وتكرراً بمرور الزمن·
ولا يشك الخبراء أن الناس والأسواق سوف تتأقلم مع الفرص والتحديات التي ستترتب عن هذه التغيرات المناخية· وعندما يتغير المناخ، لا بد أن تتغير معه العادات والسلوكيات البشرية· وفي تقرير مهم نشره الخبير وليام أندرهيل في مجلة نيوزويك، ينقل عن توماس جيل مور الباحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا قوله: (إن لمن الصعب على المرء التصديق أن البشر يعيشون الآن أفضل أيامهم)· ويبدو كلام مور هذا معاكساً لما يمكن للمرء أن يتوقعه من خبير في شؤون وشجون مناخ الأرض؛ إلا أنه يقصد من ذلك الإشارة إلى أن البرد الشديد أكثر إضراراً بالبشر من الحر· وهو يقدّر أن ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض يبلغ 2,5 درجة مئوية يمكنه أن يخفّض عدد الموتى من البرد في الولايات المتحدة بنحو 40 ألفاً سنوياً· ومن المنتظر أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة وما سينتج عنه من ذوبان للمزيد من الصفائح الجليدية التي تغطي تخوم المحيط المتجمد الشمالي، إلى فتح الكثير من المعابر والخطوط البحرية التي ستلعب دوراً مهماً في تنشيط التجارة في أعالي الكرة الأرضية· وعند الحديث عن مقياس الفوائد والأضرار الناتجة عن احترار الأرض، يكون للموقع الجغرافي الأهمية الكبرى؛ ووفقاً لهذا الاعتبار المنطقي، توصل باحثون من جامعة كولومبيا في نيويورك إلى النتيجة التي تفيد بأن سيراليون وبنجلادش القريبتان من خط الإستواء تعدان مثالاً نموذجياً عن البلدان الأكثر تضرراً من احترار الأرض، فيما ستكون دولتا النرويج وفنلندا ، الأكثر قرباً إلى القطب الشمالي، أكثر استفادة من هذه الظاهرة· وفيما ستعاني الدولتان الإستوائيتان من الجفاف الشديد وانتشار الأمراض والأوبئة الجديدة، فإن الدولتين القريبتين من القطب ستتمتعان بالبعض من الدفء غير المعهود، والكثير من الأراضي الزراعية الجديدة القابلة لإنتاج عدة محاصيل في السنة الواحدة· ويضاف إلى كل ذلك أن الكثير من المناطق التي سيتراجع عنها الجليد ستتحول إلى مناطق سياحية·
ويقول أندرهيل في تقريره أن الصورة التي يرسمها العلماء لـ (الأرض الساخنة) تتألف من أخيلة رمادية وليس من بقعة حالكة السواد· وخلال العام الماضي، أصدر الاقتصادي البريطاني نيكولا شتيرن تقريراً مهماً حول التغيرات المناخية أصبح يعدّ اليوم مرجعاً بالنسبة للبيئيين وصنّاع القرار السياسي قال فيه: (سوف تؤدي التغيرات المناخية في الدول الواقعة أعالي الأرض، مثل كندا والدول الاسكندينافية، إلى فوائد حقيقية ستتجلى بزيادة مساحات الأراضي الزراعية ذات الإنتاجية العالية، وانخفاض معدلات الوفاة بسبب أمراض البرد، وتقلص تكاليف التسخين والتدفئة، وازدهار للقطاع السياحي)· ويقول أندرهيل أن الوقت الذي سيهجر فيه عشاق الاستجمام على الشواطىء الإسبانية تلك المناطق ليقضوا عطلاتهم على سواحل بحر البلطيق بات قريباً· وهو يعبر بذلك عن ظاهرة منتظرة تتجلى بهجرة الأسواق السياحية الأوروبية النشيطة نحو الشمال لتقترب من التخوم القطبية· ويبدو الأمر مختلفاً على سفوح جبال الألب الأوروبية؛ إذ يقول تقرير صادر عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أن ارتفاع معدل درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار درجتين فحسب، سوف يهدد المستقبل السياحي لمنتجعات التزلج على الجليد التي دأبت على جذب أعداد غفيرة من السياح سنوياً؛ وقدّر التقرير أن تنخفض عوائد هذه الصناعة المزدهرة بمعدل ثلث عوائدها الحالية· وبدأت العديد من شركات الاستثمار السياحي هناك بالتفكير في مستقبل القمم الجبلية الأكثر ارتفاعاً لأن ثلوجها قادرة على الصمود لمدة أطول أمام الارتفاع المتواصل في درجة حرارة جو الأرض· وتُروى في هذا الصدد قصة طريفة مفادها أن مطعم (جينتيانا) في منطقة دافوس السويسرية الشهيرة بمسطحاتها الجليدية المثالية لرياضة التزلج على الجليد، أصبح يشكو من نقص الثلج المتساقط حتى بدأ صاحبه بالتفكير في استثمار المنطقة بزراعة العنب·
سيول وفقر ومجاعة في العالم الثالث
أما بالنسبة لدول العالم الثالث التي تفتقر إلى المقومات والإمكانات اللازمة للتأقلم مع هذه التغيرات، فإن الأمور تبدو أكثر قتامة· وفي بعض البلدان الفقيرة يمكن لارتفاع طفيف في معدل درجة الحرارة أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي· ويمكن أخذ البلدان المجاورة لسلسلة جبال الهيمالايا مثالاً لذلك؛ حيث سيؤدي انصهار الأنهار الجليدية التي تنتشر بين القمم السامقة للجبال في بداية الأمر إلى زيادة قوة اندفاع مياه السيول التي تجتاح سهول الهند وبنجلادش لتعاني بعد ذلك من نقص حاد في المياه التي تغذي الأنهار· ويتخوف الخبراء من انتهاء ظاهرة الأمطار الموسمية العاصفية التي تتكرر في الهند سنوياً وتعرف باسم (المونسون) مما سيؤدي إلى تعريض ملايين البشر للمجاعة· وسوف يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى المزيد من النتائج والمشاكل الكارثية التي لا يمكن إصلاح أو محو آثارها· وصدرت في هذا الشأن تحذيرات إلى أندونيسيا من أن 2000 من أصل 18000 جزيرة التي تشكل الأرخبيل الأندونيسي، يمكن أن تتعرض للغرق التام تحت سطح البحر· وبات الخبراء الديموغرافيون يتحدثون عن هجرات جماعية مكثفة بسبب الجفاف والفقر المزمن اللذين سيضربان الكثير من الدول الواقعة تحت سفوح الهيمالايا· وستشكل هذه الهجرات حلاً لمشاكل بعض الدول التي تعاني من شيخوخة شعوبها ونقص معدلات الإنجاب فيها مثل اليابان وإيطاليا لأنها ستنتقي من هذه الشعوب المنكوبة الأيدي العاملة الكفؤة التي تحتاجها· ويقول تقرير أندرهيل أن العمل الجاد والمتكامل على المستوى العالمي يمكن أن يخفف من أضرار التغيرات المناخية· وسوف تتصدر قضية التغيرات المناخية قائمة المواضيع الملحة التي ستناقشها مجموعة الثماني التي تمثل الدول الصناعية الكبرى في العالم خلال الصيف المقبل· وبعد أن بقيت الإدارات الأميركية التي تعاقبت على البيت الأبيض خلال السنوات العشرين الماضية، رافضة تماماً لمبدأ التصدي لظاهرة احترار الأرض، فلقد جاء في أحد التقارير الصادرة عن مكتب الرئيس جورج بوش (ان الأميركيين أصبحوا يدركون الآن أن مشكلة التغيرات المناخية تساوي في خطورتها مشكلة الإرهاب)· وبشكل عام، أصبح رؤساء الدول الثماني يدركون الآن أكثر من أي وقت مضى أن من المهم الاستجابة للمطالب الشعبية المتزايدة فيما يتعلق بإنقاذ بيئة الأرض من هذه التأثيرات المدمرة·
ملف من إعداد - عدنان عضيمة:
بعد أن أصبحت ظاهرة التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض حديثاً يومياً في الصحافة ووسائل الإعلام، تتساءل الآن الأوساط الاجتماعية والسياسية على المستوى العالمي: ما مدى خطورة المشكلة؟، وما تأثيرها على الاقتصاد والحياة ذاتها؟، وهل ثمة من إجراءات أو حلول لها؟·
وظهرت مؤخراً الكثير من المؤشرات والقرائن التي تؤكد أن التغيرات المناخية بدأت بالفعل تلقي بظلها الثقيل على كل من الظواهر الطبيعية التي اعتاد البشر على التعايش معها، وعلى طبائع وعادات الأحياء ذاتها، وعلى سياسات الأمم والشعوب· ويبدو من البديهي أن تترتب عليها أيضاً تأثيرات قوية على الاقتصاد العالمي ذاته·
ومن أمثلة هذه التغيرات أن الكثير من المنحدرات الثلجية الخاصة برياضة التزلج في أوروبا وأميركا وآسيا كانت قبل بضع سنوات فحسب تكتسي غطاءها الثلجي السميك قبل نهاية فصل الخريف، ولكنها تحولت الآن إلى مساحات تغطيها الأعشاب الخضراء بسبب ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض· وبدأت تظهر في المناطق المحاذية لتخوم القطب الشمالي بعض أنواع الأحياء الدخيلة على المنطقة والتي لم تكن تعيش إلا في المناطق المعتدلة· وأصبحت المناطق الصحراوية من أستراليا تعيش حالة جفاف لم يسجّل مثيل لها في تاريخ المنطقة أدت إلى إصابة قطعان الجمال البرية بظاهرة (جنون العطش)· ويمكن القول إن ميزان الحرارة الأرضي يعاني من حالة اضطراب خطيرة ولكنّها ليست مؤقتة بأي حال من الأحوال؛ بل هي ظاهرة دائمة ما لم يتمكن بنو البشر من العثور على طريقة لإعادة التركيبة الغازية لجو الأرض إلى ما كانت عليه قبل حدوث هذه التحولات، وهي المهمة التي توصف بأنها بالغة الصعوبة إن لم تكن مستحيلة· وعندما يبحث العلماء عمن يمكن أن توجّه إليه أصابع الاتهام بالتسبب في حدوث هذا التحول المدمّر فإنهم سرعان ما يصلون إلى النتيجة المؤكدة: هو الإنسان·
ومع هذا الواقع المخيف، بدأت الأرقام والإحصائيات التي يتوصل إليها العلماء من خلال دراسات ميدانية، تظهر تباعاً لتزيد من عوامل القلق والاضطراب· وتوقع أحدث تقرير صادر عن (الهيئة الحكومية العالمية المشتركة لدراسة التغيرات المناخية) والذي صدر مؤخراً وأحدث ضجة عالمية، أن ترتفع درجة حرارة جو الأرض بمعدل أربع درجات مئوية كاملة بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين· وبات من الواضح الآن أن من الضروري البحث عن طريقة فعالة لالتقاط غاز ثاني أوكسيد الكربون O2 من الجوّ طالما أنه يمثل السبب الرئيسي لارتفاع درجة حرارة الأرض·
وبات من الواضح الآن أن أية زيادة جديدة، مهما كانت صغيرة، في درجة حرارة الأرض، سوف تقلب الموازين الاقتصادية والسياسية السائدة· وعلى المدى القصير، سيكون هناك رابحون وخاسرون من ارتفاع درجة حرارة الأرض؛ ويبدو بوضوح أن التغير المناخي يعمل لصالح دول الشمال الغنية، ولعكس مصلحة دول الجنوب الفقيرة· وخلال العقود القليلة المقبلة سوف تستحق جزيرة (جرينلاند) - أو (الأرض الخضراء)- إسمها بجدارة· ويمكن اعتبار (جرينلاند) قارة منعزلة تقع في أعالي المحيط الأطلسي في القطاع المحاذي للقطب الشمالي وتفوق مساحتها مساحة أوروبا كلها· وسوف تتحول هذه القارة من منطقة مغطاة بالثلج على مدار العام، إلى أرض زراعية بكر تتميز بالخصوبة العالية· وربما كان الروس من أكثر المستفيدين من احترار الأرض (ارتفاع درجة حرارة الأرض ) لأن مناطق التوندرا السيبيرية التي تضم مساحات شاسعة من الأراضي المغطاة بالثلج؛ بدأت بالفعل بالتحول إلى أراض زراعية عالية الخصوبة·
في المقابل هناك الكثير من الخاسرين بسبب التغيرات المناخية؛ حيث ستزداد معاناة الأراضي الزراعية التي تقع على جانبي خط الإستواء من الجفاف وشحّ الأمطار· وتوقع بعض الباحثين البرازيليين أن تتحول الغابات المطريّة الإستوائية التي درج العلماء على تشبيهها ''برئة'' الأرض، بحلول عام ،2100 إلى مجرد مساحات تسودها أعشاب السافانا المتناثرة هنا وهناك لتشبه بذلك سهوب أفريقيا الوسطى التي ترعاها الحيوانات البرية العاشبة· وسوف تتسع رقعة الأراضي الصحراوية التي تجاور المناطق الإستوائية على حساب الأراضي الزراعية التي ستبدأ بالانحسار والتراجع جنوباً وشمالاً· وأصبح الباحثون المتخصصون بمتابعة هذه التغيرات الخطيرة يرسمون خرائط جديدة لمعالم سطح الأرض تأخذ بعين الاعتبار هذه التأثيرات المنتظرة لزيادة حرارة جو الأرض وتبدو فيها الصحراء الأفريقية الكبرى وقد التهمت كل الأراضي الزراعية التي يعتاش منها سكان الساحل والقرن الأفريقي، ويمكن أن تمتد حتى تلاقي صحراء كالاهاري في أقصى جنوب وسط القارة· و بالنسبة لأميركا الوسطى والشمالية، فإن التغيرات المناخية تعني زيادة حدّة وقوة الأعاصير المدمرة· ولم يكن إعصارا كاترينا وريتا اللذان ضربا ولاية نيوأوليانز في صيف عام 2005 إلا بداية لسلسلة من الأعاصير التي ستتردد على الشواطىء الشرقية للولايات المتحدة بين الحين والآخر ووفق إيقاع يزداد شدة وتكرراً بمرور الزمن·
ولا يشك الخبراء أن الناس والأسواق سوف تتأقلم مع الفرص والتحديات التي ستترتب عن هذه التغيرات المناخية· وعندما يتغير المناخ، لا بد أن تتغير معه العادات والسلوكيات البشرية· وفي تقرير مهم نشره الخبير وليام أندرهيل في مجلة نيوزويك، ينقل عن توماس جيل مور الباحث في معهد هوفر التابع لجامعة ستانفورد في كاليفورنيا قوله: (إن لمن الصعب على المرء التصديق أن البشر يعيشون الآن أفضل أيامهم)· ويبدو كلام مور هذا معاكساً لما يمكن للمرء أن يتوقعه من خبير في شؤون وشجون مناخ الأرض؛ إلا أنه يقصد من ذلك الإشارة إلى أن البرد الشديد أكثر إضراراً بالبشر من الحر· وهو يقدّر أن ارتفاعاً في درجة حرارة الأرض يبلغ 2,5 درجة مئوية يمكنه أن يخفّض عدد الموتى من البرد في الولايات المتحدة بنحو 40 ألفاً سنوياً· ومن المنتظر أن يؤدي ارتفاع درجة الحرارة وما سينتج عنه من ذوبان للمزيد من الصفائح الجليدية التي تغطي تخوم المحيط المتجمد الشمالي، إلى فتح الكثير من المعابر والخطوط البحرية التي ستلعب دوراً مهماً في تنشيط التجارة في أعالي الكرة الأرضية· وعند الحديث عن مقياس الفوائد والأضرار الناتجة عن احترار الأرض، يكون للموقع الجغرافي الأهمية الكبرى؛ ووفقاً لهذا الاعتبار المنطقي، توصل باحثون من جامعة كولومبيا في نيويورك إلى النتيجة التي تفيد بأن سيراليون وبنجلادش القريبتان من خط الإستواء تعدان مثالاً نموذجياً عن البلدان الأكثر تضرراً من احترار الأرض، فيما ستكون دولتا النرويج وفنلندا ، الأكثر قرباً إلى القطب الشمالي، أكثر استفادة من هذه الظاهرة· وفيما ستعاني الدولتان الإستوائيتان من الجفاف الشديد وانتشار الأمراض والأوبئة الجديدة، فإن الدولتين القريبتين من القطب ستتمتعان بالبعض من الدفء غير المعهود، والكثير من الأراضي الزراعية الجديدة القابلة لإنتاج عدة محاصيل في السنة الواحدة· ويضاف إلى كل ذلك أن الكثير من المناطق التي سيتراجع عنها الجليد ستتحول إلى مناطق سياحية·
ويقول أندرهيل في تقريره أن الصورة التي يرسمها العلماء لـ (الأرض الساخنة) تتألف من أخيلة رمادية وليس من بقعة حالكة السواد· وخلال العام الماضي، أصدر الاقتصادي البريطاني نيكولا شتيرن تقريراً مهماً حول التغيرات المناخية أصبح يعدّ اليوم مرجعاً بالنسبة للبيئيين وصنّاع القرار السياسي قال فيه: (سوف تؤدي التغيرات المناخية في الدول الواقعة أعالي الأرض، مثل كندا والدول الاسكندينافية، إلى فوائد حقيقية ستتجلى بزيادة مساحات الأراضي الزراعية ذات الإنتاجية العالية، وانخفاض معدلات الوفاة بسبب أمراض البرد، وتقلص تكاليف التسخين والتدفئة، وازدهار للقطاع السياحي)· ويقول أندرهيل أن الوقت الذي سيهجر فيه عشاق الاستجمام على الشواطىء الإسبانية تلك المناطق ليقضوا عطلاتهم على سواحل بحر البلطيق بات قريباً· وهو يعبر بذلك عن ظاهرة منتظرة تتجلى بهجرة الأسواق السياحية الأوروبية النشيطة نحو الشمال لتقترب من التخوم القطبية· ويبدو الأمر مختلفاً على سفوح جبال الألب الأوروبية؛ إذ يقول تقرير صادر عن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي أن ارتفاع معدل درجة حرارة الكرة الأرضية بمقدار درجتين فحسب، سوف يهدد المستقبل السياحي لمنتجعات التزلج على الجليد التي دأبت على جذب أعداد غفيرة من السياح سنوياً؛ وقدّر التقرير أن تنخفض عوائد هذه الصناعة المزدهرة بمعدل ثلث عوائدها الحالية· وبدأت العديد من شركات الاستثمار السياحي هناك بالتفكير في مستقبل القمم الجبلية الأكثر ارتفاعاً لأن ثلوجها قادرة على الصمود لمدة أطول أمام الارتفاع المتواصل في درجة حرارة جو الأرض· وتُروى في هذا الصدد قصة طريفة مفادها أن مطعم (جينتيانا) في منطقة دافوس السويسرية الشهيرة بمسطحاتها الجليدية المثالية لرياضة التزلج على الجليد، أصبح يشكو من نقص الثلج المتساقط حتى بدأ صاحبه بالتفكير في استثمار المنطقة بزراعة العنب·
سيول وفقر ومجاعة في العالم الثالث
أما بالنسبة لدول العالم الثالث التي تفتقر إلى المقومات والإمكانات اللازمة للتأقلم مع هذه التغيرات، فإن الأمور تبدو أكثر قتامة· وفي بعض البلدان الفقيرة يمكن لارتفاع طفيف في معدل درجة الحرارة أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الإنتاج الزراعي· ويمكن أخذ البلدان المجاورة لسلسلة جبال الهيمالايا مثالاً لذلك؛ حيث سيؤدي انصهار الأنهار الجليدية التي تنتشر بين القمم السامقة للجبال في بداية الأمر إلى زيادة قوة اندفاع مياه السيول التي تجتاح سهول الهند وبنجلادش لتعاني بعد ذلك من نقص حاد في المياه التي تغذي الأنهار· ويتخوف الخبراء من انتهاء ظاهرة الأمطار الموسمية العاصفية التي تتكرر في الهند سنوياً وتعرف باسم (المونسون) مما سيؤدي إلى تعريض ملايين البشر للمجاعة· وسوف يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى المزيد من النتائج والمشاكل الكارثية التي لا يمكن إصلاح أو محو آثارها· وصدرت في هذا الشأن تحذيرات إلى أندونيسيا من أن 2000 من أصل 18000 جزيرة التي تشكل الأرخبيل الأندونيسي، يمكن أن تتعرض للغرق التام تحت سطح البحر· وبات الخبراء الديموغرافيون يتحدثون عن هجرات جماعية مكثفة بسبب الجفاف والفقر المزمن اللذين سيضربان الكثير من الدول الواقعة تحت سفوح الهيمالايا· وستشكل هذه الهجرات حلاً لمشاكل بعض الدول التي تعاني من شيخوخة شعوبها ونقص معدلات الإنجاب فيها مثل اليابان وإيطاليا لأنها ستنتقي من هذه الشعوب المنكوبة الأيدي العاملة الكفؤة التي تحتاجها· ويقول تقرير أندرهيل أن العمل الجاد والمتكامل على المستوى العالمي يمكن أن يخفف من أضرار التغيرات المناخية· وسوف تتصدر قضية التغيرات المناخية قائمة المواضيع الملحة التي ستناقشها مجموعة الثماني التي تمثل الدول الصناعية الكبرى في العالم خلال الصيف المقبل· وبعد أن بقيت الإدارات الأميركية التي تعاقبت على البيت الأبيض خلال السنوات العشرين الماضية، رافضة تماماً لمبدأ التصدي لظاهرة احترار الأرض، فلقد جاء في أحد التقارير الصادرة عن مكتب الرئيس جورج بوش (ان الأميركيين أصبحوا يدركون الآن أن مشكلة التغيرات المناخية تساوي في خطورتها مشكلة الإرهاب)· وبشكل عام، أصبح رؤساء الدول الثماني يدركون الآن أكثر من أي وقت مضى أن من المهم الاستجابة للمطالب الشعبية المتزايدة فيما يتعلق بإنقاذ بيئة الأرض من هذه التأثيرات المدمرة·