المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل الإخلاص والصدق وإحضار النية في جميع الأعمال البارزة



qatar1
21-04-2007, 03:04 PM
فصل وفي الإخلاص , والصدق , وإحضار النية في جميع الأعمال البارزة , والخفية قال الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } , وقال تعالى : { فاعبد الله مخلصا } , وقال تعالى { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله } ,

وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى , فمن كانت هجرته إلى الله , ورسوله , فهجرته إلى الله , ورسوله , ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه } ) حديث صحيح متفق على صحته مجمع على عظم موقعه , وجلالته , وهو إحدى قواعد الإيمان , وأول دعائمه , وآكد الأركان . قال الشافعي رحمه الله : يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه , وقال أيضا : هو ثلث العلم , وكذا قاله أيضا غيره , وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام , وقد اختلف في عدها فقيل : ثلاثة , وقيل : أربعة , وقيل : اثنان , وقيل : حديث , وقد جمعتها كلها في جزء الأربعين فبلغت أربعين حديثا , لا يستغني متدين عن معرفتها ; لأنها كلها صحيحة جامعة قواعد الإسلام , في الأصول , والفروع , والزهد , والآداب , ومكارم الأخلاق , وغير ذلك , وإنما بدأت بهذا الحديث تأسيا بأئمتنا , ومتقدمي أسلافنا من العلماء رضي الله عنهم , وقد ابتدأ به إمام أهل الحديث بلا مدافعة أبو عبد الله البخاري في صحيحه , ونقل جماعة أن السلف كانوا يستحبون افتتاح الكتب بهذا الحديث تنبيها للطالب على تصحيح النية , وإرادته وجه الله تعالى بجميع أعماله البارزة , والخفية .

وروينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال : لو صنفت كتابا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث , وروينا عنه أيضا [ ص: 37 ] قال : من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث , وقال الإمام أبو سليمان محمد بن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي الشافعي الإمام في ( كتابه المعالم ) رحمه الله تعالى كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث : { الأعمال بالنيات } أمام كل شيء ينشأ , ويبتدأ من أمور الدين . لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها , وهذه أحرف من كلام العارفين في الإخلاص , والصدق .

قال أبو العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : " إنما يعطى الرجل على قدر نيته " , وقال أبو محمد سهل بن عبد الله التستري رحمه الله : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركاته , وسكونه في سره , وعلانيته لله تعالى وحده , لا يمازجه شيء , لا نفس , ولا هوى , ولا دنيا , وقال السري رحمه الله : لا تعمل للناس شيئا , ولا تترك لهم شيئا , ولا تعط لهم شيئا , ولا تكشف لهم شيئا , وروينا عن حبيب بن أبي ثابت التابعي رحمه الله أنه قيل له : حدثنا فقال : حتى تجيء النية , وعن أبي عبد الله سفيان بن سعيد الثوري رحمه الله قال : ما عالجت شيئا أشد علي من نيتي إنها تتقلب علي , وروينا عن الأستاذ أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيري رحمه الله في رسالته المشهورة قال : الإخلاص إفراد الحق في الطاعة بالقصد , وهو أن يريد بطاعته التقرب إلى الله تعالى , دون شيء آخر من تصنع لمخلوق , أو اكتساب محمدة عند الناس , أو محبة مدح من الخلق , أو شيء سوى التقرب إلى الله تعالى . قال : ويصح أن يقال الإخلاص تصفية العقل عن ملاحظة الخلق , والصدق التنقي عن مطالعة النفس . فالمخلص لا رياء له , والصادق لا إعجاب له .

وعن أبي يعقوب السوسي رحمه الله قال : متى شهدوا في إخلاصهم الإخلاص , احتاج إخلاصهم إلى إخلاص , وعن ذي النون رحمه الله قال : ثلاثة من علامات الإخلاص : استواء المدح , والذم من العامة , ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال , واقتضاء ثواب العمل في الآخرة , وعن أبي عثمان رحمه الله قال : الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق , وعن حذيفة المرعشي رحمه الله قال : الإخلاص أن تستوي أفعال العبد في الظاهر , والباطن .

[ ص: 38 ] وعن أبي علي الفضيل بن عياض رحمه الله قال : ترك العمل لأجل الناس رياء , والعمل لأجل الناس شرك , والإخلاص أن يعافيك الله منهما . وعن رويم رحمه الله قال : الإخلاص أن لا يريد على عمله عوضا من الدارين , ولا حظا من الملكين , وعن يوسف بن الحسين رحمه الله قال : أعز شيء في الدنيا الإخلاص , وعن أبي عثمان قال : إخلاص العوام ما لا يكون للنفس فيه حظ , وإخلاص الخواص ما يجري عليهم لا بهم , فتبدو منهم الطاعات , وهم عنها بمعزل , ولا يقع لهم عليها رؤية , ولا بها اعتداد .

وأما الصدق فقال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين } قال القشيري : الصدق عماد الأمر , وبه تمامه , وفيه نظامه , وأقله استواء السر , والعلانية , وروينا عن سهل بن عبد الله التستري قال : لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره , وعن ذي النون رحمه الله قال : الصدق سيف الله ما وضع على شيء إلا قطعه , وعن الحارث بن أسد المحاسبي بضم الميم رحمه الله قال : الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه , ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله , ولا يكره اطلاعهم على السيئ من عمله ; لأن كراهته ذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم , وليس هذا من أخلاق الصديقين , وعن أبي القاسم الجنيد بن محمد رحمه الله قال : الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة , والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة .

قلت : معناه أن الصادق يدور مع الحق حيث دار فإذا كان الفضل الشرعي في الصلاة مثلا صلى , وإذا كان في مجالسة العلماء , والصالحين , والضيفان , والعيال , وقضاء حاجة مسلم , وجبر قلب مكسور , ونحو ذلك فعل ذلك الأفضل , وترك عادته , وكذلك الصوم , والقراءة , والذكر , والأكل , والشرب , والجد , والمزح , والاختلاط , والاعتزال , والتنعم , والابتذال , ونحوها , فحيث رأى الفضيلة الشرعية في شيء من هذا فعله , ولا يرتبط بعادة , ولا بعبادة مخصوصة , كما يفعله المرائي , وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أحوال في صلاته , وصيامه , وأوراده , وأكله , وشربه , ولبسه , وركوبه , ومعاشرة أهله , وجده , ومزاحه , وسروره , وغضبه , وإغلاظه في إنكار المنكر , ورفقه فيه , وعقوبته مستحقي التعزير , وصفحه عنهم , وغير ذلك بحسب الإمكان , والأفضل في ذلك الوقت , والحال .

[ ص: 39 ] ولا شك في اختلاف أحوال الشيء في الأفضلية , فإن الصوم حرام يوم العيد , واجب قبله , مسنون بعده , والصلاة محبوبة في معظم الأوقات , وتكره في أوقات , وأحوال , كمدافعة الأخبثين , وقراءة القرآن محبوبة , وتكره في الركوع , والسجود , وغير ذلك , وكذلك تحسين اللباس يوم الجمعة , والعيد , وخلافه يوم الاستسقاء , وكذلك ما أشبه هذه الأمثلة . وهذه نبذة يسيرة ترشد الموفق إلى السداد , وتحمله على الاستقامة , وسلوك طريق الرشاد .