أبوتركي
22-04-2007, 12:41 PM
وجهة نظر اقتصادية - الأنشطة الاقتصادية الخضراء
سميح مسعود
كثيرة هي المواضيع البيئية التي فرضت نفسها على أجندة البحث وعلى الواقع العالمي، وعنوان هذا المقال من بينها. ويكثر الحديث عن هذا الموضوع في سياق دراسات تظهر بين الحين والآخر، تبحث في معطيات خدمات وسلع وتقانات ومبتكرات واعدة جديدة في مختلف الأنشطة الاقتصادية، متخصصة بالمحافظة على بيئة نظيفة.
واطلعت أخيراً على نتائج دراسة في هذا الشأن أعدت بناء على طلب من شركة «شل» النفطية، تمحورت حول خدمات ومنتجات صديقة للبيئة، متخصصة في مجال خفض انبعاث الكربون وغازات الاحتباس الحراري، في نطاق أنشطة اقتصادية كثيرة، منها صناعة السيارات وتوليد الكهرباء ومصادر الطاقة المتجددة، وأجهزة استخدام الطاقة وغيرها من الأنشطة. وتوقعت الدراسة أن تشكل هذه الخدمات والمنتجات قطاعاً اقتصادياً جديداً له دوره المؤثر في الاقتصاد العالمي، وقدرت أن تبلغ قيمة استثماراته نحو تريليون دولار بحلول عام 2010، وأن يكون له أثر كبير على النمو الاقتصادي وتنشيط التجارة الدولية، كما قدرت أن تبلغ حصة بريطانيا في هذا القطاع الجديد نحو 15 بليون جنيه استرليني. وطبيعي أن تحقق هذه الاستثمارات الضخمة أرباحاً طائلة للشركات المعنية، وتساعد على خلق فرص عمل جديدة تساهم في الحد من معدلات البطالة. وتطرق وزير الخزانة البريطاني لهذا الأمر في أحد خطبه، وبيّن ضخامة الأرباح المتوقعة من استثمارات مكافحة التغير المناخي، وتوقع أن تحقق بريطانيا وحدها مئة ألف فرصة عمل جديدة من استثماراتها في هذا المجال.
وعلى رغم وجود أنشطة «خضر» كثيرة في الوقت الحاضر، وتوقع رؤية سيارات تعمل على وقود هجين ومرن في الأسواق ابتداء من الصيف القادم. لكن يعتبر إفراطاً في التفاؤل تحقيق ما توصلت إليه الدراسة في الأجل القصير (عام 2010)، في ظل غياب استحقاقات كثيرة لا بد من تأمينها لخلق بيئة محفزة وجاذبة، تشجع الشركات على الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية الخضر، ألخص اهمها بالأمرين التاليين:
أولهما: إصدار قوانين في مجال ترشيد استهلاك الطاقة، واستخدام الطاقة المتجددة، والحد من مواصلة ضخ ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي من قبل قطاعي الصناعة والنقل، خصوصاً أن الدول الصناعية لم تصدر بعد القوانين اللازمة في هذا الخصوص.
فعلى سبيل المثال، بينما تطالب المفوضية الأوروبية بأن تتخذ دول الاتحاد الأوروبي إجراءات صارمة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، بتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للظاهرة بمعدل 30 في المئة بحلول عام 2010، نجد أن وزراء البيئة في دول الاتحاد الأوروبي، اعترضوا في نهاية اجتماع عقد في شباط الماضي في بروكسل على مثل هذه الإجراءات الصارمة، ولم يتفقوا على نسبة للخفض في دولهم، تكون ملزمة بحكم القانون، علماً ان الاتحاد الأوروبي مسؤول بحسب إحصاءاته الرسمية عن أكثر من ستة آلاف مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون انبعثت من دوله في عام 2004.
وثانيهما، وجود إجماع دولي فاعل لمكافحة التغير المناخي والحد من الأضرار البالغة التي تلحق بالبيئة، لأن على رغم إدراك الدول حقائق هذه الاضرار وخطرها على البشرية جمعاء، من دواعي الأسف، غياب اي توافق في ما بينها، خصوصاً الصناعية منها، يفتح أفاقاً لشراكة حقيقية تتحمل فيها هذه الدول المسؤولية معنوياً ومالياً في المحافظة على البيئة.
لذلك ثمة أمور خلافية كثيرة ما زالت تكتنف المجتمع الدولي في مجال القضايا البيئية، حتى الأساسية منها، تزداد عمقاً في بعض جوانبها، على رغم كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية للتقريب بين مواقف الدول المختلفة، وعقد اجتماعات كثيرة منها «قمة الأرض» في عام 1992، ومؤتمر جوهانسبورغ في عام 2002، ما يفسر أسباب ضآلة حصيلة مكافحة تلوث البيئة على الصعيد العالمي، وامتناع بعض الدول الكبرى عن المصادقة على اتفاقات مهمة، كامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التوقيع على بروتوكول «كيوتو» للحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
ومن القضايا الخلافية أيضاً، عدم اتفاق دول العالم على الإدارة البيئية الدولية، حيث يرى بعضها أن برنامج الأمم المتحدة الذي أنشئ في عام 1972، آلية ملائمة للنهوض بالعمل البيئي العالمي، ويطالب بعضها الآخر بتحويل هذا البرنامج إلى منظمة دولية ذات طابع عالمي على غرار منظمة الصحة العالمية. وهذا ما اقترحه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في نداء بمناسبة اختتام مؤتمر دولي عقد اخيراً في باريس حول إدارة البيئة العالمية، وطالب فيه بأن تكون المنظمة الجديدة أكثر شفافية وانفتاحاً على الشركات ومنظمات المجتمع المدني، وتتمتع بإمكانات أكبر مالياً وتنفيذياً. وأيد الاقتراح 46 دولة، واعترضت عليه دول كثيرة، منها دول أوروبية ودول ناشئة كبرى كالصين والهند والبرازيل، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية.
لا شك في ان هذه القضايا الخلافية بين دول العالم تؤثر سلباً، ليس فقط على الانشطة الاقتصادية الخضراء، بل على مستقبل الاقتصاد العالمي الذي يتوقف بصورة حاسمة على نجاح التعاون الدولي في الحد من استنفاد الموارد الطبيعية، والمحافظة على سلامة البيئة. ولن يتحقق هذا الهدف إلا بوزن الامور البيئية والتصرف حيالها بعيداً من الخلافات السياسية، واعتبار ضغوط التغير المناخي وتلوث البيئة اخطاراً تهدد سلام المجتمع البشري وفرص الاجيال القادمة في البقاء والتنمية.
وعبَّر عن هذا التصور نائب رئيس الولايات المتحدة السابق آل غور في كلمة ألقاها بمناسبة حصول فيلمه الوثائقي حول الاحتباس الحراري (حقيقة محرجة) على جائزة الأوسكار، حيث قال: «يجب أن نحل مسألة التغير المناخي. إنها ليست مشكلة سياسية، بل أخلاقية للمحافظة على كوكب الأرض، ومن أجل التقدم والتنمية المستدامة لمصلحة الإنسان في كل مكان».
* خبير اقتصادي
سميح مسعود
كثيرة هي المواضيع البيئية التي فرضت نفسها على أجندة البحث وعلى الواقع العالمي، وعنوان هذا المقال من بينها. ويكثر الحديث عن هذا الموضوع في سياق دراسات تظهر بين الحين والآخر، تبحث في معطيات خدمات وسلع وتقانات ومبتكرات واعدة جديدة في مختلف الأنشطة الاقتصادية، متخصصة بالمحافظة على بيئة نظيفة.
واطلعت أخيراً على نتائج دراسة في هذا الشأن أعدت بناء على طلب من شركة «شل» النفطية، تمحورت حول خدمات ومنتجات صديقة للبيئة، متخصصة في مجال خفض انبعاث الكربون وغازات الاحتباس الحراري، في نطاق أنشطة اقتصادية كثيرة، منها صناعة السيارات وتوليد الكهرباء ومصادر الطاقة المتجددة، وأجهزة استخدام الطاقة وغيرها من الأنشطة. وتوقعت الدراسة أن تشكل هذه الخدمات والمنتجات قطاعاً اقتصادياً جديداً له دوره المؤثر في الاقتصاد العالمي، وقدرت أن تبلغ قيمة استثماراته نحو تريليون دولار بحلول عام 2010، وأن يكون له أثر كبير على النمو الاقتصادي وتنشيط التجارة الدولية، كما قدرت أن تبلغ حصة بريطانيا في هذا القطاع الجديد نحو 15 بليون جنيه استرليني. وطبيعي أن تحقق هذه الاستثمارات الضخمة أرباحاً طائلة للشركات المعنية، وتساعد على خلق فرص عمل جديدة تساهم في الحد من معدلات البطالة. وتطرق وزير الخزانة البريطاني لهذا الأمر في أحد خطبه، وبيّن ضخامة الأرباح المتوقعة من استثمارات مكافحة التغير المناخي، وتوقع أن تحقق بريطانيا وحدها مئة ألف فرصة عمل جديدة من استثماراتها في هذا المجال.
وعلى رغم وجود أنشطة «خضر» كثيرة في الوقت الحاضر، وتوقع رؤية سيارات تعمل على وقود هجين ومرن في الأسواق ابتداء من الصيف القادم. لكن يعتبر إفراطاً في التفاؤل تحقيق ما توصلت إليه الدراسة في الأجل القصير (عام 2010)، في ظل غياب استحقاقات كثيرة لا بد من تأمينها لخلق بيئة محفزة وجاذبة، تشجع الشركات على الاستثمار في الأنشطة الاقتصادية الخضر، ألخص اهمها بالأمرين التاليين:
أولهما: إصدار قوانين في مجال ترشيد استهلاك الطاقة، واستخدام الطاقة المتجددة، والحد من مواصلة ضخ ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي من قبل قطاعي الصناعة والنقل، خصوصاً أن الدول الصناعية لم تصدر بعد القوانين اللازمة في هذا الخصوص.
فعلى سبيل المثال، بينما تطالب المفوضية الأوروبية بأن تتخذ دول الاتحاد الأوروبي إجراءات صارمة لمكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، بتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون المسبب للظاهرة بمعدل 30 في المئة بحلول عام 2010، نجد أن وزراء البيئة في دول الاتحاد الأوروبي، اعترضوا في نهاية اجتماع عقد في شباط الماضي في بروكسل على مثل هذه الإجراءات الصارمة، ولم يتفقوا على نسبة للخفض في دولهم، تكون ملزمة بحكم القانون، علماً ان الاتحاد الأوروبي مسؤول بحسب إحصاءاته الرسمية عن أكثر من ستة آلاف مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون انبعثت من دوله في عام 2004.
وثانيهما، وجود إجماع دولي فاعل لمكافحة التغير المناخي والحد من الأضرار البالغة التي تلحق بالبيئة، لأن على رغم إدراك الدول حقائق هذه الاضرار وخطرها على البشرية جمعاء، من دواعي الأسف، غياب اي توافق في ما بينها، خصوصاً الصناعية منها، يفتح أفاقاً لشراكة حقيقية تتحمل فيها هذه الدول المسؤولية معنوياً ومالياً في المحافظة على البيئة.
لذلك ثمة أمور خلافية كثيرة ما زالت تكتنف المجتمع الدولي في مجال القضايا البيئية، حتى الأساسية منها، تزداد عمقاً في بعض جوانبها، على رغم كل الجهود التي بذلت خلال السنوات الماضية للتقريب بين مواقف الدول المختلفة، وعقد اجتماعات كثيرة منها «قمة الأرض» في عام 1992، ومؤتمر جوهانسبورغ في عام 2002، ما يفسر أسباب ضآلة حصيلة مكافحة تلوث البيئة على الصعيد العالمي، وامتناع بعض الدول الكبرى عن المصادقة على اتفاقات مهمة، كامتناع الولايات المتحدة الأميركية عن التوقيع على بروتوكول «كيوتو» للحد من انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ.
ومن القضايا الخلافية أيضاً، عدم اتفاق دول العالم على الإدارة البيئية الدولية، حيث يرى بعضها أن برنامج الأمم المتحدة الذي أنشئ في عام 1972، آلية ملائمة للنهوض بالعمل البيئي العالمي، ويطالب بعضها الآخر بتحويل هذا البرنامج إلى منظمة دولية ذات طابع عالمي على غرار منظمة الصحة العالمية. وهذا ما اقترحه الرئيس الفرنسي جاك شيراك في نداء بمناسبة اختتام مؤتمر دولي عقد اخيراً في باريس حول إدارة البيئة العالمية، وطالب فيه بأن تكون المنظمة الجديدة أكثر شفافية وانفتاحاً على الشركات ومنظمات المجتمع المدني، وتتمتع بإمكانات أكبر مالياً وتنفيذياً. وأيد الاقتراح 46 دولة، واعترضت عليه دول كثيرة، منها دول أوروبية ودول ناشئة كبرى كالصين والهند والبرازيل، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية.
لا شك في ان هذه القضايا الخلافية بين دول العالم تؤثر سلباً، ليس فقط على الانشطة الاقتصادية الخضراء، بل على مستقبل الاقتصاد العالمي الذي يتوقف بصورة حاسمة على نجاح التعاون الدولي في الحد من استنفاد الموارد الطبيعية، والمحافظة على سلامة البيئة. ولن يتحقق هذا الهدف إلا بوزن الامور البيئية والتصرف حيالها بعيداً من الخلافات السياسية، واعتبار ضغوط التغير المناخي وتلوث البيئة اخطاراً تهدد سلام المجتمع البشري وفرص الاجيال القادمة في البقاء والتنمية.
وعبَّر عن هذا التصور نائب رئيس الولايات المتحدة السابق آل غور في كلمة ألقاها بمناسبة حصول فيلمه الوثائقي حول الاحتباس الحراري (حقيقة محرجة) على جائزة الأوسكار، حيث قال: «يجب أن نحل مسألة التغير المناخي. إنها ليست مشكلة سياسية، بل أخلاقية للمحافظة على كوكب الأرض، ومن أجل التقدم والتنمية المستدامة لمصلحة الإنسان في كل مكان».
* خبير اقتصادي