qatar1
22-04-2007, 05:12 PM
السائلة: إنصاف - فلسطين
- الموضوع : فقه الدعوة، قضايا وشبهات
السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين، أما بعد
: سؤالي يتعلق بحركة الدعوة الذين يسمون أنفسهم "رجال الدعوة"، فهناك الكثير
من الشباب المنضمين إلى هذه الحركة من المنحرفين... المدمنين سابقا، والقائمين
على هذه الحركة كان لهم دور كبير في إصلاحهم وعودتهم إلى الله.
هذه الحركة لها معتقدات معينة بحاجة إلى إرشاد وتوعية؛ لأن معتقداتهم تضر
بالمجتمع المسلم؛ فمثلا يدعون إلى العبادة وتوقف العمل الذي يجلب الرزق؛
فالعمل بالنسبة لهم عائق أمام العبادة، أو العمل لساعات قليلة، وأيام قليلة
تمكنهم من الخروج للدعوة، كما يدعون إلى عدم خروج الفتاة إلى المدرسة؛ لأن
هناك اختلاطا، ويدعون إلى عدم خروج المرأة من بيتها، ويعتمدون في ذلك على
أنصاف آيات "وقرن في بيوتكن"، ولبس النقاب للمرأة فهو بنظرهم فرض.
هم يخرجون للدعوة 40 يوما، وأحيانا 4 شهور إلى الهند، ويتركون نساءهم،
وأطفالهم دون رزق، ويقولون: "الله الرزاق، فنحن نترك أهلنا كما ترك أبونا
إبراهيم عليه السلام زوجته السيدة هاجر في أرض قاحلة، والله تكفلها ورزقها"،
هذا على حد قولهم، ويعتمدون في دعوتهم على آيات وأحاديث يفسرونها على هواهم،
وغالبية هؤلاء الدعاة عاطلين عن العمل.
أليس هؤلاء يدعون إلى شل المجتمع المسلم، وتأخره أكثر مما هو عليه الآن, ألسنا
بحاجة إلى العمل والعلم، من أجل إعمار الأرض ونصرة المسلمين، وبذلك تتحقق
العبادة إلى جانب الفرائض والسنن.. أليس من واجب أهل الذكر من علماء المسلمين
أن يجدوا خطابا مناسبا لإرشاد القائمين على هذه الحركة؟.
وجزاكم الله كل الخير.
- المستشار الأستاذ همام عبد المعبود
- الجواب : أختنا الفضلى إنصاف،،
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب،
والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثم أما بعد..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك
في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة،
وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل
فيها لمخلوق حظا، كما نسأله سبحانه أن يستخدمنا ولا يستبدلنا... وأن يجعل لك
من اسمك (إنصاف) نصيبا... آمين.
أختنا في الله إنصاف:
أولا- قواعد حاكمة:
عندما نتناول حركة إسلامية –أي حرك- عاملة في مجال الدعوة الإسلامية بالنقد
والدراسة، فلا بد أن نكون منصفين، وأعتقد أنه من الإنصاف أن نتفق على القواعد
الآتية:
1- هذه الحركات جميعها هي في النهاية جهود بشرية، ليست معصومة من الخطأ.
2- الأصل لدى المسلم أن يحترم الآخر، ويقدر جهوده، وألا يسفه آراءه.
3- أن نتعاون فيما اتفقنا عليه -وهو كثير- ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه
–وهو قليل-.
4- يجب النظر إلى كل حركة من هذه الحركات العاملة للإسلام، والتي تنتشر في
أرجاء المعمورة بعين الاعتدال والإنصاف؛ فلكل منها مزايا وعيوب، فيجب أن نشكر
مزاياها كما ننكر عيوبها، وأن يكون ديدننا ورائدنا في الدراسة والنقد هو
الإصلاح.
5- هذه الحركات -في تقديري– أشبه بالأنواع المختلفة من الزهور والرياحين؛ فلكل
منها لون خاص، ورائحة مميزة؛ فما أراه أنا غير مناسب قد يكون مناسبا في نظر
الآخرين.
ثانيا- مقدمة تأسيسية:
تأسست جماعة الدعوة التبليغ في الهند، على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي،
وانتشرت في باكستان وبنجلاديش، ثم انتقلت إلى العالم العربي، فصار لها أنصار
في سوريا والأردن وفلسطين ولبنان ومصر والسودان والعراق، وللجماعة جهود لا
تنكر في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام في أوربا وأمريكا وأسيا وأفريقيا.
وتتخذ هذه الجماعة من الكتاب والسنة منهجا وزادا، وتتلخص طريقتها في تفريغ
واقتطاع كل واحد من دعاتها جزءًا من وقته لتبليغ الدعوة ونشرها بين المسلمين،
كما تقوم طريقتها في الدعوة على الترغيب والترهيب، وقد استطاعت أن تجتذب إلى
رحابها كثيرًا من العصاة والمذنبين الذين انغمسوا في الملذات والآثام، فكانت
هذه الجماعة سببا في تحولهم إلى العبادة والذكر.
ودعاة هذه الجماعة لا يتكلمون في السياسة، ولا يخوضون في قضاياها الشائكة، ولا
ينتمون للأحزاب، بل يبتعدون عن كل ما من شأنه أن يفرق جهود الدعة ويشتت شمل
الأمة، مثل الخلاف في الأفكار والمذاهب الفقهية، ولديهم قاعدة في هذا يسمونها
"اللاءات الأربع"، وهي:
1- لا .. للكلام في السياسة أو الدخول في الأحزاب.
2- لا .. للكلام في الخلافات الفكرية.
3- لا .. للكلام في الخلافات الفقهية.
4- لا .. للحديث في أمراض الأمة.
وتقوم هذه الدعوة على ستة مبادئ رئيسية وهي:
1- لا إله إلا الله محمد رسول الله.
2- إقامة الصلوات.
3- العلم والذكر.
4- إكرام المسلمين.
5- الإخلاص.
6- الخروج في سبيل الله
ثالثا- معالجة هادئة:
شكر الله لك غيرتك على دينك ودعوتك، وهي غيرة محمودة، أسأل الله أن يثيبك
عليها خيرا، وجماعة الدعوة والتبليغ، هي إحدى الجماعات العاملة في الساحة
الدعوية، لها حسنات كثيييييييرة، وجهد لا ينكر؛ فهي توجه دعوتها إلى شريحة
كبيرة من المسلمين، تغفل عنها الكثير من الجماعات والحركات العاملة للإسلام،
ألا وهي شريحة عوام المسلمين، ومن ليس لهم نصيب من العلم، وقد أكملت بهذا لبنة
مفقودة في بناء الدعوة الإسلامية.
فالكثير من الجماعات العاملة للإسلام لا تلقي بالا لهذه الشريحة من المسلمين،
وبعضها تكتفي بخطبة الجمعة أو الدروس العامة في المساجد، غير أن المشكلة أن
عددا كبيرا من هذه الشريحة لا يحضرون هذه الدروس العامة ولا ينتظرون لسماع
المواعظ عقب الصلوات، هذا إن ذهبوا إلى المساجد أصلا، أو ربما أنهم لا يصلون
من حيث المبدأ، وهنا يأتي دور دعاة هذه الجماعة؛ حيث يذهبون إلى الناس في
المقاهي والنوادي والشوارع بل ويطرقون عليهم بيوتهم، يذكرونهم بالله ونعمه
الكثيرة وآلائه الوفيرة، ويرغبونهم في الجنة ونعيمها ويرهبونهم من الآخرة
وجحيمها، في محاولة لتليين عيونهم الجامدة وقلوبهم الجاحدة.
وقد أقررت أنت –أختنا الكريمة- في رسالتك بهذا الجهد، حين قلتِ: "فهناك الكثير
من الشباب المنضمين إلى هذه الحركة من المنحرفين... المدمنين سابقا، والقائمين
على هذه الحركة كان لهم دور كبير في إصلاحهم وعودتهم إلى الله".
ودعينا أناقشك بهدوء في بعض ما جاء في رسالتك:
قلتِ: "هذه الحركة لها معتقدات معينة بحاجة إلى إرشاد وتوعية؛ لأن معتقداتهم
تضر بالمجتمع المسلم؛ فمثلا يدعون إلى العبادة وتوقف العمل الذي يجلب الرزق؛
فالعمل بالنسبة لهم عائق أمام العبادة...".
وأقول لكِ: أنا لا أنتمي إلى هذه الجماعة، ولا إلى غيرها، غير أني شرفت
بالخروج معهم مرات عدة، والتقيت عددا من دعاتهم، بل وقابلت وناقشت بعضا من
قادتهم، وما أُشهِدُ اللهَ عليه أنني ما سمعت منهم يوما دعوة إلى ترك العمل،
بل إن دعوتهم تقوم على قاعدة: "تفريغ الوقت الحلال واقتطاع المال الحلال"؛
فالعامل منهم يقوم باستثمار أيام الإجازات والعطلات الرسمية، وكذا أيام
الإجازات الاعتيادية، في الخروج لتبليغ الدعوة. أما غير العامل من دعاتهم؛
فإنه يرتب أموره، ويفرغ وقته لدعوته.
وتقولين: "كما يدعون إلى عدم خروج الفتاة إلى المدرسة لأن هناك اختلاطا".
وأقول لكِ: إن ما تقولينه شيء غريب حقا؛ فأنا شخصيا أعرف عشرات الدعاة من هذه
الجماعة معرفة عن قرب، وأبناؤهم وبناتهم يدرسون في المدارس العامة المشتركة،
وما سمعت بهذا الأمر عنهم ولا منهم؛ بل إنهم يدركون فضل العلم ومكانة العلماء،
وفي اعتقادي أن الأمر يتعلق –ربما- بشخص أو اثنين ممن تعرفين، ولا يعدو هذا
–إن وُجِد- سلوكا فرديا أو قناعة فردية، ترجع إلى رغبة ولي الأمر في البعد عن
المشكلات التي نجمت عن الاختلاط في مدارسنا، خاصة في مرحلة المراهقة.
وتقولين: "ويدعون إلى عدم خروج المرأة من بيتها، ويعتمدون في ذلك على أنصاف
آيات "وقرن في بيوتكن"...".
وأقول لك: الأصل في الإسلام هو قرار المرأة في بيتها، غير أن الإسلام العظيم
لم يمنع المرأة أن تخرج لطلب العلم أو قضاء الحوائج، أو حتى للعمل ما دام
خروجها منضبطا بأحكام الإسلام في اللباس، وعملها فيما لا شبهة فيه ولا حرمة،
والقاعدة التي قررها أهل العلم أن المرأة تخرج للعمل "إذا احتاجت إلى العمل،
وإذا احتاج العمل إليها". وأكرر أنه لم يدع أحد من جماعة الدعوة والتبليغ إلى
منع المرأة من الخروج، لا في كتبهم وأدبياتهم ولا في دروسهم ومحاضراتهم، وربما
كان هذا –كما ذكرت آنفا– تصرف فردي ناتج من قناعة شخصية؛ فهو ليس توجها عاما
أو مبدأ دعويا.
وتقولين: "... يخرجون للدعوة 40 يوما، وأحيانا 4 شهور، ويتركون نساءهم،
وأطفالهم دون رزق، ويقولون: الله الرزاق....".
وأقول لك: المفروض أن يوفر الخارج في سبيل الله لأهله ومن هم في كفالته ما
يكفيهم، ويسد احتياجهم من المال والطعام، بل ويترك لهم ما يواجهون به طوارئ
الحياة، وهو في هذا متوكل على الله، آخذ بأسباب التوكل المطالب بها شرعا، أما
ما يفعله البعض –إن كان هذا يحدث– من ترك أهله وذويه بلا مال ولا زاد، ويخرج
بحجة الدعوة إلى الله فهذا أمر منبوذ، وفعل مردود، لا أصل له في قرآن ولا سنة
بل ولا أثر له في حياة الدعاة على مر العصور.
والأخذ بالأسباب الشرعية من توفير الزاد والمال اللازم للأهل والأولاد لا
يخالف حسن الظن بالله، والتوكل عليه، بل هو صلب اليقين وذروة سنام التوكل على
الله، ورائدنا في هذا سيد الدعاة إلى الله حبيب الحق وسيد الخلق محمد صلى الله
عليه وسلم، وما فعله في الهجرة المباركة من مكة إلى المدينة، وما خالف فهو
قصور في الفهم ونقص في الإدراك.
وتقولين: "... ويعتمدون في دعوتهم على آيات وأحاديث يفسرونها على هواهم...".
وأقول لك: أتفق معك في جزء كبير من هذا القول؛ فقد سمعت من عدد من دعاتهم
أحاديث ضعيفة، وأخرى موضوعة، يستشهدون بها في بياناتهم وخطبهم، غير أن الأمانة
تستدعي أن أنبه إلى أن غالب هؤلاء الذين يستدلون بالضعيف والموضوع ويفسرون حسب
فهمهم هم من العوام وربما ممن لا يقرءون ولا يكتبون، أما علماؤهم وعقلاؤهم
فإنهم يميلون إلى البعد عن الضعيف والموضوع، وتسعفهم قريحتهم للاستدلال
بالصحيح والمتفق عليه، وفي أضيق الأمور يستدلون بالحديث الضعيف في فضائل
الأعمال، وهو أمر أجازه عدد معتبر من العلماء.
وأوافقك الرأي في أننا اليوم -واليوم بالذات- أحوج ما نكون إلى العمل والعلم،
من أجل إعمار الأرض ونصرة المسلمين، وأن من واجب أهل الذكر من علماء المسلمين
أن يرشدوا القائمين على هذه الحركة وأن يبصرونهم بالأمر؛ فهذا واجب شرعي
ومندوب دعوي.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على
طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه والجنة، وأن يعيذك من سخطه
والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن
إنه سبحانه خير مأمول.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
وتابعينا بأخبارك وأسئلتك المفيدة.
شبكة الدعوة والتبليغ
- الموضوع : فقه الدعوة، قضايا وشبهات
السؤال : بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين، أما بعد
: سؤالي يتعلق بحركة الدعوة الذين يسمون أنفسهم "رجال الدعوة"، فهناك الكثير
من الشباب المنضمين إلى هذه الحركة من المنحرفين... المدمنين سابقا، والقائمين
على هذه الحركة كان لهم دور كبير في إصلاحهم وعودتهم إلى الله.
هذه الحركة لها معتقدات معينة بحاجة إلى إرشاد وتوعية؛ لأن معتقداتهم تضر
بالمجتمع المسلم؛ فمثلا يدعون إلى العبادة وتوقف العمل الذي يجلب الرزق؛
فالعمل بالنسبة لهم عائق أمام العبادة، أو العمل لساعات قليلة، وأيام قليلة
تمكنهم من الخروج للدعوة، كما يدعون إلى عدم خروج الفتاة إلى المدرسة؛ لأن
هناك اختلاطا، ويدعون إلى عدم خروج المرأة من بيتها، ويعتمدون في ذلك على
أنصاف آيات "وقرن في بيوتكن"، ولبس النقاب للمرأة فهو بنظرهم فرض.
هم يخرجون للدعوة 40 يوما، وأحيانا 4 شهور إلى الهند، ويتركون نساءهم،
وأطفالهم دون رزق، ويقولون: "الله الرزاق، فنحن نترك أهلنا كما ترك أبونا
إبراهيم عليه السلام زوجته السيدة هاجر في أرض قاحلة، والله تكفلها ورزقها"،
هذا على حد قولهم، ويعتمدون في دعوتهم على آيات وأحاديث يفسرونها على هواهم،
وغالبية هؤلاء الدعاة عاطلين عن العمل.
أليس هؤلاء يدعون إلى شل المجتمع المسلم، وتأخره أكثر مما هو عليه الآن, ألسنا
بحاجة إلى العمل والعلم، من أجل إعمار الأرض ونصرة المسلمين، وبذلك تتحقق
العبادة إلى جانب الفرائض والسنن.. أليس من واجب أهل الذكر من علماء المسلمين
أن يجدوا خطابا مناسبا لإرشاد القائمين على هذه الحركة؟.
وجزاكم الله كل الخير.
- المستشار الأستاذ همام عبد المعبود
- الجواب : أختنا الفضلى إنصاف،،
الحمد لله غافر الذنب، وقابل التوب، شديد العقاب، الفاتح للمستغفرين الأبواب،
والميسر للتائبين الأسباب، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا
محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. ثم أما بعد..
السلام عليك ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بك، وشكر الله لك ثقتك بإخوانك
في شبكة "إسلام أون لاين.نت"، ونسأل الله عز وجل أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة،
وأن يتقبل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل
فيها لمخلوق حظا، كما نسأله سبحانه أن يستخدمنا ولا يستبدلنا... وأن يجعل لك
من اسمك (إنصاف) نصيبا... آمين.
أختنا في الله إنصاف:
أولا- قواعد حاكمة:
عندما نتناول حركة إسلامية –أي حرك- عاملة في مجال الدعوة الإسلامية بالنقد
والدراسة، فلا بد أن نكون منصفين، وأعتقد أنه من الإنصاف أن نتفق على القواعد
الآتية:
1- هذه الحركات جميعها هي في النهاية جهود بشرية، ليست معصومة من الخطأ.
2- الأصل لدى المسلم أن يحترم الآخر، ويقدر جهوده، وألا يسفه آراءه.
3- أن نتعاون فيما اتفقنا عليه -وهو كثير- ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه
–وهو قليل-.
4- يجب النظر إلى كل حركة من هذه الحركات العاملة للإسلام، والتي تنتشر في
أرجاء المعمورة بعين الاعتدال والإنصاف؛ فلكل منها مزايا وعيوب، فيجب أن نشكر
مزاياها كما ننكر عيوبها، وأن يكون ديدننا ورائدنا في الدراسة والنقد هو
الإصلاح.
5- هذه الحركات -في تقديري– أشبه بالأنواع المختلفة من الزهور والرياحين؛ فلكل
منها لون خاص، ورائحة مميزة؛ فما أراه أنا غير مناسب قد يكون مناسبا في نظر
الآخرين.
ثانيا- مقدمة تأسيسية:
تأسست جماعة الدعوة التبليغ في الهند، على يد الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي،
وانتشرت في باكستان وبنجلاديش، ثم انتقلت إلى العالم العربي، فصار لها أنصار
في سوريا والأردن وفلسطين ولبنان ومصر والسودان والعراق، وللجماعة جهود لا
تنكر في دعوة غير المسلمين إلى الإسلام في أوربا وأمريكا وأسيا وأفريقيا.
وتتخذ هذه الجماعة من الكتاب والسنة منهجا وزادا، وتتلخص طريقتها في تفريغ
واقتطاع كل واحد من دعاتها جزءًا من وقته لتبليغ الدعوة ونشرها بين المسلمين،
كما تقوم طريقتها في الدعوة على الترغيب والترهيب، وقد استطاعت أن تجتذب إلى
رحابها كثيرًا من العصاة والمذنبين الذين انغمسوا في الملذات والآثام، فكانت
هذه الجماعة سببا في تحولهم إلى العبادة والذكر.
ودعاة هذه الجماعة لا يتكلمون في السياسة، ولا يخوضون في قضاياها الشائكة، ولا
ينتمون للأحزاب، بل يبتعدون عن كل ما من شأنه أن يفرق جهود الدعة ويشتت شمل
الأمة، مثل الخلاف في الأفكار والمذاهب الفقهية، ولديهم قاعدة في هذا يسمونها
"اللاءات الأربع"، وهي:
1- لا .. للكلام في السياسة أو الدخول في الأحزاب.
2- لا .. للكلام في الخلافات الفكرية.
3- لا .. للكلام في الخلافات الفقهية.
4- لا .. للحديث في أمراض الأمة.
وتقوم هذه الدعوة على ستة مبادئ رئيسية وهي:
1- لا إله إلا الله محمد رسول الله.
2- إقامة الصلوات.
3- العلم والذكر.
4- إكرام المسلمين.
5- الإخلاص.
6- الخروج في سبيل الله
ثالثا- معالجة هادئة:
شكر الله لك غيرتك على دينك ودعوتك، وهي غيرة محمودة، أسأل الله أن يثيبك
عليها خيرا، وجماعة الدعوة والتبليغ، هي إحدى الجماعات العاملة في الساحة
الدعوية، لها حسنات كثيييييييرة، وجهد لا ينكر؛ فهي توجه دعوتها إلى شريحة
كبيرة من المسلمين، تغفل عنها الكثير من الجماعات والحركات العاملة للإسلام،
ألا وهي شريحة عوام المسلمين، ومن ليس لهم نصيب من العلم، وقد أكملت بهذا لبنة
مفقودة في بناء الدعوة الإسلامية.
فالكثير من الجماعات العاملة للإسلام لا تلقي بالا لهذه الشريحة من المسلمين،
وبعضها تكتفي بخطبة الجمعة أو الدروس العامة في المساجد، غير أن المشكلة أن
عددا كبيرا من هذه الشريحة لا يحضرون هذه الدروس العامة ولا ينتظرون لسماع
المواعظ عقب الصلوات، هذا إن ذهبوا إلى المساجد أصلا، أو ربما أنهم لا يصلون
من حيث المبدأ، وهنا يأتي دور دعاة هذه الجماعة؛ حيث يذهبون إلى الناس في
المقاهي والنوادي والشوارع بل ويطرقون عليهم بيوتهم، يذكرونهم بالله ونعمه
الكثيرة وآلائه الوفيرة، ويرغبونهم في الجنة ونعيمها ويرهبونهم من الآخرة
وجحيمها، في محاولة لتليين عيونهم الجامدة وقلوبهم الجاحدة.
وقد أقررت أنت –أختنا الكريمة- في رسالتك بهذا الجهد، حين قلتِ: "فهناك الكثير
من الشباب المنضمين إلى هذه الحركة من المنحرفين... المدمنين سابقا، والقائمين
على هذه الحركة كان لهم دور كبير في إصلاحهم وعودتهم إلى الله".
ودعينا أناقشك بهدوء في بعض ما جاء في رسالتك:
قلتِ: "هذه الحركة لها معتقدات معينة بحاجة إلى إرشاد وتوعية؛ لأن معتقداتهم
تضر بالمجتمع المسلم؛ فمثلا يدعون إلى العبادة وتوقف العمل الذي يجلب الرزق؛
فالعمل بالنسبة لهم عائق أمام العبادة...".
وأقول لكِ: أنا لا أنتمي إلى هذه الجماعة، ولا إلى غيرها، غير أني شرفت
بالخروج معهم مرات عدة، والتقيت عددا من دعاتهم، بل وقابلت وناقشت بعضا من
قادتهم، وما أُشهِدُ اللهَ عليه أنني ما سمعت منهم يوما دعوة إلى ترك العمل،
بل إن دعوتهم تقوم على قاعدة: "تفريغ الوقت الحلال واقتطاع المال الحلال"؛
فالعامل منهم يقوم باستثمار أيام الإجازات والعطلات الرسمية، وكذا أيام
الإجازات الاعتيادية، في الخروج لتبليغ الدعوة. أما غير العامل من دعاتهم؛
فإنه يرتب أموره، ويفرغ وقته لدعوته.
وتقولين: "كما يدعون إلى عدم خروج الفتاة إلى المدرسة لأن هناك اختلاطا".
وأقول لكِ: إن ما تقولينه شيء غريب حقا؛ فأنا شخصيا أعرف عشرات الدعاة من هذه
الجماعة معرفة عن قرب، وأبناؤهم وبناتهم يدرسون في المدارس العامة المشتركة،
وما سمعت بهذا الأمر عنهم ولا منهم؛ بل إنهم يدركون فضل العلم ومكانة العلماء،
وفي اعتقادي أن الأمر يتعلق –ربما- بشخص أو اثنين ممن تعرفين، ولا يعدو هذا
–إن وُجِد- سلوكا فرديا أو قناعة فردية، ترجع إلى رغبة ولي الأمر في البعد عن
المشكلات التي نجمت عن الاختلاط في مدارسنا، خاصة في مرحلة المراهقة.
وتقولين: "ويدعون إلى عدم خروج المرأة من بيتها، ويعتمدون في ذلك على أنصاف
آيات "وقرن في بيوتكن"...".
وأقول لك: الأصل في الإسلام هو قرار المرأة في بيتها، غير أن الإسلام العظيم
لم يمنع المرأة أن تخرج لطلب العلم أو قضاء الحوائج، أو حتى للعمل ما دام
خروجها منضبطا بأحكام الإسلام في اللباس، وعملها فيما لا شبهة فيه ولا حرمة،
والقاعدة التي قررها أهل العلم أن المرأة تخرج للعمل "إذا احتاجت إلى العمل،
وإذا احتاج العمل إليها". وأكرر أنه لم يدع أحد من جماعة الدعوة والتبليغ إلى
منع المرأة من الخروج، لا في كتبهم وأدبياتهم ولا في دروسهم ومحاضراتهم، وربما
كان هذا –كما ذكرت آنفا– تصرف فردي ناتج من قناعة شخصية؛ فهو ليس توجها عاما
أو مبدأ دعويا.
وتقولين: "... يخرجون للدعوة 40 يوما، وأحيانا 4 شهور، ويتركون نساءهم،
وأطفالهم دون رزق، ويقولون: الله الرزاق....".
وأقول لك: المفروض أن يوفر الخارج في سبيل الله لأهله ومن هم في كفالته ما
يكفيهم، ويسد احتياجهم من المال والطعام، بل ويترك لهم ما يواجهون به طوارئ
الحياة، وهو في هذا متوكل على الله، آخذ بأسباب التوكل المطالب بها شرعا، أما
ما يفعله البعض –إن كان هذا يحدث– من ترك أهله وذويه بلا مال ولا زاد، ويخرج
بحجة الدعوة إلى الله فهذا أمر منبوذ، وفعل مردود، لا أصل له في قرآن ولا سنة
بل ولا أثر له في حياة الدعاة على مر العصور.
والأخذ بالأسباب الشرعية من توفير الزاد والمال اللازم للأهل والأولاد لا
يخالف حسن الظن بالله، والتوكل عليه، بل هو صلب اليقين وذروة سنام التوكل على
الله، ورائدنا في هذا سيد الدعاة إلى الله حبيب الحق وسيد الخلق محمد صلى الله
عليه وسلم، وما فعله في الهجرة المباركة من مكة إلى المدينة، وما خالف فهو
قصور في الفهم ونقص في الإدراك.
وتقولين: "... ويعتمدون في دعوتهم على آيات وأحاديث يفسرونها على هواهم...".
وأقول لك: أتفق معك في جزء كبير من هذا القول؛ فقد سمعت من عدد من دعاتهم
أحاديث ضعيفة، وأخرى موضوعة، يستشهدون بها في بياناتهم وخطبهم، غير أن الأمانة
تستدعي أن أنبه إلى أن غالب هؤلاء الذين يستدلون بالضعيف والموضوع ويفسرون حسب
فهمهم هم من العوام وربما ممن لا يقرءون ولا يكتبون، أما علماؤهم وعقلاؤهم
فإنهم يميلون إلى البعد عن الضعيف والموضوع، وتسعفهم قريحتهم للاستدلال
بالصحيح والمتفق عليه، وفي أضيق الأمور يستدلون بالحديث الضعيف في فضائل
الأعمال، وهو أمر أجازه عدد معتبر من العلماء.
وأوافقك الرأي في أننا اليوم -واليوم بالذات- أحوج ما نكون إلى العمل والعلم،
من أجل إعمار الأرض ونصرة المسلمين، وأن من واجب أهل الذكر من علماء المسلمين
أن يرشدوا القائمين على هذه الحركة وأن يبصرونهم بالأمر؛ فهذا واجب شرعي
ومندوب دعوي.
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على
طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه والجنة، وأن يعيذك من سخطه
والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن
إنه سبحانه خير مأمول.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
وتابعينا بأخبارك وأسئلتك المفيدة.
شبكة الدعوة والتبليغ