المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقال : التأثيرات السياسية في أسعار النفط



أبوتركي
22-04-2007, 10:51 PM
مقال : التأثيرات السياسية في أسعار النفط




د. بدرالدين عبدالرحيم إبراهيم

يلاحظ المتتبع لأسواق النفط في السنوات الماضية استقراراً نسبياً للأسعار في الأسواق العالمية بصورة ملحوظة وفي مستويات عالية بعد سلسلة من الارتفاعات الكبيرة المتتالية وبعض الانخفاضات الضعيفة خلال تلك الفترة، حتى قيل إنها وصلت إلى مرحلة متقدمة من الاستقرار النسبي عند الأسعارالحالية اعتمادا على عوامل الاستقرار النسبي للعرض والطلب في الأسواق. ونحسب أن الأسعار العالية التي سادت في السنوات الماضية تشير إلى أهمية النظر الى العوامل المؤثرة بأسعار النفط في الأسواق بصورة مغايرة تماما مقارنة بالماضي، كما تشير إلى انتهاء عهد النفط الرخيص، كما تمثل الأسعار التي سادت تسعيرا واقعيا للنفط بحكم قيمته الحقيقية التاريخية وبحكم عامل العرض وعامل الطلب على النفط الناتج عن النمو القوي الاقتصادي العالمي في السنوات الماضية، وقلة حساسيات الاقتصادات المستهلكة الكبيرة تجاه الأسعار العالية، استجابة معقولة للأسعار الجديدة من دون وجود موجات تضخمية تذكر.


والآن وبعد استيفاء عوامل السوق والعوامل الاقتصادية في تحديد مجريات الأسعار ووصولها الى حدود جيدة تعكس التطورات الجديدة في الأسواق، تفاجأ السوق قبل أيام بإرتفاع في أسعار النفط في الأسواق العالمية بأكثر من 5 دولارات للبرميل حتى فاق سعر البرميل 60 دولاراً أمريكياً، لأسباب ليس لها علاقة تذكر بالسوق وعوامل العرض والطلب ولكن نتيجة لما أسماه أمين عام منظمة أوبك ب (علاوة المخاطر) الناتجة عن شائعات الاشتباك بين سفينة تابعة للولايات المتحدة الامريكية مع قوات إيرانية، هذه الشائعة نفتها الولايات المتحدة في حينها. كما كانت الأسباب أيضا نتيجة لشائعات أخرى تتعلق بمحاولة بريطانيا ارسال قوات لتخليص جنودها الذين اعتقلتهم إيران على أثر دخولهم للمياه الإقليمية الإيرانية، والتي نفتها بريطانيا أيضا. وهذه التطورات غير المحسوبة تعني أن هنالك اتجاهاً لكي تطغى العوامل السياسية وليس عوامل السوق في التأثير في أسواق النفط في المستقبل القريب بدلا عن العوامل الاقتصادية المعروفة. وهنا نتساءل: هل العوامل المستقبلية في تحركات ارتفاع أسعار النفط ربما تكون عوامل سياسية بحتة، بعدما انتهت العوامل الاقتصادية من عملها في التأثير في مجريات الأسعار وفي تحديد سقف جديد لأسعار النفط العالمية؟

والمتتبع للأجواء السياسية يلاحظ كثرة التوترات السياسية في المنطقة في الفترة الأخيرة وتصاعدها بعد فشل المحاولات لإثناء إيران بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم حتى ولو كان ذلك للأغراض السلمية كما أوضحت الأخيرة. بينما لزمت أوبك الصمت بشأن نيتها التدخل في السوق وعقد اجتماع طارئ لمناقشة زيادة الكميات المعروضة فيه، لأنه وحسب نظرتها أن المعروض من النفط في الأسواق كاف وهنالك توازن جيد في الأسواق، وإن كان هنالك خلل فسيكون مرده الى مشكلات في المصافي الأمريكية. وفي الوقت نفسه تأمل أوبك أن يكون ارتفاع الأسعار أخيراً أمراً عارضاً حالما يزول وبسرعة نتيجة لزوال المسببات السياسية، علما أن أوبك وفي اجتماعها في مارس/ آذار الماضي أبقت على خفض انتاجها من النفط كما هو. هذا الخفض البالغ قدره 7ر1 مليون برميل أقرته المنظمة في اجتماعها في العام الماضي. والوقت مازال طويلاً حتى سبتمبر/ أيلول المقبل، موعد اجتماعها الدوري، لتحديد أي خطوة مستقبلية. هذا يعني أن أي زياده في التوترات السياسية سوف لن تستدعي أوبك التدخل في الأسواق على الأقل قبل موعد اجتماعها المقبل.

لا يتوقع في المستقبل القريب أن تنخفض التوترات السياسية المتعلقة بالملف الإيراني مع الولايات المتحدة الامريكية، خصوصاً أن الأخيرة مازالت تصعد من لهجتها تجاه إيران، والأخيرة تؤكد أنها تستغل حقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية. وهنالك احتمال بأن يقوم مجلس الأمن بتشديد العقوبات على إيران لإثنائها عن ذلك، وأي عمل عسكري مهما كان نوعه وحجمه والشائعات من المرجح أن تؤثر في الأسعار بصورة كبيرة في المستقبل.

وهنالك اتفاق على أن الاتجاه التصاعدي الذي حدث في أسعار النفط في السنوات الماضية يرجع الى قوة عوامل الطلب وليس أسباب سياسية أو الخوف من تراجع المعروض الذي يشهد تقدما كبيرا من أوبك وخارجها على السواء. وحتى في المستقبل يتوقع أن يزيد الطلب العالمي على النفط.

ومما يؤكد أن العالم أصبح يحتاج لكميات نفط أكبر هو تكهن أوبك بنمو الطلب العالمي بواقع 3ر1 مليون برميل يوميا في العام الجاري ووصول الطلب على نفطها الى 4ر30 مليون برميل يوميا مقارنة بنحو أقل من 27 مليون برميل في العام 2006.

وأصبح العالم يتدارك حقيقة أن هنالك مستويات (أو حدوداً) جديدة لأسعار الطاقة لابد من التعامل معها والقبول بها. وهذا يبرر لماذا لم يكن هنالك تأثير للأسعار الحالية في مجريات النمو الاقتصادي العالمي، وأن الاقتصاد العالمي مازال قادرا على التعامل مع أسعار النفط المرتفعة وما زال يحتاج الى كميات أكبر من النفط. ولكن من جانب آخر نرى صعوبة التكهن بالعوامل والتوترات السياسية غير المواتية التي يمكن أن تحدث من وقت لآخر. وكعادة أسواق النفط في المفاجأة، ظهرت أسباب سياسية مؤثرة متغيرة وغير منطقية لم تكن متوقعة من قبل، وربما نتوقع المزيد من العوامل السياسية في المستقبل القريب الى الحد الذي يمكن يجعلها المؤثر الرئيسي لأسعارالنفط في الأسواق العالمية.