المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراصنة الاقتصاد الجدد مع دبابات الغرب ... (1/2)



أبوتركي
22-04-2007, 11:39 PM
قراصنة الاقتصاد الجدد مع دبابات الغرب ... (1/2)


أندي رويل



ثلاثة عقود مترعات بالأحداث سلخها جون بيركينز مرتحلاً في أصقاع الدنيا يكدح ويدمن السفر، فقد اشتغل وعاش في إفريقيا وآسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، ولا غرو في ذلك، فهذا هو شأن رجال الأعمال الدوليين وديونهم، إلا ان بيركينز، ولأمر ما قرر البوح وإفشاء أسرار عمله القذر وسرد حكاياته ومآثره في كتاب نال الحظ الأوفى من الرواج حتى تصدر لائحة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، تحت عنوان “اعترافات سفّاح اقتصادي”، الذي كشف فيه قصة “قاتل مستأجر” يعمل لخدمة مصالح الرأسمالية الأمريكية.

و”القتلة الاقتصاديون المأجورون” هم “أناس تغدق عليهم الأموال الطائلة، وتخصص لهم مرتبات خيالية، فهؤلاء نفر محترف من البشر أتقن مهنة غش البلاد والعباد، ولعبة الاحتيال والخداع لانتزاع تريليونات الدولارات من أمم ودول شتى منتشرة في مشارق الأرض ومغاربها”، حسب تعريف ومصطلح بيركينز، الذي أضاف “ويضخ هؤلاء السفاحون الاقتصاديون المال من البنك الدولي، ومن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (يو. إس. إيه. اي. دي) وغيرهما من منظمات “العون” الأجنبي إلى خزائن شركات عملاقة وجيوب حفنة من العائلات فاحشة الثراء، تهيمن على مقدرات الكوكب وتتحكم بمصادره وثرواته الطبيعية، ومن بين ما يستخدمون من أدوات التقارير المالية المخادعة، والتلاعب بالانتخابات وتزييفها والرشاوى والابتزاز، ناهيك عن تسخيرهم للمرأة والجنس ولجوئهم إلى القتل”.

وتخال للوهلة الأولى أن كبريات دور النشر طارت فرحاً بقصة بيركينز فتواثبت لتتخاطف الكتاب وتناحرت للفوز بنشره، على رسلك، لا تندفع، فالقوم لا تستخفهم مثل تحف الإثارة هذه، فلم يهرولوا ولم يلتفتوا إلى هذا السفاح ولم يبدوا اكتراثاً بما أبدعه من قصص توخى فيها ترجمة الواقع الذي عاشه وكان أحد أبطاله الكبار. وهكذا أشاحت 25 دار نشر بوجهها عن بيركينز، رغم أنها عادت وقالت إن كتابه “يشدّ القارئ ويأسره”، وأنه “تعرية مهمة” للواقع، وإنه “قصة ينبغي أن تروى”، وتجهّم للكاتب، في النهاية، جل الناشرين وتولوا عنه.

واستنتج بيركينز وعميله الأدبي أن “دور النشر الرئيسية، إما أنها هددت وخوفت فاستولى عليها الهلع، أو أنها كانت تدين بالفضل لفئة النخبة من الشركات وتعتبر أربابها أولياء نعمتها فترى أنه خليق بها الإحجام عن نشر كتابه الذي انبرى لفضح هذا العالم الغارق في الفساد والظلم، وكي يتسنى له وصف هذه النخبة بعبارة موحية تتوخى الدقة قدر الإمكان نحت بيركينز مصطلحه الخاص، ولا مشاحة في الاصطلاح، حسبما رأى الأولون، فاطلق عليها اسم نخبة ال”الكوربوراتكراسي”، أو الارستقراطية الشركاتية، وهو لفظ يشير “إلى مجموعة قوية من الناس تدير أكبر شركات العالم، ألا وهي أقوى حكوماته وأكثرها تسلطاً وأعظم جبروتاً”. وفي نهاية المطاف، نشرت دار نشر مستقلة يملكها ويديرها بيريت كوهلر الكتاب بعد لأي وعناء، وكانت حكاية بيركينز قصة يعشق الناس سماعها ويتسقطون أخبارها ويتلهفون على القراءة عنها، لذا وقعت منهم موقعاً حسناً وسحرتهم.

واحتلت “الاعترافات” مكانة سامقة في كل لوائح الكتب الأكثر مبيعاً، وتمت ترجمتها ونشرها إلى 20 لغة، ومع هذا كله، لم يكن لنجاح الكتاب أي صلة بالإعلام، فكبريات وسائل الإعلام الأمريكية رفضت جميعها مجرّد مناقشة “الاعترافات”، بل أبت صحيفة “النيويورك تايمز” التحدث عن الكتاب الذي تربع على عرش صدارة لائحتها ذاتها لأكثر الكتب مبيعاً في العالم، وكان الأمر في منتهى الغرابة، ولكن لا عجب إذا اكتشف السبب. فهذه الآلات الاعلامية الجبارة جزء لا يتجزأ من وحش التضليل الكاسر، هذا العملاق الذي اتخذ من حجب الحقائق إن كانت تمس كبار التجار الذين يتحكمون بمصائر أمم كثيرة مهمة مقدسة ورسالة ينبغي أن يبثها. وفي حين تعامى الإعلام عن الكتاب وتربص به الدوائر، تاق الرأي العام إلى قراءته والتعرف إلى نظرية بيركينز التي تذهب إلى أن هناك دليلاً دامغاً لا يتطرق إليه الشك قط على أن الارستقراطية الشركاتية قد انشأت بالفعل أول امبراطورية عالمية بحق وحقيق، وأنها رسخت جذور بؤس متزايد ووسعت دائرة الفقر المدقع والإملاق ليحشر في أتونها مئات الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم، كما حولت هذه الطغمة الارستقراطية الولايات المتحدة، البلد الذي نال عشية وضع الحرب العالمية الثانية أوزارها، لقب منقذ الديمقراطية، إلى دولة متجبرة متغطرسة يرهبها الناس، إلا أنهم يمقتونها أشد المقت ويصبّون عليها لعناتهم.

وأما ردة فعل كثير من الصحافيين تجاه كتاب بيركينز فتبدت في أنهم أرادوا المزيد من الأدلة التي تدعم قصته وتضفي عليها مصداقية أكبر. ومن وحي ما أحرزه الكتاب الأول من نجاح قلّ نظيره، ولأن بيركينز كان مصمماً على الإتيان بذاك الدليل تجاوبت دار بيريت كوهلر للنشر مع رغبته، فنشرت مؤخراً تكملة، أو تذييلاً بعنوان “لعبة قديمة قدم الامبراطورية العالم السري للسفاحين الاقتصاديين، وشبكة الفساد العالمي”.

وفي حين أن قصة بيركينز وقعت أحداثها الكبيرة في الأساس في أوج زمان “الحرب الباردة” التي استعرت بين روسيا وأمريكا، فإن كتاب التذيلة الجديد يسوق لنا القصة إلى التاريخ الراهن. ويكتب بيركينز ليقول “في يومنا هذا أضحت لعبة السفاح الاقتصادي أكثر تعقيداً، وتغلغل فسادها في شعاب الحياة ومفاصلها بصورة أشنع وأفظع حتى عم وطم، وغدت عملياتها وسبل أدائها لوظائفها متجذرة في صلب اقتصاد العالم وسياسته حتى صارت هذه الاستراتيجية العملياتية محوراً أصيلاً في بنيان عالمنا المعاصر، ركناً ركيناً في بنية النظام العالمي الجديد، وثمة المزيد والمزيد من نماذج وأنماط السفاحين الاقتصاديين، كما صارت الأدوار التي يلعبونها اليوم أكثر تنوعاً وأشد تعقيداً. وأما زخرف الهيئة المظهرية المحترمة، والأبهة في الديكورات التي توهم بأن من تحت العباءة البديعة الموقرة هم أناس محترمون جديرون بالتبجيل، فيظل عاملاً جوهرياً، وكذلك هي الحيل والذرائع التي تتفاوت ما بين أساليب غسل أموال إلى التهرب من الضرائب الذي يجري في أروقة مكاتب فخمة إلى النشاطات المريبة التي تصل إلى حد ارتكاب جرائم حرب اقتصادية وينجم عنها هلاك ملايين البشر.





* كاتب صحافي وناقد ومحلل سياسي متخصص في شؤون البيئة والصحة والعولمة ورصد التضليل الإعلامي