المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أدمنت على السوق كما أدمن الأعراب على النوق !!!



كحيلان
24-04-2007, 07:30 AM
حدَّث سهم بن كنانة قال:

لم يحالفني التوفيق في التجارة, رغم ما عرف عني من المهارة, ولما قررت الاستثمار في الأوراق, نكبت أشد من نكبة العراق, وتلاشت محفظتي في أسابيع, واستوطنها الخريف بعد الربيع, ولم يجد إسعافها بالمدد, ومضاعفة العدة والعدد, فقد التهمتها المحرقة, وهوت على رأسي ألف مطرقة, وحاولت إنقاذ الباقي, كما حاول إنقاذ مزرعته الساقي, وبكيت طويلا في أعماقي, وهطلت بالدمع المآقي, وتحفزت للماضي الجميل أشواقي, لكن ماذا تصنع الأماني, ما أجدرني بالصبر وأحراني.

وفي ليلة من ليالي الشتاء, حيث يخيم البرد على الأرجاء, سهرت أتأمل حالي, بعد ذهاب أكثر مالي, فلم تغمض لي عين, وأرقني الأسى والبين, وخطر ببالي قول علي بن أبي طالب: "ينام الرجل على السلب ولا ينام على الحَرَب", فطفقت أتأمل معناها, وأتملى دلالتها ومغزاها, إذ ينام الرجل على فقد الأولاد, الذين هم فلذات الأكباد, لكنه لا ينام على سرقة المال, واغتصاب الحلال, فعلمت أن المال قسيم الروح, وذهابه مؤذن بتفتق الجروح, وتذكرت الحديث الفريد: "من قتل دون ماله فهو شهيد", وقلت في نفسي: لماذا تلوم نفسك يا ابن كنانة, وأنت لم تخن الأمانة, والله الذي يعطي ويأخذ سبحانه.

قال سهم بن كنانة: لكن مع إيماني بفضل الكريم, ولطف الودود الرحيم, كنت بحاجة إلى من يهديني السبيل, ويسقيني السلسبيل, ويواسي فؤادي الحزين, بقول رفيق رزين, فربما عزب الصبر, واحتاج كسري إلى جبر, وبينا أنا أترقب الفتح, أذن المؤذن لصلاة الصبح, فهرعت إلى الجامع, وطرفي من الحزن دامع, ولما أدينا الصلاه, وضمخنا بالسجود الجباه, جاءني صاحبي هلال بن عطاء, وكان رجلا دمث الأخلاق, طيب الأعراق, ومن أكثر من اكتوى بنار الأوراق, حتى حصل بينه وبين زوجته طلاق. لكنه أيسر بعد المحنة, واستظهر بعد الفتنة, ورزقه الله كما يرزق الطير, وأصبح مفتاحا لكل خير.

قال هلال بن عطاء: ما عليك من باس, وسينقذك الله من سوق الإفلاس. قلت: ولماذا تصفه بالإفلاس, وأنت مافتئت تضارب فيه بحماس, كأنك في طموحك ابن فرناس؟ قال: لأنه يعطي بالكاس, ويأخذ (بالملاس), ربما ترزق فيه (الماس), ثم يهوي على رأسك بالفاس, فأي سوق هذا يا ابن كنانة, وهو لايشبع نهما ولايقضي لبانة؟ قلت: ولكنك الآن أحسن حالا, وأفضل مآلا. قال: لقد أدمنت على السوق, كما أدمن الأعراب على لبن النوق, وهذا سر بقائي فيه, مع أن اللقمة تقيم أود المرء وتكفيه.

قال سهم بن كنانة: وكانت حيرتي قد بلغت تمامها, وأفراحي نكست أعلامها, فسألت هلالا: بماذا تشير علي, هل أهاجر إلى دبي؟ لقد أرقتني تقلبات السوق, وصرت أحقد عليه حقد المسروق. قال: بل استثمر فيه بجزء من المال, يحقق الله لك أسمى الآمال, ولازلت أرى في السوق فرصا, وإن جرعك يا صاح غصصا, لكن عندي ما يضاعف الربح, ويداوي الجرح, قلت: هات ما عندك يا هلال, فوجهك الذي يبشر بالفال. قال: الصدقة يا سهم الصدقة, فإنها أفضل (عقار) وأنفع (ورقة), لاسيما أولي القربى, أفلح من محضهم وصلا وحبا, ووددت لو قصصت عليك ما حدث لي مع أمي, وليس مع قومي وبني عمي, لكن أخشى أن يطول الوقت, ويحصل لي منك أذى أو مقت. قلت: هات ما عندك, فإني أشتاق إلى كلامك, ويطرب قلبي لأنغامك.

قال هلال بن عطاء: كانت أمي أرملة وحيدة, تسكن في قرية بعيدة, وكنت أتعهدها من آن لآخر بمبلغ من المال, كلما ربحت من بعض الأعمال, وفي إحدى الليالي, كتبت لها قصيدة وفاء, وبعثتها مع أحد الأصدقاء, وأرفقت معها ألف ريال, هدية لأم هلال, وعدت أدراجي, في ذلك المساء الداجي, وفي الطريق إلى بيتي اتصل بي أخي وأخبرني أنه بعث إلى أمي خمسمائة ريال, فراودتني نفسي أن أسترجع نصف ما بعثته, وبررت ذلك بحاجتي, وأن أمي وصلها ألف ريال, على أية حال. وكررت عائدا إلى صاحبي الذي حمّلته القصيدة والمال, فأخذت نصف المبلغ, وفي طريق عودتي إلى البيت, تعطلت السيارة, وكلفني إصلاحها خمسمائة ريال, بالتمام والكمال, فعجبت للمقدور, وقل: سبحان من يدبر الأمور.

قال سهم بن كنانة: وتوقعت أن القصة انتهت عند هذا الحد, فعزمت على الاستئذان, لكني رأيت الدمع يترقرق في عيني صاحبي, فسألته: ما بك يا ابن عطاء؟ قال: الأعجب من ذلك يا سهم, هو أنني رزقت تلك الليلة بجارية كأنها القمر, سميتها بحمد الله سمر, وفي الصباح, أهداني أحد الأصدقاء خمسمائة ريال, وهو المبلغ الذي بعثته إلى أمي, أما المبلغ الذي ظننت به عليها, فقد التهمته دابتي في لحظات. أرأيت فضل الوصل والعطاء, والصدقة على الأهل والضعفاء؟

قال سهم بن كنانة: فعزمت بعدها على التصدق, راجيا لمحفظتي الاخضرار والتألق, وودعت هلال بن عطاء, وأنا ألهج بهذا الدعاء: اللهم اجعلني من أهل البذل, وخلص السوق القطري من كل نذل.

م
ن
ق
و
ل
مع شوي تعديل.

دنى النور
24-04-2007, 12:04 PM
ياسلام عليك ياكحيلان --------- كلام كله حكمة ------------- والله يكفينا شر كل نعمة ------------وأن لايجعل لنا السوق فتنة -------------- ويكتب لنا الله اليسر بعد العسرة ------ويقيلنا من كل عثرة ----------في سوق أسهمنا الخطرة

الجني
24-04-2007, 01:02 PM
تسلم ياخي العزيز كحيلان و الله يزيد حسناتك في الميزان , كفيت ووفيت و شرحت و القيت فضربت لكل حالٍ مثل و نصحت اصحاب العلل , بدأت في وصف المصيبة و ختمت بنصيحة عجيبة

جزاك الله خير على الموضوع و اعانك على كثرة السجود و الركوع

الراقية
24-04-2007, 02:10 PM
ما شاء الله عليك يا كحيلان دوم متميز في طرحك ونقلك وزياداتك

جزاك الله خير

كحيلان
24-04-2007, 10:03 PM
شكرا لمروركم الجميل .