المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أكتب لأتذكـــر وجــه أمي , , ,



الطرف الأغر
28-04-2007, 01:28 PM
أكتب لأتذكــر وجه أمي




حينما سئل الرسام العالمي " شاغال " لماذا ترسم أجاب بقوله :" أرسم لأتذكر وجه أمي " وأكاد أقول الشيء ذاته فيما يختص بي ، فأنا أكتب لأتذكر وجه أمي ، وعطف أمي ، وطيبة أمي ، ووداعة أمي ، وكما قال الشاعر العربي القديم :
تذكرت شيئا قد مضى لسبيله ومن عادة المحزون أن يتذكرا
فلم أحب شخصا في حياتي كما أحببت أمي ، ولم أحتاج لشخص في حياتي كما أحتاج لها ،لكننا لا نشعر بقيمة الأشياء إلا لحظة افتقادنا لها ، ولقد شعرت بعد موتها بأنني كمن يبحث عن أبره وسط كومة قش ، أو عن نبع صغير عذب في محيط شاسع الملوحة ،فقد كانت لي أما حنونة ، وجدارا ضخما أستند إليه كلما احتجت إلى سند أو عون أو عزاء ، كان هم قلبها أن يستوي في الأفق بدري ، وكانت دعواتها تضئ ليل حزني ، وتفتح مغاليق عسري ، وضيقي ، وضعفي .



كانت تعرف ما في نفسي كأنني وعاء تستشف ما بداخله ، لقد منحتني حبا لا يستطيع مخلوق أن يطبع منه نسخة أخرى . كانت إذا لمحت الحزن في عيني فزعت ، ولو تأخرت عليها ليلة جزعت ، ولو رأت التوتر، والضيق ، حل بي اغتمت، وبكت ،كانت أمومتها لي وطنا أخضر ، لقد كانت أمي امرأة خارقة لا ينقصها شئ .. إلا .. الموت ، وقد أكملت غصتي بها .



الذكريات تتدفق إلى ذهني مزدحمة ، ومتكاثفة ،فثم ليال تهاجم المرء فيها الذكريات من غير أن يدري ما الذي أثارها ؟ وتطوف بذاكرتي المثخنة بالأحزان والأشجان كل ما قيل عن الأم وفي الأم ، وأجد الذاكرة تشرع نوافذها لتخرج منها كلمات الدفء ، والمودة ، والمحبة ، بدءا بالشاعر : محمود درويش الذي قال :" أحن إلى خبز أمي - وقهوة أمي - ولمسة أمي - وتكبر في الطفولة " ، ومرورا بالكاتب : مصطفى أمين الذي قال :" أمي أعظم رجل في حياتي " ، وتداعب ذاكرتي نسمه رقيقه للشاعر : ناظم الغزالي الذي قال :" إن أمي هي غابة النخيل ، تعطي كل شئ وتأخذ أي شئ ، ولم أغن أبدا إلا من اجل أمي " أما العبقري " توماس أديسون " فقد قال ذات يوم :" كان من الممكن أن يتغير مجرى حياتي ، لو لم تكن المرأة أمي ، فلولا أمي لما تعلمت ، ولولا أمي لما أصبحت ما أصبحت ، لقد كانت صانعتي ، ومدرستي ، وملهمتي ، ومن أجلها عملت ، ومن أجلها نجحت ،لأقدم للإنسانية عصارة فكري " . أما الشاعر والأديب " وليم شكسبير " فقد أختصر كل الكلام الجميل ليقول لنا " لا توجد وساده أنعم من حضن الأم ولا ورده أجمل من ثغرها " أما المجد والقوه التي كان يسعى إليها القائد الفرنسي " نابليون " فقد وصف سبب تحقيقه لها بقوله :" إنني مدين لأمي بكل ما حزته من فخار " أما المثل الدنماركي فقد بين لك الفرق بين فقدان الأب ، وفقدان الأم حينما قال :" يتيم الأب نصف يتيم ، ويتيم الأم يتيم كامل " .



إن الأمومة تعني الطهر والحنان والتضحية ، وهي أسمى عاطفة على وجه الأرض ،ولما غرس الله كل هذه المعاني السامية ، والجميلة في قلب الأم جعل الجنة تحت أقدامها مكافأة لمن يقابل هذه المعاني بالبر ولإحسان ، فالأمومة أنصع رمز لنجاح المرأة في دنيا البقاء ، ولو جردنا المرأة من كل شئ لكفاها شرف الأمومة . فالأم لا تموت في القلوب مهما توارى جسدها الطيب الثرى ، يبقى بيننا وبينها اتصال دائم ، وحنين لا ينتهي ، وإحساس يرافقنا في كل زمان ومكان ، فثم حبل سري بيننا وبينها لا ينقطع بالولادة ، وبخروجنا إلى الحياة ، بل يبقى بيننا وبينها طوال العمر
عام مضى والجرح حي وساكن كلغم ، فهل يبلغ حزني سن الرشد ؟ أم أن فجيعة كهذه ستظل في رحم الذكريات طفله إلى الأبد .. فثم شئ في ذاكرتي يزيح تابوت النسيان ،وثم أشياء لا تستطيع نسيانها مهما كانت ذاكرتك رديئة ، ومزدحمة الدهاليز بالوجوه والأصوات الهاربة ، والحقائق الجارحة .







إن غيابها عن حياتي أشبه ما يكون بذلك الجرح الذي لا يندمل حقا مع الأيام ، وإنما نزداد وعيا بأبعاده ، فلقد أحسست أن ثم ضوء كنت أحسه في أعماقي ، إنطفئ وللأبد منذ اللحظة التي ودعت فيها أمي .
أدرك أن الفراق حق ، والبين حق ، وأن التنائي حق ، كل مجتمع مصيره إلى افتراق ، وأعرف أنني منذ اللحظة التي ودعتها، فيها كنت أدرب نفسي على فراق يقيني لأنني أعلم انه لن يتاح لي بعدها أبدا أن أهمس لورده الحياة أني أحبك ، ولن يتاح لي سوى الأنين خلف الجدران الرطبة ، لكنني في الوقت ذاته أجد أنه من العصي على قلبي وفكري أن أرى الموت يمد يده ويصفعني بشده ولا أتوجع ولا افجع ، ولا أدمع ،وأرى أزهار فرحي وسروري تتساقط من بستان القلب ، وأغدو كسفينة تغرق في بحار الأسى دون أن أشعر بالوحدة ، والحاجة ، واللوعة ، والنزف .



يجيش بي الحزن وأشعر أنني أود الاسترسال بالكلمات إلى مالا نهاية ، وإن تكن صامته ، ولكن أعود فأتحسر ، وتتعثر الكلمات في حلقي ،ثم تنقطع .. إنني صوت مكتوم وعلى عيني عصابة .
ويحزنني كغصة في القلب ، أن حبي وتعلقي بها ما يزال نديا كالغابة بعد المطر ، فوجهها الحنون الذي أحمله داخل دورتي الدموية ، أطوف به الدنيا والأزمنة ، ظل كما عرفته لا يهرم ولا يموت .



أحاول اليوم أن أقف بعدها صلبا كشجره في وجه الريح ، وأعزي النفس بأنه ليس بسبب النسيان يتضاءل الحزن على فقد الأحبة ، بل بسبب إقامة اتصال جديد معهم ، كالدعاء لهم ، والصدقة عنهم ، ووصل من كانوا يحبون ، فتصبح الذكرى مناسبة فرح .


منقول

سيف قطر
28-04-2007, 01:39 PM
إن غيابها عن حياتي أشبه ما يكون بذلك الجرح الذي لا يندمل حقا مع الأيام ، وإنما نزداد وعيا بأبعاده ، فلقد أحسست أن ثم ضوء كنت أحسه في أعماقي ، إنطفئ وللأبد منذ اللحظة التي ودعت فيها أمي .

بارك الله فيك اختي الطرف الاغر .. ضربتي الوتر..!

خاربه خاربه
28-04-2007, 02:56 PM
:shy: :shy: :shy:

يعطيج العافيه يارب :app:

ROSE
28-04-2007, 03:06 PM
ما اجمل عطاء الام الذي لا ينضب

وما اروح حنانها

وما اكبر قلبها

وما اعزها من صديقة كتومه وفية

صفات يستحيل ان تجتمع في انسان غير الام

فان فقدناها نكون قد فقدنا نصف الامان وكل الحنان والعطف وتهنا في عالم من الخيانة والبحث عن صديق


رائع اختيارك غاليتي لا عدمنا هذا الطرح الرائع