المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «غلوبل»: سوريا تبدأ في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية



مغروور قطر
21-05-2007, 03:49 AM
«غلوبل»: سوريا تبدأ في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية

تعد سوريا دولة نامية يرتكز اقتصادها في المقام الأول على الزراعة والطاقة. وحتى وقت قريب، اتسم الاقتصاد السوري بمواجهته لتحديات وعوائق خطيرة تعترض مسيرة النمو الاقتصادي، من ضمنها انخفاض معدلات إنتاج النفط، الأداء الهزيل للقطاع العام، ازدياد العجز التجاري، ضعف أداء الأسواق المالية وارتفاع معدلات البطالة المقترن بارتفاع معدلات النمو السكاني. إلا أننا لاحظنا في الأشهر الأخيرة اجتذاب سوريا للاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاعات الأعمال المصرفية، العقارات، الصناعة والسياحة. هذا بالإضافة إلى عقد اتفاقيات ثنائية مع العديد من الدول ومن بينها تركيا وإيران، ومن أهمها الاتحاد الأوروبي.

وحتى وقت قريب، كما يقول بيت الاستثمار العالمي «غلوبل» كان الاقتصاد السوري مثقلا بأعباء انخفاض معدلات الاستثمار وتدني مستويات الإنتاجية الصناعية والزراعية والذي يعزى بشكل رئيسي إلى النهج البطيء والسلبي تجاه عملية الإصلاح الاقتصادي. وقد استهلت حكومة بشار الأسد جهودها الإصلاحية بتغيير البيئة التنظيمية في القطاع المالي. حيث قامت سوريا في عام 2001 بإجازة عمل البنوك الخاصة، لتبدأ العديد من البنوك الخاصة بمزاولة أنشطتها في عام 2004. إلا أن إحكام السيطرة على تداول العملات الأجنبية لا يزال من أكبر المعوقات التي تحول دون نمو القطاع المصرفي، بالرغم من اتخاذ سوريا لعدة إجراءات تدريجيةَ لتخفيف تلك القيود وتطبيقها نظام تعويم محكوم لليرة السورية. وفي عام 2003، ألغت الحكومة السورية قانون يحظر استخدام القطاع الخاص للعملات الأجنبية، وفي عام 2005، أصدرت سوريا قانونا يسمح للبنوك الخاصة المرخصة ببيع العملات الأجنبية إلى المواطنين السوريين وإلى القطاع الخاص بغرض تمويل الواردات. وفي ذات الوقت، تم السماح للبنوك المحلية بإصدار خطابات الاعتماد الخاصة بتصدير واستيراد ما يقرب من 950 سلعة مختلفةَ، في قائمة تمثل قرابة ربع إجمالي التجارة السورية. علاوة على ذلك، تم تخفيض رسوم المعاملات ورسوم الأختام بهدف تعجيل عمليات الإقراض وخفض التكاليف الإضافية الناجمة عن إجراءات تسجيل القروض.

وفيما يتعلق بقطاع التأمين، فقد قام مجلس الوزراء السوري في الرابع من شهر مايو من عام 2005 بالتصديق المبدئي على مشروع قانون ينظم قطاع التأمين ويسمح بتأسيس شركات سورية خاصة لمزاولة أعمال التأمين وإعادة التأمين. ومنذ وقت قريب جدا منحت السلطات السورية تراخيص إلى ست شركات تأمين. وعلى صعيد سوق رأس المال، فمن المتوقع أن تفتتح سوريا سوقا للأوراق المالية مع نهاية عام 2007 أو بداية عام 2008. وتأمل الحكومة في جذب استثمارات جديدة إلى قطاعات الأعمال المصرفية، السياحة، الغاز والتأمين بغية تنويع مصادرها الاقتصادية بعيدا عن الاعتماد على النفط والزراعة.

وفي عام 2005، حققت سوريا نموا في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغت نسبته 4.5 في المائة، بما يزيد عن التنبؤات السابقة لصندوق النقد الدولي(imf) بنسبة 1 في المائة. وكان إنتاج النفط قد بدأ في الانخفاض بصورة ثابتة، بعد أن بلغ أعلى معدل له باقترابه من 600.000 برميل يوميا في عام 1995 وصولا إلى قرابة 431.000 برميل يوميا في عام 2005 ومن المرجح أيضا أنه في حال استمرار اتجاه معدل إنتاج النفط نحو الانحدار، فسوف تصبح سوريا مستوردا للنفط بشكل كلي في غضون عقد من الزمان. أما في الوقت الحاضر، فيمثل النفط حوالي ثلثي إيرادات الدولة من العملات الأجنبية.

واتخذت الحكومة السورية عددا من إجراءات الإصلاح الاقتصادي، والتي تقوم في المقام الأول على التوقعات بأن إنتاج النفط سوف يستمر في التراجع وأن فاتورة الواردات النفطية سوف تشكل ضغوطا على الحسابات الخارجية للدولة. وفي عام 2006، أجازت الحكومة قوانين جديدة تهدف إلى خفض الضرائب على الشركات، تبسيط نظام سعر الصرف ووضع إطار قانوني لسوق الأوراق المالية. وتعد جميع هذه الإجراءات جزءا من الجهود المستمرة للتحول إلى اقتصاد قائم على السوق.

وفي أوائل عام 2007، أصدرت الحكومة قانونين جديدين بغرض تشجيع الاستثمار الأجنبي، يهدف القانون الأول إلى المساواة في جميع التسهيلات بين المستثمر السوري والمستثمر الأجنبي، كما يسمح هذا القانون للمستثمرين بتملك الأراضي أو العقارات أو تأجيرها، وإقامة المشاريع في سوريا، كما منح القانون المستثمرين إعفاء من الضرائب. ويسمح أيضا القانون بتحويل الأرباح لبلد المستثمر وإعادة تحويل قيمة رأس ماله للخارج بعد انقضاء ستة أشهر من تحويلها. أما القانون الثاني فيقضي بتخيل لإنشاء الهيئة السورية للاستثمار بغية تطبيق سياسات الاستثمار الوطنية وإدخال نظام النافذة الواحدة لتجاوز بعض الإجراءات البيروقراطية التي ووجهت من قبل المستثمرين المحتملين.

وفيما يتعلق بالإعانات الحكومية، تحصل بعض السلع الأساسية في سوريا، مثل الديزل، على دعم حكومي كبير، كما يتم تقديم الخدمات الاجتماعية في مقابل رسوم رمزية. وقد أصبح الاستمرار في تقديم الإعانات الماليةَ أمرا عسيرا مع استمرار النمو السكاني بمعدلات أسرع من معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي. إلا أنه طبقا لتقارير حديثة، تسعى سوريا إلى تقليل الخسائر الناجمة عن دعم سوق الطاقة المحلية، وذلك من خلال رفع سيطرة الدولة على أسعار النفط بحلول عام 2010. وطبقا للتقارير الإعلامية، أنفقت الحكومة في دمشق 20 مليار دولار أميركي خلال الأعوام الخمسة الماضية على دعم المنتجات النفطية.

ووفقا للاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، تم تخفيض عدد من الرسوم الجمركية كما ألغيت القيود غير الجمركية على بعض السلع. وفي شهر يناير من عام 2005، دخلت اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى حيز التنفيذ وتم بموجبها إلغاء الرسوم الجمركية بين سوريا والدول الأعضاء بالمنظمة. كذلك وقعت سوريا على اتفاقية للتجارة الحرة مع تركيا وبدأت بالتفاوض من أجل اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.

وحققت سوريا تقدما في تخفيف عبء ديونها الخارجية الثقيلة من خلال عقد اتفاقات ثنائية لإعادة جدولة الديون مع معظم دائنيها الرئيسيين. ومن ضمن الاتفاقات الكبرى لتسوية الديون، تلك التي جرت في شهر يناير من عام 2005، والتي قامت روسيا بموجبها بإلغاء قرابة 73 في المائة من ديون سوريا البالغ قيمتها 13 مليار دولار أميركي، والتي كانت مستحقة منذ فترة طويلة. كما عقدت سوريا اتفاقات مماثلة مع الدول الدائنة الأخرى من أجل تقليل أعبائها من الديون الخارجية.

أما فيما يختص باستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد، فقد أبلت سوريا بلاء حسنا. فوفقا لما جاء بتقرير الاستثمار العالمي للعام 2005، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في شهر سبتمبر من عام 2006، فقد ارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى سوريا كنسبة من القيمة الإجمالية لتكوين رأس المال الثابت (gfcf) من 3.6 في المائة فقط في عام 2003 إلى9.5 في المائة في عام 2005. وتجتذب سوريا في الوقت الحاضر انتباه المستثمرين العرب والأجانب المتطلعين إلى الفرص الاستثمارية. كما تستهدف العديد من المشاريع العقارية تطوير قطاع السياحة السوري تطويرا أكبر، حيث ارتفع عدد السائحين الوافدين لزيارة سوريا.

بدأت سوريا في تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية في محاولة منها لاستقطاب رأس المال الأجنبي. وجاءت جهود الإصلاح في إطار توسع الإدارة السورية في قاعدتها الاقتصادية بعيدا عن اعتمادها على النفط الذي يشهد حاليا انخفاض في معدلات إنتاجه. وتهدف هذه الإصلاحات إلى تحويل الاقتصاد السوري من اقتصاد دولة إلى اقتصاد حر يدفع عجلة النمو ويحقق التقدم. وإننا نعتقد بأنه يتعين على الحكومة السورية التعجيل بتطبيق هذه الإصلاحات وجني ثمار الازدهار الاقتصادي الذي نلمسه في كافة أنحاء المنطقة. ومن الواضح أن السلطات السورية تدرك مدى الحاجة الماسة إلى إجراء تغييرات على إطار السياسة الاقتصادية المتبعة في الدولة إذا ما حرصت سوريا على الإسراع بوتيرة النمو الاقتصادي والحفاظ عليه. ويظهر ذلك جليا من خلال تطبيق الخطة الخمسية التي ترمي إلى إدخال العديد من اللوائح التنظيمية والسياسات التي سوف تحسن هيكل النظام المالي في البلاد وتساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ويتعين على الحكومة مشاركة القطاع الخاص في دعم الاقتصاد والعمل على تخصيص الموارد المالية الفعالة. لذلك، يجب أن تسرع الحكومة في تطبيق عملية الخصخصة وكذلك تحسين المشاريع العامة في مجملها. وأظهر المستثمرون اهتماما متزايدا بالإمكانات التي تتمتع بها البلاد كما شرع المستثمرون السوريون باستثمار أموالهم بعد تحويلها إلى سوريا من أجل استثمارها.

ويتوقف ذلك على مستوى وسرعة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي وعدت بها الحكومة. ويعتبر السوق السوري مهيأ بشكل جيد للإفادة من دول مجلس التعاون الخليجي الغنية والتي تفتح ذراعيها للاستثمار.

وفي سبيل استقطاب هذه الاستثمارات الرأسمالية الممتازة، تحتاج سوريا إلى تحرير اقتصادها ووضع اللوائح التنظيمية المالية والاقتصادية في نصابها. ويتعين على الحكومة العمل على تخفيض مستوى الدين السوري، كما ينبغي أن تركز على المحافظة على الثبات المالي من خلال تبني إستراتيجية قوية لتعزيزها وتطويرها.