المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل نحن حقا غافلون عن هذه الحقيقة



jfal
29-05-2007, 02:34 PM
="Blue"][SIZE="4"]ذكرى المثوى:

هذا اللهو وهذه الغفلة، وهذا التجاهل المتعمد لحقيقة وجودنا، كل ذلك يمثل احتشاداً لمهرجان البكاء الأعظم، والحزن الذي لا ينتهي، يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم، فالموت أمره عظيم، وكفى به واعظاً!! وهذه المادة عبارة عن تنبيهات هامة في موضوع الموت وسكراته، وكيف أهمّ السلف وأهمله الخلف، وكيف ينبغي أن نتعامل معه كحقيقة مرة لا محيص عنها.



أهمية تذكر الموت:

. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] لقد ألهانا ما في هذه الدنيا عن الاستعداد للدار الآخرة، إن هذا البهرج وهذه الزينة، إن هذه الألوان والسلع، إن هذه التسالي والألعاب، إن هذه الأفلام والمسلسلات، إن هذه الأسفار والسياحات، إن هذه الملابس والصناعات؛ قد ألهتنا عن الله تعالى والاستعداد للدار الآخرة، ولا يزال أهل الدنيا في غفلة حتى يأتيهم الموت، فإذا ماتوا انتبهوا. الموت -يا عباد الله- حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على تذكره وأمرنا بذلك فقال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات) وامتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم، تعالوا بنا نتذكر شيئاً من الأمر الذي أمرنا به صلى الله عليه وسلم، وهو تذكر الموت، لعل الله تعالى أن ينعش قلوبنا بذكره، وأن يزيل الغفلة عن القلوب الصدئة، وأن يعود من انحرف إلى الجادة، وأن يزداد الذي سلك الجادة عبادة، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [الجمعة:8] نَفِرُّ من الحوادث والأمراض إلى الأطباء والمستشفيات، نَفِرُّ من الموت والموت ملاقينا: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ [ق:19] إنه مجيءٌ أكيدٌ ولابد: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ [الأنعام:93] إن هذا الموت يا عباد الله آتٍ لا محالة، كيف بأمرٍ إذا نزل قطَّع الأوصال، أمر يقطع أوصالك، ويفرق أعضاءك، ويهدم أركانك؟ إنه حقاً أمرٌ عظيمٌ وخطبٌ جسيم، وإن يومه لهو اليوم العظيم، قال ابن مسعود رحمه الله: [ليس للمؤمن راحة دون لقاء الله] وهذا الأمر قد نسيناه، دهانا مجرد ذكر الموت والحديث فيه، والكثير يغضب إذا ذكر الموت ويقول: تنغص علينا حياتنا وعيشتنا، تنغص علينا أكلنا ومعيشتنا، وذِكر الموت ليس لتكدير حياة الناس وإفساد مجالسهم ونزع السعادة منهم، ولكن لإصلاح حالهم وتنوير قلوبهم، وجعلهم مستعدين للقاء الله والقدوم عليه. قيل للحسن رحمه الله: يا أبا سعيد ! كيف نصنع؟ نجالس أقواماً يخوفونا حتى تكاد قلوبنا تطير، فقال: والله أن تخالل أقواماً يخوفونك حتى يدركك أمنٌ؛ خيرٌ من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى يدركك الخوف. وقال رحمه الله: كان من كان قبلكم يقربون هذا الأمر، كان أحدهم يأخذ ماءً لوضوئه ثم يتنحى لحاجته مخافة أن يأتيه أمر الله وهو على غير طهارة، فإذا فرغ من حاجته توضأ.



الاتعاظ بالموت للشباب والشيوخ:

يا عبد الله! إن ملك الموت إذا جاء لم يمنعه منك وفرة مالك ولا كثرة احتشادك، أما علمت أن ساعة الموت ذات كربٍ شديد، وغصص وندامة على تفريط، رحم الله عبداً عمل لساعة الموت، وما نراه في المقابر أعظم عظةٍ وأكبر معتبر. تمر بنا أيامٌ أيها الإخوة! تتابع علينا أخبار الوفيات، تتابع الجنازات وأخبار الأموات، هذا صديق، وهذا قريب، وهذا جار، قد اختطفهم الموت بأمر الله تعالى، وما نراه في المقابر أعظم عظة وأكبر معتبر، فحامل الجنازة اليوم محمولٌ غداً، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته اليوم سيُرجع عنه غداً ويترك وحيداً فريداً مرتهناً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. يا أيها الشاب! لا تغرنك الصحة والقوة والعافية، ولا يغرنك الشباب وكلام الأصحاب، لا يغرنك عِشاءٌ ساكن قد يوافي بالمنيات السحر، قد يأخذك على حين غفلة، وأنت لا ترى الموت يصل إليك، بل تراه بعيدا. أيها المسلمون! أيها الإخوان! يا عباد الله! هذه ذكرى للشاب، أما من وخطه الشيب وأمد الله في عمره، وتخطاه الموت في سن الشباب فإن شيبه نذير الموت.

تقول النفس غَيِّرْ لـون هـذا عساك تطيب في عمرٍ يسيرِ

فقلت لها المشيب نذير عمري ولست مسوداً وجه النذيـر

قال صلى الله عليه وسلم: (من شاب شيبة في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة).



عظم أمر الموت:

إذا جاءنا هذا الأمر من الله فهل إلى الطبيب من سبيلٍ، فتدعى الأطباء؟ أو إلى الشفاء طريقٌ فيرجى الشفاء؟ ما يقال إلا فلانٌ أوصى، ولماله أحصى، قد ثقل لسانه فلا يكلم إخوانه، ولا يعرف جيرانه، وعرق الجبين، وتتابع الأنين، وثبت اليقين، وصدقت الظنون، وتلجلج اللسان وبكى الإخوان، هذا ابنك فلان، وهذا أخوك فلان، قد منعت الكلام فلا تنطق، وختم على لسان فلا ينطق، ثم حل بك القضاء، وانتُزعت النفس من الأعضاء، ثم عرج بها إلى السماء، فاجتمع عند ذلك إخوانك وأحضرت أكفانك، فغسلوك وكفنوك، فانقطع عوادك، واستراح حُسادك، وانصرف أهلك إلى مالك، وبقيت مرتهناً بأعمالك. قال سفيان الثوري رحمه الله مبيناً حال شيخٍ كبيرٍ في استعداده للموت: رأيت شيخاً كبيراً في مسجد الكوفة يقول: أنا في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة أنتظر الموت أن ينزل بي، لو أتاني ما أمرته بشيء، ولا نهيته عن شيء، ولا لي على أحدٍ شيء، ولا لأحدٍ عندي شيء، أنتظر الموت، أنتظر أمر الله على عبادةٍ وطاعة. لو أتانا الموت يا عباد الله! فقرع بابنا واستأذن للولوج -ولن يستأذن- لاحتجنا إلى سنوات طويلة نرتب أمورنا ونسدد حقوقنا، ولكن السلف كانوا على استعدادٍ دائم. انظر يا أخي في غدك ودنو أجلك وقلة عملك، فقد كتب بعض أهل الحكمة إلى رجلٍ من إخوانه: يا أخي! احذر الموت في هذه الدار قبل أن تصير إلى دارٍ تتمنى الموت فيها فلا تجده؛ يُتمنى الموت في ذلك اليوم: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77] فلنحذر في هذه الدار قبل أن نصير إلى دارٍ نتمنى فيه الموت فلا يحصل. قال يحيى بن معاذ رحمه الله: مصيبتان للعبد في ماله لم يسمع بمثلها الأولون والآخرون، قيل: وما هما؟ قال: يؤخذ منه كله ويسأل عنه كله، فأي مصيبة في المال أعظم من هذه؟ لو احترق، أو ذهب في الدنيا لأتى غيره بدلاً منه، يأتي هو ببدلٍ منه، لكن عند الموت يؤخذ منه كله، ولا يأتي ببدل، ويسأل عنه كله، وعن كل درهمٍ: من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ قيل لـعبد الله بن عمر رضي الله عنه: [توفي فلانٌ الأنصاري، قال: رحمه الله، قالوا: ترك مائة ألف، قال: لكن هي لم تتركه] وكيف تتركه وهنالك كتابٌ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلا أحصاها.


استعداد الصحابة والسلف للموت وتأثرهم به:

بكى أبو هريرة في مرضه فقيل له: [ما يبكيك؟ فقال: أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكني أبكي على بُعد سفري وقلة زادي، وأنا أصبحت في صعودٍ مهبطٍ على جنة ونار، ولا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي]. وهذا عمر رضي الله عنه لما حضره ابن عباس فقال له: [أبشر يا أمير المؤمنين! أسلمت مع رسول الله حين كفر الناس، وقاتلت مع رسول الله حين خذله الناس، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راضٍ، ولم يختلف في خلافتك رجلان، فقال عمر : أعد، فأعاد، فقال عمر : المغرور من غررتموه، لو أن لي ما على ظهرها من بيضاء وصفراء من الذهب والفضة لافتديت به مِنْ هَوْلِ المطلع]. ولما حضرت سلمان الفارسي الوفاة بكى فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: [ما أبكي جزعاً على الدنيا، ولكن عَهِد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تكون بُلغة أحدنا من الدنيا كزاد الراكب] هذا هو الذي يكون معه في الدنيا كزاد الراكب، فلما مات سلمان نُظر في جميع ما ترك، فإذا قيمته بضعة عشر درهماً، خاف من بضعة عشر درهماً أن يكون خالف فيها وصية النبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكَّر عمر بن عبد العزيز من حوله فقال: " ألا ترون أنكم تجهزون كل يومٍ غادياً أو رائحاً إلى الله عز وجل، وتضعونه في صدعٍ من الأرض قد توسد التراب، وخلف الأحباب وقطع الأسباب ".

سفري بعيد وزادي لن يبلغـني وقسوتي لم تزل والموت يطلبني

ولي بقايا ذنوبٍ لسـت أعلمهـا الله يعلمها فـي السـر والعـلن



تأثر السلف عند رؤية الجنازة:

نظر عمر بن عبد العزيز وهو في جنازة إلى قومٍ قد تلثموا من الغبار والشمس، وانحازوا إلى الظل، فبكى وقال:

من كان حين تصيب الشمس جبهتـه أو الغبار يخـاف الشيـن والشعثا

ويألف الظل كي تبقى بشاشته فسوف يسـكـن يومـاً راغمـاً جـدثـا

في قعـر مظلـمةٍ غبـراء موحشـةٍ يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثـا

تجهـزي بجهـازٍ تبلغـين بـه يـا نفس قبل الردى لـم تخلقـي عبثـا

هانحن نمر في الجنائز ونمشي فيها ونحملها ولا تدمع العيون، ولا تتحرك القلوب، ولا ترى على الوجوه آثار الخشية من هذا المصير، والله إنها غفلة! وإلا فمن لا يعتبر بميت محمولٍ إلى حفرة ضيقة؟ قال الأعمش : كنا نشهد الجنازة ولا ندري من المعزى فيها لكثرة الباكين، ليس أهل الميت فقط هم الذين يبكون، كل الناس يبكون فيها، وإنما كان بكاؤهم على أنفسهم لا على الميت. وقال ثابت البناني : كنا نشهد الجنازة فلا نرى إلا باكياً! وقال إبراهيم النخعي : كانوا يشهدون الجنازة فيرى فيهم ذلك أياماً. وقال أسيد بن حضير : ما شهدت جنازة وحدثت نفسي بشيء سوى ما يفعل بالميت وما هو صائرٌ إليه. وقال إبراهيم النخعي رحمه الله: كنا إذا حضرنا الجنازة أو سمعنا بميت عُرف فينا أياماً؛ لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمرٌ صيره إلى الجنة أو إلى النار، وإنكم في جنازتكم تتحدثون بأمور الدنيا.



غفلة الخلف ونتائجها:

والله يا إخوان! يرى في الجنازة من يضحك، ويرى في المقبرة من يضحك، ويرون خارجين من المقابر وبأيديهم السجائر يدخنون، ضحك وتدخين، هذا في أعظم مكان يمكن أن يتذكر فيه الإنسان على وجه الأرض، في المقبرة غاية الغفلة فماذا تعرف وتنتظر وتتوقع خارج المقبرة؟ إذا كانت الغفلة في المقبرة فماذا نتوقع خارج المقبرة؟
منقول بتصرف

لمت داون111
29-05-2007, 02:45 PM
صادق بكل كلمه يالغالي

جزاك الله خير :)

jfal
29-05-2007, 04:29 PM
صادق بكل كلمه يالغالي

جزاك الله خير :)
الله يجزيك بأفضل منه اخوي الغالي لمت داون