abo rashid
24-08-2005, 09:53 AM
كان ابن الجَصّاص الجَوْهَري من أعيان التجار ذوي الثروة الواسعة واليَسار. وكان يُنْسَبُ إلى الحُمْق والبَلَه. مما يُحكى عنه، أنه قال في دعائه يومًا: اللهم اغفر لي من ذنوبي ما تعلم وما لا تعلم! ودخل يومًا على ابن الفرات الوزير، فقال: يا سيدي، عندنا في الحُوَيْرَة كلاب لا يتركوننا ننام من الصياح والقتال. فقال الوزير: أحسبهم جراء. فقال: لا تظن أيها الوزير، لا تظن ذلك، كلّ كلب مثلي ومثلُك! وتردّد إلى بعض النَّحْويين ليُصْلِحَ لسانَه. فقال له بعد مدة: الفرس بالسين أو بالصين؟! وقال يومًا: اللهم امْسَخْني واجعلني جُوَيرية وزوِّجني بعمر بن الخطاب. فقالت له زوجته: سَلِ اللّه أن يزوجك من النبي إن كان لا بد لك من أن تبقي جويرية. فقال: ما أحبّ أن أصير ضَرَّة لعائشة رضي اللّه عنها! وأتاه يومًا غلامه بفَرْخ وقال: انظر هذا الفـَرْخ، ما أشبهه بأمه! فقال: أمّه ذكر أو أنثى؟! ورؤي وهو يبكي وينتحب، فقيل له: ما لك؟ فقال: أكلتُ اليوم مع الجواري المَخِيضَ بالبصل فآذاني، فلما قرأت في المصحف (ويسألونك عن المخيض: قل هو أذىً، فاعتزِلوا النساء في المخيض)، فقلت: ما أعظم قدرَةَ اللّه، قد بيّن اللّه كلَّ شيء حتى أكـْل اللبن مع الجواري! وكان يكسِرُ يومًا لَوْزًا، فَطَفِرَت لَوْزةٌ وأَبْعَدَتْ. فقال: لا إله إلا اللّه! كل الحيوان يهرب من الموت حتى اللَّوْز! ونظر يومًا في المرآة، فقال لرجل آخر: انظر ذقني هل كَبُرَت أو صَغُرَت. فقال: إن المرآة بيدك. فقال: صدقت، ولكن الحاضر يرى ما لا يرى الغائب! وأراد مرّة أن يَدْنُوَ من بعض جواريه، فامتنعت عليه وتَشاحَّت، فقال: أُعطِي اللّه عهدًا لا قَرَبْتـُكِ إلى سنة، لا أنا ولا أحدٌ من جهتي! وماتت أم أبي إسحاق الزَّجَّاج، فاجتمع الناس عنده للعزاء. فأقبل ابن الجصّاص وهو يضحك ويقول: يا أبا إسحاق، واللّه سرَّني هذا! فدُهِش الزَّجّاج والناس، فقال بعضُهم: يا هذا، كيف سَرَّك ما غَمَّنا وغَمَّنا له؟ قال: ويحك، بلغني أنه هو الذي مات، فلما صَحَّ عندي أنها أُمُّه، سَرَّني ذلك! فضحك الناس. من كتاب "الوافي بالوفيات" للصفدي.