المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : @_____ الاعتصام للأمام الشاطبي _____@



سيف قطر
18-06-2007, 12:10 AM
http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/basmala2.gif
http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/14ax.gif

مقدمة


الباب الاول: في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظا

الباب الثاني: في ذم البدع وسوء منقلب اصحابها

الباب الثالث: في ان ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها ويدخل تحت هذه الترجمة جمله من شبه المبتدعة التي احتجوا بها

الباب الرابع: في ماخذ أهل البدع بالاستدلال

الباب الخامس: في أحكام البدع الحقيقة والإضافية والفرق بينهما

بداية الجزء الثاني

الباب السادس: في أحكام البدع وأنها ليست على رتبة واحدة

الباب السابع: في الابتداع

الباب الثامن: في الفرق بين البدع والمصالح المرسلة والاستحسان

الباب التاسع: في السبب الذى لاجله افترقت فرق المبتدعة عن جماعة المسلمين

الباب العاشر: في بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد البيان

سيف قطر
18-06-2007, 12:13 AM
الباب الاول: في تعريف البدع وبيان معناها وما اشتق منه لفظا

وأصل مادة بدع للاختراع على غير مثال سابق ومنه قول الله تعالى بديع السموات والأرض أي مخترعهما من غير مثال سابق متقدم وقوله تعالى قل ما كنت بدعا من الرسل أي ما كنت أول من جاء بالرسالة من الله إلى العباد بل تقدمني كثير من الرسل ويقال ابتدع فلان بدعة يعني ابتدأ طريقة لم يسبقه إليها سابق
وهذا أمر بديع يقال في الشيء المستحسن الذي لا مثال له في الحسن فكأنه لم يتقدمه ما هو مثله ولا ما يشبهه

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

ومن هذا المعنى سميت البدعة بدعة فاستخراجها للسلوك عليها هو الابتداع وهيئتها هي البدعة وقد يسمى العمل المعمول على ذلك الوجه بدعة فمن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة وهو إطلاق أخص منه في اللغه حسبما يذكر بحول الله
ثبت في علم الأصول أن الأحكام المتعلقة بأفعال العباد وأقوالهم ثلاثه حكم يقتضيه معنى الأمر كان للإيجاب أو الندب وحكم يقتضيه معنى النهي كان للكراهة أو التحريم وحكم يقتضيه معنى التخيير وهو الإباحة فأفعال العباد وأقوالهم لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة مطلوب فعله ومطلوب تركه ومأذون في فعله وتركه

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

والمطلوب تركه لم يطلب تركه إلا لكونه مخالفا للقسمين الأخيرين لكنه على ضربين
أحدهما أن يطلب تركه وينهى عنه لكونه مخالفة خاصة مع مجرد النظر عن غير ذلك وهو إن كان محرما سمي فعلا معصية وإثما وسمي فاعله عاصيا وآثما وإلا لم يسم بذلك ودخل في حكم العفو حسبما هو مبين في غير هذا الموضع ولا يسمى بحسب الفعل جائزا ولا مباحا لأن الجمع بين الجواز والنهي جمع بين متنافيين
والثاني أن يطلب تركه وينهى عنه لكونه مخالفة لظاهر التشريع من جهة ضرب الحدود وتعيين الكيفيات والتزام الهيئات المعينة أو الأزمنه المعينة مع الدوام ونحو ذلك

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

وهذا هو الابتداع والبدعة ويسمى فاعله مبتدعا فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه وهذا على رأي من لا يدخل العادات في معنى البدعة وإنما يخصها بالعبادات وأما على رأي من أدخل الأعمال العادية في معنى البدعة فيقول البدعة طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الشرعية ولا بد من بيان ألفاظ هذا الحد
فالطريقة والطريق والسبيل والسنن هي بمعنى واحد وهو ما رسم للسلوك عليه وإنما قيدت بالدين لانها فيه تخترع وإليه يضيفها صاحبها وأيضا فلو كانت طريقة مخترعة في الدنيا على الخصوص لم تسم بدعة كإحداث الصنائع والبلدان التي لا عهد بها فيما تقدم
ولما كانت الطرائق في الدين تنقسم فمنها ما له أصل في الشريعة ومنها ما ليس له أصل فيها خص منها ما هو المقصود بالحد وهو القسم المخترع أي طريقة ابتدعت على غير مثال تقدمها من الشارع إذ البدعة إيما خاصتها أنها خارجة عما رسمه الشارع وبهذا القيد انفصلت عن كل ما ظهر لبادي الرأي أنه مخترع مما هو متعلق بالدين كعلم النحو والتصريف ومفردات اللغة وأصول الفقه وأصول الدين وسائر العلوم الخادمة للشريعة

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

فإنها وإن لم توجد في الزمان الأول فأصولها موجودة في الشرع إذ الأمر بإعراب القرآن منقول وعلوم اللسان هادية للصواب في الكتاب والسنة فحقيقتها إذا أنها فقه التعبد بالألفاظ الشرعية الدالة على معانيها كيف تؤخذ وتؤدى
وأصول الفقه إنما معناها استقراء كليات الأدلة حتى تكون عند المجتهد نصب عين وعند الطالب سهلة الملتمس
وكذلك أصول الدين وهو علم الكلام إنما حاصله تقرير لأدلة القرآن والسنة أو ما ينشأ عنها في التوحيد وما يتعلق به كما كان الفقه تقريرا لأدلتها في الفروع العبادية
فإن قيل فإن تصنيفها على ذلك الوجه مخترع
فالجواب أن له أصلا في الشرع ففي الحديث ما يدل عليه ولو سلم أنه ليس في ذلك دليل على الخصوص فالشرع بجملته يدل على اعتباره وهو مستمد من قاعدة المصالح المرسلة وسيأتي بسطها بحول الله
فعلى القول بإثباتها أصلا شرعيا لا إشكال في أن كل علم خادم للشريعة داخل تحت أدلته التي ليست بمأخوذة من جزئي واحد فليست ببدعة البتة
وعلى القول بنفيها لا بد أن تكون تلك العلوم مبتدعات وإذا دخلت في علم البدع كانت قبيحة لأن كل بدعة ضلالة من غير إشكال كما يأتي بيانه إن شاء الله
ويلزم من ذلك أن يكون كتب المصحف وجمع القرآن قبيحا وهو باطل بالإجماع فليس إذا ببدعة
ويلزم ان يكون له دليل شرعي وليس إلا هذا النوع من الاستدلال وهو المأخوذ من جملة الشريعة
وإذا ثبت جزئي في المصالح المرسله ثبت مطلق المصالح المرسلة فعلى هذا لا ينبغي أن يسمى علم النحو أو غيره من علوم اللسان أو علم الأصول أو ما أشبه ذلك من العلوم الخادمة للشريعة بدعة أصلا
ومن سماه بدعة فإما على المجاز كما سمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيام الناس في ليالي رمضان بدعة وإما جهلا بمواقع السنة والبدعة فلا يكون قول من قال ذلك معتدا به ولا معتمدا عليه
وقوله في الحد تضاهي الشرعية يعني أنها تشابه الطريقة الشرعية من غير أن تكون في الحقيقة كذلك بل هي مضادة لها من أوجه متعددة منها وضع الحدود كالناذر للصيام قائما لا يقعد ضاحيا لا يستظل والاختصاص في الانقطاع للعبادة والاقتصار من المأكل والملبس على صنف دون صنف من غير علة

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم
عيدا وما أشبه ذلك
ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته
وثم أوجه تضاهي بها البدعة الأمور المشروعة فلو كانت لا تضاهي الامور المشروعه لم تكن بدعة لانها تصير من باب الافعال العادية وأيضا فإن صاحب البدعة إنما يخترعها ليضاهي بها السنة حتى يكون ملبسا بها على الغير أو تكون هي مما تلتبس عليه بالسنة إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع لأنه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعا ولا يدفع به ضررا ولا يجيبه غيره إليه
ولذلك تجد المبتدع ينتصر لبدعته بأمور تخيل التشريع ولو بدعوى الاقتداء بفلان المعروف منصبه في اهل الخير
فانت ترى العرب الجاهليه في تغيير ملة ابراهيم عليه السلام كيف تأولوا فيما احدثوه احتجاجا منهم كقولهم في اصل الاشراك ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفا وكترك الخمس الوقوف بعرفة لقولهم لا نخرج من الحرم اعتدادا بحرمته وطواف من طاف منهم بالبيت عريانا قائلين لا نطوف بثياب عصينا الله فيها وما اشبه ذلك مما وجهوه ليصيروه بالتوجيه كالمشروع فما ظنك بمن عد او عد نفسه من خواص اهل الملة فهم أحرى بذلك وهم المخطئون وظنهم الإصابة وإذا تبين هذا ظهر أن مضاهاة الأمور المشروعة ضرورية الأخذ في أجزاء الحد
وقوله يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله تعالى هو تمام معنى البدعة اذ هو المقصود بتشريعها

سيف قطر
18-06-2007, 12:15 AM
وذلك ان اصل الدخول فيها يحث على الانقطاع إلى العباده والترغيب في ذلك لان الله تعالى يقول وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون فكأن المبتدع رأى ان المقصود هذا المعنى ولم يتبين له ان ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كاف فرأى من نفسه انه لا بد لما اطلق الامر فيه من قوانين منضبطة وأحوال مرتبطة مع ما يداخل النفوس من حب الظهور او عدم مظنته فدخلت في هذا الضبط شائبة البدعة وأيضا فان النفوس قد تمل وتسأم من الدوام على العبادات المترتبة فاذا جدد لها امر لا تعهده حصل لها نشاط آخر لا يكون لها مع البقاء على الامر الاول ولذلك قالوا لكل جديد لذه بحكم هذا المعنى كمن قال كما تحدث للناس اقضية بقدر ما احدثوا من الفجور فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما حدث لهم من الفتور

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فيوشك قائل ان يقول ما هم بمتبعي فيتبعوني وقد قرأتك القرآن فلا يتتبعني حتى ابتدع لهم غيره
فاياكم وما ابتدع فان ما ابتدع ضلالة
وقد تبين بهذا القيد ان البدع لا تدخل في العادات
فكل ما اخترع من الطرق في الدين مما يضاهي المشروع ولم يقصد به التعبد فقد خرج عن هذه التسميه كالمغارم الملزمه على الاموال وغيرها على نسبة مخصومة وقدر مخصوص مما يشبه فرض الزكوات ولم يكن اليها ضروره
وكذلك اتخاذ المناخل وغسل اليد بالاشنان وما اشبه ذلك من الامور التي لم تكن قبل فانها لا تسمى بدعا على احدى الطريقتين

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

واما الحد على الطريقة الاخرى فقد تبين معناه الا قوله يقصد بها ما يقصد بالطريقة الشرعية
ومعناه ان الشريعة انما جاءت لمصالح العباد في عاجلتهم وآجلتهم لتأتيهم في الدارين على اكمل وجوهها فهو الذي يقصده المبتدع ببدعته
لان البدعة اما ان تتعلق بالعادات او العبادات فان تعلقت بالعبادات فانما اراد بها ان يأتي تعبده على ابلغ ما يكون في زعمه ليفوز بأتم المراتب في الاخره في ظنه وان تعلقت بالعادات فكذلك لانه انما وضعها لتأتي أمور دنياه على تمام المصلحه فيها فمن يجعل المناخل في قسم البدع فظاهر ان التمتع عنده بلذة الدقيق المنخول اتم منه بغير المنخول
وكذلك البناءات المشيدة المحتفلة التمتع بها ابلغ منه بالحشوش والخرب
ومثله المصادرات في الاموال بالنسبة الى أولي الامر وقد أباحت الشريعه التوسع في التصرفات فيعد المبتدع هذا من ذلك
وقد ظهر معنى البدعة وما هي في الشرع والحمد لله
فصل

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

وفي الحد ايضا معنى آخر مما ينظر فيه وهو ان البدعة من حيث قيل فيها انها طريقة في الدين مخترعة إلى آخره يدخل في عموم لفظها البدعة التركية كما يدخل فيه البدعة غير التركية فقد يقع الابتداع بنفس الترك تحريما للمتروك او غير تحريم فان الفعل مثلا قد يكون حلالا بالشرع فيحرمه الانسان على نفسه او يقصد تركه قصدا
فبهذا الترك اما ان يكون لأمر يعتبر مثله شرعا اولا فان كان لأمر يعتبر فلا حرج فيه اذ معناه انه ترك ما يجوز تركه او ما يطلب بتركه كالذي يحرم على نفسه الطعام الفلاني من جهة أنه يضره في جسمه او عقله او دينه وما اشبه ذلك فلا مانع هنا من الترك بل ان قلنا بطلب التداوي للمريض فان الترك هنا مطلوب وان قلنا باباحة التداوي فالترك مباح
فهذا راجع إلى العزم على الحميه من المضرات وأصله قوله عليه الصلاة والسلام

يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج إلى ان قال ومن لم يستطع فعليه بالصوم الذي يكسر من شهوة الشباب حتى لا تطغى عليه الشهوة فيصير إلى العنت
وكذلك اذا ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس فذلك من اوصاف المتقين وكتارك المتشابه حذرا من الوقوع في الحرام واستبراء للدين والعرض
وان كان الترك لغير ذلك فاما ان يكون تدينا اولا فان لم يكن تدينا فالتارك عابث بتحريمه الفعل او بعزيمته على الترك
ولا يسمى هذا الترك بدعة اذ لا يدخل تحت لفظ الحد الا على الطريقة الثانية القائلة ان البدعة تدخل في العادات
واما على الطريقة الاولى فلا يدخل
لكن هذا التارك يصير عاصيا بتركه او باعتقاده التحريم فيما احل الله
واما ان كان الترك تدينا فهو الابتداع في الدين على كلتا الطريقتين اذ قد فرضنا الفعل جائزا شرعا فصار الترك المقصود معارضة للشارع في شرع

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

التحليل وفي مثله نزل قول الله تعالى يا ايها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما احل الله لكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين فنهى اولا عن تحريم الحلال
ثم جاءت الآيه تشعر أن ذلك اعتداء لا يحبه الله
وسيأتي للآيه تقرير ان شاء الله
لان بعض الصحابه هم ان يحرم على نفسه النوم بالليل وآخر الاكل بالنهار وآخر اتيان النساء وبعضهم هم بالاختصاء مبالغة في ترك شأن النساء
وفي امثال ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم
من رغب عن سنتي فليس مني
فاذا كل من منع نفسه من تناول ما احل الله من غير عذر شرعي فهو خارج عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم

http://img.photobucket.com/albums/v505/MCsam/3r2.gif

والعامل بغير السنة تدينا هو المبتدع بعينه
فان قيل فتارك المطلوبات الشرعية ندبا او وجوبا هي يسمى مبتدعا ام لا فالجواب ان التارك للمطلوبات على ضربين احدهما ان يتركها لغير التدين اما كسلا او تضييعا او ما اشبه ذلك منالدواعي النفسيه فهذا الضرب راجع إلى المخالفه للامر فان كان في واجب فمعصية وان كان في ندب فليس بمعصية اذا كان الترك جزئيا وان كليا فمعصية حسبما تبين في الاصول
والثاني ان يتركها تدينا فهذا الضرب من قبيل البدع حيث تدين بضد ما شرع الله ومثاله اهل الاباحه القائلين باسقاط التكاليف اذا بلغ السالك عندهم المبلغ الذى الذه حدوه فاذا قوله في الحد طريقة مخترعة تضاهي الشرعية يشمل البدعة التركية كما يشمل غيرها لان الطريقة الشرعية ايضا تنقسم إلى ترك وغيره
وسواء علينا قلنا ان الترك فعل ام قلنا انه نفى الفعل الطريقتين المذكورتين في أصول الفقه
وكما يشمل الحد الترك يشمل ايضا ضد ذلك
وهو ثلاثة اقسام قسم الاعتقاد وقسم القول وقسم الفعل فالجميع اربعة اقسام
وبالجمله فكل ما يتعلق به الخطاب الشرعي يتعلق به الابتداع

سيف قطر
18-06-2007, 12:20 AM
الباب الثاني: في ذم البدع وسوء منقلب اصحابها

لاخفاء ان البدع من حيث تصورها يعلم العاقل ذمها لان اتباعها خروج عن الصراط المستقيم ورمي في عمايه
وبيان ذلك من جهة النظر والنقل الشرعي العام
اما النظر فمن وجوه احدها انه قد علم بالتجارب والخبره الساريه في العالم من اول الدنيا إلى اليوم ان العقول غير مستقله بمصالحها استجلابا لها او مفاسدها استدفاعا لها لانها اما دنيويه او أخرويه
فأما الدنيويه فلا يستقل باستدراكها على التفصيل البته لا في ابتداء وضعها اولا ولا في استدراك ما عسى ان يعرض في طريقها اما في السوابق واما في اللواحق لان وضعها اولا لم يكن الا بتعليم الله تعالى
لان آدم عليه السلام لما انزل إلى الارض علم كيف يستجلب مصالح دنياه اذا لم يكن ذلك من معلومه اولا الا على قول من قال ان ذلك داخل تحت مقتضى قول الله تعالى وعلم آدم الاسماء كلها وعند ذلك يكون تعليما غير عقلي

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif

ثم توارثته ذريته كذلك في الجمله
لكن فرعت العقول من أصولها تفريعا تتوهم استقلالها به
ودخل في الاصول الدواخل حسبما اظهرت ذلك ازمنة الفترات اذ لم تجر مصالح الفترات على استقامةه لوجود الفتن والهرج وظهور أوجه الفساد
فلولا ان من الله على الخلق ببعثة الانبياء لم تستقم لهم حياة ولا جرت احوالهم على كمال مصالحهم وهذا معلوم بالنظر في اخبار الاولين والاخرين واما المصالح الاخرويه فأبعد عن مصالح المعقول من جهة وضع اسبابها وهي العبادات مثلا فان العقل لا يشعر بها على الجمله فضلا عن العلم بها على التفصيل
ومن جهة تصور الدار الاخرى وكونها آتية فلا بد وانها دار جزاء على الاعمال فان الذي يدرك العقل من ذلك مجرد الامكان ان يشعر بها
ولا يغترن ذو الحجى بأحوال الفلاسفة المدعين لادراك الاحوال الاخروية بمجرد العقل قبل النظر في الشرع فان دعواهم بألسنتهم في المسئلة بخلاف ما عليه الامر في نفسه لان الشرائع لم تزل واردة على بني آدم من جهة الرسل
والانبياء ايضا لم يزالوا موجودين في العالم وهم اكثر وكل ذلك من لدن آدم عليه السلام إلى ان انتهت بهذه الشريعة المحمدية

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif

غير ان الشريعة كانت اذا اخذت في الدروس بعث الله نبيا من انبيائه يبين للناس ما خلقوا لاجله وهو التعبد لله فلا بد ان يبقى من الشريعة المفروضة ما بين زمان أخذها في الاندراس وبين انزال الشريعة بعدها بعض الاصول المعلومة
فأتى الفلاسفة إلى تلك الاصول فتلقفوها او تلقفوا منها فارادوا ان يخرجوه على مقتضى عقولهم وجعلوا ذلك عقليا لا شرعيا وليس الامر كما زعموا
فالعقل غير مستقل البتة ولا ينبني على غير اصل وانما ينبني على اصل متقدم مسلم على الاطلاق
ولا يمكن في احوال الاخره قبلهم اصل مسلم الا من طريق الوحي
ولهذا المعنى بسط سيأتي ان شاء الله
فعلى الجملة العقول لا تستقل بادراك مصالحها دون الوحي فالابتداع مضاد لهذا الاصل لنه ليس مستند شرعي بالفرض فلا يبقى الا ما ادعوه من العقل فالمبتدع ليس على ثقة من بدعته ان ينال بسبب العمل بها ما رام تحصيله من جهتها فصارت كالعبث
هذا ان قلنا ان الشرائع جاءت لمصالح العباد
واما على القول الاخر فأحرى ان لا يكون صاحب البدعة على ثقة منها لانها اذ ذاك مجر تعبد والزام من جهة الآمر للمأمور والعقل بمعزل عن هذه الخطة حسبما تبين في علم الاصول وناهيك من نحلة ينتحلها صاحبها في ارفع مطالبه لائقه بها ويلقة من يده ما هو على ثقة منه
والثاني ان الشريعة جاءت كامله لا تحتمل الزياده ولا النقصان لان الله تعالى قال فيها اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا
وفي حديث العرباض بن سارية وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
موعظة ذرفت منها الاعين ووجلت منها القلوب فقلنا يا رسول الله ان هذه موعظة مودع فما تعهد الينا قال تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ولا يزيغ عنها بعدي الا هالك ومن يعيش منكم فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بما عرفتم من سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي الحديث رواه أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح

سيف قطر
18-06-2007, 12:21 AM
وثبت ان النبي صلى الله عليه وسلم
لم يمت حتى اتى ببيان جميع ما يحتاج اليه في امر الدين والدنيا وهذا لا مخالف عليه من اهل السنة
فاذا كان كذلك فالمبتدع انما محصول قوله بلسان حاله او مقاله ان الشريعة لم تتم وانه بقي منها اشياء يجب او يستحب استدراكها لانه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه لم يبتدع ولا استدرك عليها
وقائل هذا ضال على الصراط المستقيم
قال ابن الماجشون سمعت مالكا يقول من ابتدع في الاسلام بدعه يراها حسنه فقد زعم ان محمدا صلى الله عليه وسلم
خان الرسالة لان الله يقول اليوم اكملت لكم دينكم فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا
والثالث ان المبتدع معاند للشرع ومشاق له لان الشارع قد عين لمكالب العبد طرقا خاصة على وجوه خاصة وقصر الخلق عليها بالامر والنهي والوعد والوعيد وأخبر ان الخير فيها وان الشر في تعديها إلى غير ذلك لان الله يعلم ونحن لا نعلم وانه انما ارسل الرسول صلى الله عليه وسلم
رحمة للعالمين فالمبتدع راد لهذا كله فانه يزعم ان ثم طرقا أخر ليس ما حصره الشارع بمحصور ولا ما عينه بمتعين كأن الشارع يعلم ونحن ايضا نعلم بل ربما يفهم من استدراكه الطرق على الشارع انه علم ما لم يعلمه الشارع

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif

وهذا ان كان مقصودا للمبتدع فهو كفر بالشريعة والشارع وان كان غير مقصود فهو ضلال مبين
والى هذا المعنى اشار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه اذ كتب له عدي ابن أرطاه يستشيره في بعض القدريه فكتب اليه
اما بعد فاذني أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في امره واتباع سنة نبيه  وترك ما احدث المحدثون فيما قد جرت سنته وكفوا مؤنته فعليك بلزوم السنه فان السنه انما سنها من قد عرف ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك بما رضي به القوم لانفسهم فانهم على علم وقفوا وببصر نافذ قد كفوا وهم كانوا على كشف الامور اقوى وبفضل كانوا فيه احرى فلئن امر حدث بعدهم ما احدثه بعدهم الا من اتبع غير سننهم ورغب نفسه عنهم انهم لهم السابقون فقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم مقصر وما فوقهم محسر لقد قصر عنهم آخرون فقلوا وانهم بين ذلك لعلى هدى مستقيم
ثم ختم الكتاب بحكم مسئلته
فقوله فان السنه انما سنها من قد عرف ما في خلافها فهو مقصود الاستشهاد
والرابع ان المبتدع قد نزل نفسه منزلة المضاهي للشارع لان الشارع وضع الشرائع والزم الخلق الجري على سننها وصار هو المنفرد بذلك لانه حكم بين الخلق بيما كانوا فيه يختلفون والا فلو كان التشريع من مدركات الخلق لم تنزل الشرائع ولم يبق الخلاف بين الناس ولا احتيج إلى بعث الرسل عليهم السلام

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif
0
هذا الذي ابتدع في دين الله قد صير نفسه نظيرا ومضاهيا حيث شرع مع الشارع وفتح للاختلاف بابا ورد قصد الشارع في الانفراد بالتشريع وكفى بذلك
والخامس انه اتباع للهوى لان العقل اذا لم يكن متبعا للشرع لم يبقى له الا الهوى والشهوه وانت تعلم ما في اتباع الهوى وانه ضلال مبين الا ترى قول الله تعالى يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب
فحصر الحكم في امرين لا ثالث لهما عنده هو الحق والهوى وعزل العقل مجردا اذ لا يمكن في العاده الا ذلك وقال ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتع هواه فجعل الامر محصورا بين امرين اتباع الذكر واتباع الهوى وقال ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله
وهي مثل ما قبلها وتأملوا هذه الآيه فانها صريحة في ان من لم يتبع هدى الله في هوى نفسه فلا احد اضل منه
وهذا شأن المبدع فانه اتبع هواه بغير هدى من الله وهدى الله هو القرآن
وما بينته الشريعة وبينته الآيه ان اتباع الهوى على ضربين احدهما ان يكون تابعا للامر والنهي فليس بمذموم ولا صاحبه بضال
كيف وقد قدم الهدى فاستنار به في طريق هواه وهو شأن المؤمن التقي
والاخر ان يكون هواه هو المقدم بالقصد الاول كان الامر والنهي تابعين بالنسبة اليه او غير تابعين وهو المذموم

سيف قطر
18-06-2007, 12:25 AM
والمبتدع قدم هوى نفسه على هدى الله فكان اضل الناس وهو يظن انه على هدى
وقد انجز هنا معنى يتأكد التنبيه عليه وهو ان الاية المذكوره عينت للاتباع في الاحكام الشرعية طريقين احدهما الشريعة ولا مرية في انها علم وحق وهدى والاخر الهوى وهو المذموم لانه لم يذكر في القرآن الا في سياق الذم ولم يجعل ثم طريقا ثالثا
ومن تتبع الآيات الفى ذلك كذلك
ثم العلم الذي أحيل عليه والحق الذي حمد انما هو القرآن وما نزل من عند الله كقوله تعالى قل آلذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت عليه ارحام الانثيين نبئوني بعلم ان كنتم صادقين وقال بعد ذلك ام كنتم شهداء اذ وصاكم الله بهذا فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم
وقال قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين وهذا كله لاتباع اهوائهم في التشريع بغير هدى من الله وقال ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب
وهو اتباع الهوى في التشريع اذ حقيقته افتراء على الله وقال أفرأيت من اتخذ الهه هواه واضله الله علىعلم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أي لا يهديه دون أي شيء


وذلك بالشرع لا بغيره وهو الهدى
وإذا ثبت هذا وان الامر دائر بين الشرع والهوى تزلزلت قاعدة حكم العقل المجرد فكأنه ليس للعقل في هذا الميدان مجال الا من تحت نظر الهوى فهو اذا اتباع الهوى بعينه في تشريع الاحكام


ودع النظر العقلي في المعقولات المحضة فلا كلام فيه هنا وان اهله قد زلوا ايضا بالابتداع فانما زلوا من حيث ورود الخطاب ومن حيث التشريع ولذلك عذر الجميع قبل ارسال الرسل اعني في خطئهم في التشريعات والعقليات حتى جاءت الرسل فلم يبق لاحد حجه يستقيم اليها رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ولله الحجة البالغة
فهذه قاعده ينبغي ان تكون من بال الناظر في هذا المقام وان كانت أصولية فهذه نكتتها مستنبطة من كتاب الله انتهى
قصل



واما النقل فمن وجوه احدها ما جاء في القرآن الكريم مما يدل على ذم من ابتدع في دين الله في الجمله
فمن ذلك قول الله تعالى هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله الا الله فهذه الآيه من اعظم الشواهد
وقد جاء في الحديث تفسيرها فصح من حديث عائشه رضي الله عنها انها قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن قوله فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله قال فاذا رأيتهم فاعرفيهم
وصح عنها انها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن هذه الآيه هو الذي انزل عليك الكتاب ) إلى آخر الآيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم



اذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم
وهذا التفسير مبهم ولكنه جاء في رواية عن عائشه ايضا قالت تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه الآيه هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات الآيه قال فاذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عنى الله فاحذروهم وهذا ابين لانه جعل علامة الزيغ الجدال في القرآن
وهذا الجدال مقيد باتباع المتشابه
فاذا الذم انما لحق من جادل فيه بترك المحكم وهو ام الكتاب ومعظمه والتمسك بمتشابهه ولكنه بعد مفتقر إلى تفسير اظهر
فجاء عن ابي غالب واسمه حرور قال كنت بالشام فبعث المهلب سبعين رأسا من الخوارج فنصبوا على درج دمشق فكنت على ظهر بيت لي فمر ابو أمامه فنزلت فاتبعته فلما وقف عليهم دمعت عيناه وقال
سبحان الله ما يصنع السلطان ببني آدم قالها ثلاثا كلاب جهنم كلا جهنم شر قتلى تحت ظل السماء ثلاث مرات خير قتلى من قتلوه طوبى لمن قتلهم او قتلوه
ثم التفت الي فقال ابا غالب انك بأرض هم بها كثير فأعاذك الله منهم قلت رأيتك بكيت حين رأيتهم قال
بكيت رحمة حين رأيتهم كانوا من اهل الاسلام هل تقرأ سورة آل عمران قلت نعم فقرأ هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب حتى بلغ وما يعلم تأويله الا الله وان هؤلاء كان في قلوبهم زيغ بهم ثم قرأ ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات إلى قوله ففي رحمة الله هم فيها خالدون قلت هم هولاء يا أبا أمامة قال نعم
قلت من قبلك تقول او شيء سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم
قال
اني اذا لجرئ
بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا مرة ولا مرتين حتى عد سبعا ثم قال ان بني اسرائيل تفرقوا على احدى وسبعين فرقة وان هذه الامة تزيد عليها فرقة كلها في النار الا السواد الاعظم
قلت يا ابا أمامه الا ترى ما وفعلوا قال
عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم
الاية خرجة اسماعيل القاضي وغيره
وفي رواية قال قال
الا ترى فيه السواد الاعظم
وذلك في اول خلافة عبد الملك والقتل يومئذ ظاهر قال عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم
وخرجه الترمذي مختصرا وقال فيه حديث حسن وخرجه الطحاوي ايضا باختلاف في بعض الالفاظ وفيه فقيل له يا ابا أمامه تقول لهم هذا القول ثم تبكي يعني قوله شر قتلى إلى آخره قال
رحمة لهم انهم كانوا من اهل الاسلام فخرجوا منه
ثم تلا هو الذي انزل عليك الكتاب حتى ختمها
ثم قال هم هؤلاء ثم تلا هذه الايه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه حتى ختمها ثم قال هم هؤلاء
وذكر الآجري عن طاوس قال ذكر لابن عباس الخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن فقال يؤمنون بمحكمه ويضلون عند متشابهه قرأ وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به
فقد ظهر بهذا التفسير انهم اهل البدع لان أباأمامة رضى الله عنه جعل الخوارج داخلين في عموم الآية وأنها تتنزل عليهم
وهم من أهل البدع عند العلماء اما على انهم خرجوا ببدعتهم عن اهل الاسلام واما على انهم من اهل الاسلام لم يخرجوا عنهم على اختلاف العلماء فيهم
وجعل هذه الطائفة ممن في قلوبهم زيغ فزيغ بهم وهذا الوصف موجود في اهل البدع كلهم مع ان لفظ الآيه عام وفي غيرهم ممن كان على صفاتهم
الا ترى ان صدر هذه السورة انما نزل في نصارى نجران ومناظرتهم لرسول

الله صلى الله عليه وسلم
في اعتقادهم في عيسى عليه السلام حيت تأولوا عليه انه الاله او انه ابن الله او انه ثالث ثلاثة بأوجه متشابهة وتركوا ما هو الواضح في عبوديته حسبما نقله اهل السير ثم تأوله العلماء من السلف الصالح على قضايا دخل اصحابها تحت حكم اللفظ كالخوارج فهي ظاهرة في العموم
ثم تلا ابو أمامه الآيه الأخرى وهي قوله سبحانه ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات إلى قول ( ففي رحمة الله هم فيها خالدون ) وفسرها بمعنى ما فسر به الايه الاخرى فهي الوعيد والتهديد لمن تلك صفته ونهى المؤمنين ان يكونوا مثلهم
ونقل عبيد عن حميد بن مهران قال سألت الحسن كيف يصنع اهل هذه الاهواء الخبيثه بهذه الآيه في آل عمران ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات قال نبذوها ورب الكعبة وراء ظهورهم



وعن ابي أمامة ايضا قال هم الحرورية
وقال ابن وهب سمعت مالكا يقول ما آية في كتاب الله اشد على اهل الاختلاف من اهل الاهواء من هذه الآيه يوم تبيض وجوه إلىقوله ( بما كنتم تكفرون ) قال مالك فاي كلام ابين من هذا فرأيته يتأولها لاهل الاهواء ورواه ابن القاسم وزاد قال لي مالك انما هذه الايه لاهل القبله وما ذكره في الايه قد نقل عن غيره واحد كالذي تقدم للحسن
وعن قتاده في قوله تعالى كالذين تفرقوا واختلفوا يعني اهل البدع
وعن ابن عباس في قوله يوم تبيض وجوه وتسود تبيض وجوه اهل السنه وتسود وجوه اهل البدعة
ومن الايات قوله تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا اليه وهو السنه والسبل هي سبل اهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم اهل البدع
وليس المراد سبل المعاصي لان المعاصي من حيث هي معاص لم يضعها احد طريقا تسلك دائما على مضاهاة التشريع وانما هذا الوصف خاص بالبدع المحدثات
ويدل على هذا ما روى اسماعيل عن سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهالة عن ابي وائل عن عبد الله قال خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
يوما خطا طويلا وخط لنا سليمان خطا طويلا وخط عن يمينه وعن يساره فقال هذا سبيل الله ثم خط لنا خطوطا عن يمينه ويساره وقال هذه سبل وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو اليه ثم تلا هذه الآيه وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل يعني الخطوط فتفرق بكم عن سبيله
قال بكر بن العلاء احسبه اراد شيطانا من الانس وهي البدع والله اعلم
والحديث مخرج من طرق
وعن عمر بن سلمه الهمداني قال كنا جلوسا في حلقة ابن مسعود في المسجد وهو بطحاء قبل ان يحصب
فقال له عبيد الله بن عمر بن الخطاب وكان أتي غازيا ما الصراط يا ابا عبد الرحمن قال هو ورب الكعبه الذي ثبت عليه ابوك حتى دخل الجنه
ثم حلف ذلك ثلاث ايمان ولاء ثم خط في البطحاء خطا بيده وخط بجنبيه خطوطا وقال ترككم نبيكم صلى الله عليه وسلم
على طرفه وطرفه الاخر في الجنه فمن ثبت عليه دخل الجنة ومن اخذ في هذه الخطوط هلك
وفي رواية يا ابا عبد الرحمن ما الصراط المستقيم قال تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ادناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن يساره جواد وعليها رجال يدعون من مر بهم هلم لك هلم لك فمن اخذ منهم في تلك الطرق انتهت به إلى النار ومن استقام إلى الطريق الاعظم انتهى به إلى الجنة ثم تلا ابن مسعود وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه الايه كلها
وعن مجاهد في قوله ( ولا تتبعوا السبل ) قال البدع والشبهات
وعن عبد الرحمن بن مهدي قد سئل مالك بن أنس عن السنة قال هي مالا اسم له غير السنة وتلا ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )
قال بكر بن العلاء يريد ان شاء الله حديث ابن مسعود ان النبي صلى الله عليه وسلم
خط له خطا وذكر الحديث
فهذا التفسير يدل على شمول الآيه لجميع طرق البدع لا تختص ببدعة دون أخرى

ومن الايات قول الله تعالى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين فالسبيل القصد هو طريق الحق وما سواه جائر عن الحق أي عادل عنه وهي طرق البدع والضلالات اعاذنا الله من سلوكها بفضله
وكفى بالجائر ان يحذر منه فالمساق يدل على التحذير والنهي
وذكر ابن وضاح قال سئل عاصم بن بهدلة وقيل له يا ابا بكر هل رأيت قول الله تعالى وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين قال حدثنا ابو وائل عن عبد الله بن مسعود قال خط عبد الله بن عبد الله خطا مستقيما وخط خطوطا عن يمينه وخطوطا عن شماله فقال خط رسول الله صلى الله عليه وسلم
هكذا فقال للخط المستقيم هذا سبيل الله وللخطوط التي عن يمينه وشماله هذه سبل متفرقه على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه والسبيل مشتركه قال الله تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه إلى آخرها
عن التستري قصد السبيل طريق السنه ومنها جائر يعني الي النار وذلك الملل والبدع
وعن مجاهد قصد السبيل أي المقتصد منها بين الغلو والتقصير وذلك يفيد ان الجائر هو الغالي او المقصر وكلاهما من اوصاف البدع
وعن علي رضي الله عنه انه كان يقرؤها فمنكم جائر قالوا يعني هذه الامة فكأن هذه الآيه مع الآيه قبلها يتواردان على معنى واحد
ومنها قوله تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء انما امرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون هذه الايه قد جاء تفسيرها في الحديث من طريق عائشه رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا عائشة
ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا
من هم قلت الله ورسوله اعلم قال هم اصحاب الاهواء واصحاب البدع واصحاب الضلالة من هذه الامة يا عائشه ان لكل ذنب توبة ما خلا اصحاب الاهواء والبدع ليس لهم توبة وانا برئ منهم وهم مني براء

سيف قطر
18-06-2007, 12:26 AM
قال ابن عطيه هذه الايه تعم اهل الاهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من اهل التعمق في الجدال والخوض في الكلام هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد ويريد والله اعلم باهل العمق في الفروع ما ذكره ابو عمر بن عبد البر في فصل ذم الرأي من كتاب العلم له وسيأتي ذكره بحول الله
وحكى ابن بطال في شرح البخاري عن ابي حنيفه انه قال لقيت عطاء ابن رباح بمكة فسألته عن شيء فقال من اين انت قلت من اهل الكوفه قال انت من اهل القرية الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا قلت نعم قال من أي الاصناف انت قلت ممن لا يسب السلف ويؤمن بالقدر ولا يكفر احدا بذنب فقال عطاء عرفت فالزم
وعن الحسن قال خرج علينا عثمان بن عفان رضي الله عنه يوما يخطبنا فقطعوا عليه كلامه فتراموا بالبطحاء حتى جعلت ما ابصر اديم السماء قال وسمعنا صوتا من بعض حجر ازواج النبي صلى الله عليه وسلم
فقيل هذا صوت ام المؤمنين قال فسمعتها وهي تقول الا ان نبيكم قد برئ ممن فرق دينه واحتزب وتلت ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء
قال القاضي اسماعيل احسبه يعني بقوله ام المؤمنين ام سلمة وان ذلك قد ذكر في بعض الحديث وقد كانت عائشه في ذلك الوقت حاجة

وعن ابي هريرة انها نزلت في هذه الامة وعن ابي امامة هم الخوارج
قال القاضي ظاهر القرآن يدل على ان كل من ابتدع في الدين بدعة من الخوارج وغيرهم فهو داخل في هذه الآيه لانهم اذا ابتدعوا تجادلوا وتخاصموا وتفرقوا وكانوا شيعا
ومنها قوله تعالي ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون
قرئ فارقوا دينهم وفسر عن ابي هريرة انهم الخوارج ورواه ابو أمامة مرفوعا
وقيل هم اصحاب الاهواء والبدع
قالوا روته عائشة رضي الله عنها مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
وذلك لان هذا شأن من ابتدع حسبما قاله اسماعيل القاضي وكما تقدم في الاي الاخر
ومنها قوله تعالى قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم او من تحت ارجلكم او يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض
فعن ابن عباس ان لبسكم شيعا هو الاهواء المختلفة ويكون على هذا قوله ويذيق بعضكم بأس بعض تكفير البعض للبعض حتى يتقاتلوا كما جرى للخوارج حين خرجوا على اهل السنة والجماعة وقيل معنى او يلبسكم شيعا ما فيه الباس من الاختلاف
وقال مجاهد وابو العاليه ان الايه لامة محمد صلى الله عليه وسلم
قال أبو العالية هن أربع ظهر اثنتان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم
بخمس وعشرين سنه فألبسوا شيعا وأذيق بعضكم بأس بعض وبقيت اثنتان فهما ولا بد واقعتان الخسف من تحت ارجلكم والمسخ من فوقكم وهذا كله صريح في ان اختلاف الاهواء مكروه غير محبوب ومذموم غير محمود وفيما نقل عن مجاهد في قول الله ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم قال في المختلفين انهم اهل الباطل الا من رحم ربك قال فان اهل الحق ليس فيهم اختلاف
وروى عن مطرف بن الشخير انه قال لو كانت الاهواء واحدا لقال القائل لعل الحق فيه فلما تشعبت وتفرقت عرف كل ذي عقل عقل ان الحق لا يتفرق
وعن عكرمه ولا يزالون مختلفين يعني في الاهواء الا من رحم ربك هم اهل السنة
ونقل ابو بكر ثابت الخطيب عن منصور بن عبد الله بل الرحمن قال كنت جالسا عن الحسن ورجل خلفي قاعد فجعل يأمرني ان اسأله عن قول الله ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك قال نعم ( لا يزالون مختلفين ) على اديان شتى ( الا من رحم ربك ) فمن رحم غير مختلف
وروى ابن وهب عن عمر بن عبد العزيز ومالك بن انس ان اهل الرحمه لا يختلفون
ولهذه الايه بسط يأتي بعد ان شاء الله
وفي البخاري عن عمر بن مصعب قال سألت ابي عن قوله تعالى هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا هم الحرورية قال لا هم اليهود والنصارى اما اليهود فكذبوا محمدا صلى الله عليه وسلم
واما النصارى فكذبوا بالجنة وقالوا لا طعام فيها ولا شراب والحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه وكان شعبة يسميهم الفاسقين
وفي تفسير سعيد بن منصرو عن مصعب بن سعد قال قلت لابي الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ) اهم الحرورية قال لا أولئك اصحاب الصوامع ولكن الحروريه الذين قال الله فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم
وخرج عبد بن حميد في تفسيره هذا المعنى بلفظ آخر عن مصعب بن سعد فأتى على هذه الايه قل هل ننبئكم بالاخسرين اعمالا إلى قوله ( يحسنون صنعا ) قلت اهم الحروية قال لا هم اليهود والنصارى اما اليهود فكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم
واما النصارى فكفروا بالجنة وقالوا ليس فيها طعام ولا شراب ولكن الحرورية الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما امر الله به ان يوصل ويفسدون في الارض فالاول لانهم خرجوا عن طريق الحق بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لانهم تأولوا التأويلات الفاسدة وكذا فعل المبتدعة وهو بابهم الذي دخلوا فيه
والثاني لانهم تصرفوا في احكام القرآن والسنة هذا التصرف
فأهل حروراء وغيرهم من الخوارج قطعوا قوله تعالى ان الحكم الا لله عن قوله يحكم به ذو عدل منكم وغيرها
وكذا فعل سائر المبتدعة حسبما يأتيك بحول الله
ومنه روى عمرو بن مهاجر قال بلغ عمر بن عبد العزيز رحمه الله ان غيلان القدري يقول في القدر فبعث اليه فحجبه اياما ثم ادخله عليه فقال يا غيلان ما هذا الذي بلغني عنك قال عمرو بن مهاجر فأشرت اليه الا يقول شيئا
قال فقال نعم يا امير المؤمنين ان الله عز وجل يقول هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سمعيا بصيرا انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا قال عمر أقرأ إلى آخر السوره وما تشاءون الا ان يشاء الله ان الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين اعد لهم عذابا اليما ثم قال ما تقول يا غيلان قال اقول قد كنت اعمى فبصرتني واصم فأسمعتني وضالا فهديتني فقال عمر اللهم ان كان عبدك غيلان صادقا والا فاصله قال فأمسك عن الكلام في القدر فولاه عمر بن عبد العزيز دار الضرب بدمشق فلما مات عمر ابن عبد العزيز وافضت الخلافة إلى هشام تكلم في القدر فبعث اليه هشام فقطع يده فمر به رجل والذباب على يده فقال يا غيلان هذا قضاء وقدر
قال كذبت لعمر الله ما هذا قضاء ولا قدر
فبعث اليه هشام فصلبه
والثالث لان الحروريه جردوا السيوف على عباد الله وهو غاية الفساد في الارض وذلك كثير من اهل البدع شائع وسائرهم يفسدون بوجوه من ايقاع العداوه والبغضاء بين اهل الاسلام
وهذه الاوصاف الثلاثة تقتضيها الفرقة التي نبه عليها الكتاب والسنة كقوله تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا وقوله تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا واشباه ذلك
وفي الحديث ان الامة تتفرق على بضع وسبعين فرقة
وهذا التفسير في الرواية الاولى لمصعب بن سعد ايضا فقد وافق اباه على المعنى المذكور
ثم فسر سعد بن ابي وقاص في رواية سعيد بن منصور ان ذلك بسبب الزيغ الحاصل فيهم وذلك قوله تعالى فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم وهو راجع إلى آية آل عمران في قوله فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه الاية فانه ادخل رضي الله عنه الحرورية في الآيتين بالمعنى وهو الزيغ في احداهما والاوصاف المذكورة في الاخرى لانها فيهم مموجوده فآية الرعد تشمل بلفظها لان اللفظ فيها يقتضي العموم لغة وان حملناها على الكفار خصوصا فهي تعطى ايضا فيهم حكما من جهة ترتيب الجزاء على الاوصاف المذكورة حسبما هو مبين في الاصول
وكذلك آية الصف لانها خاصة بقوم موسى عليه السلام
ومن هنا كان شعبة يسميهم الفاسقين اعنى الحرورية لان معنى الآيه واقع عليهم
وقد جاء فيها والله لا يهدي القوم الفاسقين والزيغ أيضاكان موجودا فيهم فدخلوا معنى قوله فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ومن هنا يفهم انها لا تختص من اهل البدعة بالحرورية بل تعم كل من اتصف بتلك الاوصاف التي اصلها الزيغ وهو الميل عن الحق اتباعا للهوى وانما فسرها سعد رضي الله عنه بالحرورية لانه انما سئل عنهم عل الخصوص والله اعلم لانهم اول من ابتدع في دين الله فلا يقتضي ذلك تخصيصا
واما المسئول عنها اولا وهي آية الكهف فان سعدا نفى ان تشمل الحرورية وقد جاء عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه فسر الاخسرين اعمالا بالحرورية ايضا فروى عبد بن حميد عن ابن الطفيل قال قام ابن الكواء إلى علي فقال يا امير المؤمنين من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا قال منهم اهل حروراء وهو ايضا منقول في تفسير سفيان الثوري وفي جامع ابن وهب انه سأله عن الآيه فقال له ارق إلى اخبرك وكان على المنبر فرقى اليه درجتين فتناوله بعصا كانت في يده فجعل يضربه بها ثم قال له علي انت واصحابك
وخرج عبد بن حميد ايضا عن محمد بن جبير بن مطعم قال اخبرني رجل من بني اود ان عليا خطب الناس بالعراق وهو يسمع فصاح به ابن الكواء من اقصى المسجد فقال يا امير المؤمنين من ( الاخسرين اعمالا ) قال انت
فقتل ابن الكواء يوم الخوارج
ونقل بعض اهل التفسير ان ابن الكواء سأله فقال أنتم هل حرواء واهل الرياء والذين

سيف قطر
18-06-2007, 12:30 AM
يحبطون الصنيعة بالمنة
فالروايه الاولى تدل على ان اهل حروراء بعض من شملته الآيه
ولما قال سبحانه في وصفهم الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وصفهم بالضلال مع ظن الاهتداء دل على انهم المبتدعون في اعمالهم عموما كانوا من اهل الكتاب اولا من حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم
كل بدعة ضلالة وسيأتي شرح ذلك بعون الله
فقد يجتمع التفسيران في الآيه تفسير سعد بأنهم اليهود والنصارى وتفسير علي بأنهم اهل البدعة لانهم قد اتفقوا على الابتداع ولذلك فسر كفر النصارى بأنهم تأولوا في الجنة غير ما هي عليه وهو التأويل بالرأي
فاجتمعت الآيات الثلاث على ذم البدعة واشعركلام سعد بن ابي وقاص بأن كل آيه اقتضت وصفا من اوصاف المبتدعة فهم مقصودون بما فيها من الذم والخزى وسوء الجزاء اما بعموم اللفظ واما بمعنى الوصف
وروى ابن وهب ان النبي صلى الله عليه وسلم
اتى بكتاب في كتف فقال كفى بقوم حمقا او قال ضلالا ان يرغبوا عما جاءهم به نبيهم إلى غير نبيهم او كتاب إلى غير كتابهم فنزلت اولم يكفهم انا انزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم الآيه
وخرج عبد الحميد عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من رغب عن سنتي فليس مني ثم تلا هذه الايه قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الا آخر الآية
وخرج هو وغيره عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في قول الله علمت نفس ما قدمت وأخرت قال ما قدمت من عمل خير او شر وما أخرت من نة يعمل بها من بعده وهذا التفسير قد يحتاج إلى تفسير فروى عن عبد الله قال ما قدمت من خير وما اخرت من سنة صالحة يعمل بها من بعدها فان له مثل أجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا وما اخرت من سنة سيئة كان عليه مثل وزر من عمل بها لا ينقص ذلك من اوزارهم شيئا خرجه ابن المبارك وغيره
وجاء عن سفيان بن عيينة وابي قلابة وغيرهما انهم قالوا كل صاحب بدعة او فرية ذليل
واستدلوا بقول الله تعالى ان الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين
وخرج ابن وهب عن مجاهد في قول الله انا نحن نحيى الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم يقول ما قدموا من خير وآثارهم التي أورثوا الناس بعدهم من الضلاله
وخرج ايضا عن ابن عون عن محمد بن سيرين انه قال اني ارى اسرع الناس ردة اصحاب الاهواء
قال ابن عون وكان ابن سيرين يرى ان هذه الايه في اصحاب الاهواء واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره الآيه
وذكر الآجري عن ابي الجوزاء انه ذكر اصحاب الاهواء فقال والذي نفس ابي الجوزاء بيده لأن تمتلئ داري قردة وخنازير احب الي من ان يجاورني رجل منهم ولقد دخلوا في هذه الآية ها انتم اولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله إلى قوله ان الله عليم بذات الصدور
والآيات المصرحة والمشيرة إلى ذمهم والنهي عن ملابسة احوالهم كثيرة فلنقتصر على ما ذكرنا ففيه ان شاء الله الموعظة لمن اتعظ والشفاء لما في الصدور
فصل

الوجه الثاني من النقل ما جاء في الاحاديث المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهي كثيرة تكاد تفوت الحصر الا انا نذكر منها ما تيسر مما يدل على الباقي ونتحرى في ذلك بحول الله ما هو اقرب إلى الصحة
فمن ذلك ما في الصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي رواية لمسلم من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد وهذا الحديث عده العلماء ثلث الاسلام لانه جمع وجوه المخالفة لأمره عليه السلام
ويستوي في ذلك ما كان بدعة او معصية
وخرج مسلم عن جابر بن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان يقول في خطبته اما بعد فان خير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة
وفي رواية قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يخطب الناس يحمد الله ويثني عليه بما هو اهله ثم يقول من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة
وفي رواية للنسائي وكل محدثة بدعة وكل بدعة في النار
وذكر ان عمر رضي الله عنه كان يخطب بهذه الخطبه
وعن ابن مسعود موقوفا ومرفوعا انه كان يقول انما هما اثنتان الكلام والهدى فأحسن

الكلام كلام الله واحسن الهدى هدى محمد الا واياكم ومحدثات الامور فان شر الامور محدثاتها ان كل محدثة بدعة وفي لفظ
غير انكم ستحدثون ويحدث ويحدث لكم فكل محدثة ضلالة وكل ضلالة في النار وكان ابن مسعود يخطب بهذا كل خميس
وفي رواية أخرى عنه انما هما اثنتان الهدى والكلام فافضل الكلام او اصدق الكلام كلام الله واحسن الهدى هدى الله بل محمد وشر الامور محدثاتها وكل محدثة بدعة الا لا يتطاولن عليكم الامر فتقسو قلوبكم ولا يلهينكم الامل فإن كل ما هو آت قريب الا ان بعيدا ما ليس آتيا
وفي رواية أخرى عنه احسن الحديث كتاب الله واحسن الهدى هدى محمد وشر الامور محدثاتها وان ما توعدون لات وما انتم بمعجزين
وروى ابن ماجه مرفوعا عن ابن مسعود ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال اياكم ومحدثات الأمور فإن شر الامور محدثاتها وان كل محدثة بدعة وان كل بدعة ضلالة والمشهور انه موقوف على ابن مسعود
وفي الصحيح من حديث ابي هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من دعا إلى الهدى كان له من الاجر مثل أجور من يتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الاثم مثل آثام من يتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا وفي الصحيح ايضا عنه عليه الصلاة والسلام قال من سن سنة خير فاتبع عليها فله اجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئا ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزره ومثل اوزار من اتبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا خرجه الترمذي
وروى الترمذي ايضا وصححه وأبو داود وغيرهما عن العرباض بن سارية قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ذات يوم ثم اقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب
فقال قائل يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد الينا فقال أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة لولاة الأمر وان كان عبدا حبشيا
فإنه من يعيش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وروى على وجوه من طرق وفي الصحيح عن حذيفة انه قال يا رسول الله هل بعد هذا الخير شر قال نعم قوم يستنون بغير سنتي ويهتدون بغير هديى قال فقلت هل بعد ذلك الشر من شر قال نعم دعاة على نار جهنم من أجابهم قذفوه فيها قلت يا رسول الله صفهم لنا قال نعم هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني ان ادركت ذلك قال تلزم جماعة المسلمين وامامهم قلت فان لم يكن امام ولا جماعه قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وانت على ذلك وخرجه البخاري على نحو آخر
وفي حديث الصحيفة المدينة حرم ما بين عير إلى ثور من احدث فيها حدثا او آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا وهذا الحديث في سياق العموم فيشمل كل حدث أحدث فيها مما ينافي الشرع
والبدع من اقبح الحدث
وقد استدل به مالك في مسئلة تأتي في موضعها بحول الله
وهو وان كان مختصا بالمدينة فغيرها ايضا يدخل في المعنى
وفي الموطأ من حديث ابي هريرة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
خرج إلى المقبره فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين وانا ان شاء الله بكم لاحقون الحديث إلى ان قال فيه فليذادن رجال عن حوضى كما يذاد البعير الضال اناديهم الا هلم الا هلم الا هلم فيقال انهم قد بدلوا بعدك فأقول فسحقا فسحقا فسحقا حمله جماعة من العلماء على انهم اهل البدع وحمله آخرون على المرتدين عن الاسلام
والذي يدل على الاول ما خرجه خيثمة بن سليمان عن يزيد الرقاشي قال سألت أنس بن مالك فقلت ان ها هنا قوما يشهدون علينا بالكفر والشرك ويكذبون بالحوض والشفاعة فهل سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
في ذلك شيئا قال نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول بين العبد والكفر او الشرك ترك الصلاة فاذا تركها فقد اشرك
وحوضى كما بين ايله إلى مكة اباريقه كنجوم السماء او قال كعدد نجوم السماء له ميزابان من الجنة كلما نضب امداه من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها ابدا وسيرده اقوام ذابلة شفاههم فلا يطعمون منه قطرة واحدة من كذب به اليوم لم يصب منه الشرب يومئذ فهذا الحديث على انهم من أهل القبلة فنسبتهم أهل الإسلام إلى الكفر من أوصاف الخوارج والتكذيب بالحوض من اوصاف اهل الاعتزال وغيرهم
مع ما في حديث الموطأ من قول النبي صلى الله عليه وسلم
ألا هلم
لانه عرفهم بالغره والتحجيل الذي جعله من خصائص امته والا فلو لم يكونوا من الامة لم يعرفهم بالعلامة المذكورة وصح من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
بالموعظه فقال انكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلا كما بدأنا اول خلق نعيده وعدا علينا انا كنا فاعلين قال اول من يكسى يوم القيامة ابراهيم وانه يستدعى برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول كما قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت على كل شيء شهيد ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم فيقال هؤلاء لم يزالوا مرتدين على اعقابهم منذ فارقتهم
ويحتمل هذا الحديث ان يراد به اهل البدع كحديث الموطأ ويحتمل ان يراد به من ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم

سيف قطر
18-06-2007, 12:31 AM
وفي الترمذي عن ابي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال تفرقت اليهود على احدى وسبعين فرقة والنصار مثل ذلك وتفترق امتي على ثلاث وسبعين فرقة
حسن صحيح
وفي الحديث روايات أخر سيأتي ذكرها والكلام عليها ان شاء الله
ولكن الفرق فيها عند اكثر العلماء فرق اهل البدع وفي الصحيح انه صلى الله عليه وسلم
قال ان الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا واضلوا وهو آت على وجوه كثيره في البخاري وغيره
وفي مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه انه قال من سره ان يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فإن الله عز وجل شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم
سنن الهدى وانهن من سنن الهدى ولو انكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم
لضللتم الحديث
فتأملوا كيف جعل ترك السنة ضلالة وفي رواية لو تركتم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم
لكفرتكم وهو اشد في التحذير
وفيه ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال اني تارك فيكم ثقلين اولهما كتاب الله فيه الهدى والنور وفي رواية فيه الهدى من استمسك به واخذ به كان على الهدى
ومن أخطأه ضل
وفي رواية من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة
ومما جاء في هذا الباب ايضا ما خرج ابن وضاح ونحوه لابن وهب عن ابي هريره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال سيكون في أمتي دجالون كذابون يأتونكم ببدع من الحديث لم تسمعوه انتم ولا آباؤهم فإياكم إياهم لا يفتنوكم
وفي الترمذي انه عليه الصلاة والسلام قال من احيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فان له من الاجر مثل أجر من عمل بها من غير ان ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن ابتدع ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل وزر من عمل بها لا ينقص ذلك من اوزار الناس شيئا حديث حسن
ولابن وضاح وغيره من حديث عائشه رضي الله عنها من أتى صاحب بدعه ليوقره فقد اعان على هدم الاسلام
وعن الحسن ان رسول الله عليه وسلم قال ان احببت ان لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة فلا تحدث في دين الله حدثا برأيك وعنه عليه الصلاه والسلام انه قال من اقتدى بي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني
وخرج الطحاوي ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال ستة ألعنهم لعنهم الله وكل نبي مجاب الزائد في دين الله والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت يذل به من اعز الله ويعز به من اذل الله والتارك لسنتي والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتي ما حرم الله
وفي رواية ابي بكر بن ثابت الخطيب ستة لعنهم الله ولعنتهم وفيه والراغب عن سنتي إلى بدعة
وفي الطحاوي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ان لكل عابد شرة ولكل شرة فترة فإما إلى سنة واما إلى بدعة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد هلك
وفي معجم البغوي عن مجاهد قال دخلت أنا وابو يحي بن جعدة على رجل من الانصار من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ذكروا عند رسول الله صلى وسلم مولاة لبني عبد المطلب فقالوا انها قامت الليل وصامت النهار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لكني انام واصلي واصوم وافطر فمن اقتدى بي فهو مني ومن رغب عن سنتي فليس مني ان لكل عامل شرة ثم فترة فمن كانت فترته إلى بدعة فقد ضل ومن كانت فترته إلى سنه فقد اهتدى
وعن وائل عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم
انه قال ان اشد الناس عذابا يوم القيامة رجل قتل نبيا او قتله نبي وامام ضلالة وممثل من المسلمين
وفي منتقى حديث خيثمة عن سليمان عن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال
سيكون من بعدي أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فيحدثون البدعة
قال عبد الله بن مسعود فكيف اصنع اذا ادركتهم قال تسألني يا ابن ام عبد الله كيف تصنع لا طاعة لمن عصى الله
وفي الترمذي عن ابي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من اكل طيبا وعمل في سنة وأمن الناس بوائقه دخل الجنة فقال رجل يا رسول الله ان هذا اليوم في الناس لكثير قال وسيكون في قرون بعدى حديث غريب
وفي كتاب الطحاوي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال كيف بكم وبزمان او قال يوشك ان يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم واماناتهم اختلفوا فصارت هكذا وشبك بين اصابعه قالوا وكيف بنا يا رسول الله قال تأخذون بما تعرفون وتذرون ما تنكرون وتقبلون على امر خاصتكم وتذرون امر عامتكم وخرج ابن وهب مرسلا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال اياكم والشعاب قالوا وما الشعاب يا رسول الله قال الاهواء
وخرج ايضا ان الله ليدخل العبد الجنه بالسنة يتمسك بها
وفي كتاب السنة للآجرى من طريق الوليد بن مسلم عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اذا حدث في أمتي البدع وشتم اصحابي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله والملائكه والناس اجمعين
قال عبد الله بن الحسن فقلت للوليد بن مسلم ما اظهار العلم قال اظهار السنة والأحاديث كثيرة
وليعلم الموفق ان بعض ما ذكر من الاحاديث يقصر عن رتبة الصحيح وانما اتى بها عملا بما اصله المحدثون في أحاديث الترغيب والترهيب
اذ قد ثبت ذم البدع واهلها بالدليل القاطع القرآني والدليل السني الصحيح فما زيد من غيره فلا حرج في الاتيان به ان شاء الله
فصل

الوجه الثالث من النقل ما جاء عن السلف الصالح من الصحابه والتابعين رضي الله عنهم في ذم البدع واهلها وهو كثير
فمما جاء عن الصحابة ما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه خطب الناس فقال ايها الناس قد سنت لكم السنن وفرضت لكم الفرائض وتركتم على الواضحة الا ان تضلوا بالناس يمينا وشمالا
وصفق باحدى يديه على الاخرى
ثم قال اياكم ان تهلكوا عن آية الرجم ان يقول قائل لا نجد حدين في كتاب الله
فقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم
ورجمنا إلى آخر الحديث
وفي الصحيح عن حذيفه رضي الله عنه انه قال يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا وان أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا وروى عنه من طريق آخر انه كا يدخل المسجد فيقف على الخلق فيقول يا معشر القراء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن اخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا
وفي رواية ابن المبارك فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا الحديث
وعنه ايضا أخوف ما اخاف على الناس اثنتان ان يؤثروا ما يرون على ما يعلمون وان يضلوا وهو لا يشعرون
قال سفيان وهو صاحب البدعه
وعنه ايضا انه اخذ حجرين فوضع احدهما على الاخر ثم قال لاصحابه هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور قالوا يا ابا عبد الله ما نرى بينهما من النور الا قليلا
قال والذي نفسي بيده لتظهرن البدع حتى لا يرى من الحق الا قدر ما بين هذين الحجرين من النور والله لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شي قالوا تركت السنة
وعنه انه قال اول ما تفقدون من دينكم الامانة وآخر ما تفقدون الصلاة ولتنقضن عرى الاسلام عروة عروة وليطئن نساءكم وبن حيض ولتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل لا تخطئون طريقهم ولا تخطئ بكم وحتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة تقول احداهما ما بال الصلوات الخمس لقد ضل من كان قبلنا انما قال الله اقم الصلاه طرفي النهار وزلفا من الليل لا تصلون الا ثلاثا
وتقول الاخرى انما المؤمنون بالله كايمان الملائكه ما فيها كافر ولا منافق
حق على الله ان يحشرهما مع الدجال
وهذا المعنى موافق لما ثبت من حديث ابي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم
انه قال لألفين احدكم متكئا على اريكته يأتيه الامر من أمري مما أمرت به او نهيت عنه فيقول لا ادري لا ادري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه فإن السنة جاءت مفسرة للكتاب فمن اخذ بالكتاب من غير معرفة بالسنة زل عن الكتاب كما زل عن السنة
فلذلك يقول القائل لقد ضل من كان قبلنا إلى آخره وهذه الاثار عن حذيفه من تخريج ابن وضاح
وخرج ايضا عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه قال اتبعوا آثارنا ولا تبتدعوا فقد كفيتم
وخرج عنه ابن وهب ايضا انه قال عليكم بالعلم قبل ان يقبض وقبضه بذهاب اهله
عليكم بالعلم فإن احدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده
وستجدون اقواما يزعمون انهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم فعليكم بالعلم وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالتعيق
وعنه ايضا ليس عام الا والذي بعده شر منه لا اقول عام امطر من عام ولا عام اخصب من عام ولا امير خير من امير ولكن ذهاب علمائكم وخياركم ثم يحدث قوم يقيسون الامور بآرائهم فيهدم الاسلام ويثلم
وقال ايضا كيف انتم اذا البستم فتنه يهرم فيها الكبير وينشأ فيها الصغير تجرى على الناس يحدثونها سنة اذا غيرت قيل هذا منكر
وقال ايضا ايها الناس لا تبتدعوا ولا تنطعوا ولا تعمقوا وعليكم بالعتيق خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون
وعنه ايضا القصد في السنه خير من الاجتهاد في البدعه
وقد روى معناه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة

وعنه ايضا خرجه قاسم بن اصبع انه قال اشد الناس عذابا يوم القيامه امام ضال يضل الناس بغير ما انزل الله ومصور ورجل قتل نبيا او قتله نبي
وعن ابي بكر الصديق رضي الله عنه قال لست تاركا شيئا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
يعمل به الا عملت به اني اخشى ان تركت شيئا من امره ان ازيغ
خرج ابن المبارك عن عمر بن الخطاب ان يزيد بن ابي سفيان يأكل الوان الطعام فقال عمر لمولى له يقال له يرفأ اذا علمت انه قد حضر عشاؤه فأعلمنى فلما حضر عشاؤه اعلمه فأتاه عمر فسلم عليه فاستأذن فأذن له فدخل فقرب عشاءه فجاء بثريد لحم فأكل عمر معه منها ثم قرب شواء فبسط يزيد يده وكف عمر يده ثم قال والله يا يزيد بن ابي سفيان اطعام بعد طعام والذي نفس عمر بيده لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم
وعن ابن عمر صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر
وخرج الآجري عن السائب بن يزيد قال اتى عمر بن الخطاب فقالوا يا امير المؤمنين انا لقينا رجلا يسأل عن تأويل القرآن فقال اللهم امكني منه قال فبينما عمر ذات يوم يغذي الناس اذ جاءه عليه ثياب وعمامه فتغدى حتى اذا فرغ قال يا امير المؤمنين والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فقال عمر أنت هو فقام اليه محسرا عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فقال والذي نفسي بيده لو وجدتك محلوقا لضربت رأسك البسوه ثيابه واحملوه على قتب ثم اخرجوه حتى تقدموا به بلاده ثم ليقم خطيبا ثم ليقل ان صبيغا طلب العلم فأخطأ فلم يزل وضيعا في قومه حتى هلك وكان سيد قومه
وخرج ابن المبارك وغيره عن ابي بن كعب انه قال عليكم بالسبيل والسنة فإنه ما على الارض من عبد على السبيل والسنه ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فيعذبه الله ابدا
وما على الارض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله الا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك اذا اصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها الا حط الله عنه خطاياه كما تحات عن الشجره ورقها فإن اقتصادا في سبيل الله وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله وسنه وانظروا ان يكون عملكم ان كان اجتهادا واقتصادا ان يكون على منهاج الانبياء وسنتهم
ع

سيف قطر
18-06-2007, 12:33 AM
وخرج ابن وضاح عن ابن عباس قال ما يأتي على الناس من عام الا احدثوا فيه بدعة واماتوا سنه حتى تحيا البدع وتموت السنن
وعنه انه قال عليكم بالاستفاضة والأثر واياكم والبدع
وخرج ابن وهب عنه ايضا قال من احدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يدر ما هو عليه اذا لقى الله عز وجل وخرج ابو داود وغيره عن معاذ بن جبل رضي الله عنه انه قال يوما ان من ورائكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيه القران حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأه والصغير والكبير والعبد والحر فيوشك قائل ان يقول ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره واياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة واحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم وقد يقول المنافق كلمة الحق
قال الراوي قلت لمعاذ وما يدريني يرحمك الله ان الحكيم قد يقول كلمة ضلالة وان المنافق قد يقول كلمة الحق قال بلى اجتنب من كلام الحكيم غير المشتهرات التي يقال فيها ما هذه ولا يثنينك ذلك عنه فانه لعله ان يراجع وتلق الحق اذا سمعته فان على الحق نورا
وفي روايه مكان المشتهرات المشتبهات وفسر بأنه ما تشابه عليك من قول حتى يقال ما اراد بهذه الكلمة ويريد والله اعلم ما لم يشتمل ظاهره على مقتضى السنة حتى تنكره القلوب ويقول الناس ما هذه وذلك راجع إلى ما يحذر من زلة العالم حسبما يأتي بحول الله
ومما جاء عمن بعد الصحابة رضي الله عنهم ما ذكر ابن وضاح عن الحسن قال صاحب البدعةه لا يزداد اجتهادا صياما وصلاة الا ازداد من الله بعدا
وخرج ابن وهب عن ابي ادريس الخولاني انه قال لان ارى في المسجد نارا لا استطيع اطفاءها احب الي من ان ارى فيه بدعة لا استطيع تغييرها وعن الفضيل بن عياض اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين واياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين
وعن الحسن لا تجالس صاحب هوى فيقذف في قلبك ما تتبعه عليه فتهلك او تخالفه فيمرض قلبك
وعنه ايضا في قول الله تعالى كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم قال كتب الله صيام رمضان على اهل الاسلام كما كتبه على من كان قبلهم فاما اليهود فرفضوه واما النصارى فشق عليهم الصوم فزادوا فيه عشرا وأخروه إلى اخف ما يكون عليهم فيه الصوم من الأزمنة فكان الحسن اذا حدث بهذا الحديث قال عمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة
وعن ابي قلابة لا تجالسوا اهل الاهواء ولا تجادلوهم فاني لا آمن ان يغمسوكم في ضلالتهم ويلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون قال ايوب وكان والله من الفقهاء ذوي الألباب
وعنه ايضا انه كان يقول ان اهل الأهواء اهل ضلالة ولا ارى مصيرهم الا إلى النار
وعن الحسن لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك
وعن ايوب السختياني انه كان يقول ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا الا ازداد من الله بعدا
وعن ابي قلابة ما ابتدع رجل بدعة الا استحل السيف
وكان ايوب يسمي اصحاب البدع خوارج ويقول ان الخوارج اختلفوا في الاسم واجتمعوا على السيف
وخرج ابن وهب عن سفيان قال كان رجل فقيه يقول ما احب اني هديت الناس كلهم واضللت رجلا واحدا وخرج عنه انه كان يقول لا يستقيم قول الا بعمل ولا قول وعمل الا بنيه ولا قول ولا عمل ولا نيه الا موافقا للسنة
وذكر الآجري ان ابن سيرين كان يرى اسرع الناس ردة اهل الاهواء
وعن ابراهيم ولا تكلموهم اني اخاف ان ترتد قلوبكم
وعن هشام بن حسان قال لا يقبل الله من صاحب بدعة صياما ولا صلاه ولا حجا ولا جهادا ولا عمرة ولا صدقة ولا عتقا ولا صرفا ولا عدلا زاد ابن وهب عنه وليأتين على الناس زمان يشتبه فيه الحق والباطل فاذا كان ذلك لم ينفع فيه دعاء الا كدعاء الغرق
وعن يحي بن ابي كثير قال اذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر
وعن بعض السلف من جالس صاحب بدعة فزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه
وعن العوام بن حوشب انه كان يقول لابنه يا عيسى اصلح قلبك واقلل مالك وكان يقول والله لان ارى عيسى في مجالس اصحاب البرابط والاشربه والباطل احب الي من ان اراه يجالس اصحاب الخصومات
قال ابن وضاح يعني اهل البدع
وقال رجال لابي بكر بن عياش يا ابا بكر من السني الذي اذا ذكرت الاهواء لم يغضب لشيء منها وقال يونس بن عبيد ان الذي نعرض عليه السنة فيقبلها الغريب واغرب منه صاحبها
وعن يحي بن ابي عمر الشيباني قال كان يقال يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة وما انتقل صاحب بدعة الا إلى شر منها
وعن ابي العالية تعلموا الاسلام فاذا تعلمتموه فلا ترغبوا عنه وعليكم بالصراط المستقيم فانه الاسلام ولا تحرفوا يمينا ولا شمالا وعليكم بسنة نبيكم وما كان عليه اصحابه من قبل ان يقتلوا صاحبهم ومن قبل ان يفعلوا الذي فعلوا
قد قرأنا القرآن من قبل ان يقتلوا صاحبهم ومن قبل ان يفعلوا الذي فعلوا واياكم وهذه الاهواء التي تلقى بين الناس العداوه والبغضاء
فحدث الحسن بذلك فقال رحمه الله صدق ونصح
خرجه ابن وضاح وغيره
وكان مالك كثيرا ما ينشد
وخير أمور الدين ما كان سنة
وشر الامور المحدثات البدائع

وعن مقاتل بن حيان قال اهل هذه الاهواء آفة أمة محمد صلى الله عليه وسلم
انهم يذكرون النبي صلى الله عليه وسلم
واهل بيته فيتصيدون بهذا الذكر الحسن عند الجهال من الناس فيقذفون بهم في المهالك فما اشبههم بمن يسقى الصبر باسم العسل ومن يسقى السم القاتل باسم الترياق فأبصرهم فإنك ان لا تكن اصبحت في بحر الماء فقد اصبحت في بحر الاهواء الذي هو اعمق غورا واشد اضطرابا واكثر صواعق وابعد مذهبا من البحر وما فيه ففلك مطيتك التي تقطع بها سفر الضلال اتباع السنة
وعن ابن المبارك قال اعلم أي اخي ان الموت كرامة لكل مسلم لقى الله على السنة فإنا لله وانا اليه راجعون فالى الله نشكو وحشتنا وذهاب الإخوان وقلة الأعوان وظهور البدع
والى الله نشكو عظيم ما حل بهذه الامه من ذهاب العلماء واهل السنه وظهور البدع
وكان ابراهيم التيمي يقول اللهم اعصمني بدينك وبسنة نبيك من الاختلاف في الحق ومن اتباع الهوى ومن سبل الضلالة ومن شبهات الامور ومن الزيغ والخصومات
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله كان يكتب في كتبه اني احذركم ما مالت اليه الاهواء والزيغ البعيده
ولما بايعه الناس صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس انه ليس بعد نبيكم نبي ولا بعد كتابكم كتاب ولا بعد سنتكم سنة ولا بعد أمتكم امة الا وان الحلال ما احل الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة الا وان الحرام ما حرم الله في كتابه على لسان نبيه حرام إلى يوم القيامة
ألا واني لست بمبتدع ولكني متبع ألا واني لست بقاض ولكني منفذ الا واني لست بخازن ولكني اضع حيث امرت الا واني لست بخيركم ولكني اثقلكم حملا
الا ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ثم نزل
وفيه قال عروه بن أذينة عن أذينة يرثيه بها
واحييت في الاسلام علما وسنة
ولم تبتدع حكما من الحكم اضجع

ففي كل يوم كنت تهدم بدعة
وتبني لنا من سنة ما تهدما

ومن كلامه الذي عنى به ويحفظه العلماء وكان يعجب مالكا حدا وهو ان قال سن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وولاة الأمر من بعده سننا الاخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لاحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها
من عمل بها مهتد ومن انتصر بها منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى واصلاه جهنم وساءت مصيرا
وبحق وكان يعجبهم فإنه كلام مختصر جمع أصولا حسنه من السنه منها ما نحن فيه لان قوله ليس لاحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء من خالفها قطع المادة الابتداع جمله وقوله من عمل بها مهتد إلى آخر الكلام مدح لمتبع السنة وذم لمن خالفها بالدليل الدال على ذلك وهو قول الله سبحانه وتعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ومنها ما سنه ولاة الأمر من بعد النبي صلى الله عليه وسلم
فهو سنه ولا بدعة فيه ألبتة وان لم يعلم في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم
نص عليه على الخصوص
فقد حاء ما يدل عليه في الجملة وذلك نص حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه حيث قال فيه فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين والمهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فقرن عليه السلام كما ترى سنة الخلفاء الراشدين بسنته وان من اتباع سنته اتباع سنتهم وان المحدثات خلاف ذلك ليست منها في شيء
لانهم رضي الله عنهم فيما سنوه
اما متبعون لسنة نبيهم عليه السلام نفسها واما متبعون لما فهموا من سنته صلى الله عليه وسلم
في الجملة والتفصيل على وجه يخفى على غيرهم مثله لا زائد على ذلك
وسيأتي بيانه بحول الله
على ان ابا عبد الله الحاكم نقل عن يحي بن آدم قول السلف الصالح سنة ابي بكر وعمر رضي الله عنهما ان المعنى فيه ان يعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم
مات وهو على تلك السنة وانه لا يحتاج مع قول النبي صلى الله عليه وسلم
إلى قول احد وما قال صحيح في نفسه فهو مما يحتمله حديث العرباض رضي الله عنه فلا زائد اذا على ما ثبت في السنة النبوية
الا انه قد يخاف ان تكون منسوخة بسنة أخرى فافتقر العلماء إلى النظر في عمل الخلفاء بعده ليعلموا ان ذلك هو الذي مات عليه النبي صلى الله عليه وسلم
من غير ان يكون له ناسخ لأنهم كانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمره
وعلى هذا المعنى بني مالك ابن انيس في احتجاجه بالعمل ورجوعه اليه عند تعارض السنن
ومن الاصول المضمنه في اثر عمر بن عبد العزيز ان سنة ولاة الامر وعملهم تفسير لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
لقوله الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله
وهو اصل مقرر في غير هذا الموضع فقد جمع كلام عمر بن عبد العزيز رحمه الله أصولا حسنة وفوائد مهمة ومما يعزى لابي الياس الالباني ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن وفيهن خير الدنيا والآخرة اتبع لا تبتدع اتضع لا ترتفع ومن ورع لا يتسع والآثار هنا كثرة
فصل

سيف قطر
18-06-2007, 12:34 AM
الوجه الرابع من النقل ما جاء في ذم البدع واهلها عن الصوفية المشهورين عند الناس
وإنما خصصنا هذا الموضع بالذكر وان كان فيما تقدم من النقل كفاية لان كثيرا من الجهال يعتقدون فيهم انهم متساهلون في الاتباع وان اختراع العبادات والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه مما يقولون به ويعملون عليه وحاشاهم من ذلك ان يعتقدوه او يقولوا به فأول شيء بنوا عليه طريقتهم اتباع السنه واجتناب ما خالفها حتى زعم مذكرهم وحافظ مأخذهم وعمود نحلتهم ابو القاسم القشيري انهم انما اختصوا باسم التصوف انفرادا به عن اهل البدع فذكر ان المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يتسم افاضلهم في عصرهم باسم علم سوى الصحبة اذ لا فضيلة فوقها ثم سمى من يليهم التابعين ورأوا هذا الاسم أشرف الأسماء ثم قيل لمن بعدهم اتباع التابعين ثم اختلف الناس وتباينت المراتب فقيل لخواص الناس ممن له شدة عناية في الدين الزهاد والعباد
قال ثم ظهرت البدع وادعى كل فريق ان فيهم زهادا وعبادا فانفرد خواص اهل السنة المراعون انفسهم مع الله الحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف
هذا معنى كلامه فقد عد هذا اللقب مخصوصا باتباع السنة ومباينة البدعة
وفي ذلك ما يدل على خلاف ما يعتقده الجهال ومن لا عبره به من المدعين للعلم
وفي غرضى ان فسح الله في المدة وأعانني بفضله ويسر لي الاسباب ان الخص في طريقة القوم انموذجا يستدل به على صحتها وجريانها على الطريقة المثلى وانه انما داخلتها المفاسد وتطرقت اليها البدع من جهة قوم تأخرت أزمانهم عن عهد ذلك السلف الصالح وادعوا الدخول فيها من غير سلوك شرعي ولا فهم لمقاصد اهلها وتقولوا عليهم ما لم يقولوا به حتى صارت في هذا الزمان الاخير كأنها شريعة أخرى غير ما اتى بها محمد صلى الله عليه وسلم

واعظم من ذلك انهم يتساهلون في اتباع السنة ويرون اختراع العبادات طريقا للتعبد صحيحا وطريقة القوم بريئه من هذا الخباط بحمد الله
فقد قال الفضيل بن عياض من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة
وقيل لابراهيم بن ادهم ان الله يقول في كتابه ادعوني استجب لكم ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا فقال ماتت قلوبكم في عشرة اشياء اولها عرفتم الله فلم تؤدوا حقه
والثاني قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به والثالث ادعيتم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتركتم سنته
والرابع ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه
والخامس قلتم نحب الجنة وما تعملون لها إلى آخر الحكاية
وقال ذو النون المصرى من علامة حب الله متابعة حبيب الله صلى الله عليه وسلم
في اخلاقه وافعاله وامره وسنته
وقال انما دخل الفساد على الخلق من ستة اشياء الاول ضعف النية بعمل الآخره
والثاني صارت ابدانهم مهيئة لشهواتهم
والثالث غلبهم طول الامل مع قصر الاجل
والرابع آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الله
والخامس اتبعوا اهواءهم ونبذوا سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم
والسادس جعلوا زلات السلف حجة لأنفسهم ودفنوا اكثر مناقبهم
وقال لرجل اوصاه ليكن آثر الاشياء عندك واحبها اليك احكام ما افترض الله عليك واتقاء ما نهاك عنه فان ما تعبدك الله به خير لك مما تختاره لنفسك من اعمال البر التي تجب عليك وانت ترى انها ابلغ لك فيما تريد كالذي يؤدب نفسه بالفقر والتقلل وما اشبه ذلك وانما للعبد ان يراعى ابدا ما وجب عليه من فرض يحكمه على تمام حدوده وينظر إلى ما نهى عنه فيتقيه على احكام ما ينبغي فإن الذي قطع العباد عن ربهم وقطعهم عن ان يذوقوا حلاوة الايمان وان يبلغوا حقائق الصدق وحجب قلوبهم عن النظر إلى الآخره تهاونهم باحكام ما فرض عليهم في قلبوهم واسماعهم وابصارهم والسنتهم وايديهم وارجلهم وبطونهم وفروجهم
ولو وقفوا على هذه الاشياء واحكموها لادخل عليهم البر ادخالا تعجز ابدانهم وقلوبهم عن حمل ما رزقهم الله من حسن معونته وفوائد كرامته ولكن اكثر القراء والنساك حقروا محقرات الذنوب وتهاونوا بالقليل مما هم فيه من العيوب فحرموا ثواب لذة الصادقين في العاجل
وقال بشر الحافي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم
في المنام فقال لي يا بشر تدري لم رفعك الله بين اقرانك قلت لا يا رسول الله قال لاتباعك سنتي وحرمتك للصالحين ونصيحتك لإخوانك ومحبتك لاصحابي واهل بيتي هو الذي بلغك منازل الابرار
وقال يحي بن معاذ الرازي اختلاف الناس كلهم يرجع إلى ثلاثة أصول فلكل واحد منها ضد فمن سقط عنه وقع ضده التوحيد وضده الشرك والسنة وضدها البدعة والطاعة وضدها المعصية وقال أبو بكر الدقاق وكان من اقران الجنيد كنت مارا في تيه بني اسرائيل فخطر ببالي ان علم الحقيقة مباين لعلم الشريعة فهتف بي هاتف كل حقيقة لاتتبعها الشريعة فهي كفر
وقال ابو على الحسن بن علي الجوزجاني من علامات السعادة على العبد تيسير الطاعة عليه وموافقة السنة في افعاله وصحبته لاهل الصلاح وحسن اخلاقه مع الاخوان وبذل معروفه للخلق واهتمامه للمسلمين ومراعاته لأوقاته
وسئل كيف الطريق إلى الله فقال الطرق إلى الله كثيرة وأوضح الطرق وابعدها عن الشبه اتباع السنة قولا وفعلا وعزما وعقدا ونية لان الله يقول وان تطيعوه تهتدوا فقيل له كيف الطريق إلى السنة فقال مجانبة البدع واتباع ما اجمع عليه الصدر الاول من علماء الاسلام والتباعد عن مجالس الكلام واهله ولزوم طريقة الاقتداء وبذلك امر النبي صلى الله عليه وسلم
بقوله تعالى ثم اوحينا اليك ان اتبع ملة ابراهيم
وقال ابو بكر الترمذي لم يجد احد تمام الهمة باوصافها الا اهل المحبة وانما اخذوا ذلك باتباع السنة ومجانبة البدعة فإن محمدا صلى الله عليه وسلم
كان اعلى الخلق كلهم همة واقربهم زلفى
وقال ابو الحسن الوراق لا يصل العبد إلى الله الا بالله وبموافقة حبيبه صلى الله عليه وسلم
في شرائعه
ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الاقتداء يضل من حيث انه مهتد وقال الصدق استقامة الطريق في الدين واتباع السنة في الشرع
وقال علامة محبة الله متابعة حبيبه صلى الله عليه وسلم
ومثله عن ابراهيم القمار قال علامة محبة الله ايثار طاعته ومتابعة نبيه
وقال ابو محمد بن عبد الوهاب الثقفي لا يقبل الله من الاعمال الا ما كان صوابا ومن صوابها الا ما كان خالصا ومن خالصها الا ما وافق السنة
وابراهيم بن شيبان القرميسيني صحب ابا عبد الله المغربي وابراهيم الخواص وكان شديدا على اهل البدع متمسكا بالكتاب والسنة لازما لطريق المشايخ والائمة حتى قال فيه عبد الله بن منازل ابراهيم بن شيبان حجة الله على الفقراء واهل الآداب والمعاملات
وقال ابو بكر بن سعدان وهو من اصحاب الجنيد وغيره الاعتصام بالله هو الامتناع من الغفله والمعاصي والبدع والضلالات
وقال ابو عمر الزجاجي وهو من اصحاب الجنيد والثورى وغيرهما كان الناس في الجاهلية يتبعون ما تستحسنه عقولهم وطبائعهم فجاء النبي صلى الله عليه وسلم
فردهم إلى الشريعة والاتباع فالعقل الصحيح الذي يستحسن ما يستحسنه الشرع ويستقبح ما يستقبحه
وقيل لاسماعيل بن محمد السلمى جد ابي عبد الرحمن السلمى ولقى الجنيد وغيره ما الذي لا بد للعبد منه فقال ملازمة العبودية على السنة ودوام المراقبة
وقال ابو عثمان المغربي التونسي هي الوقوف مع الحدود لا يقصر فيها ولا يتعداها قال الله تعالى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه
وقال ابو يزيد البسطامي عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئا اشد من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لشقيت
واختلاف العلماء رحمة الا في تجريد التوحيد ومتابعة العلم وهي متابعة السنة لا غيرها

سيف قطر
18-06-2007, 12:35 AM
وروى عنه انه قال قم بنا ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية وكان رجلا مقصودا مشهورا بالزهد قال الراوي فمضينا فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقة تجاه القبلة فانصرف ابو يزيد ولم يسلم عليه وقال هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فكيف يكون مأمونا على ما يدعيه
وهذا اصل أصله ابو يزيد رحمه الله للقوم وهو ان الولاية لا تحصل لتارك السنه وان كان ذلك جهلا منه فما ظنك به اذا كان عاملا بالبدعه كفاحا
وقال هممت ان أسأل الله ان يكفيني مؤنه الأكل ومؤنة النساء ثم قلت كيف يجوز ان اسأل الله هذا ولم يسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم أسأله ثم ان الله سبحانه كفاني مؤنة النساء حتى لا أبالي استقبلتني امرأه أم حائط
وقال لو نظرتم إلى رجل اعطى من الكرامات حتى يرتقي في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الامر والنهي وحفظ الحدود وآداب الشريعة
وقال سهل التستري كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء طاعة كان او معصية فهو عيش النفس يعني باتباع الهدى وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء فهو عتاب على النفس يعني لأنه لا هوى له فيه واتباع الهوى هو المذموم ومقصود القوم تركه البتة
وقال أصولنا سبعة أشياء التمسك بكتاب الله والاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام والتوبة وأداء الحقوق
وقال قد أيس الخلق من هذه الخصال الثلاث
ملازمة التوبة ومتابعة السنة وترك أذى الخلق
وسئل عن الفتوة فقال اتباع السنة
وقال ابو سليمان الداراني ربما تقع في قلبي النكتة من نكتة القوم اياما فلا اقبل منه الا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة

وقال احمد بن ابي الحواري من عمل عملا بلا اتباع سنة فباطل عمله
ابو حفص الحداد من لم يزن افعاله واحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده في ديوان الرجال
وسئل عن البدعة فقال التعدي في الاحكام والتهاون في السنن واتباع الآراء والاهواء وترك الاتباع والاقتداء قال وما ظهرت حالة عالية الا من ملازمة أمر صحيح
وسئل حمدون القصار متى يجوز للرجل ان يتكلم على الناس فقال اذا تعين عليه أداء فرض من فرائض الله في علمه او خاف هلاك انسان في بدعة يرجو ان ينجيه الله منها
وقال من نظر في سير السلف عرف تقصيره وتخلفه عن درجات الرجال
وهذه والله اعلم اشاره إلى المثابرة والاقتداء بهم فانهم اهل السنة
وقال ابو القاسم الجنيد لرجل ذكر المعرفة وقال اهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقرب إلى الله فقال الجنيد ان هذا قول قوم تكلموا باسقاط الاعمال عن الله تعالى واليه يرجعون فيها
قال ولو بقيت الف عام لم انقص من اعمال البر ذرة الا ان يحال بي دونها
وقال الطرق كلها مسدودة على الخلق الا على من اقتفى اثر الرسول صلى الله عليه وسلم

وقال مذهبنا هذا مقيد بالكتاب والسنة
وقال من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الامر لان علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة
وقال هذا مشيد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم


وقال ابو عثمان الجبري الصحبة مع الله تعالى بحسن الأدب ودوام الهيبة والمراقبة والصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
باتباع سنته ولزوم ظاهر العلم والصحبة مع أولياء الله بالاحترام والخدمة إلى آخر ما قال
ولما تغير عليه الحال مزق ابنه ابو بكر قميصا على نفسه ففتح ابو عثمان عينيه وقال خلاف السنة يا بني في الظاهر علامة رياء في الباطن
وقال من امر السنة على نفسه قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن امر الهوى على نفسه قولا وفعلا نطق بالبدعة قال الله تعالى وان تطيعوه تهتدوا
وقال ابو الحسين النووي
من رايته يدعي مع الله حالة تخرجه عن حد العلم الشرعي فلا تقربن منه
وقال محمد بن الفضل البلخي ذهاب الاسلام من اربعة لا يعملون بما يعلمون ويعملون بما لا يعلمون ولا يتعلمون ما لا يعلمون ويمنعون الناس من التعلم
هذا ما قال وهو وصف صوفيتنا اليوم عياذا بالله
وقال اعرفهم بالله اشدهم مجاهدة في اوامره واتبعهم لسنة نبيه
وقال شاه الكرماني من غض بصره عن المحارم وامسك نفسه عن الشبهات وعمر باطنه بدوام المراقبة وظاهره باتباع السنة وعود نفسه اكل الحلال لم تخطئ له فراسة
وقال ابو سعيد الخراز كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطل
وقال ابو العباس بن عطاء وهو من اقران الجنيد من الزم نفسه آداب نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام اشرف من مقام متابعة الحبيب صلى الله عليه وسلم
في اوامره وافعاله واخلاقه
وقال ايضا اعظم الغفلة غفلة العبد عن ربه عز وجل وغفلته عن اوامره وغفلته عن آداب معاملته وقال ابراهيم الخواص ليس العلم بكثرة الرواية وانما العالم من اتبع العلم واستعمله واقتدى بالسنن وان كان قليل العلم
وسئل عن العافية فقال العافية اربعة اشياء دين بلا بدعة وعمل بلا آفة وقلب بلا شغل ونفس بلا شهوة
وقال الصبر الثبات على احكام الكتاب والسنة
وقال بنان الحمال وسئل عن اصل احوال الصوفيه فقال الثقة بالمضمون والقيام بالاوامر ومراعاة السر والتخلي من الكونين
وقال ابو حمزة البغدادي من علم طريق الحق سهل عليه سلوكه ولا دليل على الطريق إلى الله الا متابعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم
في احواله وافعاله واقواله
وقال ابو اسحاق الرقاشي علامة محبة الله ايثار طاعته ومتابعة نبيه ا ه
ودليله قوله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله الآيه
وقال ممشاد الدينوري آداب المريد في التزام حرمات المشايخ وحرمة الاخوان والخروج عن الاسباب وحفظ آداب الشرع على نفسه
وسئل ابو علي الروزباري عمن يسمع الملاهي ويقول هي لي حلال لاني قد وصلت إلى درجة لا يؤثر في اختلاف الاحوال
فقال نعم قد وصل ولكن إلى سقر
وقال ابو محمد عبد الله بن منازل لم يضيع احد فريضة من الفرائض الا ابتلاه الله بتضييع السنن ولم يبتل بتضييع السنن احد الا يوشك ان يبتلى بالبدع
وقال ابو يعقوب النهرجوري افضل الاحوال ما قارن العلم
وقال ابو عمرو بن نجيد كل حال لا يكون عن نتيجة علم فان ضرره على صاحبه اكثر من نفعه او ما أشبه ذلك فكثيرا ما ترى المتأخرين ممن يتشبه بهم يرتكب من الاعمال ما اجمع الناس على فساده شرعا ويحتج بحكايات هي قضايا احوال ان صحت لم يكن فيها حجه لوجوه عدة ويترك من كلامهم واحوالهم ما هو واضح في الحق الصريح والاتباع الصحيح شأن من اتبع من الادلة الشرعية ما تشابه بها
ولما كان اهل التصوف في طريقهم بالنسبة إلى اجماعهم على امر كسائر اهل العلوم في علومهم اتيت من كلامهم بما يقوم منه دليل على مدعى السنة وذم البدعة في طريقتهم حتى يكون دليلا لنا من جهتهم على اهل البدع عموما وعلى المدعين في طريقهم خصوصا وبالله التوفيق
فصل

سيف قطر
18-06-2007, 12:35 AM
الوجه الخامس من النقل ما جاء منه في ذم الرأي المذموم وهي المبني على غير أس والمستند إلى غير اصل من كتاب ولا سنة لكنه وجه تشريعي فصار نوعا من الابتداع بل هو الجنس فيها فان جميع البدع انما هي رأي على غير اصل ولذلك وصف بوصف الضلال
ففي الصحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول ان الله لا ينتزع العلم من الناس بعد إذ أعطاهموه انتزاعا ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون فإذا كان كذلك فذم الرأي عائد على البدع بالذم لا محالة
وخرج ابن المبارك وغيره عن عوف بن مالك الاشجعي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
تفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة اعظمها فتنة قوم يقيسون الدين برأيهم يحرمون به ما احل الله ويحلون به ما حرم الله
قال ابن عبد البر هذا هو القياس على غير أصل والكلام فى الدين بالتخرص والظن ألا ترى إلى قوله في الحديث يحلون الحرام ويحرمون الحلال ومعلوم أن الحلال ما في كتاب الله وسنة رسوله تحليله والحرام ما كان فى كتاب الله وسنة رسوله تحريمه فمن جهل ذلك وقال فيما سئل عنه بغير علم وقاس برأيه ما خرج منه عن السنة فهذا الذى قاس برأيه فضل وأضل ومن رد الفروع فى علمه إلى أصولها فلم يقل برأيه
وخرج ابن المبارك حديثا ان من اشراط الساعه ثلاثا وإحداهن ان يلتمس العلم عند الاصاغر قيل لابن المبارك من الاصاغر قال الذين يقولون برأيهم
فأما صغير يروى عن كبير فليس بصغير
وخرج ابن وهب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه قال اصبح اهل الرأي اعداء السنن اعيتهم الاحاديث ان يعوها وتفلتت منهم قال سحنون يعني البدع
وفي رواية اياكم واصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأى فضلوا واضلوا
وفي روايه لابن وهب ان اصحاب الرأي اعداء السنة اعيتهم ان يحفظوها وتفلتت منهم ان يعوها واستحيوا حين يسألوا ان يقولوا لا نعلم فعارضوا السنن برأيهم فاياكم واياهم
قال ابو بكر بن ابي داود اهل الرأي هم اهل البدع
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال من احدث رأيا ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم يدر ما هو عليه اذا لقى الله عز وجل وعن ابن مسعود رضي الله عنه قراوكم يذهبون ويتخذ الناس رؤساء جهالا يقيسون الامور برأيهم
وخرج ابن وهب وغيره عن عمر بن الخطاب انه قال السنة ما سنه الله ورسوله لا تجعلوا حظ الرأي سنة للامة
وخرج ايضا عن هشام بن عروه عن ابيه قال لم يزل امر بني اسرائيل مستقيما حتى ادرك فيهم المولدون ابناء سبايا الامم فأخذوا فيهم بالرأي فأضلوا بني اسرائيل
وعن الشعبي إنما هلكتم حين تركتم الاثار واخذتم بالمقاييس
وعن الحسن انما هلك من كان قبلكم حين شعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق فتركوا الاثار وقالوا في الدين برأيهم فضلوا واضلوا
وعن دراج بن السهم بن اسمح قال يأتي على الناس زمان يسمن الرجل راحلته حتى تعقد شحما ثم يسير عليها في الامصار حتى تعود نقضا يلتمس من يفتيه بسنة قد عمل بها فلا يجد الا من يفتيه بالظن
وقد اختلف العلماء في الرأي المقصود بهذه الأخبار والآثار
فقد قالت طائفة المراد به رأى اهل البدع المخالفين للسنن لكن في الاعتقاد كمذهب جهم وسائر مذاهب اهل الكلام لانهم استعملوا آراءهم في رد الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم
بل وفي رد ظواهر القرآن لغير سبب يوجب الرد ويقتضي التأويل كما قالوا بنفي الرؤية نفيا للظاهر بالمحتملات ونفى عذاب القبر ونفى الميزان والصراط
وكذلك ردوا احاديث الشفاعة والحوض إلى اشياء يطول ذكرها وهي مذكورة في كتب الكلام
وقالت طائفة انما الرأي المذموم المعيب الرأي المبتدع وما كان مثله من ضروب البدع فإن حقائق جميع البدع رجوع إلى الرأي وخروج عن الشرع وهذا هو القول الاظهر
إذ الادلة المتقدمة لا تقتضي بالقصد الاول من البدع نوعا دون نوع
بل ظاهرها تقتضي العموم في كل بدعه حدثت او تحدث إلى يوم القيامة كانت من الاصول او الفروع كما قاله القاضي اسماعيل في قوله تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء بعد ما حكى انها نزلت في الخوارج
وكأن القائل بالتخصيص والله اعلم لم يقل به بالقصد الاول بل اتى بمثال مما تتضمنه الايه كالمثال المذكور فانه موافق لما قال مشتهرا في ذلك الزمان فهو اولى ما يمثل به ويبقى ما عداه مسكوتا عن ذكره عند القائل به ولو سئل عن العموم لقال به
وهكذا كل ما تقدم من الاقوال الخاصة ببعض اهل البدع انما تحصل على التفسير بحسب الحاجة الا ترى ان الآية الاولى من سورة آل عمران انما نزلت في قصة نصارى نجران ثم نزلت على الخوارج حسبما تقدم إلى غير ذلك مما يذكر في التفسير انما يحملونه على ما يشمله الموضع بحسب الحاجة الحاضرة لا بحسب ما يقتضيه اللفظ لغة
وهكذا ينبغي ان تفهم اقوال المفسرين المتقدمين وهو الاولى لمناصبهم في العلم ومراتبهم في فهم الكتاب والسنه
ولهذا المعنى تقرير في غير هذا الموضع
وقالت طائفة وهم فيما زعم ابن عبد البر جمهور اهل العلم الرأي المذكور في هذه الاثار هو القول في احكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون والاشتغال بحفظ المعضلات والاغلوطات ورد الفروع والنوازع بعضها إلى بعض قياسا دون ردها إلى أصولها والنظر في عللها واعتبارها فاستعمل فيها الرأي قبل ان تنزل وفرعت قبل ان تقع وتكلم فيها قبل ان تكون بالرأي المضارع للظن قالوا لان في الاشتغال بهذا والاستغراق فيه تعطيل السنن والبعث على جهلها وترك الوقوف على ما يلزم الوقوف عليه منها ومن كتاب الله تعالى ومعانيه واحتجوا على ذلك بأشياء منها ان عمر رضي الله عنه لعن من سأل عما لم يكن وما جاء من النهي عن الاغلوطات وهي صعاب المسائل وعن كثرة السؤال وانه كره المسائل وعابها وان كثيرا من السلف لم يكن يجيب الا عما نزل من النوازل دون ما لم ينزل
وهذا القول غير مخالف لما قبله لان من قال به قد منع من الرأي وان كان غير مذموم لان الاكثار منه ذريعة إلى الرأي المذموم وهو ترك النظر في السنن اقتصارا على الرأي واذا كان كذلك اجتمع مع ما قبله فان من عادة الشرع انه اذا نهى عن شيء وشدد فيه منع ما حواليه وما دار به ورتع حول حماه
الا ترى إلى قوله عليه السلام الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة وكذلك جاء في الشرع اصل سد الذرائع وهو منع الجائز لانه يجر إلى غير الجائز
وبحسب عظم المفسدة في الممنوع يكون اتساع المنع في الذريعه وشدته
وما تقدم من الادله يبين لك عظم المفسدة في الابتداع فالحوم حول حماه يتسع جدا ولذلك تنصل العلماء من القول بالقياس وان كان جاريا على الطريقة فامتنع جماعة من الفتيا به قبل نزول المسألة وحكوا في ذلك حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم
انه قال لا تعجلوا بالبلية قبل نزولها فإنكم ان تفعلوا تشتت بكم الطرق ها هنا وها هنا
وصح نهيه عليه السلام عن كثرة السؤال
وقال ان الله فرض فرائض فلا تضيعوها ونهى عن اشياء فلا تنتهكوها وحد حدودا فلا تعتدوها وعفا اشياء رحمة بكم لاعن نسيان فلا تبحثوا عنها واحال بها جماعة على الامراء فلم يكونوا يفتون حتى يكون الأمير هو الذي يتولى ذلك ويسمونها صوافى الامراء وكان جماعة يفتون على الخروج عن العهده وانه رأي ليس بعلم كما قال ابو بكر الصديق رضي الله عنه اذ سئل في الكلالة اقول فيها برأيي فإن كان صوابا فمن الله وان كان خطأ فمني ومن الشيطان ثم اجاب
وجاء رجل إلى سعيد بن المسيب فسأله عن شيء فأملاه عليه ثم سأله عن رأيه فأجابه فكتب الرجل فقال رجل من حلفاء سعيد اتكتب يا ابا محمد رأيك فقال سعيد للرجل ناولنيها فناوله الصحيفة فخرقها
وسئل القاسم بن محمد عن شيء فاجاب فلما ولى الرجل دعاه فقال له لا تقل ان القاسم زعم ان هذا هو الحق ولكن ان اضطررت اليه عملت به
وقال مالك بن انس قبض رسول الله  وقد تم هذا الامر واستكمل فانما ينبغي ان نتبع آثار رسول الله  ولا نتبع الرأي فإنه متى اتبع الرأي جاء رجل آخر أقوى في الرأي منك فاتبعته فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته ارى هذا لا يتم
ثم ثبت انه كان يقول برأيه ولكن كثيرا ما كان يقول بعد ان يجتهد رأيه في النازلة ان نظن الا ظنا وما نحن بمستيقنين ولاجل الخوف على من كان يتعمق فيه لم يزل يذمه ويذم من تعمق فيه فقد كان ينحى على اهل العراق لكثرة تصرفهم به في الاحكام فحكى عنه في ذلك اشياء من اخفها قوله الاستحسان تسعة اعشار العلم ولا يكاد المغرق في القياس الا يفارق السنة والآثار المتقدمة ليست عند مالك مخصوصة بالرأي في الاعتقاد
فهذه كلها تشديدات في الرأي وان كان جاريا على الاصول حذرا من الوقوع في الرأي غير الجاري على اصل
ولابن عبد البر هنا كلام كثير كرهنا الاتيان به
والحاصل من جميع ما تقدم ان الرأي المذموم ما بنى على الجهل واتباع الهوى من غير ان يرجع اليه وما كان منه ذريعه اليه وان كان في اصله محمودا وذلك راجع إلى اصل شرعي فالاول داخل تحت حد البدعة وتتنزل عليه ادله الذم والثاني خارج عنه ولا يكون بدعة ابدا
فصل

سيف قطر
18-06-2007, 12:37 AM
الوجه السادس يذكر فيه بعض ما في البدع من الأوصاف المحذورة والمعاني المذمومة وانواع الشؤم وهو كالشرح لما تقدم اولا وفيه زيادة بسط وبيان زائد على ما تقدم في اثناء الأدلة فلنتكلم على ما يسع ذكره بحسب الوقت والحال
فاعلموا ان البدعة لا يقبل معها عبادة من صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا غيرها من القربات
ومجالس صاحبها تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه والماشي اليه وموقره معين على هدم الاسلام فما الظن بصاحبها وهو ملعون على لسان الشريعة ويزداد من الله بعبادته بعدا وهي مظنة القاء العداوة والبغضاء ومانعة من الشفاعة المحمدية ورافعة للسنن التي تقابلها وعلى مبتدعها اثم من عمل بها وليس له من توبة وتلقى عليه الذله والغضب من الله ويبعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويخاف عليه ان يكون معدودا في الكفار الخارجين عن الملة وسوء الخاتمة عند الخروج من الدنيا ويسود وجهه في الآخره يعذب بنار جهنم وقد تبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتبرأ منه المسلمون ويخاف عليه الفتنة في الدنيا زيادة إلى عذاب الآخره
فإما ان البدعة لا يقبل معها عمل فقد روى عن الاوزاعي انه قال كان بعض اهل العلم يقول لا يقبل الله من ذي بدعة صلاة ولا صياما ولا صدقة ولا جهادا ولا حجا ولا عمرة ولا صرفا ولا عدلا
وفيما كتب به اسد بن موسى واياك ان يكون لك من البدع اخ او جليس او صاحب فإنه جاء الاثر من جالس صاحب بدعة نزعت منه العصمة ووكل إلى نفسه ومن مشى إلى صاحب بدعة مشى إلى هدم الاسلام وجاء ما من اله يعبد من دون الله ابغض إلى الله من صاحب هوى ووقعت اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم
على اهل البدع وان الله لا يقبل منهم صرفا ولا عدلا ولا فريضة ولا تطوعا وكلما ازدادوا اجتهادا صوما وصلاة ازدادوا من الله بعدا
فارفض مجالستهم واذلهم وابعدهم كما ابعدهم واذلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأئمة الهدى بعده
وكان ايوب السختياني يقول ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا الا ازداد من الله بعدا
وقال هشام بن حسان لا يقبل الله من صاحب بدعة صلاة ولا صياما ولا زكاة ولا حجا ولا جهادا ولا عمرة ولا صدقة ولا عتقا ولا صرفا ولا عدلا
وخرج ابن وهب عن عبد الله بن عمر قال من كان يزعم ان مع الله قاضيا او رازقا او يملك ضرا او نفعا او موتا او حياة أو نشورا لقى الله فادحض حجته واخرس لسانه وجعل صلاته وصيامه هباء منثورا وقطع به الاسباب وكبه في النار على وجهه

وهذه الأحاديث وما كان نحوها مما ذكرناه او لم نذكره تتضمن عمدة صحتها كلها
فإن المعنى المقرر فيها له في الشريعة اصل صحيح لا مطعن فيه
اما اولا فانه قد جاء في بعضها ما يقتضي عدم القبول وهو في الصحيح كبدعة القدرية حيث قال فيها عبد الله بن عمر اذا لقيت أولئك فأخبرهم اني برئ منهم وأنهم برءاء مني فوالذي يحلف به عبد الله بن عمر لو كان لاحدهم مثل احد ذهبا فأنفقه ما تقبله الله منه حتى يؤمن بالقدر ثم استشهد بحديث جبريل المذكور في صحيح مسلم
ومثله حديث الخوارج وقوله فيه يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية بعد قوله تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم واعمالكم مع اعمالهم الحديث
واذا ثبت في بعضهم هذا لأجل بدعة لكل مبتدع يخاف عليه مثل من ذكره
واما ثانيا فان كان المبتدع لا يقبل منه عمل اما ان يراد انه لا يقبل له بإطلاق على أي وجه وقع من وفاق سنة او خلافها وأما ان يريد انه لا يقبل منه ما ابتدع فيه خاصة دون مالم يبتدع فيه
فاما الاول فيمكن على احد أوجه ثلاثه
الاول ان يكون على ظاهره من ان كل مبتدع أي بدعه كانت فأعماله لا تقبل معها داخلتها تلك البدعة ام لا ويشير اليه حديث ابن عمر المذكور آنفا ويدل عليه حديث علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه خطب الناس وعليه سيف فيه صحيفه معلقة فقال والله ما عندنا كتاب نقرؤه الا كتاب الله وما في هذه الصحيفة فنشرها فاذا فيها اسنان الابل واذا فيها المدينة حرم من عير إلى كدا من احدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكه والناس اجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا وذلك على رأي من فسر الصرف والعدل بالفريضة والنافلة
وهذا شديد جدا على اهل الاحداث في الدين
الثاني ان تكون بدعته اصلا يتفرع عليه سائر الاعمال كما اذا ذهب إلى انكار العمل بخبر الواحد بإطلاق فان عامة التكليف مبني عليه لان الامر انما يرد على المكلف من كتاب الله او من سنة رسوله
وما تفرع منهما راجع اليهما
فإن كان واردا من السنه فمعظم نقل السنه بالآحاد بل قد اعوز ان يوجد حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
متواترا وان كان واردا من الكتاب فإنما تبينه السنة فكل ما لم يبين في القرآن فلا بد لمطرح نقل الآحاد ان يستعمل رأيه وهو الابتداع بعينه فيكون فرع ينبني على ذلك بدعة لا يقبل منه شيء كما في الصحيح من قوله عليه السلام كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد وكما اذا كانت البدعة التي ينبني عليها كل عمل فان الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى
ومن امثلة ذلك قول من يقول ان الاعمال انما تلزم من لم يبلغ درجة الاولياء المكاشفين بحقائق التوحيد فاما من رفع له الحجاب وكوشف بحقيقة ما هنالك فقد ارتفع التكليف عنه بناء منهم على اصل هو كفر صريح لا يليق في هذا الموضع ذكره
وامثلة ما ذهب اليه بعض المارقين من انكار العمل بالأخبار النبوية جاءت تواترا او آحادا انما يرجع إلى كتاب الله وفي الترمذي عن ابي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم
انه قال لا الفين احدكم متكئا على اريكته يأتيه امري مما امرت به او نهيت عنه فيقول لا ادري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه حديث حسن
وفي رواية الا هل عسى رجل يبلغه عني الحديث وهو متكئ على اريكته فيقول بيننا وبينكم كتاب الله قال فما وجدنا فيه حلالا حللناه وما وجدنا فيه حراما حرمناه وان ما حرم رسول الله كما حرم الله حديث حسن
وانما جاء هذا الحديث على الذم واثبات ان سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
في التحليل والتحريم ككتاب الله فمن ترك ذلك فقد بنى اعماله على رأيه لا على كتاب ولا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن الامثله اذا كانت البدعة تخرج صاحبها عن الاسلام باتفاق او باختلاف اذ للعلماء في تكفير اهل البدع قولان
وفي الظواهر ما يدل على ذلك كقوله عليه السلام في بعض روايات حديث الخوارج حين ذكر السهم بصيغة الخوارج من الرمية بين الفرث والدم ومن الآيات قوله سبحانه وتعالى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه الآية ونحو الظواهر المتقدمة الوجه الثالث ان صاحب البدعة في بعض الامور التعبدية او غيرها قد يجره اعتقاد بدعته الخاصة إلى التأويل الذي يصير اعتقاده في الشريعة ضعيفا وذلك يبطل عليه جميع عمله
بيان ذلك امثله منها ان يترك العقل مع الشرع في التشريع وانما يأتي الشرع كاشفا لما اقتضاه العقل فياليت شعري هل حكم هؤلاء في التعبد لله شرعه او عقولهم بل صار الشرع في نحلتهم كالتابع المعين لا حاكما متعبا وهذا هو التشريع الذي لم يبق للشرع معه اصالة فكل ما عمل هذا العامل مبينا على ما اقتضاه عقله وان شرك الشرع فعلى حكم الشركة لا على افراد الشرع فلا يصح بناء على الدليل الدال على ابطال التحسين والتقبيح العقليين اذ هو عند علماء الكلام من مشهور البدع وكل بدعة ضلالة
ومنها أن المستحسن للبدع يلزمه عادة ان يكون الشرع عنده لم يكمل بعد فلا يكون لقوله تعالى اليوم اكملت لكم دينكم معنى يعتبر به عندهم ومحسن الظن منهم يتأولها حتى يخرجها عن ظاهرها وذلك ان هؤلاء الفرق التي تبتدع العبادات اكثرها ممن يكثر الزهد والانقطاع والانفراد عن الخلق والى الاقتداء بهم يجري اغمار العوام والذي يلزم الجماعة وان كان اتقى خلق الله لا يعدونه الا من العامه
واما الخاصة فهم اهل تلك الزيادات ولذلك تجد كثيرا من المعتزين بهم والمائلين إلى جهتهم يزدرون بغيرهم ممن لم ينتحل مثل ما انتحلوا ويعدونهم من المحجوبين عن انوارهم فكل من يعتقد هذا المعنى يضعف في يده قانون الشرع الذي ضبطه السلف الصالح وبين حدوده الفقهاء الراسخون في العلم اذ ليس هو عنده في طريق السلوك بمنهض حتى يدخل مداخل خاصتهم وعند ذلك لا يبقى لعمل في ايديهم روح الاعتماد الحقيقي وهو باب عدم القبول في تلك الاعمال وان كانت بحسب ظاهر الامر مشروعه لان الاعتقاد فيها افسدها عليهم فحقيق ان لا يقبل ممن هذا شأنه صرف ولاعدل والعياذ بالله
واما الثاني وهو ان يراد بعدم القبول لاعمالهم ما ابتدعوا فيه خاصة فيظهر ايضا وعليه يدل الحديث المتقدم كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد والجميع من قوله كل بدعة ضلالة أي ان صاحبها ليس على الصراط المستقيم وهو معنى عدم القبول وفاق قول الله ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وصاحب البدعة لا يقتصر في الغالب على الصلاة دون الصيام ولا على الصيام دون الزكاة ولا على الزكاة دون الحج ولا على الحج دون الجهاد إلى غير ذلك من الاعمال لان الباعث له على ذلك حاضر معه في الجميع وهو الهوى والجهل بشريعة الله كما سيأتي ان شاء الله
وفي المبسوطة عن يحي بن يحي انه ذكر الاعراف واهله فتوجع واسترجع ثم قال قوم ارادوا وجها من الخير فلم يصيبوه فقيل له يا ابا محمد افيرجى لهم مع ذلك لسعيهم ثواب قال ليس في خلاف السنه رجاء ثواب
واما أن صاحب البدعه تنزع منه العصمة ويوكل إلى نفسه فقد تقدم نقله ومعناه ظاهر جدا فإن الله تعالى بعث الينا محمدا صلى الله عليه وسلم
رحمة للعالمين حسما اخبر في كتابه وقد كنا قبل طلوع ذلك النور الاعظم لا نهتدي سبيلا ولا نعرف من مصالحنا الدنيوية الا قليلا على غير كمال ولا من مصالحنا الاخروية قليلا ولا كثيرا بل كان كل احد يركب هواه وان كان فيه ما فيه ويطرح هوى غيره فلا يلتفت اليه فلا يزال الاختلاف بينهم والفساد فيهم يخص ويعم حتى بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم
لزوال الريب والالتباس وارتفاع الخلاف الواقع بين الناس كما قال الله تعالى كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين إلى قوله فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه وقوله وما كان الناس الا أمة واحدة فاختلفوا ولم يكن حاكما بينهم فيما اختلفوا فيه الا وقد جاءهم بما ينتظم به شملهم وتجتمع به كلمتهم وذلك راجع إلى الجهة التي من اجلها اختلفوا وهو ما يعود عليهم بالصلاح في العاجل والآجل ويدرأ عنهم الفساد على الاطلاق فانحفظت الاديان والدماء والعقل والانساب والاموال من طرق يعرف مآخذها العلماء
وذلك القرآن المنزل على النبي صلى الله عليه وسلم
قولا وعملا واقرارا ولم يردوا إلى تدبير انفسهم للعلم بأنهم لا يستطيعون ذلك ولا يستقلون بدرك مصالحهم ولا تدبير انفسهم فاذا ترك المبتدع هذه الهبات العظيمة والعطايا الجزيلة واخذ في استصلاح نفسه او دنياه بنفسه بما لم يجعل الشرع عليه دليلا فكيف له بالعصمة والدخول تحت هذه الرحمه وقد حل يده من حبل العصمة إلى تدبير نفسه فهو حقيق بالبعد عن الرحمة قال الله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا بعد قوله اتقوا الله حق تقاته فاشعر ان الاعتصام بحبل الله هو تقوى الله حقا وان ما سوى ذلك تفرقه لقوله ولا تفرقوا والفرقة من اخس اوصاف المبتدعة لانه خرج عن حكم الله وباين جماعة اهل الاسلام
روى عبد الله بن حميد عن عبد الله ان حبل الله الجماعه
وعن قتاده حبل الله المتين هذا القرآن وسننه وعهده إلى عباده الذي امر ان يعتصم بما فيه من الخير والثقة ان يتمسكوا به ويعتصموا بحبله إلى آخر ما قال ومن ذلك قوله تعالى واعتصموا بالله هو مولاكم

م

سيف قطر
18-06-2007, 12:38 AM
واما ان الماشي اليه والموقر له معين على هدم الاسلام فقد تقدم من نقله
وروى ايضا مرفوعا من اتى صاحب بدعة ليوقره فقد اعان على هدم الاسلام
وعن هشام بن عروه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من وقر صاحب بدعه فقد اعان على هدم الاسلام ويجامعها في المعنى ما صح من قوله عليه الصلاة والسلام من احدث حدثا او آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين الحديث
فإن الايواء يجامع التوقير ووجه ذلك ظاهر لان المشي اليه والتوقير له تعظيم له لاجل بدعته وقد علمنا ان الشرع يأمر بزجره واهانته واذلاله بما هو اشد من هذا كالضرب والقتل فصار توقيره صدودا عن العمل بشرع الاسلام واقبالا على ما يضاده وينافيه والاسلام لا ينهدم الا بترك العمل به والعمل بما ينافيه
وايضا فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان على الاسلام بالهدم احداهما التفات الجهال والعامه إلى ذلك التوقير فيعتقدون في المبتدع انه افضل الناس وان ما هو عليه خير مما عليه غيره فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع اهل السنة على سنتهم
والثانية انه اذا وقر من اجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على انشاء الابتداع في كل شيء
وعلى كل حال فتحيا البدع وتموت السنن وهو هدم الاسلام بعينه
وعلى ذلك دل حديث معاذ فيوشك قائل ان يقول ما لهم لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره واياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة فهو يقتضي ان السنن تموت اذا احييت البدع واذا ماتت انهدم الاسلام
وعلى ذلك دل النقل عن السلف زيادة إلى صحة الاعتبار لأن الباطل اذا عمل به لزم ترك العمل بالحق كما في العكس لأن المحل الواحد لا يشتغل الا بأحد الضدين
وايضا فمن السنه الثابته ترك البدع فمن عمل ببدعة واحده فقد ترك تلك السنة
فمما جاء من ذلك ما تقدم ذكره عن حذيفه رضي الله عنه انه اخذ حجرين فوضع احدهما على الاخر ثم قال لاصحابه هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور قالوا يا ابا عبد الله ما نرى بينهما الا قليلا قال والذي نفسى بيده لتظهرن البدع حتى لا يرى من الحق الا قدر ما بين هذين الحجرين من النور والله لتفشون البدع حتى اذا ترك منها شيء قالوا تركت السنة وله أثر آخر قد تقدم
وعن ابي ادريس الخولاني انه كان يقول ما احدثت أمة في دينها بدعة الا رفع الله بها عنهم سنته
وعن حسان بن عطية قال ما احدث قوم بدعة في دينهم الا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لم يعدها اليهم إلى يوم القيامة
وعن بعض السلف يرفعه لا يحدث رجل في الاسلام بدعة الا ترك من السنة ما هو خير منها
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال ما يأتي على الناس من عام الا احدثوا فيه بدعة واماتوا فيه سنه حتى تحيا البدع وتموت السنن
واما ان صاحبها ملعون على لسان الشريعة فلقوله عليه الصلاة والسلام من احدث حدثا او آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكه والناس اجمعين
وعد من الاحداث الاستنان بسنة سوء لم تكن
وهذه اللعنه قد اشترك فيها صاحب البدعه مع من كفر بعد ايمانه وقد شهد ان بعثة النبي صلى الله عليه وسلم
حق لا شك فيها وجاءه الهدى من الله والبيان الشافي وذلك قول الله تعالى كيف يهدي الله قوما كفروا بعد ايمانهم وشهدوا ان الرسول حق إلى قوله أولئك جزاؤهم ان عليهم لعنة الله والملائكة والناس اجمعين إلى آخرها واشترك ايضا مع من كتم ما انزل الله وبينه في كتابه
وذلك قوله تعالى ان الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلى آخرها
فتأملوا المعنى الذي اشترك المبدع فيه مع هاتين الفرقتين وذلك مضادة الشارع فيما شرع لان الله تعالى انزل الكتاب وشرع الشرائع وبين الطريق للسالكين علىغاية ما يمكن من البيان فضادها الكافر بأن جحدها جحدا وضادها كاتمها بنفس الكتمان لان الشارع يبين ويظهر وهذا يكتم ويخفي
وضادها المبتدع بأن وضع الوسيلة لترك ما بين واخفاء ما اظهر لان من شأنه ان يدخل الاشكال في الواضحات من اجل اتباع المتشابهات لان الواضحات تهدم له ما بنى عليه في المتشابهات فهو آخذ في ادخال الاشكال على الواضح حتى يرتكب ما جاءت اللعنة في الابتداع به من الله والملائكة والناس اجمعين
قال ابو مصعب صاحب مالك قدم علينا ابن مهدي يعني المدينه فصلى ووضع رداءه بين يدي الصف فلما سلم الامام رمقه الناس بأبصارهم ورمقوا مالكا وكان قد صلى خلف الامام فلما سلم قال من ها هنا من الحرس فجاءه نفسان فقال خذا صاحب هذا الثوب فاحبساه فحبس فقيل له انه ابن مهدي فوجه اليه وقال له اما خفت الله واتقيته ان وضعت ثوبك بين يديك في الصف وشغلت المصلين بالنظر اليه واحدثت في مسجدنا شيئا ما كنا نعرفه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم

سيف قطر
18-06-2007, 12:39 AM
من احدث في مسجدنا حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين
فبكي ابن مهدي وآلى على نفسه ان لا يفعل ذلك ابدا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
ولا في غيره وهذا غاية في التوقي والتحفظ في ترك احدث ما لم يكن خوفا من تلك اللعنه
فما ظنك بما سوى وضع الثوب وتقدم حديث الطحاوي ستة العنهم لعنهم الله فذكر فيهم التارك لسنته عليه الصلاة والسلام اخذا بالبدعه
واما انه يزاد من الله بعدا
فلما روى عن الحسن انه قال صاحب البدعه ما يزداد من الله اجتهادا صياما وصلاة الا ازداد من الله بعدا
وعن ايوب السختياني قال ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا الا ازداد من الله بعدا
ويصحح هذا النقل ما اشار اليه الحديث الصحيح في قوله عليه الصلاة والسلام في الخوارج يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم إلى ان قال يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فبين أولا اجتهادهم ثم بين آخرا بعدهم من الله تعالى
وهو بين ايضا من جهة انه لا يقبل منه صرف ولا عدل كما تقدم فكل عمل يعمله على البدعة فكما لو لم يعمله ويزيد على تارك العمل بالعناد الذي تضمنه ابتداعه والفساد الداخل على الناس به في اصل الشريعة وفي فروع الاعمال والاعتقادات وهو يظن مع ذلك ان بدعته تقربه من الله وتوصله إلى الجنة
وقد ثبت بالنقل الصحيح الصريح بأنه لا يقربه إلى الله الا العمل بما شرع وعلى الوجه الذي شرع وهو تاركه وان البدع تحبط الاعمال وهو ينتحلها

واما ان البدع مظنة القاء العداوه بين اهل الاسلام
فلأنها تقتضي التفرق شيعا
وقد اشار إلى ذلك القرآن الكريم حسبما تقدم في قوله تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وقوله ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وقوله ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون وقوله ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وما اشبه ذلك من الايات في هذا المعنى
وقد بين عليه الصلاة والسلام ان فساد ذات البين هي الحالقة وانها تحلق الدين هذه الشواهد تدل على وقوع الافتراق والعداوه عند وقوع الابتداع
واول شاهد عليه في الواقع قصة الخوارج اذ عادوا اهل الاسلام حتى صاروا يقتلونهم ويدعون الكفار كما اخبر عنه الصحيح ثم يليهم كل من كان له صولة منهم بقرب الملوك فإنهم تناولوا اهل السنة بكل نكال وعذاب وقتل ايضا حسبما بينه جميع اهل الاخبار ثم يليهم كل من ابتدع بدعة فإن من شأنهم ان يثبطوا الناس عن اتباع الشريعة ويذمونهم ويزعمون انهم الاراجس الانجاس المكبين على الدنيا ويضعون عليهم شواهد الآيات في ذم الدنيا وذم المكبين عليها كما يروى عن عمرو بن عبيد انه قال لو شهد عندي علي وعثمان وطلحة والزبير على شراك نعل ما اجزت شهادتهم
وعن معاذ بن معاذ قال قلت لعمرو بن عبيد كيف حدث الحسن عن عثمان انه ورث امرأة عبد الرحمن بعد انقضاء عدتها فقال ان فعل عثمان لم يكن سنه
وقيل له كيف حدث الحسن عن سمرة في السكتتين فقال ما تصنع بسمرة قبح الله سمرة اه بل قبح الله عمرو بن عبيد وسئل يوما عن شئ فاجاب فيه
قال الراوي قلت ليس هكذا يقول اصحابنا قال ومن اصحابك لا ابالك قلت ايوب ويونس وابن عون والتيمي قال أولئك انجاس ارجاس اموات غير احياء
فهكذا اهل الضلال يسبون السلف الصالح لعل بضاعتهم تنفق ويأبى الله الا ان يتم نوره
واصل هذا الفساد من قبل الخوارج فهم اول من لعن السلف الصالح
وتكفير الصحابة رضي الله عن الصحابة ومثل هذا كله يورث العداوة والبغضاء
وايضا فإن فرقة النجاة وهم اهل السنة مأمورون بعداوة اهل البدع والتشريد بهم والتنكيل بمن انحاش إلى جهتهم بالقتل فما دونه وقد حذر العلماء من مصاحبتهم ومجالستهم حسبما تقدم وذلك مظنة القاء العداوة والبغضاء
لكن الدرك فيها على من تسبب في الخروج عن الجماعة بما احدثه من اتباع غير سبيل المؤمنين لا على التعادي مطلقا
كيف ونحن مأمورون بمعاداتهم وهم مأمورون بموالاتنا والرجوع إلى الجماعه وأما انها مانعة من شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم
فلما روى انه عليه السلام قال حلت شفاعتي لأمتي الا صاحب بدعه ويشير إلى صحة المعنى فيه ما في الصحيح قال اول من يكسى يوم القيامة ابراهيم وانه سيوتى برجال من امتي فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى قوله فيقال لم يزالوا مرتدين على اعقابهم الحديث وقد تقدم ففيه انه لم يذكر لهم شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وانما قال فاقول لهم سحقا كما قال العبد الصالح ويظهر من اول الحديث ان ذلك الارتداد لم يكن ارتداد كفر لقوله وانه سيوتى برجال من أمتي ولو كانوا مرتدين عن الاسلام لما نسبوا إلى امته ولانه عليه السلام اتى بالايه وفيها وإن تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم ولو علم النبي صلى الله عليه وسلم
انهم خارجون عن الاسلام جمله لما ذكرها لان من مات على الكفر لا غفران له البتة وانما يرجى الغفران لمن لم يخرجه عمله عن الاسلام لقول الله تعالى إن الله لا يغفر ان يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء
ومثل هذا الحديث حديث الموطا لقوله فيه فأقول فسحقا فسحقا
واما انها رافعه للسنن التي تقابلها فقد تقدم الاستشهاد عليه في ان الموقر لصاحبها معين على هدم الاسلام
واما ان على مبتدعها اثم من عمل بها إلى يوم القيامه فلقوله تعالى ليحملوا اوزارهم كاملة يوم القيامه ومن اوزار الذين يضلونهم بغير علم ولما في الصحيح من قوله عليه الصلاة والسلام من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الحديث
والى ذلك اشار الحديث الاخر ما من نفس تقتل ظلما الا كان على ابن آدم الاول كفل منها لانه اول من سن القتل
وهذا التعليل يشعر بمقتضى الحديث قبله اذ علل تعليق الاثم على ابن آدم لكونه اول من سن القتل فدل على ان من سن ما لا يرضاه الله ورسوله فهو مثله اذ لم يتعلق الاثم بمن سن القتل لكونه قتلا دون غيره بل لكونه سن سنة سوء وجعلها طريقا مسلوكة
ومثل هذا ما جاء في معناه مما تقدم او يأتي كقوله ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضي الله ورسوله كان عليه مثل آثام منم عمل بها لا ينقص ذلك من اوزار الناس شيئا وغير ذلك من الاحاديث
فليتق الله امرؤ ربه ولينظر قبل الاحداث في أي مزلة يضع قدمه في مصون أمره يثق بعقله في التشريع ويتهم ربه فيما شرع ولا يدري المسكين ما الذي يوضع له في ميزان سيئاته مما ليس في حسابه ولا شعر انه من عمله فما من بدعة يبتدعها أحد فيعمل بها من بعده الا كتب عليه اثم ذلك العامل زيادة إلى اثم ابتدعه اولا ثم عمله ثانيا
واذا ثبت ان كل بدعة تبتدع فلا تزداد على طول الزمان الا مضيا حسبما تقدم واشتهارا وانتشارا فعلى وزان ذلك يكون اثم المبتدع لها كما ان من سن سنة حسنة كان له اجرها واجر من عمل بها إلى يوم القيامة وايضا فإذا كانت كل بدعة يلزمها إماتة سنة تقابلها كان على المبتدع اثم ذلك ايضا فهو اثم زائد على اثم الابتداع وذلك الاثم يتضاعف تضاعف اثم البدعة بالعمل بها لانها كلما تجددت في قول او عمل تجددت اماتة السنة كذلك
واعتبروا ذلك ببدعة الخوارج فان النبي صلى الله عليه وسلم
عرفنا بانهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية الحديث إلى آخره
ففيه بيان انهم لم يبق لهم من الدين الا ما اذا نظر فيه الناظر شك فيه وتمارى هل هو موجود فيهم ام لا وانما سببه الابتداع في دين الله وهو الذي دل عليه قوله يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان وقوله يقرءون القرآن لا يتجاوز تراقيهم فهذه بدع ثلاث اعاذة بالله من ذلك بفضله واما ان صاحبها ليس له من توبة فلما جاء من قوله عليه الصلاة والسلام ان الله حجر التوبة على كل صاحب بدعة
وعن يحي بن أبي عمرو الشيباني قال كان يقال يأبى الله لصاحب بدعة بتوبة وما انتقل صاحب بدعة الا إلى اشر منها
ونحوه عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال ما كان رجل على رأي من البدعة فتركه الا إلى ما هو شر منه
خرج هذه الاثار ابن وضاح
وخرج ابن وهب عن عمر بن عبد العزيز انه كان يقول اثنان لا نعاتبهما صاحب طمع وصاحب هوى فإنهما لا ينزعان
وعن ابن شوذب قال سمعت عبد الله بن القاسم وهو يقول ما كان عبد على هوى تركه الا إلى ما هو شر منه
قال فذكرت ذلك لبعض اصحابنا فقال تصديقه في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ثم لا يرجعون اليه حتى يرجع السهم على فوقه
وعن ايوب قال كان رجل يرى رأيا فرجع عنه فأتيت محمدا فرحا بذلك اخبره فقلت اشعرت ان فلانا ترك رأيه الذي كان يرى فقال انظر إلى م يتحول ان آخر الحديث اشد عليهم من الاول اوله يمرقون من الدين وآخره ثم لا يعودون وهو حديث أبي ذر ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال سيكون من أمتي قوم يقرءون القرآن ولا يجاوز حلاقيمهم يخرجون من الدين كم يخرج السهم من الرمية ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق والخليقه
فهذه شهادة الحديث الصحيح لمعى هذه الاثار
وحاصلها انه توبة لصاحب البدعة عن بدعته فإن خرج عنها فإنما يخرج إلى ما هو شر منها كما في حديث ايوب او يكون ممن يظهر الخروج عنها وهو مصر عليها بعد كقصة غيلان مع عمر بن عبد العزيز ويدل على ذلك ايضا حديث الفرق اذ قال فيه وانه سيخرج في أمتي اقوام تجاري بهم تلك الاهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل الا دخله وهذا النفي يقتضي العموم باطلاق ولكنه قد يحمل على العموم العادي اذ لا يبعد ان يتوب عما رأى ويرجع إلى الحق كما نقل عن عبد الله بن الحسن العنبري وما نقلوه في مناظرة ابن عباس الحرورية الخارجين على علي رضي الله عنه وفي مناظرة عمر بن عبد العزيز لبعضهم ولكن الغالب في الواقع الاصرار
ومن هنالك قلنا يبعد ان يتوب بعضهم لان الحديث يقتضي العموم بظاهره وسيأتي بيان ذلك بأبسط من هذا ان شاء الله
وسبب بعده عن التوبة ان الدخول تحت تكاليف الشريعة صعب على النفس لانه امر مخالف للهوى وصاد عن سبيل الشهوات فيثقل عليها جدا لان الحق ثقيل والنفس انما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه وكل بدعة فللهوى فيها مدخل لانها راجعه إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع فعلى حكم التبع لا بحكم الاصل مع ضميمة أخرى وهي ان المبتدع لا بد له من تعلق بشبهه دليل ينسبها إلى الشارع ويدعى ان ما ذكره هو مقصود الشارع فصار هواه مقصودا بدليل شرعي في زعمه فكيف يمكنه الخروج عن ذلك وداعى الهوى مستمسك بحسن ما يتمسك به وهو الدليل الشرعي في الجملة
ومن الدليل على ذلك ما روى عن الاوزاعي قال بلغني ان من ابتدع بدعة ضلالة الشيطان والعباده او القى عليه الخشوع والبكاء كي يصطاد به
وقال بعض الصحابة اشد الناس عبادة مفتون
واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام يحقر احدكم صلاته في صلاته وصيامه في صيامه إلى آخر الحديث
ويحقق ما قاله الواقع كما نقل في الاخبار عن الخوارج وغيرهم
فالمبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيم والمال والجاه وغير ذلك من اصناف الشهوات بل التعظيم على شهوات الدنيا الا ترى إلى انقطاع الرهبان في الصوامع والديارات عن جميع الملذوذات ومقاساتهم في اصناف العبادات والكف عن الشهوات وهم مع ذلك خالدون في جهنم
قال الله وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبه تصلى نارا حامية وقال هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدينا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا
وما ذاك الا لخفة يجدونها في ذلك الالتزام ونشاط يداخلهم يستسهلون به الصعب بسبب ما داخل النفس من الهوى فاذا بدا للمبتدع ما هو عليه رآه محبوبا عنده لاستبعاده للشهوات وعمله من جملتها ورآه موافقا للدليل عنده فما الذي يصده عن الاستمساك به والازدياد منه وهو يرى ان اعماله افضل من اعمال غيره واعتقاداته اوفق واعلى أفيفيد البرهان مطلبا كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء

سيف قطر
18-06-2007, 12:40 AM
واما ان المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى
فلقوله تعالى ان الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربهم وذلة في الحياة الدنيا وكذلك نجزي المفترين حسبما جاء في تفسير الايه عن بعض السلف وقد تقدم
ووجهه ظاهر لان المتخذين للعجل انما ضلوا به حتى عبدوه لما سمعوا من خواره ولما القى اليهم السامري فيه فكان في حقهم شبهة خرجوا بها عن الحق الذي كان في ايديهم
قال الله تعالى وكذلك نجزي المفترين فهو عموم فيهم وفيمن اشبههم من حيث كانت البدع كلها افتراء على الله حسبما اخبر في كتابه في قوله تعالى قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله الايه
فإذا كل من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته وان ظهر لبادي الرأي في عزه وجبريته فهم في انفسهم اذلاء وايضا فإن الذلة الحاضرة بين ايدينا موجودة في غالب الاحوال
الا ترى احوال المبتدعه في زمان التابعين وفيما بعد ذلك حتى تلبسوا بالسلاطين ولاذوا بأهل الدنيا ومن لم يقدر على ذلك استخفى ببدعته وهرب بها عن مخالطة الجمهور وعمل بأعمالها على التقية
وقد اخبر الله ان هؤلاء الذين اتخذوا العجل ان سينالهم ما وعدهم فأنجز الله وعده فقال وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله
وصدق ذلك الواقع باليهود حيثما حلوا في أي مكان وزمان كانوا لا يزالون اذلاء

مقهورين ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون ومن جملة الاعتداء اتخاذهم العجل هذا بالنسبة إلى الذله وأما الغضب فمضمون بصادق الاخبار فيخاف ان يكون المبتدع داخلا في حكم الغضب والله الواقي بفضله
واما البعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلحديث الموطا فليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال الحديث
وفي البخاري عن اسماء عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال انا على حوضي انتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقال انك لا تدري مشوا القهقرى وفي حديث عبد الله
أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلى رجال منكم حتى اذا تأهبت لأتناولهم اختلجوا دوني فأقول أي رب اصحابي يقول لا تدري ما احدثوك بعدك
والاظهر انهم من الداخلين في غمار هذه الامه لأجل ما دل على ذلك فيهم وهو الغره والتحجيل لان ذلك لا يكون لاهل الكفر المحض كان كفرهم اصلا او ارتدادا ولقوله قد بدلوا بعدك ولو كان الكفر لقال قد كفروا بعدك
واقرب ما يحمل عليه تبديل السنة وهو واقع على اهل البدعة ومن قال انه النفاق فذلك غير خارج عن مقصودنا لان اهل النفاق انما اخذوا الشريعة تقية لا تعبدا فوضعوها غير مواضعها وهو عين الابتداع ويجري هذا المجرى كل من اتخذ السنة والعمل بها حيلة وذريعة إلى نيل حطام الدنيا لا على التعبد بها لله تعالى لانه تبديل لها واخراج لها عن وضعها الشرعي
واما الخوف عليه من ان يكون كافرا
فلأن العلماء من السلف الاول وغيرهم اختلفوا في تكفير كثير من فرقهم مثل الخوارج والقدرية وغيرهم ودل على ذلك ظاهر قوله تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ وقوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وقد حكم العلماء بكفر جملة منهم كالباطنية وسواهم لان مذهبهم راجع إلى مذهب الحلولية القائلين بما يشبه قول النصارى في اللاهوت والناسوت والعلماء اذا اختلفوا في امر هل هو كفر ام لا فكل عاقل يربأ بنفسه ان ينسب إلى خطة خسف كهذه بحيث يقال له ان العلماء اختلفوا هل انت كافر ام ضال غير كافر او يقال ان جماعة من اهل العلم قالوا بكفرك وانت حلال الدم
واما انه يخاف على صاحبها سوء الخاتمة والعياذ بالله
فلأن صاحبها مرتكب اثما وعاص لله تعالى حتما ولا نقول الان هو عاص بالكبائر أو بالصغائر بل نقول هو مصر على ما نهى الله عنه والاصرار يعظم الصغيرة ان كانت صغيرة حتى تصير كبيرة وان كانت كبيرة فأعظم
ومن مات مصرا على المعصية فيخاف عليه فربما اذا كشف الغطاء وعاين علامات الاخره استفزه الشيطان وغلبه على قلبه حتى يموت على التغيير والتبديل وخصوصا حين كان مطيعا له فيما تقدم من زمانه مع حب الدنيا المستولي عليه

قال عبد الحق الاشبيلي
إن سوء الخاتمة لا يكون لمن استقام ظاهره وصلح باطنه ما سمع بهذا قط ولا علم به والحمد لله وانما يكون لمن كان له فساد في العقل او اصرار على الكبائر واقدام على العظائم او لمن كان مستقيما ثم تغيرت حاله وخرج عن سننه واخذ في طريق غير طريقه فيكون عمله ذلك سببا لسوء خاتمته وسوء عاقبته والعياذ بالله
قال الله تعالى ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم
وقد سمعت بقصه بلعام بن باعوراء حيث آتاه الله آياته فانسلخ منها فأتبعه الشيطان إلى آخر الايات
فهذا ظاهر اذا اغتر بالبدعة من حيث هي معصية فاذا نظرنا إلى كونها بدعة فذلك اعظم لأن المبتدع مع كونه مصرا على ما نهى عند يزيد على المصر بأنه معارض للشريعة بعقله غير مسلم لها في تحصيل امره معتقدا في المعصية انها طاعة حيث حسن ما قبحه الشارع وفي الطاعة انها لا تكون طاعة الا بضميمه نظره فهو قد قبح ما حسنه الشارع ومن كان هكذا فحقيق بالقرب من سوء الخاتمة الا ما شاء الله
وقد قال تعالى في جملة من ذم أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله الا القوم الخاسرون والمكر جلب السوء من حيث لا يفطن له وسوء الخاتمة من مكر الله اذ يأتي الانسان من حيث لا يشعر به
اللهم انا نسألك العفو والعافية
واما اسوداد وجهه في الآخرة فقد تقدم في ذلك معنى قوله يوم تبيض وجوه وتسود وجوه وفيها ايضا الوعيد بالعذاب لقوله فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وقوله قبل ذلك وألئك لهم عذاب عظيم
حكى عياض عن مالك من رواية ابن نافع عنه قال لو ان العبد ارتكب

الكبائر كلها دون الاشراك بالله شيئا ثم نجا من هذه الاهواء لرجوت ان يكون في اعلى جنات الفردوس لان كل كبيرة بين العبد وربه هو منها على رجاء وكل هوى ليس هو منه على رجاء انما يهوى بصاحبه في نار جهنم
واما البراءه منه ففي قوله ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وفي الحديث انا برئ منهم وهم براء مني
وقال ابن عمر رضي الله عنه في اهل القدر اذا لقيت أولئك فأخبرهم اني برئ منهم وانهم براء مني
وجاء عن الحسن لا تجالس صاحب بدعة فإنه يمرض قلبك
وعن سفيان الثوري من جالس صاحب بدعة لم يسلم من احدى ثلاث اما أن يكون فتنة لغيره واما ان يقع بقلبه شيء يزل به فيدخله النار واما ان يقول والله لا ابالي ما تكلموا به واني واثق بنفسي فمن يأمن بغير الله طرفة عين على دينه سلبه اياه
وعن يحي بن ابي كثير قال اذا لقيت صاحب بدعة في طريق فخذ في طريق آخر
وعن ابي قلابه قال لا تجالسوا اهل الاهواء ولا تجادلوهم فإني لا آمن ان يغمروكم في ضلالتهم ويلبسوا عليكم ما كنتم تعرفون
وعن ابراهيم قال لا تجالسوا اصحاب الاهواء ولا تكلموهم فاذا اخاف ان ترتد قلوبكم
والآثار في ذلك كثيره ويعضدها ما روى عنه عليه السلام انه قال المرء على دين خليله فلينظر احدكم من يخالل ووجه ذلك ظاهر منبه عليهفي كلام ابي قلابه اذ قد يكون المرء على يقين من أمر من أمور السنه فيلقى له صاحب الهوى فيه هوى مما يحتمله اللفظ لا اصل له او يزيد له فيه قيدا من رأيه فيقبله قلبه فاذا رجع إلى ما كان يعرفه وجده مظلما فاما ان يشعر به فيرده بالعلم او لا يقدر على رده
وأما أن لا يشعر به فيمضي مع من هلك
قال ابن وهب وسمعت مالكا اذا جاءه بعض اهل الاهواء يقول اما انا فعلى بينة من ربي واما انت فشاك فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه ثم قرأ قل هذه سبيلي ادعو إلى الله على بصيرة الايه
فهذا شأن من تقدم من عدم تمكين زائغ القلب ان يسمع كلامه
ومثل رده بالعلم جوابه لمن سأله في قوله على العرش استوى كيف استوى فقال له الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة
واراك صاحب بدعه ثم امر بإخراج السائل
ومثل مالا يقدر على رده ما حكى الباجي قال قال مالك كان يقال لا تمكن زائغ القلب من اذنك فانك لا تدري ما يعلقك من ذلك
ولقد سمع رجل من الانصار من اهل المدينة شيئا من بعض اهل القدر فعلق قلبه فكان يأتي إخوانه الذين يستنصحهم فاذا نهوه قال فكيف بما علق قلبي لو علمت ان الله يرضى ان القى نفسي من فوق هذه المناره فقلت
ثم حكى ايضا عن مالك انه قال لا تجالس القدرى ولا تكلمه إلا أن تجلس إليه فتغلظ عليه لقوله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الاخر يوادون من حاد الله ورسوله فلا توادوهم
واما انه يخشى عليه الفتنة

سيف قطر
18-06-2007, 12:42 AM
فلما حكى عياض عن سفيان بن عيينة انه قال سألت مالكا عمن احرم من المدينة وراء الميقات فقال هذا مخالف لله ورسوله اخشى عليه الفتنة في الدنيا والعذاب الأليم في الاخره
اما سمعت قوله تعالى فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم
وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم
ان يهل من المواقيت
وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال سمعت مالك بن انس وأتاه رجل فقال يا ابا عبد الله من اين أحرم قال من ذي الحليفه حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال إني أريد ان احرم من المسجد فقال لا تفعل
قال فإني أريد ان احرم من المسجد من عند القبر
قال لا تفعل فإني اخشى عليك الفتنه
فقال واي فتنه هذه انما هي اميال ازيدها قال واي فتنو اعظم من ان ترى انك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم
اني سمعت الله يقول فليحذر الذين يخالفون عن امره ان تصيبهم فتنة او يصيبهم عذاب اليم
وهذه الفتنة التي ذكرها مالك رحمه الله تفسير الآيه هي شأن أهل البدع وقاعدتهم التي يؤسسون عليها بنياتهم فإنهم يرون ان ما ذكره الله في كتابه وما سنه نبيه صلى الله عليه وسلم
دون ما اهتدوا اليه بعقولهم
وفي مثل ذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه فيما روى عن ابن وضاح لقد هديتم لما لم يهتد له نبيكم وإنكم لتمسكون بذنب ضلاله اذ مر بقوم كان رجل يجمعهم يقول رحم الله من قال كذا وكذا مره سبحان الله فيقول القوم
ويقول رحم الله من قال كذا وكذا مره الحمد لله فيقول القوم
ثم ان ما استدل به مالك من الآيات الكريمة نزلت في شأن المنافقين حين امر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بحفر الخندق وهم الذين كانوا يتسللون لواذا
وقد تقدم ان النفاق من اصله بدعة لانه وضع بدعة في الشريعة على غير ما وضعها الله تعالى ولذلك لما اخبر تعالى عن المنافقين قال أولئك الذين اشتروا الضلاله بالهدى
فمن حيث كانت عامة في المخالفين عن أمره يدخلون ايضا من باب أحرى
فهذه جملة يستدل بها على ما بقي اذ ما تقدم من الآيات والاحاديث فيها مما يتعلق بهذا المعنى كثير وبسط معانيها طويل فلنقتصر على ما ذكرنا وبالله التوفيق
فصل

وبقي مما هو محتاج إلى ذكره في هذا الموضع شرح معنى عام يتعلق بما تقدم
وهو ان البدع ضلالة وان المبتدع ضال ومضل والضلالة مذكورة في كثير من النقل المذكور ويشير اليها في الآيات الاختلاف والتفرق شيعا وتفرق الطرق بخلاف سائر المعاصي فإنها لم توصف في الغالب بوصف الضلالة الا ان تكون بدعة او شبه البدعه
وكذلك الخطأ الواقع في المشروعات وهو المعفو لا يسمى ضلالا ولا يطلق على المخطئ اسم ضال كما لا يطلق على المتعمد لسائر المعاصي
وانما ذلك والله اعلم لحكمة قصد التنبيه عليها وذلك ان الضلال والضلاله ضد الهدى والهدى والعرب تطلق الهدى حقيقة فى الظاهر المحسوس فتقول هديته الطريق وهديته إلى الطريق
ومنه نقل إلى طريق الخير والشر قال تعالى انا هديناه السبيل وهديناه النجدين اهدنا الصراط المستقيم والصراط والطريق والسبيل بمعنى واحد فهو حقيقة في الطريق المحسوس ومجاز في الطريق المعنوي وضده الضلال وهو الخروج عن الطريق ومنه البعير الضال والشاة الضالة
ورجل ضل عن الطريق اذا خرج عنه لانه التبس عليه الامر ولم يكن له هاد يهديه وهو الدليل
فصاحب البدعة لما غلب عليه الهوى مع الجهل بطريق السنة توهم ان ما ظهر له بعقله هو الطريق القويم دون غيره فمضى عليه فحاد بسببه عن الطريق المستقيم فهو ضال من حيث ظن انه راكب للجادة كالمار بالليل على الجادة وليس له دليل يهديه يوشك ان يضل عنها فيقع في متابعة وان كان بزعمه يتحرى قصدها
فالمبتدع من هذه الامه انما ضل في ادلتها حيث اخذها مأخذ الهوى والشهوة لا مأخذ الانقياد تحت احكام الله
وهذا هو الفرق بين المبتدع وغيره لأن المبتدع جعل الهوى اول مطالبه واخذ الادلة بالتبع ومن شأن الادلة انها جارية على كلام العرب ومن شأن كلامها الاحتزار فيه بالظواهر فكما تجب فيه نصا لا يحتمل حسبما قرره من تقدم في غير هذا العلم وكل ظاهر يمكن فيه ان يصرف عن مقتضاه في الظاهر المقصود ويتأول على غير ما قصد فيه
فاذا انضم إلى ذلك الجهل بأصول الشريعة وعدم الاضطلاع بمقاصدها كان الامر اشد واقرب إلى التحريف والخروج عن مقاصد الشرع
فكان المدرك اعرق في الخروج عن السنة وامكن في ضلال البدعة فاذا غلب الهوى امكن انقياد الفاظ الادلة إلى ما اراد منها
والدليل على ذلك انك لا تجد مبتدعا ممن ينسب إلى الملة الا وهو يستشهد على بدعته بدليل شرعي فينزله على ما وافق عقله وشهوته وهو أمر ثابت في الحكمه الازليه التي لا مرد لها
قال تعالى يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وقال كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء لكن انما ينساق لهم من الادلة المتشابه منها لا الواضح والقليل منها كالكثير وهو ادل الدليل على اتباع الهوى فإن المعظم والجمهور من الادلة اذا دل على امر بظاهره فهو الحق فان جاء على ما ظاهره الخلاف فهو النادر والقليل فكان من حق الظاهر رد القليل إلى الكثير والمتشابه إلى الواضح غير ان الهوى زاغ بمن اراد الله زيغه فهو في تيه من حيث يظن انه على الطريق بخلاف غير المبتدع فإنه انما جعل الهداية إلى الحق اول مطالبه وأخر هواه ان كان فجعله بالتبع فوجد جمهور الادلة ومعظم الكتاب واضحا في الطلب الذي بحث عنه فوجد الجاده وما شذ له عن ذلك فاما ان يرده اليه واما ان يكله إلى عالمه ولا يتكلف البحث عن تأويله
وفيصل القضية بينهما قوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إلى قوله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا فلا يصح ان يسمى من هذه حاله مبتدعا ولا ضالا وان حصل في الخلاف او خفى عليه
اما انه غير مبتدع فلأنه اتبع الادلة ملقيا إليها حكمة الانقياد باسطا يد الافتقار مؤخرا هواه ومقدما لأمر الله
واما كونه غير ضال فلأنه على الجادة سلك واليها لجأ فإن خرج عنها يوما فأخطأ فلا حرج عليه بل يكون مأجورا حسبما بينه الحديث الصحيح
اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله اجر وان اصاب فله أجران وان خرج متعمدا فليس على ان يجعل خروجه طريقا مسلوكا له او لغيره وشرعا يدان به
على انه اذا وقع الذنب موقع الاقتداء قد يسمى استنانا فيعامل معاملة من سنه كما جاء في الحديث
من سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الحديث وقوله عليه السلام ما من نفس تقتل ظلما الا كان على ابن آدم الاول كفل منها لأنه اول من سن القتل فسمى التقل سنة بالنسبة إلى من عمل به عملا يقتدى به فيه لكنه لا يسمى بدعة لأنه لم يوضع على ان يكون تشريعا ولا يسمى ضلالا لأنه ليس في طريق المشروع او في مضاهاته له
وهذا تقرير واضح يشهد له الواقع في تسمية البدع ضلالات ويشهد له ايضا احوال من تقدم قبل الاسلام وفي زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم

سيف قطر
18-06-2007, 12:43 AM
فان الله تعالى قال واذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم الله قال الذين كفروا للذين آمنوا انطعم من لو يشاء الله اطعمه فإن الكفار لما أمروا بالانفاق شحوا على اموالهم وارادوا ان يجعلوا لذلك الشح مخرجا فقالوا انطعم من لو يشاء الله اطعمه ومعلوم ان الله لو شاء لم يحوج احدا إلى احد لكنه ابتلى عباده لينظر كيف يعملون فقص هواهم على هذا الاصل العظيم واتبعوا ما تشابه من الكتاب بالنسبة اليه فلذلك قيل لهم ان انتم الا في ضلال مبين
وقال تعالى الم تر إلى الذين يزعمون انهم آمنوا بما انزل اليك وما انزل من قبلك يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت فكأن هؤلاء قد أقروا بالتحكيم غير انهم ارادوا ان يكون التحكيم على وفق اغراضهم زيغا عن الحق وظنا منهم ان الجميع حكم وان ما يحكم به كعب بن الأشرف او غيره مثل ما يحكم به النبي صلى الله عليه وسلم
وجهلوا ان حكم النبي صلى الله عليه وسلم
هو حكم الله الذي لا يرد وان حكم غيره معه مردود ان لم يكن جاريا عل حكم الله فلذلك قال تعالى ويريد الشيطان ان يضلهم ضلالا بعيدا لان ظاهر الآيه يدل على انها نزلت فيمن دخل في الاسلام لقوله الم تر إلى الذين يزعمون كذا إلى اخره
وجماعة من المفسرين قالوا انما نزلت في رجل من المنافقين او في رجل من الأنصار
وقال سبحانه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام فهم شرعوا شرعة وابتدعوا في ملة ابراهيم عليه السلام هذه البدعة توهما ان ذلك يقربهم من الله كما يقرب من الله ما جاء به ابراهيم عليه السلام من الحق فزلوا وافتروا على الله الكذب اذ زعموا ان هذا من ذلك وتاهوا في المشروع فلذلك قال الله تعالى على اثر الايه يا ايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم وقال سبحانه قد خسر الذين قتلوا اولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء على الله فهذه فذلكة لجملة بعد تفصيل تقدم وهو قوله تعالى وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا الايه
فهذا تشريع كالمذكور قبل هذا ثم قال وكذلك زين لكثير من المشركين قتل اولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم الايه وهو تشريع ايضا بالرأي مثل الاول ثم قال وقالوا هذه انعام وحرث حجر لا يطعمها الا من نشاء بزعمهم إلى آخرها فحاصل الامر انهم قتلوا اولادهم بغير علم وحرموا ما اعطاهم الله من الرزق بالرأي على جهة التشريع فلذلك قال تعالى قد ضلوا وما كانوا مهتدين ثم قال تعالى بعد تعزيرهم على هذه المحرمات التي حرموها وهي ما في قوله قل آلذكرين حرم ام الانثيين اما اشتملت عليه ارحام الانثيين فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدي القوم الظالمين لا يهدي يعني انه يضله والآيات التي قرر فيها حال المشركين في اشراكهم اتى فيها بذكر الضلال لان حقيقته انه خروج عن الصراط المستقيم لانهم وضعوا آلهتهم لتقربهم إلى الله زلفى في زعمهم فقالوا ما نعبدهم الا ليقربونا إلى الله زلفى فوضعوهم موضع من يتوسل به حتى عبدوهم من دون الله اذ كان اول وضعها فيما ذكر العلماء صورا لقوم يودونهم ويتبركون بهم ثم عبدت فأخذتها العرب من غيرها على ذلك القصد وهو الضلال المبين
وقال تعالى لقد كفر الذين قالوا ان الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا اله واحد فزعموا في الاله الحق ما زعموا من الباطل بناء على دليل عندهم متشابه في نفس الامر حسبما ذكره اهل السير فتاهوا بالشبهة عن الحق لتركهم الواضحات وميلهم إلى المتشابهات كما اخبر الله تعالى في آية آل عمران فلذلك قال تعالى قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا اهواء قوم قد ضلوا من قبل واضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل وهم النصارى ضلوا في عيسى عليه السلام ومن ثم قال تعالى بعد ذكر شواهد العبوديه في عيسى ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون وبعد ذكر دلائل التوحيد وتقديس الواحد تبارك وتعالى عن اتخاذ الولد وذكر اختلافهم في مقالاتهم الشنيعه قال لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين
وذكر الله المنافقين وانهم يخادعون الله والذين آمنوا وذلك لكونهم يدخلون معهم في احوال التكاليف على كسل وتقية ان ذلك يخلصهم او انه يغني عنهم شيئا وهم في الحقيقه إنما يخادعون انفسهم وهذا هو الضلال بعينه لأنه اذا كان يفعل شيئا يظن انه له فاذا هو عليه فليس على هدى من عمله ولا هو سالك على سبيله فلذلك قال ان المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم إلى قوله ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا
وقال تعالى حكاية عن الرجل الذي جاء من اقصى المدينة يسعى أأتخذ من دونه آلهه ان يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون معناه كيف اعبد من دون الله مالا يغني شيئا واترك افراد الرب الذي بيده الضر والنفع هذا خروج عن طريق إلى غير طريق اني اذا لفي ضلال مبين
والأمثله في تقرر هذا الأصل كثيرة جميعها يشهد بأن الضلال في غالب الامر انما يستعمل في موضوع يزل صاحبه لشبهة تعرض له او تقليد من عرضت له الشبهة فيتخذ ذلك الزلل شرعا ودينا يدين به مع وجود واضحة الطريق الحق ومحض الصواب
ولما لم يكن الكفر في والواقع مقتصرا على هذا الطريق بل ثم طريق آخر هو الكفر بعد العرفان عنادا او ظلما ذكر الله تعالى الصنفين في السورة الجامعة وهي ام القرآن فقال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم فهذه هي الحجه العظمى التي دعا الانبياء عليهم السلام اليها ثم قال غير المعضوب عليهم ولا الضالين فالمغضوب عليهم هم اليهود لأنهم كفروا بعد معرفتهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم

ألا ترى إلى قول الله فيهم الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون ابنائهم يعني اليهود والضالون هم النصارى لانهم ضلوا في الحجة في عيسى عليه السلام وعلى هذا التفسرين اكثر المفسر وهو مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم
ويلحق بهم في الضلال المشركون الذين اشركوا مع الله الها غيره لانه قد جاء في اثناء القرآن ما يدل على ذلك ولان لفظ القرآن في قوله ولا الضالين يعمهم وغيرهم فكل من ضل عن سواء السبيل داخل فيه
ولا يبعد ان يقال ان الضالين يدخل فيه كل من ضل عن الصراط المستقيم كان من هذه الامه اولا اذ قد تقدم في الآيات المذكورة قبل هذا مثله فقوله تعالى ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله عام في كل ضال كان ضلاله كضلال الشرك او النفاق او كضلال الفرق المعدودة في الملة الإسلامية وهو ابلغ واعلى في قصد حصر اهل الضلال وهو اللائق بكلية فاتحة الكتاب والسبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيه محمد صلى الله عليه وسلم

وقد خرجنا عن المقصود بعض خروج ولكنه عاضد لما نحن فيه وبالله التوفيق

انتهى الباب الثاني

سيف قطر
18-06-2007, 04:10 PM
لباب الثالث: في ان ذم البدع والمحدثات عام لا يخص محدثة دون غيرها ويدخل تحت هذه الترجمة جمله من شبه المبتدعة التي احتجوا بها

فاعلموا رحمكم الله ان ما تقدم من الادلة حجة في عموم الذم من اوجه احدها انها جاءت مطلقة عامة على كثرتها لم يقع فيها استثناء البته ولم يأت فيها مما يقتضي ان منها ما هو هدى ولا جاء فيها كل بدعة ضلالة الا كذا وكذا ولا شيء من هذه المعاني فلو كان هنالك محدثة يقتضي النظر الشرعي فيها الاستحسان او انها لاحقة بالمشروعات لذكر ذلك في آية او حديث لكنه لا يوجد فدل على ان تلك الادلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية التي لا يتخلف عن مقتضاها فرد من الافراد


والثاني انه قد ثبت في الاصول العلمية ان كل قاعدة كلية او دليل شرعي كلي اذا تكررت في مواضع كثيرة واتى بها شواهد على معان أصولية او فروعية ولم يقترن بها تقييد ولا تخصيص مع تكررها واعادة تقررها فذلك دليل على بقائها عل مقتضى لفظها من العموم كقوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وان ليس للانسان الا ما سعى وما اشبه ذلك وبسط الاستدلال على ذلك هنالك فما نحن بصدده من هذا القبيل اذ جاء في الاحاديث المتعددة

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif

والمتكررة في اوقات شتى وبحسب الاحوال المختلفة ان كل بدعة ضلالة وان كل محدثة بدعه
وما كان نحو ذلك من العبارات الدالة على ان البدع مذمومة
ولم يأت في آية ولا حديث تقييد ولا تخصيص ولا ما يفهم منه خلاف ظاهر الكلية فيها
فدل ذلك دلالة واضحة على انها على عمومها واطلاقها
والثالث اجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمها كذلك وتقبيحها والهروب عنها وعمن اتسم بشيء منها ولم يقع منهم في ذلك توقف ولا مثنوية فهو بحسب الاستقراء اجماع ثابت فدل على ان كل بدعة ليست بحق بل هي من الباطل
والرابع ان متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه لانه من باب مضادة الشارع واطراح الشرع وكل ما كان بهذه المثابة فمحال ان ينقسم إلى حسن وقبيح وان يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم اذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقة الشارع
وقد تقدم بسط هذا في اول الباب الثاني
وايضا فلو فرض انه جاء في النقل استحسان بعض البدع او استثناء بعضها عن الذم لم يتصور لان البدعة طريقة تضاهي المشروعة من غير ان تكون كذلك
وكون الشارع يستحسنها دليل على مشروعيتها اذ لو قال الشارع المحدثة الفلانيه حسنة لصارت مشروعة كما اشاروا اليه في الاستحسان حسبما يأتي ان شاء الله
ولما ثبت ذمها ثبت ذم صاحبها لانها ليست بمذمومه من حيث تصورها فقط بل من حيث اتصف بها المتصف فهو إذا المذموم على الحقيقه والذم خاصة التأثيم فالمبتدع مذموم آثم وذلك على الاطلاق والعموم
ويدل على ذلك اربعة اوجه احدها ان الادلة المذكورة ان جاءت فيهم نصا فظاهر كقوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء وقوله ولا تكونوا
كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات ) إلى آخر الايه وقوله عليه السلام فليذادن رجال عن حوضي الحديث إلى سائر ما نص فيه عليهم
وان كانت نصا في البدعه فراجعة المعنى إلى المبتدع من غير اشكال واذا رجع الجميع إلى ذمهم رجع الجميع إلى تأثيمهم

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif

والثاني ان الشرع قد دل على ان الهوى هو المتبع الأول في البدع وهو المقصود السابق في حقهم ودليل الشرع كالتبع في حقهم
ولذلك تجدهم يتأولون كل دليل خالف هواهم ويتبعون كل شبهة وافقت اغراضهم
ألا ترى إلى قوله تعالى فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويله فأثبت لهم الزيغ أولا وهو الميل عن الصواب ثم اتباع المتشابه وهو خلاف المحكم الواضح المعنى الذي هو ام الكتاب ومعظمه
ومتشابهه على هذا قليل فتركوا اتباع المعظم إلى اتباع الاقل المتشابه الذي لا يعطي مفهوما واضحا ابتغاء تأويله وطلبا لمعناه الذي لا يعلمه الا الله او يعلمه الله والراسخون في العلم وليس الا برده إلى المحكم ولم يفعل المبتدعة ذلك
فانظروا كيف اتبعوا اهواءهم اولا في مطالبة الشرع بشهادة الله
وقال الله تعالى ان الذين فرقوا دينهم الآية فنسب اليهم التفريق ولو كان التفريق من مقتضى الدليل لم ينسبه اليهم ولا أتى به في معرض الذم وليس ذلك الا باتباع الهوى
وقال تعالى ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله فجعل طريق الحق واضحا مستقيما ونهى عن البنيات والواضح من الطرق والبنيات كل ذلك معلوم بالعوائد الجارية فإذا وقع التشبيه بها بطريق الحق مع البنيات في الشرع فواضح ايضا فمن ترك الواضح واتبع غيره فهو متبع لهواه لا للشرع وقال تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات فهذا دليل على مجئ البيان الشافي وان التفرق انما حصل من جهة المتفرقين لا من جهة الدليل فهو إذا من تلقاء انفسهم وهو اتباع الهوى بعينه
والأدله على هذا كثيرة تشير او تصرح بأن كل مبتدع انما يتبع هواه واذا اتبع هواه كان مذموما وآثما

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif

والأدلة عليه ايضا كثيرة كقوله ومن اضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله وقوله ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد وقوله ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وما اشبه ذلك فإذا كل مبتدع مذموم آثم
والثالث ان عامة المبتدعة قائلة بالتحسين والتقبيح فهو عمدتهم الاولى وقاعدتهم التي يبنون عليها الشرع فهو المقدم في نحلهم بحيث لا يتهمون العقل وقد يتهمون الأدلة إذ لم توافقهم في الظاهر حتى يردوا كثيرا من الادلة الشرعية
وقد علمت ايها الناظر انه ليس كل ما يقضي به العقل يكون حقا ولذلك تراهم يرتضون اليوم مذهبا ويرجعون عنه غدا ثم يصيرون بعد غد إلى رأي ثالث
ولو كان كل ما يقضي به حقا لكفى في اصلاح معاش الخلق ومعادهم
ولم يكن لبعثة الرسل عليهم السلام فائدة ولكان على هذا الاصل تعد الرسالة عبثا لا معنى له وهو كله باطل فما أدى اليه مثله
فأنت ترى انهم قدموا اهواءهم على الشرع ولذلك سموا في بعض الاحاديث وفي اشارة القرآن اهل الأهواء وذلك لغلبة الهوى على عقولهم واشتهاره فيهم لأن التسميه بالمشتق انما يطلق اطلاق اللقب اذا غلب ما اشتقت منه على المسمى بها فإذا تأثيم من هذه صفته ظاهر لأن مرجعه إلى اتباع الرأي وهو اتباع الهوى المذكور آنفا
والرابع أن كل راسخ لا يبتدع ابدا وانما يقع الابتداع ممن لم يتمكن من العلم الذي ابتدع فيه حسبما دل عليه الحديث ويأتي تقريره بحول الله فإنما يؤتى الناس من قبل جهالهم الذين يحسبون انهم علماء وإذا كان كذلك فاجتهاد من اجتهد منهى عنه اذ لم يستكمل شروط الاجتهاد فهو على اصل العمومية ولما كان العامي حراما عليه النظر في الأدله والاستنباط كان المخضرم الذي بقي عليه كثير من الجهلات مثله في تحريم الاستنباط والنظر المعمول به فاذا اقدم على محرم عليه كان آثما باطلاق

http://smiles.bdr130.net/smiles/30/015.gif

وبهذه الاوجه الاخيرة ظهر وجه تأثيمه وتبين الفرق بينه وبين المجتهد المخطئ في اجتهاده وسيأتي له تقرير ابسط من هذا ان شاء الله
وحاصل ما ذكر هنا أن كل مبتدع آثم ولو فرض عاملا بالبدعة المكروهة ان ثبت فيها كراهة التنزيه لانه اما مستنبط لها فاستنباطه على الترتيب المذكور غير جائز واما نائب عن صاحبها مناضل عنه فيها بما قدر عليه وذلك يجري مجرى المستنبط الاول لها فهو آثم على كل تقدير
لكن يبقى هنا نظر في المبتدع وصاحب الهوى بحيث يتنزل دليل الشرع على مدلول اللفظ في العرف الذي وقع التخاطب به إذ يقع الغلط او التساهل فيسمى من ليس بمبتدع مبتدعا وبالعكس ان تصور فلا بد من فضل اعتناء بهذا المطلب حتى يتضح بحول الله وبالله التوفيق ولنفرده في فصل فنقول

سيف قطر
18-06-2007, 04:12 PM
فصل

لا يخلو المنسوب إلى البدعة ان يكون مجتهدا فيها او مقلدا والمقلد اما مقلد مع الأقرار بالدليل الذي زعمه المجتهد دليلا والأخذ فيه بالنظر واما مقلد له فيه من غير نظر كالعامي الصرف فهذه ثلاثة اقسام فلقسم الأول على ضربين احدهما ان يصح كونه مجتهدا فالابتدع منه لا يقع الا فلته وبالعرض لا بالذات وانما تسمى غلطه او زلة لأن صاحبها لم يقصد اتباع المتشابه ابتغاء الفتنه وابتغاء تأويل الكتاب أي لم يتبع هواه ولا جعله عمدة والدليل عليه انه اذا ظهر له الحق اذعن له وأقر به
ومثاله ما يذكر عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود انه كان يقول بالارجاء ثم رجع عنه وقال واول ما افارق غير شاك أفارق ما يقول المرجئون
وذكر مسلم عن يزيد بن صهيب الفقير قال كنت قد شغفني راي من راي الخوارج فخرجنا في عصابة ذوي عدد نريد ان نجح ثم نخرج على الناس قال فمررنا على المدينه فاذا جابر بن عبد الله يحدث القوم جالس إلى سارية عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم
قال واذا هو قد ذكر الجهنميين قال فقلت له يا صاحب رسول الله ما هذا الذي تحدثون والله يقول انك من تدخل النار فقد اخزيته وكلما ارادوا ان يخرجوا منها اعيدوا فيها فما هذا الذي تقولون قال فقال أفتقرأ القرآن قلت نعم قال فهل سمعت بمقام محمد صلى الله عليه وسلم
يعني الذي يبعثه الله فيه قلت نعم قال فإنه مقام محمد صلى الله عليه وسلم
المحمود الذي يخرج الله به من يخرج من النار قال ثم نعت وضع الصراط ومر الناس عليه
قال واخاف الا اكون احفظ ذلك قال غير انه قد زعم ان قوما يخرجون من النار بعد ان يونوا فيها
قال يعني فيخرجون كأنهم عيدان السماسم فيدخلون نهرا من انهار الجنة فيغتسلون فيه فيخرجون كأنهم القراطيس فرجعنا وقلنا ويحكم اترون الشيخ يكذب على رسول الله عليه وسلم فرجعنا فلا والله ما خرج منا غير رجل واحد او كما قال
ويزيد الفقير من ثقات أهل الحديث وثقة ابن معين وابو زرعه وقال ابو حاتم صدوق وخرج عنه البخاري
وعبيد الله بن الحسن العنبري كان من ثقة اهل الحديث ومن كبار العلماء العارفين بالسنة الا ان الناس رموه بالبدعة بسبب قول حكى عنه من أنه كان يقول بأن كل مجتهد من اهل الأديان مصيب حتى كفره القاضي ابو بكر وغيره
وحكى القتيبي عنه كان يقول ان القرآن يدل على الاختلاف فالقول بالقدر صحيح وله اصل في الكتاب والقول بالاجبار صحيح وله اصل في الكتاب ومن قال بهذا فهو مصيب لان الآية الواحدة ربما دلت على وجهين مختلفين
وسئل يوما عن اهل القدر واهل الاجبار قال كل مصيب هؤلاء قوم عظموا الله وهؤلاء قوم نزهوا الله
قال وكذلك القول في الاسماء فكل من سمى الزاني مؤمنا فقد اصاب ومن سماه كافرا فقد اصاب ومن قال هو فاسق وليس بمؤمن ولا كافر فقد اصاب ومن قال هو كافر وليس بمشرك فقد اصاب لأن القرآن يدل على كل هذه المعاني
قال وكذلك السنن المختلفة كالقول بالقرعة وخلافه والقول بالسعاية وخلافة وقتل المؤمن بالكافر ولا يقتل مؤمن بكافر وبأي ذلك اخذ الفقيه فهو مصيب
قال ولو قال قائل ان القاتل في النار
كان مصيبا ولو قال في الجنة كان مصيبا ولو وقف وأرجأ أمره كان مصيبا اذا كان انما يريد بقوله ان الله تعبده بذلك وليس عليه علم الغيب
قال ابن ابي خيثمة اخبرني سليمان بن ابي شيخ قال كان عبيد الله بن الحسن بن الحسين بن ابي الحريقي العنبري البصري اتهم بأمر عظيم روى عنه كلام ردئ
قال بعض المتأخرين هذا الذي ذكره ابن ابي شيخ عنه قد روى انه رجع عنه لما تبين له الصواب وقال اذا ارجع وانا من الأصاغر ولأن اكون ذنبا في الحق احب إلى ان اكون رأسا في الباطل ا ه
فإن ثبت عنه ما قيل فيه فهو على جهة الزلة من العالم وقد رجع عنها رجوع الأفاضل إلى الحق لأنه بحسب ظاهر حاله فيما نقل عنه انما اتبع ظواهر الادلة الشرعية فيما ذهب اليه ولم يتبع عقله ولا صادم الشرع بنظره فهو اقرب من مخالفة الهوى
ومن ذلك الطريق والله اعلم وفق إلى الرجوع إلى الحق
وكذلك يزيد الفقير فيما ذكر عنه لا كما عارض الخوارج عبد الله بن عباس رضي الله عنه اذ طالبهم بالحجة فقال بعضهم لا تخاصموه فانه ممن قال الله فيه بل هم قوم خصمون فرجحوا المتشابه على المحكم وناصبوا بالخلاف السواد الأعظم
واما ان لم يصح بمسبار العلم انه من المجتهدين فهو الحرى باستنباط ما خالف الشرع كما تقدم اذ قد اجتمع له مع الجهل بقواعد الشرع الهوى الباعث عليه في الاصل وهو التبعية اذ قد تحصل له مرتبة الامامة والاقتداء والنفس فيها من اللذة مالا يزيد عليه ولذلك يعسر خروج حب الرئاسة من القلب اذا انفرد حتى قال الصوفية حب الرئاسة آخر ما يخرج من قلوب الصديقين فكيف اذا انضاف اليه الهوى من اصل وانضاف إلى هذين الأمرين دليل في ظنه شرعي على صحة ما ذهب اليه فيمكن الهوى من قلبه تمكنا لا يمكن في العادة الانفكاك عنه وجرى منه مجرى الكلب من صاحبه كما جاء في حديث الفرق
فهذا النوع ظاهر انه آثم في ابتداعه اثم من سن سنة سيئه
ومن امثلته ان الامامية من الشيعة تذهب إلى وضع خليفة دون النبي صلى الله عليه وسلم
وتزعم انه مثل النبي صلى الله عليه وسلم
في العصمة بناء على أهل لهم متوهم فوضعوه على ان الشريعة ابدا مفتقرة إلى شرح وبيان لجميع المكلفين اما بالمشافهة او بالنقل ممن شافه المعصوم وانما وضعوا ذلك بحسب ما ظهر لهم بادي الرأي من غير دليل عقلي ولا نقلي بل بشبهة زعموا انها عقلية وشبه من النقل باطلة اما في اصلها واما في تحقيق مناطها وتحقيق ما يدعون وما يرد عليهم به مذكور في كتب الائمة وهو يرجع في الحقيقه إلى دعاو واذا طولبوا بالدليل عليها سقط في أيديهم إذ لا برهان لهم من جهة من الجهات
وأقوى شبههم مسألة اختلاف الامة وانه لا بد من واحد يرتفع به الخلاف لأن الله يقول ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولا يكون كذلك إلا اذا أعطى العصمة كما اعطيها النبي صلى الله عليه وسلم
لانه وارث والا فكل محق او مبطل يدعى انه المرحوم وانه الذي وصل إلى الحق دون من سواه فان طولبوا بالدليل على العصمة لم يأتوا بشيء غير ان لهم مذهبا يخفونه ولا يظهرونه الا لخواصهم لانه كفر محض ودعوى بغير برهان
قال ابن العربي في كتاب العواصم خرجت من بلادي على الفطرة فلم ألق في طريقي الا مهتديا حتى بلغت هذه الطائفة يعني الامامية والباطنية من فرق الشيعة فهي اول بدعة لقيت ولو فجأتني بدعة مشبهة كالقول بالمخلوق او نفي الصفات او الارجاء لم آمن الشيطان
فلما رأيت حماقاتهم أقمت على حذر وترددت فيها على اقوام اهل عقائد سليمة ولبثت بينهم ثمانية اشهر
ثم خرجت إلى الشام فوردت بيت المقدس فألفيت فيها ثماني وعشرين حلقة ومدرستين مدرسة الشافعية بباب الأسباط واخرى للحنفية وكان فيها من رءوس العلماء ورءوس المبتدعة ومن احبار اليهود والنصارى كثير فوعيت العلم وناظرت كل طائفة بحضرة شيخنا أبي بكر الفهري وغيره من اهل السنة
ثم نزلت إلى الساحل لأغراض وكان مملوءا من هذه النحل الباطنية والامامية فطفت في مدن الساحل لتلك الاغراض نحوا من خمسة اشهر ونزلت بعكا وكان رأس الامامية بها حينئذ ابو الفتح العكي وبها من اهل السنة شيخ يقال له الفقيه الديبقي فاجتمعت بأبي الفتح في مجلسه وانا ابن العشرين
فلما رآني صغير السن كثير العلم متدربا ولع بي وفيهم لعمر الله وان كانوا على باطل انطباع وانصاف واقرار بالفضل اذا ظهر فكان لا يفارقني ويساومني الجدال ولا يفاترني فتكلمت على مذهب الامامية والقول بالتعميم من المعصوم بما يطول ذكره
ومن جملة ذلك انهم يقولون ان لله في عباده أسرارا واحكاما والعقل لا يستقل بدركها فلا يعرف ذلك الا من قبل امام معصوم فقلت لهم أمات الامام المبلغ عن الله لأول ما أمره بالتبليغ ام هو مخلد فقال لي مات وليس هذا بمذهبه ولكنه تستر معي
فقلت هل خلفه احد فقال خلفه وصية على قلت فهل قضى بالحق وانفذه قال لم يتمكن لغلبة المعاند
قلت فهل انفذه حين قدر قال منعته التقيه ولم تفارقه إلى الموت الا انها كانت تقوى تارة وتضعف أخرى فلم يمكن الا المداراه لئلا تنفتح عليه ابواب الاختلال قلت وهذه المدارة حق ام لا فقال باطل أباحته الضروره
قلت فأين العصمه انما تغنى العصمة مع القدرة قلت فمن بعده إلا الآن وجدوا القدره أم لا قال لا
قلت فالدين مهمل والحق مجهول مخمل قال سيظهر قلت بمن قال بالامام المنتظر
قلت لعله الدجال فما بقي احد الا ضحك وقطعنا الكلام على غرض مني لاني خفت ان الجمه فينتقم مني في بلاده
ثم قلت ومن اعجب ما في هذا الكلام ان الامام اذا اوصى إلى من لاقدرة له فقد ضيع فلا عصمة له
واعجب منه ان الباري تعالى على مذهبه اذا علم انه لا علم الا بمعلم وأرسله عاجزا مضطربا لا يمكنه ان يقول ما علم فكأنه ما علمه وما بعثه
وهذا عجز منه وجور لا سيما على مذهبهم
فرأوا من الكلام ما لم يمكنهم ان يقوموا معه بقائمه وشاع الحديث
فرأى رئيس لباطنية المسمين بالإسماعيليه ان يجتمع معي فجاءني ابو الفتح إلى مجلس الفقيه الديبقي وقال ان رئيس الاسماعيليه رغب في الكلام معك
فقلت انا مشعول
فقال هنا موضع مرتب قد جاء اليه وهو محرس الطبرانيين مسجد في قصر على البحر
وتحامل علي فقمت ما بين حشمة وحسبة ودخلت قصر المحرس وطلعنا اليه فوجدتهم قد اجتمعوا في زاوية المحرس الشرقية فرأيت النكر في وجوههم فسلمت ثم قصدت جهة المحراب فركعت عنده ركعتين

لا عمل لي فيهما الا تدبير القول معهم والخلاص منهم
فلعمري الذي قضى علي بالاقبال إلى ان احدثكم ان كنت رجوت الخروج عن ذلك المجلس ابدا
ولقد كنت انظر في البحر يضرب في حجارة سود محدده تحت طاقات المحرس فأقول هذا قبري الذي يدفنوني فيه وانشد في سري
الا هل إلى الدنيا معاد
وهل لنا سوى البحر قبر او سوى الماء اكفان

سيف قطر
18-06-2007, 04:13 PM
وهي كانت الشدة الرابعة من شدائد عمري التي انقذني الله منها
فلما سلمت استقبلتهم وسألتهم عن احولهم عادة وقد اجتمعت إلى نفسي وقلت وقلت اشرف ميتة في اشرف موطن أناضل فيه عن الدين
فقال لي ابو الفتح واشار إلى فتى حسن الوجه هذا سيد الطائفة ومقدمها
فدعوت له فسكت فبدرني وقال قد بلغتني مجالسك وانهى الي كلامك وانت تقول قال الله وفعل فأي شيء هو الله الذي تدعو اليه اخبرني واخرج عن هذه المخرقه التي جازت لك على هذه الطائفة الضعيفة وقد اختطفني اصحابه قبل الجواب فعمدت بتوفيق الله إلى كنانتي واستخرجت منها سهما اصاب حبة قلبه فسقط لليدين وللفم
وشرح ذلك ان الامام ابا بكر احمد بن ابراهيم الأسماعيلي الحافظ الجرجاني قال كنت ابغض الناس فيمن يقرأ علم الكلام فدخلت يوما إلى الري ودخلت جامعها اول دخولي واستقبلت سارية اركع عندها وإذ بجواري رجلان يتذاكران علم الكلام فتطيرت بهما وقلت اول ما دخلت هذا البلد سمعت فيه ما اكره وجعلت اخفف الصلاة حتى ابعد عنهما فعلق بي من قولهما ان هؤلاء الباطنية اسخف خلق الله عقولا وينبغي للنحرير الا يتكلف لهم دليلا وليكن يطالبهم بلم فلا قبل لهم بها وسلمت مسرعا
وشاء الله بعد ذلك ان كشف رجل من الاسماعيلية القناع في الالحاد وجعل يكاتب وشمكير الامير يدعوه اليه ويقول له اني لا اقبل دين محمد الا بالمعجزه فان اظهرتموها رجعنا اليكم وانجزت الحال إلى ان اختاروا منهم رجلا له دهاء ومنه فورد على وشمكير رسولا فقال له انك امير ومن شأن الامراء والملوك ان تتخصص عن العوام ولا تقلد احدا في عقيدة وانما حقهم ان يفصحوا عن البراهين
فقال وشمكير اختار رجلا من اهل مملكتي ولا انتدب للمناظرة بنفسي فيناظرك بين يدي
فقال له الملحد اختر ابا بكر الاسماعيلي
لعلمه بأنه ليس من اهل علم التوحيد وانما كان اماما في الحديث
ولكن كان وشمكير لعامية فيه يعتقد انه اعلم اهل الارض بانواع العلوم
فقال وشمكير ذلك مرادي فانه رجل جيد
فأرسل الى ابي بكر الاسماعيلي بجرجان ليرحل اليه إلى غزته
فلم يبق من العلماء احد الا يئس من الدين وقال سيبهت الاسماعيلي الكافر مذهبا الاسماعيلي الحافظ مذهبا ولم يمكنهم ان يقولوا للملك انه لا علم عنده بذلك لئلا يتهمهم
فلجأوا إلى الله في نصر دينه
قال الاسماعيلي الحافظ فلما جاءني البريد واخذت في المسير وتدانت لي الدار قلت انا لله
وكيف اناظر فيما لا ادري هل أتبرأ عند الملك وارشده إلى من يحسن الجدل ويعلم بحجج الله في دينه ندمت على ما سلف من عمري ولم انظر في شيء من علم الكلام ثم اذكرني الله ما كنت سمعته من الرجلين بجامع الرى فقويت نفسي وعولت على ان اجعل ذلك عمدتي وبلغت البلد فتلقاني الملك ثم جميع الخلق
وحضر الاسماعيلي المذهب مع الاسماعيلي النسب
وقال الملك الباطني اذكر قولك يسمعه الامام
فلما أخذ في ذكره واستوفاه قال له الحافظ لم فلما سمعها الملحد قال هذا امام قد عرف مقالتي
ففهمت قال الاسماعيلي فخرجت من ذلك الوقت وامرت بقراءة علم الكلام وعلمت انه عمدة من عمد الاسلام
قال ابن العربي وانا حين انتهى بي الامر إلى ذلك قلت ان كان في الاجل تنفس فهذا شبيه بيوم الاسماعيلي
فوجهت إلى أبي الفتح الامام وقلت له لقد كنت في لا شيء ولو خرجت من عكا قبل ان اجتمع بهذا العالم ما رحلت الا عريا عن نادرة الايام نظر إلى حذقه بالكلام ومعرفته حيث قال لي
أي شيء هو الله ولا يسأل بمثل هذا الا مثله
ولكن بقيت ها هنا نكتة لا بد من ان نأخذها اليوم عنه وتكون ضيافتنا عنده
لم قلت أي شيء هو الله فاقتصرت من حروف الاستفهام على أي وتركت الهمزه وهل وكيف وأنى وكم وما هي ايضا من ثواني حروف الاستفهام وعدلت عن اللام من حروفه وهذا سؤال ثان عن حكمة ثانيه وهو ان ل أي معنيين في الاستفهام
فأي المعنيين قصدت بها ولم سألت بحرف محتمل ولم تسأل بحرف مصرخ بمعنى واحد هل وقع ذلك بغير علم ولا قصد حكمة ام بقصد حكمة فبينها لنا
فما هو الا ان افتتحت هذا الكلام وانبسطت فيه وهو يتغير حتى اصفر آخرا من الوجل كما اسود اولا من الحقد
ورجع احد اصحابه الذي كان عن يمينه إلى آخر كان بجانبه وقال له ما هذا الصبي الا بحر زاخر من العلم ما رأينا مثله قط وهم ما رأوا واحدا به رمق الا اهلكوه لان الدولة لهم ولولا مكاننا من رفعة دولة ملك الشام ووالي عكا كان يحظينا ما تخلصت منهم في العادة ابدا
وحين سمعت تلك الكلمة من اعظامى قلت هذا مجلس عظيم وكلام طويل يفتقر إلى تفصيل ولكن نتواعد إلى يوم آخر
وقمت وخرجت فقاموا كلهم معي وقالوا لا بد ان تبقى قليلا فقلت لا وأسرعت حافيا وخرجت على الباب أعدو حتى اشرفت على قارعة الطريق وبقيت هناك مبشرا نفسي بالحياة حتى خرجوا بعدي وأخرجوا لي لايكى ولبستها ومشيت معهم متضاحكا ووعدوني بمجلس آخر فلم أوف لهم وخفت وفاتي وفي وفائي
قال ابن العربي وقد قال لي أصحابنا النصرية بالمسجد الاقصى ان شيخنا ابا الفتح نصر بن ابراهيم المقدسي اجتمع برئيس من الشيعة الامامية فشكا اليه فساد الخلق وان هذا الامر لا يصلح الا بخروج الامام المنتظر فقال نصر هل لخروجه ميقات ام لا قال الشيعي نعم قال له ابو الفتح ومعلوم هو أو مجهول قال معلوم قال نصر ومتى يكون قال إذا فسد الخلق قال ابو الفتح فهل تحبسونه عن الخلق وقد فسد جميعهم الا انتم فلو فسدتم لخرج فأسرعوا به وأطلقوه من سجنه وعجلوا بالرجوع إلى مذهبنا فبهت
واظنه سمعها عن شيخه ابي الفتح سليمان بن ايوب الرازي الزاهد انتهى ما حكاه ابى العربي وغيره وفيه غنيه لمن عرج عن تعرف أصولهم وفي اثناء الكتاب منه امثلة كثيرة
القسم الثاني يتنوع ايضا وهو الذي لم يستنبط بنفسه وانما اتبع غيره من المستنبطين لكن بحيث أقر بالشبهة واستصوبها وقام بالدعوة بها مقام متبوعه لانقداحها في قلبه فهو مثل الاول وان لم يصر إلى تلك الحال ولكنه تمكن حب المذهب من قلبه حتى عادى عليه ووالى
وصاحب هذا القسم لا يخلو من استدلال ولو على اعم ما يكون
فقد يلحق بمن نظر في الشبهة وان كان عاميا لانه عرض للاستدلال وهو عالم أنه لا يعرف النظر ولا ما ينظر فيه ومع ذلك فلا يبلغ من استدلال بالدليل الجملي مبلغ من استدل على التفصيل وفرق بينهما في التمثيل
ان الاول اخذ شبهات مبتدعة فوقف وراءها حتى اذا طولب فيها بالجريان على مقتضى العلم تبلد وانقطع او خرج إلى مالا يعقل واما الثاني فحسن الظن بصاحب البدعة فتبعه ولم يكن له دليل على التفصيل يتعلق به الا تحسين الظن بالمبتدع خاصه وهذا القسم في العوام كثير
فمثال الاول حال حمدان بن قرمط المنسوب إليه القرامطة اذ كان احد دعاة الباطنية فاستجاب له جماعة نسبوا اليه وكان رجلا من اهل الكوفة مائلا إلى الزهد فصادفه احد دعاة الباطنية وهو متوجه إلى قريته وبين يديه بقر يسوقه فقال له حمدان وهو لا يعرف حاله اراك سافرت عن موضع بعيد فأين مقصدك فذكر موضعا هو قرية حمدان فقال له حمدان اركب بقرة من هذا البقر لتستريح به عن تعب المشي فلما رآه مائلا إلى الديانه أتاه من ذلك الباب وقال اني لم أومن بل أومر بذلك فقال له وكأنك لا تعمل الا بأمر فقال نعم فقال حمدان وبأمر من تعمل قال بأمر مالكي ومالكك ومن له الدنيا والآخره قال ذلك هو رب العالمين قال صدقت ولكن الله يهب ملكه من يشاء قال وما غرضك في البقعة التي انت متوجه اليها قال أمرت ان ادعوا اهلها من الجهل إلى العلم
ومن الضلال إلى الهدى ومن الشقاوة إلى السعادة
وان استنقذتم من ورطات الذل والفقر واملكهم بما يستغنون به عن الكد والتعب فقال له حمدان أنقذنى انقذك الله وافض على من العلم ما تحييني به فما اشد احتياجي لمثل ما ذكرت فقال له وما أمرت ان اخرج السر المكنون إلى كل احد الا بعد الثقة به والعهد اليه فقال فما عهدك فاذكره فإني ملتزم له
فقال ان تجعل لي وللامام عهد الله على نفسك وميثاقك الا تخرج سر الامام الذي القيه اليك ولا تفشي سري أيضا فالتزم حمدان عهده
ثم اندفع الداعي في تعليمه فنون جهله حتى استدرجه واستغواه واستجاب له في جميع ما ادعاه ثم انتدب للدعوة وصار اصلا من أصول هذه البدعة فسمى اتباعه القرامطه
ومثال الثاني ما حكاه الله في قوله تعالى واذا قيل لهم تعالوا إلى ما انزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا الآيه وقوله تعالى قل هل يسمعونكم اذ تدعون او ينفعونكم او يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون
وحكى المسعودي انه كان في اعلى صعيد مصر رجل من القبط ممن يظهر

سيف قطر
18-06-2007, 04:14 PM
دين النصرانية وكان يشار اليه بالعلم والفهم فبلغ خبره احمد بن طولون فاستحضره وسأله عن اشياء كثيرة من جملتها انه امر في بعض الأيام وقد احضر مجلسه بعض اهل النظر ليسأله عن الدليل على صحة دين النصرانية فسألوه عن ذلك
فقال دليلي على صحتها وجودي اياها متناقضة متنافية تدفعها العقول وتنفر منها النفوس لتباينها وتضادها لا نظر يقويها ولا جدل يصححها ولا برهان يعضدها من العقل والحس عند اهل التأمل فيها والفحص عنها
ورأيت مع ذلك أمما كثيرة وملوكا عظيمة ذوي معرفة وحسن سياسة وعقول راجحة قد انقادوا اليها وتدينوا بها مع ما ذكرت من تناقضها في العقل فعلمت أنهم لم يقبلوها ولا تدينوا بها الا بدلائل شاهدوها وآيات ومعجزات عرفوها اوجب انقيادهم اليها والتدين بها
فقال له السائل وما التضاد الذي فيها فقال وهل يدرك ذلك او تعلم غايته منها قولهم بأن الثلاثة واحد وان الواحد ثلاثه
ووصفهم للأقانيم والجوهر وهو الثالوثي وهل الأقانيم في انفسها قادرة عالمة ام لا وفي اتحاد ربهم القديم بالانسان المحدث وما جرى في ولادتة وصلبه وقتله
وهل في التشنيع اكبر وافحش من اله صلب وبصق في وجهه ووضع على راسه اكليل الشوك وضرب رأسه بالقضيب وسمرت قدماه ونخز بالأسنة والخشب جنباه وطلب الماء فسقى الخل من بطيخ الحنظل فأمسكوا عن مناظرته لما قد اعطاهم من تناقض مذهبه وفساده ا ه

والشاهد من الحكاية الاعتماد على الشيوخ والآباء من عير برهان ولا دليل
القسم الثالث يتنوع ايضا وهو الذي قلد غيره على البراءة الأصليه فلا يخلو ان يكون ثم من هو اولى بالتقليد منه بناء على التسامع الجاري بين الخلق بالنسبة إلى الجم الغفير اليه في أمور دينهم من عالم وغيره وتعظيمهم له بخلاف الغير
اولا يكون ثم من هو اولى منه لكنه ليس في اقبال الخلق عليه وتعظيمهم له ما يبلغ تلك الرتبة فان كان هناك منتصبون فتركهم هذا المقلد وقلد غيرهم فهو آثم إذ لم يرجع إلى من أمر بالرجوع اليه بل تركه ورضى لنفسه بأخسر الصفقتين فهو غير معذور اذ قلد في دينه من ليس بعارف بالدين في حكم الظاهر فعمل بالبدعة وهو يظن انه على الصراط المستقيم
وهذا حال من بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإنهم تركوا دينهم الحق ورجعوا إلى باطل آبائهم
ولم ينظروا نظر المستبصر حتى لم يفرقوا بين الطريقين وغطى الهوى على عقولهم دون ان يبصروا الطريق فكذلك اهل هذا النوع
وقل ما تجد من هذه صفته الا وهو يوالي فيما ارتكب ويعادي بمجرد التقليد
خرج البغوي عن ابي الطفيل الكناني ان رجلا ولد له غلام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فأتى به النبي صلى الله عليه وسلم
فدعا له بالبركه وأخذ بجبهته فنبتت شعرة بجبهته كأنها سلفة فرس
قال فشب الغلام فلما كان زمن الخوارج اجابهم فسقطت الشعرة عن جبهته فأخذه ابوه فقيده وحبسه مخافة ان يلحق بهم احد قال فدخلنا عليه فوعظناه وقلنا له الم تر بركة النبي صلى الله عليه وسلم
وقعت قال فلم نزل به حتى رجع عن رأيهم
قال فرد الله عز وجل الشعرة في جبهته اذ تاب
وإن ولم يكن هناك منتصبون إلى هذا المقلد الخامل بين الناس مع انه قد نصب نفسه منصب المستحقين ففي تأثيمه نظر
ويحتمل ان يقال فيه إنه آثم ونظيره مسألة اهل الفترات العاملين تبعا لآبائهم واستنامة لما عليه اهل عصرهم من عبادة غير الله وما اشبه ذلك
لان العلماء يقولون في حكمهم انهم على قسمين قسم غابت عليه الشريعة ولم يدر ما يتقرب به إلى الله تعالى فوقف عن العمل بكل ما يتوهمه العقل انه يقرب إلى الله ورأى ما اهل عصره عاملون به مما ليس لهم فيه مستند الا استحسانهم فلم يستفزه ذلك على الوقوف عنه
وهؤلاء هم الداخلون حقيقة تحت عموم الآية الكريمه وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
وقسم لابس ما عليه اهل عصره من عبادة غير الله والتحريم والتحليل بالرأي ووافقوهم في اعتقاد ما اعتقدوه من الباطل
فهؤلاء نص العلماء على انهم غير معذورين مشاركون لأهل عصرهم في المؤاخذه لأنهم وافقوهم في العمل والموالاة والمعاداة على تلك الشرعة فصار من اهلها
فكذلك ما نحن في الكلام عليه اذ لا فرق بينهما

ومن العلماء من يطلق العبارة ويقول كيفما كان لا يعذب احد الا بعد الرسل وعدم القبول منهم
وهذا ان ثبت قولا هكذا فنظيره في مسألتنا ان يأتي عالم اعلم من ذلك المنتصب يبين السنة من البدعة فإن راجعه هذا المقلد في احكام دينه ولم يقتصر على الاول فقد اخذ بالاحتياط الذي هو شأن العقلاء ورجاء السلامه
وان اقتصر على الاول ظهر عناده لأنه مع هذا الفرض لم يرض بهذا الطارئ واذا لم يرضه كان ذلك لهوى داخله وتعصب جرى في قلبه مجرى الكلب في صاحبه
وهو اذا بلغ هذا المبلغ لم يبعد ان ينتصر لمذهب صاحبه ويستدل عليه بأقصى ما يقدر عليه في عموميته وحكمه قد تقدم في القسم قبله
فأنت ترى صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم
حين بعث إلى اصحاب اهواء وبدع وقد استندوا إلى آبائهم وعظمائهم فيها وردوا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
وغطى على قلوبهم رين الهوى حتى التبست عليهم المعجزات بغيرها كيف صارت شريعته صلى الله عليه وسلم
حجة عليهم على الاطلاق والعموم وصار الميت منهم مسوقا إلى النار على العموم من غير تفرقة بين المعاند صراحا وغيره وما ذاك الا لقيام الحجة عليهم بمجرد بعثته وارساله لهم مبينا للحق الذي خالفوه
فمسألتنا شبيهة بذلك فمن اخذ بالحزم فقد استبرأ لدينه ومن تابع الهوى خيف عليه الهلاك وحسبنا الله
فصل

ولنزد هذا الموضع شيئا من البيان فإنه اكيد لانه تحقيق مناط الكتاب وما احتوى عليه من المسائل
فنقول وبالله التوفيق ان لفظ اهل الاهواء وعبارة اهل البدع انما تطلق حقيقة على الذين ابتدعوها وقدموا فيها شريعة الهوى بالاستنباط والنصر لها والاستدلال على صحتها في زعمهم حتى عد خلافهم خلافا وشبههم منظورا فيها ومحتاجا إلى ردها والجواب عنها
كما نقول في القاب الفرق من المعتزلة والقدرية والمرجئه والخوارج والباطنية ومن اشبههم بأنها القاب لمن قام بتلك النحل ما بين مستنبط لها وناصر لها وذاب عنها كلفظ اهل السنة انما يطلق على ناصريها وعلى من استنبط على وفقها والحامين لذمارها
ويرشح ذلك ان قول الله تعالى ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا يشعر بإطلاق اللفظ على من جعل ذلك الفعل الذي هو التفريق وليس إلا المخترع او من قام مقامه وكذلك قوله تعالى ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا وقوله تعالى فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه فإن اتباع المتشابه مختص بمن انتصب منصب المجتهد لا بغير
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم
حتى اذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم لانهم قاموا انفسهم مقام المستنبط للاحكام الشرعية المقتدى به فيها
بخلاف العوام فإنهم متبعون لما تقرر عند علمائهم لأنه فرضهم فليسوا بمتبعين للمتشابه حقيقة ولاهم متبعون للهوى
وانما يتبعون ما يقال لهم كائنا ما كان فلا يطلق على العوام لفظ اهل الاهواء حتى يخوضوا بأنظارهم فيها ويحسنوا بنظرهم ويقبحوا
وعند ذلك يتعين للفظ اهل الاهواء واهل البدع مدلول واحد وهو ان من انتصب للابتداع ولترجيحه على غيره
واما اهل الغفله عن ذلك والسالكون سبل رؤسائهم بمجرد التقليد من غير نظر فلا
فحقيقة المسألة انها تحتوي على قسمين مبتدع ومقتد به فالمقتدى به كأنه لم يدخل في العبارة بمجرد الاقتداء لانه في حكم المتبع والمبتدع هو المخترع
او المستدل على صحة ذلك الاختراع وسواء علينا أكان ذلك الاستدلال من قبيل الخاص بالنظر في العلم او كان من قبيل الاستدلال العامي فإن الله سبحانه ذم اقواما قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وانا على آثارهم مهتدون فكأنهم استدلوا إلى دليل جملي وهو الاباء اذا كانوا عندهم من اهل العقل وقد كانوا على هذا الدين وليس الا لانه صواب فنحن عليه لانه لو كان خطأ لما ذهبوا اليه
وهو نظير من يستدل على صحة البدعة بعمل الشيوخ ومن يشار اليه بالصلاح ولا ينظر إلى كونه من اهل الاجتهاد في الشريعة او من اهل التقليد ولا كونه يعمل بعلم او بجهل
ولكن مثل هذا يعد استدلالا في الجملة من حيث جعل عمدة في اتباع الهوى واطراح ما سواه
فمن أخذ به فهو آخذ بالبدعة بدليل مثله ودخل في مسمى اهل الابتداع اذ كان من حق من كان هذا سبيله ان ينظر في الحق ان جاءه ويبحث ويتأنى ويسأل حتى يتبين له فيتبعه او الباطل فيجتنبه ولذلك قال تعالى ردا على المحتجين بما تقدم قل أولوا جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) وفي الاية الاخرى واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا فقال تعالى اولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون وفي الاية الأخرى أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير وامثال ذلك كثير
وعلامة من هذا شأنه ان يرد خلاف مذهبه بما عليه من شبهة دليل تفصيلي او اجمالي ويتعصب لما هو عليه غير ملتفت إلى غيره وهو عين اتباع الهوى
فهو المذموم حقا وعليه يحصل الإثم فان من كان مسترشدا مال إلى الحق حيث وجده ولم يرده وهو المعتاد في طالب الحق
ولذلك بادر المحققون إلى اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم
حين تبين لهم الحق
فان لم يجد سوى ما تقدم له من البدعة ولم يدخل مع المتعاصيين لكنه عمل بها فان قلنا ان اهل الفترة معذبون على الاطلاق اذا اتبعوا من اخترع منهم فالمتبعون للمبتدع اذا لم يجدوا محقا مؤاخذون ايضا
وان قلنا لا يعذبون حتى يبعث لهم الرسول وان عملوا بالكفر فهؤلاء لا يؤاخذون ما لم يكن فيه محق فاذ ذاك يؤاخذون من حيث انهم معه بين احد أمرين اما ان يتبعوه على طريق الحق فيتركوا ما هم عليه وإماء ان لا يتبعوه فلا بد من عناد ما وتعصب فيدخلون اذ ذاك تحت عبارة اهل الاهواء فيأثمون وكل من اتبع بيان سمعان في بدعته التي استمرت عند العلماء مقلدا فيها على حكم الرضاء بها ورد ما سواها فهو في الاثم مع من اتبع فقد زعم ان معبوده في صورة الانسان وانه يهلك كله الا وجه ثم زعم ان روح الإله حل في على
ثم في فلان ثم في بيان نفسه
وكذلك من اتبع المغيرة بن سعد العجلي الذي ادعى النبوة مدة وزعم انه يحي الموتى بالاسم الاعظم وان لمعبوده اعضاء على حروف الهجاء على كيفية يشمئز منها قلب المؤمن إلى الحادات أخر
وكذلك من اتبع المهدي المغربي المنسوب اليه كثير من بدع المغرب فهو في الاثم والتسمية مع من اتبع اذا انتصب ناصرا لها ومحتجا عليها
وقانا الله شر التعصب على غير بصيرة من الحق بفضله ورحمته

سيف قطر
18-06-2007, 04:15 PM
فصل

اذا ثبت ان المبتدع آثم فليس الاثم الواقع عليه على رتبة واحدة بل هو على مراتب مختلفة من جهة كون صاحبها مستترا بها او معلنا ومن جهة كون البدعة حقيقية او اضافية ومن جهة كونها بينة او مشكلة ومن جهة كونها كفرا او غير كفر ومن جهة الاصرار عليها او عدمه إلى غير ذلك من الوجوه التي يقطع معها بالتفاوت في عظم الإثم وعدمه او يغلب على الظن
وهذا المعنى وان لم يخف على العالم بالاصول فلا يترك التنبيه على وجه التفاوت بقول جملي فهو الاولى في هذا المقام
فأما الاختلاف من جهة كون صاحبها مدعيا للاجتهاد او مقلدا فظاهر لان الزيغ في قلب الناظر في المتشابهات ابتغاء تأويلها امكن منه في قلب المقلد وان ادعى النظر ايضا لان المقلد الناظر لا بد من استناده إلى مقلده في بعض الأصول التي يبنى عليها
او المقلد قد انفرد بها دونه فهو آخذ بحظ ما لم يأخذ فيه الآخر الا ان يكون هذا المقلد ناظرا لنفسه فحينئذ لا يدعى رتبة التقليد فصار في درجة الاول وزاد عليه الاول بأنه اول من سن تلك السنة السيئة فيكون عليه وزرها ووزر من عمل بها
وهذا الثاني من عمل بها فيكون على الاول من اثمه ما عينه الحديث الصحيح فوزره اعظم على كل تقدير والثاني دونه لانه ان نظر وعاند الحق واحتج لرأيه فليس له الا ادله جملية لا تفصيلية
والفرق بينهما ظاهر فان الادله التفصيلية ابلغ في الاحتجاج على عين المسألة من الادلة الجميلة فتكون المبالغة في الوزر بمقدار المبالغة في الاستدلال واما الاختلاف من جهة وقوعها في الضروريات او غيرها فالإشارة اليه ستأتي عند التكلم على احكام البدع
واما الاختلاف من جهة الاسرار والإعلان فظاهر ان المسر بها ضرره مقصور عليه لا يتعداه إلى غيره فعلى أي صورة فرضت البدعة من كونها كبيرة او صغيرة او مكروهة هي باقية على اصل حكمها
فإذا اعلن بها وان لم يدع اليها فإعلانه بها ذريعة إلى الاقتداء به
وسيأتي بحول الله ان الذريعة قد تجري مجرى المتذرع اليه او تفارقه فانظم إلى وزر العمل بها وزر نصبها لمن يقتدي به فيها والوزر في ذلك اعظم بلا اشكال
ومثاله ما حكى الطرطوشي في اصل القيام ليلة النصف من شعبان عن ابي محمد المقدسي
قال لم يكن عندنا ببيت المقدس صلاة الرغائب هذه التي تصلى في رجب وشعبان
واول ما احدثت عندنا في سنة ثمان واربعين واربعمائة قدم علينا رجل في بيت المقدس يعرف بابن ابي الحمراء وكان حسن التلاوة فقام فصلى في المسجد الاقصى ليلة النصف من شعبان فاحرم خلفه رجل ثم انضاف اليهما ثالث ورابع فما ختمها الا وهو في جماعة كبيرة
ثم جاء في العام القابل فصلى معه خلق كثير وشاعت في المسجد وانتشرت الصلاة في المسجد الاقصى وبيوت الناس ومنازلهم ثم استمرت كأنها سنة إلى يومنا هذا
فقلت له فرأيتك تصليها في جماعة
فقال نعم واستغفر الله منها
واما الاختلاف من جهة الدعوة اليها وعدمها فظاهر ايضا لان غير الداعى وان كان عرضة بالاقتداء فقد لا يقتدي به ويختلف الناس في توفر دواعيهم على الاقتداء به اذ قد يكون خامل الذكر وقد يكون مشتهرا ولا يقتدى به لشهرة من هو اعظم عند الناس منزلة منه
واما الداعي اذا دعا اليها فمظنة الاقتداء اقوى واظهر ولا سيما المبتدع اللسن الفصيح الاخذ بمجامع القلوب اذا اخذ في الترغيب والترهيب وادلى بشبهته التي تداخل القلب بزخرفها كما كان معبد الجهني يدعو الناس إلى ما هو عليه من القول بالقدر ويلوي بلسانه نسبته إلى الحسن البصري
فروى عن سفيان بن عيينة ان عمرو بن عبيد سئل عن مسألة فأجاب فيها وقال هو من رأي الحسن فقال له رجل انهم يروون عن الحسن خلاف هذا
فقال انما قلت لك هذا من رأيي الحسن يريد نفسه وقال محمد بن عبد الله الانصاري كان عمرو بن عبيد اذا سئل عن شيء قال هذا من قول الحسن فيوهم انه الحسن بن ابي الحسن وانما هو قوله
واما الاختلاف من جهة كونه خارجا على اهل السنة او غير خارج فلأن غير الخارج لم يزد على الدعوة مفسدة أخرى يترتب عليها اثم والخارج زاد الخروج على الأئمة وهو موجب للقتل والسعي في الارض بالفساد وإثارة الفتن والحروب إلى حصول العداوة والبغضاء بين أولئك الفرق فله من الإثم العظيم اوفر حظ
ومثاله قصة الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى لله عليه وسلم يقتلون اهل الاسلام ويدعون اهل الاوثان يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميه وأخبارهم شهيرة
وقد لا يخرجون هذ الخروج بل يقتصرون على الدعوة لكن على وجه ادعى إلى الاجابة لان فيه نوعا من الإكراه والإخافة فلا هو مجرد دعوة ولا هو شق العصا من كل وجه
وذلك ان يستعين على دعوة بأولي الامر من الولاة والسلاطين فإن الاقتداء هنا اقوى بسبب خوف الولاة في الايقاع بالابى سجنا او ضربا او قتلا كما اتفق لبشر المريسي في زمن المأمون ولاحمد بن ابي دؤاد في خلافة الواثق وكما اتفق لعلماء المالكية بالاندلس اذ صارت ولايتها للمهديين فمزقوا كتب المالكية وسموها كتب الرأي ونكلوا بجملة من الفضلاء بسبب اخذهم في الشريعة بمذهب مالك
وكانوا هم مرتكبين للظاهرية المحضة التي هي عند العلماء بدعة ظهرت بعد المائتين من الهجرة
ويا ليتهم وافقوا مذهب داود واصحابه لكنهم تعدوا ذلك إلى ان قالوا برأيهم ووضعوا للناس مذاهب لا عهد لهم بها في الشريعه وحملوهم عليها طوعا او كرها حتى عم داؤها في الناس وثبتت زمانا طويلا ثم ذهب منها جملة وبقيت أخرى إلى اليوم
ولعل الزمان يتسع إلى ذكر جملة منها في اثناء الكتاب بحول الله
فهذا الوجه الوزر فيه اعظم من مجرد الدعوة من وجهين الاول الإخافة والاكراه بالاسلام والقتل والاخر كثرة الداخلين في الدعوة لان الأعذار والإنذار الاخروي قد لا يقوم له كثير من النفوس بخلاف الدنيوي
ولأجل ذلك شرعت الحدود والزواجر في الشرع وان الله ليزع بالسلطان ما لايزعه بالقرآن فالمبتدع اذا لم ينتصر بإجابة دعوته بمجرد الاعذار والانذار الذي يعظ به حاول الانتهاض بأولي الامر ليكون ذلك أحرى بالاجابه
واما الاختلاف من جهة كون البدعة حقيقية او اضافية فان الحقيقية اعظم وزرا لانها التي باشرها المنتهى بغير واسطة ولانها مخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهر كالقول بالقدر والتحسين والتقبيح والقول بانكار خبر الواحد وانكار الاجماع وانكار تحريم الخمر والقول بالامام المعصوم وما اشبه ذلك فاذا فرضت اضافية فمعنى الاضافيه انها مشروعة من وجه ورأى مجرد من وجه
إذ يدخلها من جهة المخترع رأي في بعض احوالها فلم تناف الادلة من كل وجه
هذا وان كانت تجري مجرى الحقيقة ولكن الفرق بينهما ظاهر كما سيأتي ان شاء الله
وبحسب ذلك الاختلاف يختلف الوزر
ومثاله جعل المصاحف في المساجد للقراءة آخر صلاة الصبح بدعة
قال مالك أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف
يريد انه اول من رتب القراءة في المصحف اثر صلاة الصبح في المسجد
قال ابن رشد مثل ما يصنع عندنا إلى اليوم
فهذه محدثة اعنى وضعه في المسجد لان القراءة في المسجد مشروع في الجملة معمول به الا ان تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه المحدث ومثله وضع المصاحف في زماننا للقراءة يوم الجمعة وتحبيسها على ذلك القصد
واما الاختلاف من جهة كونها ظاهرة المأخذ او مشكلة فلأن الظاهر عند الإقدام عليها محض مخالفة فإن كانت مشكلة فليست بمحض مخالفة لإمكان ان لا تكون بدعة والإقدام على المحتمل اخفض رتبة من الإقدام على الظاهر ولذلك عد العلماء ترك المتشابه من قبيل المندوب اليه في الجمله
ونبه الحديث على ان ترك المتشابه لئلا يقع في الحرام فهو حمى له وان راتع المتشابه راتع في الحرام وليس ترك الحرام في الجملة من قبيل المندوب بل من قبيل الواجب فكذلك حكم الفعل المشتبه في البدعة فالتفاوت بينهما بين
وان قلنا ان ترك المتشابه من باب المندوب وان مواقعته من باب المكروه فالاختلاف ايضا واقع من هذه الجهة فإن الإثم في المحرمة هو الظاهر
واما المكروهة فلا اثم فيها في الجملة ما لم يقترن بها ما يوجبها كالإصرار عليها إذ الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة فكذلك الاصرار على المكروه فقد يصيره صغيرة ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة في مطلق التأثيم وان حصل الفرق من جهة أخرى
بخلاف المكروه مع الصغيرة والشأن في البدع وان كانت مكروهة في الدوام عليها واظهارها من المقتدى بهم في مجامع الناس وفي المساجد
فقلما تقدم بل تقع منهم على اصلها من الكراهية الا ويقترن بها ما يدخلها في مطلق التأثيم من اصرار وتعليم او اشاعة او تعصب او ما اشبه ذلك
فلا يكاد يوجد في البدع بحسب الوقوع مكروه لا زائد فيه على الكراهية والله اعلم

سيف قطر
18-06-2007, 04:16 PM
واما الاختلاف بحسب الاصرار عليها او عدمه فلأن الذنب قد يكون صغيرا فيعظم بالاصرار عليه
كذلك البدعة تكون صغيرة فتعظم بالإصرار عليها
فإذا كانت فلتة فهي اهون منها اذا داوم عليها
ويلحق بهذا المعنى اذا تهاون بها المبتدع وسهل امرها نظير الذنب اذا تهاون به فالمتهاون اعظم وزرا من غيره
واما الاختلاف من جهة كونها كفرا وعدمه فظاهر ايضا لان ما هو كفر جزاؤه التخليد في العذاب عافانا الله وليس كذلك ما لم يبلغ حكم سائر الكبائر مع الكفر في المعاصي فلا بدعة اعظم وزرا من بدعة تخرج عن الاسلام كما انه لا ذنب أعظم من ذنب يخرج عن الاسلام فبدعة الباطنية والزنادقة ليست كبدعة المعتزلة والمرجئة واشباههم ووجوه التفاوت كثيرة ولظهورها عند العلماء لم نبسط الكلام عليها
والله المستعان بفضله
فصل

ويتعلق بهذ الفصل امر آخر وهو الحكم في القيام على اهل البدع من الخاصة او العامة وهذا باب كبير في الفقه تعلق بهم من جهة جنايتهم على الدين وفسادهم في الأرض
وخروجهم عن جادة الاسلام إلى بنيات الطريق التي نبه عليها قول الله تعالى وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله وهو فصل من تمام الكلام على التأثيم
لكنه مفتقر إلى النظر في شعب كثيرة منها ما تكلم عليه العلماء ومنها ما لم يتكلموا عليه لان ذلك حدث بعد موت المجتهدين واهل الحماية للدين فهو باب يكثر التفريع فيه بحيث يستدعي تأليفا مستقلا فرأينا ان بسط ذلك يطول مع ان العناء فيه قليل الجدوى في هذه الازمنة المتأخرة لتكاسل الخاصة عن النظر فيما يصلح العامة وغلبة الجهل على العامة حتى انهم لا يفرقون بين السنة والبدعة بل قد انقلب الحال إلى ان عادت السنة بدعة فقاموا في غير موضع القيام واستقاموا إلى غير مستقام فعم الداء وعدم الاطباء حسبما جاءت به الاخبار فرأينا ان لا نفرد هذا المعنى بباب يخصه وان لا نبسط القول فيه وان نقتصر من ذلك على لمحة تكون خاتمة لهذا الباب في الاشارة إلى انواع الاحكام التي يقام عليهم بها في الجملة لا في التفصيل وبالله التوفيق
فنقول ان القيام عليهم بالتثريب او التنكيل او الطرد او الابعاد او الانكار هو بحسب حال البدعة في نفسها من كونها عظيمة المفسدة في الدين ام لا وكون صاحبها مشتهرا بها او لا وداعيا اليها او لا ومستظهرا بالاتباع وخارجا عن الناس او لا وكونه عاملا بها على جهة الجهل او لا
وكل من هذه الاقسام له حكم اجتهادي يخصه اذ لم يأت في الشرع في البدعه حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه كما جاء في كثير من المعاصي كالسرقة والحرابة والقتل والقذف والجراح والخمر وغير ذلك
لا جرم ان المجتهدين من الامة نظروا فيها بحسب النوازل وحكموا باجتهاد الرأي تفريعا على ما تقدم لهم في بعضها من النص كما جاء في الخوارج من الاثر بقتلهم وما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في صبيغ العراقى
فخرج من مجموع ما تكلم فيه العلماء انواع احدها الارشاد والتعليم واقامة الحجة كمسألة ابن عباس رضي الله عنه حين ذهب إلى الخوارج فكلمهم حتى رجع منهم ألفان او ثلاثة آلاف
والثاني الهجران وترك الكلام والسلام حسبما تقدم عن جملة من السلف في هجرانهم لمن تلبس ببدعة وما جاء عن عمر رضي الله عنه من قصة صبيغ العراقي
والثالث كما غرب عمر صبيغا ويجري مجراه السجن وهو
الرابع كما سجنوا الحلاج قبل قتله سنين عديدة والخامس ذكرهم بما هم عليه واشاعة بدعتهم كي يحذروا ولئلا يغتر بكلامهم كما جاء عن كثير من السلف في ذلك
والسادس القتال اذا ناصبوا المسلمين وخرجوا عليهم كما قاتل علي رضي الله عنه الخوارج وغيره من خلفاء السنة
والسابع القتل ان لم يرجعوا مع الاستتابة وهو قد اظهر بدعته واما من اسرها وكانت كفرا او ما يرجع اليه فالقتل بلا استتابة وهو الثامن لانه من باب النفاق كالزنادقة
والتاسع تكفير من دل الدليل على كفره كما اذا كانت البدعة صريحة في الكفر كالإباحية والقائلين بالحلول كالباطنية او كانت المسألة في باب التكفير بالمآل فذهب المجتهد إلى التكفير كابن الطيب في تكفيره جملة من الفرق وينبني على ذلك
الوجه العاشر وذلك انه لا يرثهم ورثتهم من المسلمين ولا يرثون احدا منهم ولا يغسلون اذا ماتوا ولا يصلى عليهم ولا يدفنون في مقابر المسلمين ما لم يكن المستتر فان المستتر يحكم له بحكم الظاهر ورثته اعرف بالنسبة إلى الميراث
والحادي عشر الامر بأن لا يناكحوا وهو من ناحية الهجران وعدم المواصلة
والثاني عشر تجريحهم على الجملة فلا تقبل شهادتهم ولا روايتهم ولا يكونون ولاة ولا قضاة ولا ينصبون في مناصب العدالة من امامة او خطابة

إلا انه قد ثبت عن جملة من السلف رواية جماعة منهم واختلفوا في الصلاة خلفهم من باب الادب ليرجعوا عما هم عليه
والثالث عشر ترك عيادة مرضاهم وهو من باب الزجر والعقوبة
والرابع عشر ترك شهود جنائزهم كذلك
والخامس عشر الضرب كما ضرب عمر رضي الله عنه صبيغا
وروى عن مالك رضي الله عنه في القائل بالمخلوق أنه يوجع ضربا ويسجن حتى يموت
ورأيت في بعض تواريخ بغداد عن الشافعي انه قال حكم في أصحاب الكلام ان يضربوا بالجرائد ويحملوا على الابل ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واخذ في الكلام يعني اهل البدع
فصل

فان قيل كيف هذا وقد ثبت في الشريعة ما يدل على تخصيص تلك العمومات وتقييد تلك المطلقات وفرع العلماء منها كثيرا من المسائل واصلوا منها أصولا يحتذى حذوها على وفق ما ثبت نقله اذ الظواهر تخرج على مقتضى ظهورها بالاجتهاد وبالحرى إن كان ما يستنبط بالاجتهاد مقيسا على محل التخصيص
فلذلك قسم الناس البدع ولم يقولوا بذمها على الاطلاق
وحاصل ما ذكروا من ذلك يرجع إلى أوجه احدها ما في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم
من سن سنة حسنه كان له أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من اوزارهم شيئا
وأخرج الترمذي وصححه ان رسول الله صلى لله عليه وسلم قال من دل على خير فله أجر فاعله
وخرج ايضا عن جرير بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من سن سنة خير فاتبع عليها فله أجره ومثل أجور من اتبعه غير منقوص من أجورهم شيئا ومن سن سنة شر فاتبع عليها كان عليه وزرهم ومثل اوزار من اتبعه غير منقوص من اوزارهم شيئا حسن صحيح
فهذه الاحاديث صريحة في ان من سن سنة خير فذلك خير ودل على انه فيمن ابتدع من سن فنسب الاستنان إلى المكلف دون الشارع ولو كان المرد من عمل سنة ثابته في الشرع لما قال من سن ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم
ما من نفس تقتل ظلما الا كان على ابن آدم كفل من دمها لأنه أول من سن القتل فسن هاهنا على حقيقة لأنه اختراع لم يكن قبل معمولا به في الارض بعد وجود آدم عليه السلام
فكذلك قوله من سن سنة حسنة أي من اخترعها من نفسه لكن بشرط ان تكون حسنة فله من الاجر ما ذكر فليس المراد من عمل سنة ثابتة
وانما العبارة عن هذا المعنى ان يقال من عمل بسنتي او سنة من سنتي وما اشبه ذلك
كما خرج الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم
قال لبلال بن الحارث اعلم قال اعلم يا رسول الله قال اعلم يا بلال قال اعلم يا رسول الله قال انه من احيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فان له من الاجر مثل من عمل بها من غير ان ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن ابتدع بدعة ضلالة لا ترضى الله ورسوله كان عليه مثل إثم من عمل بها لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئا حديث حسن
وعن انس رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا بني ان قدرت ان تصبح وتمسي ليس في قلبك غش لآحد فافعل ثم قال لي يا بني وذلك من سنتي ومن احيا سنتي فقد احبني ومن احبني كان معي في الجنه حديث حسن
فقوله من احيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي واضح في العمل بما ثبت انه سنة وكذلك قوله من أحيا سنتي فقد احبني ظاهر في السنن الثابتة بخلاف قوله من سن كذا فإنه ظاهر في الاخترع اولا من غير ان يكون ثابتا في السنة
واما قوله لبلال بن الحارث ومن ابتدع بدعة ضلالة فظاهر ان البدعة لا تذم بإطلاق بل بشرط ان تكون ضلالة وان تكون لا يرضاها الله ورسوله فاقتضى هذا كله ان البدعة اذا لم تكن كذلك لم يلحقها ذم ولا تبع صاحبها وزر فعادت إلى انها سنة حسنة ودخلت تحت الوعد بالاجر
والثاني ان السلف الصالح رضي الله عنهم واعلاهم الصحابة قد عملوا بما لم يأت به كتاب ولا سنة مما رأوه حسنا واجمعوا عليه ولا تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم
على ضلالة وانما يجتمعون على هذا وما هو حسن فقد اجمعوا على جمع القرآن وكتبه في المصاحف وعلى جمع الناس على المصاحف العثمانية واطراح ما سوى ذلك من القراءات التي كانت مستعملة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يكن في ذلك نص ولا حظر ثم اقتفى الناس اثرهم في ذلك الرأي الحسن فجمعوا العلم ودونوه وكتبوه ومن سباقهم في ذلك مالك بن انس رضي الله عنه وقد كان من اشدهم اتباعا وابعدهم من الابتداع

سيف قطر
18-06-2007, 04:17 PM
هذا وان كان قد نقل عنهم كراهية كتب العلم من الحديث وغيره فانما هو محمول اما على الخوف من الاتكال على الكتب استغناء به عن الحفظ والتحصيل واما على ما كان رأيا دون ما كان نقلا من كتاب او سنة
ثم اتفق الناس بعد ذلك على تدوين الجميع لما ضعف الامر وقل المجتهدون في التحصيل فخافوا على الدين جملة
قال اللخمي لما ذكر كلام مالك وغيره في كراهية بيع كتب العلم والإجارة على تعليمه وخرج عليه الإجارة على كتبه وحكى الخلاف وقال لا ارى اليوم ان يختلف في ذلك انه جائز لان حفظ الناس وافهامهم قد نقصت وقد كان كثير ممن تقدم ليست لهم كتب
قال مالك ولم يكن للقاسم ولا لسعيد كتب وما كنت أقرأ على احد يكتب في هذه الالواح ولقد قلت لابن شهاب اكنت تكتب العلم فقال لا فقلت اكنت تحب القيدوا عليك الحديث فقال لا فهذا كان شأن الناس فلو سار الناس سيرتهم لضاع العلم ولم يكن بينا منه ولو رسمه او اسمه وهذا الناس اليوم يقرءون كتبهم ثم هم في التقصير على ما هم عليه وايضا فإنه لا خلاف عندنا في مسائل الفروع ان القول فيها بالاجتهاد والقياس واجب واذا كان كذلك كان اهمال كتبها وبيعها يؤدي إلى التقصير في الاجتهاد وان لا يوضع مواضعه لان في معرفة اقوال المتقدمين والترجيح بين اقاويلهم قوة وزيادة في وضع الاجتهاد مواضعه
انتهى ما قاله اللخمي وفي اجازة العمل بما لم يكن عليه من تقدم لان له وجها صحيحا فكذلك نقول كل ما كان من المحدثات له وجه صحيح فليس بمذموم بل هو محمود وصاحبه الذي سنه ممدوح فأين ذمها باطلاق او على العموم وقد قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور
فأجاز كما ترى احداث الاقضيه واختراعها على قدر اختراع الفجار للفجور وان لم يكن لتلك المحدثات اصل وقتل الجماعة بالواحد وهو محكي عن عمر وعلي وابن عباس والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم
واخذ مالك واصحابه بقول الميت دمى عند فلان ولم يأت له في الموطإ بأصل سماعي وانما علل بأمر مصطلحي وفي مذهبه من ذلك مسائل كثيرة فإن كان ذلك جائزا مع انه مخترع فلم لا يجوز مثله وقد اجتمعا في العلة لان الجميع مصالح معتبرة في الجملة وان لم يكن شيء من ذلك جائزا فلم اجتمعوا على جملة وفرع غيرهم على بعضها ولا يبقى الا ان يقال إنهم يتابعون على ما عمل هؤلاء دون غيرهم وإن اجتمعا في العلة المسوغة للقياس وعند ذلك يصير الاقتصار تحكما وهو باطل فما ادى اليه مثله فثبت ان البدع تنقسم
فالجواب وبالله التوفيق أن نقول
اما الوجه الاول وهو قوله صلى الله عليه وسلم
من سن سنة حسنة الحديث ليس المراد به الاختراع البتة والا لزم من ذلك التعارض بين الادله القطعية ان زعم مورد السؤال ان ما ذكره من الدليل مقطوع به فإن زعم انه مظنون فما تقدم من الدليل على ذم البدع مقطوع به فيلزم التعارض بين القطعى والظني والاتفاق من المحققين ولكن فيه من وجهين
احدهما انه يقال انه من قبيل المتعارضين اذ تقدم اولا ان ادلة الذم تكرر عمومها في احاديث كثيره من غير تخصيص واذا تعارضت ادلة العموم والتخصيص لم يقبل بعد ذلك التخصيص
والثاني على التنزيل لفقد التعارض فليس المراد بالحديث الاستنان بمعنى الاختراع وإنما المراد به العمل بما ثبت من السنة النبوية وذلك لوجهين احدهما ان السبب الذي جاء لاجله الحديث هو الصدقة المشروعة بدليل ما في الصحيح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
في صدر النهار فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار او العباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فقمص وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما رآهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن واقام فصلى ثم خطب فقال يا ايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة الآية والآية التي في سورة الحشر اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد تصدق رجل من ديناره من درهمه من ثوبه من صاع بره من صاع تمره حتى قال ولو بشق تمرة قال فجاءه رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت
قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
يتهلل كأنه مذهبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من سن في الاسلام سنة حسنه فله اجرها واجر من عمل بها بعده من غير ان ينقص من أجورهم شيء ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير ان ينقص من اوزارهم شيء
فتأملوا اين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من سن سنة سيئة تجدوا ذلك فيمن عمل بمقتضى المذكور على ابلغ ما يقدر عليه حتى بتلك الصره فانفتح بسببه باب الصدقه على الوجه الأبلغ فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى قال من سن في الاسلام سنة حسنة الحديث فدل على ان السنة ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي وهو العمل بما ثبت كونه سنة وان الحديث مطابق لقوله في الحديث الآخر من احيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي الحديث إلى قوله ومن ابتدع بدعة ضلالة فجعل مقابل تلك السنة الابتداع فظهر ان السنة الحسنة ليست بمبتدعة وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم
ومن احيا سنتي فقد احبني ووجه ذلك في الحديث الاول ظاهر لانه صلى الله عليه وسلم
لما مضى على الصدقة اولا ثم جاء ذلك الانصاري بما جاء به فانثال بعده العطاء إلى الكفاية فكأنها كانت سنة ايقظها رضي الله تعالى عنه بفعله
فليس معناه من اخترع سنة وابتدعها ولم تكن ثابتة
ونحو هذا الحديث في رقائق ابن المبارك مما يوضح معناه عن حذيفة رضي الله عنه قال قام سائل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسأل فسكت القوم ........

سيف قطر
18-06-2007, 04:18 PM
ثم ان رجلا اعطاه فأعطاه القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
من استن خيرا فاستن به فله اجره ومثل أجور من تبعه غير منتقص من أجورهم شيئا ومن استن شرا فاستن به فعليه وزره ومثل أوزار من تبعه غير منتقص من أوزارهم فإذا قوله من سن سنة معناه من عمل بسنة لا من اخترع سنة
والوجه الثاني من وجهي الجواب ان قوله من سن سنة حسنة ومن سن سنة سيئة لا يمكن حمله على الاختراع من اصل لان كونها حسنة او سيئة لا يعرف الا من جهة الشرع لان التحسين والتقبيح مختص بالشرع لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب جماعة اهل السنة
وانما يقول به المبتدعة اعني التحسين والتقبيح بالعقل فلزم ان تكون السنة في الحديث اما حسنه في الشرع واما قبيحة بالشرع فلا يصدق الا على مثل الصدقة المذكورة وما اشبهها من السنن المشروعة
وتبقى السنة السيئة منزلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي كالقتل المنبه عليه في حديث ابن آدم حيث قال عليه السلام لانه اول من سن القتل وعلى البدع لانه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع كما تقدم
واما قوله من ابتدع بدعة ضلالة فهو على ظاهره لان سبب الحديث لم يقيده بشيء فلا بد من حمله على ظاهر اللفظ كالعمومات المبتدأة التي لم تثبت لها اسباب
ويصح ان يحمل على نحو ذلك قوله ومن سن سنة سيئه أي من اخترعها
وشمل ما كان منها مخترعا ابتداء من المعاصي كالقتل من احد ابني آدم وما كان مخترعا بحكم الحال اذ كانت قبل مهمله متناساة فأثارها عمل هذا العامل
فقد عاد الحديث والحمد لله حجة على أهل البدع من جهة لفظه وشرح الاحاديث الأخر له
وانما يبقى النظر في قوله ومن ابتدع بدعة ضلالة وان تقييد البدعة بالضلالة يفيد مفهوما والامر فيه قريب لان الإضافة فيه لم تفد مفهوما وان قلنا بالمفهوم على رأي طائفة من اهل الأصول فان الدليل دل على تعطيله في هذا الموضع كما دل دليل تحريم الربا قليله وكثيره على تعطيل المفهوم في قول الله تعالى لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة ولان الضلالة لازمة للبدعة باطلاق بالأدلة المتقدمة فلا مفهوم ايضا
والجواب عن الإشكال الثاني ان جميع ما ذكر فيه من قبيل المصالح المرسلة لا من قبيل البدعة المحدثة
والمصالح المرسلة قد عمل بمقتضاها السلف الصالح من الصحابة ومن بعدهم
فهي من الأصول الفقهية الثابته عند اهل الأصول وان كان فيها خلاف بينهم
ولكن لا يعد ذلك قدحا على ما نحن فيه
اما جمع المصحف وقصر الناس عليه فهو على الحقيقة من هذا الباب اذ انزل القرآن على سبعة احرف كلها شاف كاف تسهيلا على العرب المختلفات اللغات فكانت المصلحة في ذلك ظاهرة الا انه عرض في اباحة ذلك بعد زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فتح لباب الاختلاف في القرآن حيث اختلفوا في القراءة حسبما يأتي بحول الله تعالى فخاف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اختلاف الامة في ينبوع الملة فقصورا الناس على ما ثبت منها في مصاحف عثمان رضي الله عنه واطرحوا ما سوى ذلك علما بأن ما اطرحوه مضمن فيما اثبتوه لانه من قبيل القراءات التي يؤدي بها القرآن
ثم ضبطوا ذلك بالروايه حين فسدت الألسنة ودخل في الاسلام اهل العجمة خوفا من فتح باب آخر من الفساد وهو ان يدخل اهل الالحاد في القرآن او في القراءات ما ليس منها فيستعينوا بذلك في بث الحادهم الا ترى انه لما لم يمكنهم الدخول من هذا الباب دخلوا من جهة التأويل والدعوى في معاني القرآن حسبما يأتي ذكره ان شاء الله تعالى
فحق ما فعل اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأن له اصلا يشهد له في الجمله
وهو الامر بتبليغ الشريعة وذلك لا خلاف فيه لقوله تعالى يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وأمته مثله
وفي الحديث ليبلغ الشاهد منكم الغائب واشباهه والتبليغ كما لا يتقيد بكيفية معلومه لانه من قبيل المعقول المعنى فيصح بأي شيء امكن من الحفظ والتلقين والكتابه وغيرها كذلك لا يتقيد حفظه عن التحريف والزيغ بكيفية دون أخرى اذا لم يعد على الاصل بابطال كمسألة المصحف ولذلك اجمع عليه السلف الصالح
واما ما سوى المصحف فالامر فيه اسهل فقد ثبت في السنة كتابة العلم
ففي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم
اكتبوا لابي شاه وعن ابي هريرة رضي الله عنه انه قال ليس احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
اكثر حديثا مني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الا عبد الله بن عمرو فإنه كان يكتب وكنت لا اكتب
وذكر اهل السير انه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم
كتاب يكتبون له الوحي وغيره منهم عثمان وعلي ومعاوية والمغيرة بن شعبة وابي بن كعب وزيد ابن ثابت وغيرهم وايضا فإن الكتابة من قبيل ما لا يتم الواجب الا به اذا تعين لضعف الحفظ وخوف اندراس العلم كما خيف دروسه حينئذ وهو الذي نبه عليه اللخمي فيما تقدم
وإنما كره المتقدمون كتب العلم لامر آخر لا لكونه بدعة فكل من سمى كتب العلم بدعة فإما متجوز واما غير عارف بوضع لفظ البدعة فلا يصح الاستدلال بهذه الاشياء على صحة العمل بالبدع
وان تعلق بما ورد من الخلاف في المصالح المرسلة وان البناء عليها غير صحيح عند جماعة من الأصوليين فالحجة عليهم اجماع الصحابة على المصحف والرجوع اليه
واذا ثبت اعتبارها في صوره ثبت اعتبارها مطلقا
ولا يبقى بين المختلفين نزاع الا في الفروع
وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ واياكم ومحدثات الامور فاعطى الحديث كما ترى ان ما سنه الخلفاء الراشدون لاحق بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

لأن ما سنوه لا يعدو احد امرين اما ان يكون مقصودا بدليل شرعي فذلك سنة لا بدعة
واما بغير دليل ومعاذ الله من ذلك ولكن هذا الحديث دليل على اثباته سنة اذ قد اثبته كذلك صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم

فدليله من الشرع ثابت فليس ببدعة ولذلك اردف اتباعهم بالنهي عن البدع باطلاق
ولو كان عملهم ذلك بدعة لوقع في الحديث التدافع
وبذلك يجاب عن مسألة قتل الجماعه بالواحد لانه منقول عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو احد الخلفاء الراشدين وتضمين الصناع وهو منقول عن الخلفاء الاربعه رضي الله عنهم واما ما يروى عن عمر بن عبد العزيز فلم اره ثابتا من طريق صحيح
وان سلم فراجع إما لاصل المصالح المرسلة ان لم نقل ان اصله قصة البقرة
وان ثبت ان المصالح المرسلة مقول بها عند السلف مع ان القائلين بها يذمون البدع واهلها ويتبرأون منهم دل على ان البدع مباينة لها وليست منها في شيء ولهذه المسألة باب تذكر فيه
فصل

سيف قطر
18-06-2007, 04:19 PM
ومما يورد في هذا الموضع ان العلماء قسموا البدع باقسام احكام الشريعة الخمسة ولم يعدوها قسما واحدا مذموما فجعلوا منها ما هو واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرم وبسط ذلك القرافي بسطا شافيا واصل ما اتى به من ذلك شيخه عز الدين بن عبد السلام وها انا اتى به على نصه فقال اعلم ان الاصحاب فيما رأيت متفقون على انكار البدع نص على ذلك ابن ابي زيد وغيره والحق التفصيل وانها خمسة اقسام قسم واجب وهو ما تناولته قواعد الوجوب وادلته من الشرع كتدوين القرآن والشرائع اذ خيف عليها الضياع وان التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب اجماعا واهمال ذلك حرام اجماعا فمثل هذا النوع لا ينبغي ان يختلف في وجوبه
القسم الثاني المحرم وهو كل بدعه تناولتها قواعد التحريم وأدلته من الشريعة كالمكوس والمحدثات من المظالم والمحدثات المنافية لقواعد الشريعة كتقديم الجهال على العلماء وتولية المناصب الشرعية من لا يصلح بطريق التوريث وجعل المستند في ذلك كون المنصب كان لابيه وهو في نفسه ليس بأهل
القسم الثالث ان من البدع ما هو مندوب اليه وهو ما تناولته قواعد الندب وادلته كصلاة التراويح واقامة صور الائمة والقضاة وولاة الامور على خلاف ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم بسبب ان المصالح والمقاصد الشرعية لا تحصل الا بعظمة الولاة في نفوس الناس
وكان الناس في زمن الصحابة رضي الله عنهم معظم تعظيمهم انما هو بالدين وسبق الهجرة
ثم اختل النظام وذهب ذلك القرن وحدث قرن آخر لا يعظمون الا بالصور فتعين تفخيم الصور حتى تحصل المصالح
وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأكل خبز الشعير والملح ويفرض لعامله نصف شاة كل يوم لعلمه بأن الحالة التي هو عليها لو عملها غيره لهان في نفوس الناس ولم يحترموه وتجاسروا عليه بالمخالفة فاحتاج إلى ان يضع غيره في صورة أخرى تحفظ النظام
ولذلك لما قدم الشام وجد معاوية بن ابي سفيان قد اتخذ الحجاب واتخذ المراكب النفيسة والثياب الهائلة العلية وسلك ما سلكه الملوك فسأله عن ذلك فقال انا بارض نحن فيها محتاجون لهذا
فقال له لا آمرك ولا انهاك
ومعناه انت اعلم بحالك هل انت محتاج اليه
فدل ذلك من عمر وغيره على ان احوال الائمه وولاة الامور تختلف باختلاف الامصار والقرون والاحوال
فكذلك يحتاج إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديمة وربما وجبت في بعض الأحوال
القسم الرابع بدعة مكروهة وهي ما تناولته ادلة الكراهة من الشريعة وقواعدها كتخصيص الايام الفاضلة او غيرها بنوع من العباده ولذلك في الصحيح خرجه مسلم وغيره ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
نهى عن تخصيص يوم الجمعة بصيام او ليله بقيام
ومن هذا الباب الزيادة في المندوبات المحدودات كما ورد في التسبيح عقب الفريضة ثلاثا وثلاثين فتفعل مائة وورد صاع في زكاة الفطر فجعل عشرة اصواع بسبب ان الزيادة فيها اظهار على الشارع وقلة ادب معه
بل شأن العظماء اذا حددوا شيئا وقف عنده وعد الخروج عنه قلة ادب
والزيادة في الواجب او عليه اشد في المنع لانه يؤدي إلى ان يعتقد ان الواجب هو الاصل والمزيد عليه ولذلك نهى مالك رضي الله عنه عن ايصال ستة ايام من شوال لئلا يعتقد انها من رمضان وخرج ابو داود في مسنده ان رجلا دخل إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصلى الفرض وقام ليصلي ركعتين فقال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه اجلس حتى تفصل بين فرضك ونفلك فهكذا هلك من قبلنا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
اصاب الله بك يا ابن الخطاب يريد عمر ان من قبلنا وصلوا النوافل بالفرائض واعتقدوا الجميع واجبا وذلك تغيير للشرائع وهو حرام اجماعا
القسم الخامس البدع المباحة وهي ما تناولته ادلة الاباحة وقواعدها من الشريعة كاتخاذ المناخل للدقيق ففي الآثار اول شيء احدثه الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
اتخاذ المناخل
لأن تليين العيش واصلاحه من المباحات فوسائله مباحة
فالبدعه اذا عرضت تعرض على قواعد الشرع وادلته فأي شيء تناولها من الادلة والقواعد الحقت به من ايجاب او تحريم او غيرهما
وإن نظر اليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة مع قطع النظر فيما يتقاضاها كرهت فان الخبر كله في الاتباع والشر كله في الابتداع
وذكر شيخه في قواعد في فصل البدع منها بعد ما قسم احكامها إلى الخمسة ان الطريق في معرفة ذلك ان تعرض البدعة على قواعد الشريعة فان دخلت في قواعد الايجاب فهي واجبة إلى ان قال وللبدع الواجبة امثلة احدها الاشتغال بالذي يفهم به كلام الله تعالى وكلام رسوله  وذلك واجب لان حفظ الشريعة واجب
والثاني حفظ غريب الكتاب والسنة من اللغة
والثالث تدوين اصول الفقه
والرابع الكلام في الجرح والتعديل لتمييز الصحيح من السقيم
ثم قال وللبدع المحرمة امثلة منها مذهب القدرية ومذهب الجبرية والمرجئة والمجسمة والرد على هؤلاء من البدع الواجبة
قال وللمندوب امثله منها احداث الربط والمدارس وبناء القناطر ومنها كل احسان لم يعهد في الصدر الاول ومنها الكلام في دقائق التصوف والكلام في الجدل ومنها جمع المحافل للاستدلال في المسائل ان قصد بذلك وجهه تعالى
قال وللكراهة امثلة منها زخرفة المساجد وتزويق المصاحف
واما تلحين القرآن بحيث تتغير الفاظه عن الوضع العربي فالاصح انه من البدع المحرمة
قال وللبدع المباحة امثله منها المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر ومنها التوسع في اللذيذ من المأكل والمشرب والملابس والمساكن ولبس الطيالسة وتوسيع الاكمام
وقد اختلف في بعض ذلك فجعله بعض العلماء من البدع المكروهة وجعله آخرون من السنن المفعولة على عهد رسول الله  فما بعده كالاستعاذة والبسملة في الصلاه
انتهى محصول ما قال
وهو يصرح مع ما قبله بأن البدع تنقسم باقسام الشريعه فلا يصح ان تحمل ادلة ذم البدع على العموم بل لها مخصصات
والجواب ان هذا التقسيم امر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي بل هو في نفسه متدافع لأن من حقيقة البدعة ان لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده اذ لو كان هنالك ما يدل من الشرع على وجوب او ندب او اباحة لما كان ثم بدعة ولكان العمل داخلا في عموم الاعمال المأمور بها او المخير فيها
فالجمع بين تلك الاشياء بدعا وبين كون الادلة تدل على وجوبها او ندبها او اباحتها جمع بين متنافيين
اما المكروه منها والمحرم فمسلم من جهة كونها بدعا لا من جهة اخرى اذ لو دل دليل على منع امر او كراهته لم يثبت ذلك كونه بدعة لامكان ان يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم البتة الا الكراهية والتحريم حسبما يذكر في بابه
فما ذكره القرافي عن الأصحاب من الاتفاق على انكار البدع صحيح وما قسمه فيها غير صحيح
ومن العجب حكاية الاتفاق مع المصادمة بالخلاف ومع معرفته بما يلزمه في خرق الاجماع
وكأنه انما اتبع في هذا التقسيم شيخه من غير تأمل
فإن ابن عبد السلام ظاهر منه انه سمى المصالح المرسلة بدعا بناء والله اعلم على انها لم تدخل اعيانها تحت النصوص المعينه
وان كانت تلائم قواعد الشرع
فمن هنالك جعل القواعد هي الدالة على استحسانها بتسميته لها بلفظ البدع وهو من حيث فقدان الدليل المعين على المسألة واستحسانها من حيث دخولها تحت القواعد
ولما بنى على اعتماد تلك القواعد استوت عنده مع الاعمال الداخلة تحت النصوص المعينة
وصار من القائلين بالمصالح المرسلة وسماها بدعا في اللفظ كما سمى عمر رضي الله عنه الجمع في قيام رمضان في المسجد بدعة كما سيأتي ان شاء الله تعالى
اما القرافي فلا عذر له في نقل تلك الاقسام على غير مراد شيخه ولا على مراد الناس لأنه خالف الكل في ذلك التقسيم فصار مخالفا للاجماع ثم نقول اما قسم الواجب فقد تقدم ما فيه آنفا فلا نعيده
واما قسم التحريم فليس فيه ما هو بدعة هكذا باطلاق بل ذلك كله مخالفة للأمر المشروع فلا يزيد على تحريم اكل المال بالباطل الا من جهة كونه موضوعا على وزن الاحكام الشرعية اللازمة كالزكوات المفروضة والنفقات المقدرة وسيأتي بيان ذلك في موضعه ان شاء الله تعالى وقد تقدم في الباب الال منه طرف
فاذا لا يصح ان يطلق القول في هذا القسم بأنه بدعة دون ان يقسم الامر في ذلك
واما قسم المندوب فليس من البدع بحال وتبيين ذلك بالنظر في الامثله التي مثل لها بصلاة التراويح في رمضان جماعة في المسجد فقد قام بها النبي صلى الله عليه وسلم
في المسجد واجتمع الناس خلفه
فخرج ابو داود عن ابي ذر قال صمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
رمضان فلم يقم بنا شيئا من الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسه لم يقم بنا فلما كانت الخامسه قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلنا يا رسول الل لو نفلتنا قيام هذه الليل قال فقال ان الرجل اذا صلى مع الامام حتى ينصرف حسب له قيام ليله قال فلما كانت الرابعه لم يقم فلما كانت الثالثه جمع اهله ونسائه والناس فقام بنا حتى خشينا ان يفوتنا الفلاح قال قلت وما الفلاح قال السجود ثم لم يقم بنا بقية الشهر ونحوه في الترمذي وقال فيه حسن صحيح
لكنه صلى الله عليه وسلم

سيف قطر
18-06-2007, 04:20 PM
لما خالف افتراضه على الامه امسك عن ذلك ففي الصحيح عن عائشه رضي الله عنها ان النبي صلى الله عليه وسلم
صلى في المسجد ذات ليله فصلى بصلاته ناس ثم صلى القابله فكثر الناس ثم اجتمعوا الليله الثالثه او الرابعة فلم يخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم
فلما اصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج الا اني خشيت ان يفرض عليكم وذلك في رمضان وخرجه مالك في الموطإ
فتأملوا ففي هذا الحديث ما يدل على كونه سنه فان قيامه اولا بهم دليل على صحة القيام في المسجد جماعة في رمضان وامتناعه بعد ذلك من الخروج خشية الافتراض لا يدل على امتناعه مطلقا لان زمانه كان زمان وحي وتشريع فيمكن ان يوحى اليه اذا عمل به الناس وبالالزام فلما زالت علة التشريع بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم
رجع الامر إلى اصله وقد ثبت الجواز فلا ناسح له
وانما لم يقم ذلك ابو بكر رضي الله عنه لاحد امرين اما لانه رأى ان قيام الناس آخر الليل وما هم به عليه كان افضل عنده من جمعهم على امام اول الليل ذكره الطرطوشي واما لضيق زمانه رضي الله عنه عن النظر في هذه الفروع مع شغله بأهل الرده وغير ذلك مما هو اوكد من صلاة التراويح
فلما تمهد الاسلام في زمن عمر رضي الله عنه ورأى الناس في المسجد اوزاعا كما جاء في الخبر قال لو جمعت الناس على قارئ واحد لكان امثل فلما تم له ذلك نبه على ان قيامهم آخر الليل افضل ثم اتفق السلف على صحة ذلك واقراره والامه لا تجتمع على ضلاله
وقد نص الاصوليون ان الاجماع لا يكون الا عن دليل شرعي
فإن قيل فقد سماها عمر رضي الله عنه بدعه وحسنها بقوله نعمت البدعة هذه واذا ثبت بدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلق الاستحسان في البدع فالجواب انما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم
واتفق ان لم تقع في زمان ابي بكر رضي الله عنه لا انها بدعه في المعنى فمن سماها بدعه بهذا الاعتبار فلا مشاحه في الاسامي وعند ذلك فلا يجوز ان يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه لانه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه فقد قالت عائشه رضي الله تعالى عنها ان كان رسول الله صلى الله علي وسلم ليدع العمل وهو يجب ان يعمل به خشية ان يعمل به الناس فيفرض عليهم
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم
عن الوصال رحمة بالامه وقال اني لست كهيئتكم اني ابيت عند ربي يطعمني ويسقيني وواصل الناس بعده لعلمهم بوجه علة النهي حسبما يأتي ان شاء الله تعالى
وذكر القرافي مي جملة الأمثله اقامة صور الائمة والقضاة الخ ما قال وليس ذلك من قبيل البدع بسبيل اما اولا فإن التجمل بالنسبة إلى ذوي الهيئات والمناصب الرفيعة مطلوب وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم
حلة يتجمل بها للوفود ومن العلة في ذلك ما قاله القرافي من ان ذلك اهيب واوقع في النفوس من تعظيم العظماء ومثله التجمل للقاء العظماء كما جاء في حديث اشج عبد الفيس واما ثانيا فان سلمنا ان لا دليل عليه بخصوصه فهو من قبيل المصالح المرسلة وقد مر انها ثابته في الشرع
وما قاله من ان عمر كان يأكل خبز الشعير ويفرض لعامل نصف شاة فليس فيه تفخيم صورة الامام ولا عدمه بل فرض له ما يحتاج اليه خاصة والا فنصف شاة لبعض العمال قد لا يكفيه لكثرة عيال وطروق ضيف وسائر ما يحتاج اليه من لباس وركوب وغيرهما فذلك قريب من اكل الشعير في المعنى وايضا فإن ما يرجع إلى المأكول والمشروب لا تجمل فيه بالنسبة إلى الظهور للناس
وقوله فكذلك يحتاجون إلى تجديد زخارف وسياسات لم تكن قديمة وربما وجبت في بعض الاحوال مفتقر إلى التأمل ففيه على الجمله انه مناقض لقوله في آخر الفصل الخير كله في الاتباع والشر كله الابتداع مع ما ذكر قبله
فهذا كلام يقتضي ان الابتداع شر كله فلا يمكن ان يجتمع مع فرض الوجوب
وهو قد ذكر ان البدعة قد تجب واذا وجبت لزم العمل بها وهي لما فاتت ضمن الشر كله فقد اجتمع فيها الامر بها والامر بتركها ولا يمكن فيهما الانفكاك وان كانا من جهتين لان ا لوقوع يستلزم الاجتماع وليسا كالصلاة في الدار المغصوبة لان الانفكاك في الوقوع ممكن وها هنا اذا وجبت فانما تجب على الخصوص وقد فرض ان الشر فيها على الخصوص فلزم التناقض واما على التفصيل فان تجديد الزخارف فيه من الخطإ ما لا يخفى
واما السياسات فان كانت جارية على مقتضى الدليل الشرعي فليست ببدع وان خرجت عن ذلك فكيف يندب اليها وهي مسألة النزاع
وذكر في قسم المكروه اشياء هي من قبيل البدع في الجملة ولا كلام فيها او من قبيل ا لاحتياط على العبادات المحضة ان لا يزاد فيها ولا ينقص منها وذلك صحيح لان الزيادة فيها والنقصان منها بدع منكرة فحالاتها وذرائعها يحتاط بها في جانب النهي
وذكر في قسم المباح مسألة المناخل وليست في الحقيقة من البدع بل هي من باب التنعم ولا يقال فيمن تنعم بمباح انه قد ابتدع وانما يرجع ذلك اذا اعتبر إلى جهة الاسراف في المأكول لان الاسراف كما يكون في جهة الكمية يكون في جهة الكيفية فالمناخل لا تعدو القسمين فإن كان الاسراف من ماله فإن كره والا اغتفر مع ان الاصل الجواز
ومما يحكيه اهل التذكير من الاثار ان اول ما احدث الناس اربعة اشياء المناخل والشبع وغسل اليدين بالاشنان بعد الطعام والاكل على الموائد وهذا كله ان ثبت نقلا ليس ببدعه وانما يرجع إلى امر آخر وان سلم انه بدعة فلا نسلم انها مباحة بل هي ضلالة ومنهى عنها ولكنا نقول بذلك

سيف قطر
18-06-2007, 04:20 PM
فصل


واما ما قاله عز الدين فالكلام فيه على ما تقدم فأمثلة الواجب منها من قبل مالا يتم الواجب الا به كما قال فلا يشترط ان يكون معمولا به في السلف ولا ان يكون له اصل في الشريعه على الخصوص لانه من باب المصالح المرسله لا البدع
اما هذا الثاني فقد تقدم واما الاول فلأنه لو كان ثم من يسير إلى فريضة الحج طيرانا في الهواء او مشيا على الماء لم يعد مبتدعا بمشيه كذلك لان المقصود انما هو التوصل إلى مكة لاداء الفرض وقد حصل على الكمال فكذلك هذا
على ان هذه اشياء قد ذمها بعض من تقدم من المصنفين في طريقة التصوف وعدها من جملة ما ابتدع الناس وذلك غير صحيح ويكفي في رده اجماع الناس قبله على خلاف ما قال
على انه نقل عن القاسم بن مخيمره انه ذكرت عنده العربية فقال اولها كبر وآخرها بغى وحكى ان بعض السلف قال النحو يذهب الخشوع من القلب ومن اراد ان يزدري الناس كلهم فلينظر في النحو ونقل نحو من هذه وهذه كلها لا دليل فيها على الذم لانه لم يذم النحو من حيث هو بدعة بل من حيث ما يكتسب به امر زائد كما يذم سائر علماء السوء لا لأجل علومهم بل لاجل ما يحدث لهم بالعرض من الكبر به والعجب وغيرهما ولا يلزم من ذلك كون العلم بدعة فتسمية العلوم التي يكتسب بها امر مذموم بدعا اما على المجاز المحض من حيث لم يحتج اليها اولا ثم احتيج بع او من عدم المعرفه بموضوع البدعة اذ من العلوم الشرعية ما يداخل صاحبها الكبر والزهو وغيرهما ولا يعود ذلك عليها بذم
ومما حكى بعض هذه المتصوفة عن بعض علماء الخلف قال العلوم تسعة اربعه منها سنة معروفة من الصحابة والتابعين وخمسة محدثة لم تكن تعرف فيما سلف فاما الاربعه المعروفة فعلم الايمان وعلم القرآن وعلم الاثار والفتاوي واما الخمسة المحدثة فالنحو والعروض وعلم المقاييس والجدل في الفقه وعلم المعقول بالنظر
وهذا ان صح نقله اولا كما قال فان اهل العربية يحكون عن ابي الاسود الدؤلي ان علي بن ابي طالب رضي الله عنه هو الذي اشار عليه بوضع شيء في النحو حين سمع اعرابيا قارئا ان الله برئ من المشركين ورسوله بالجر وقد روى عن ابن ابي مليكة ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه امر ان لا يقرأ القرآن الا عالم باللغة وامر ابا الاسود فوضع النحو والعروض من جنس النحو واذا كانت الاشارة من واحد من الخلفاء الراشدين صار النحو والنظر في الكلام العربي من سنة الخلفاء الراشدين وان سلم انه ليس كذلك فقاعدة المصالح تعم علوم العربيه أي تكون من قبيل المشروع فهي من جنس كتب المصحف وتدوين الشرائع وما ذكر عن القاسم بن مخيمرة قد رجع عنه
قال احمد بن يحي ثعلبا قال كان احد الائمة في الدين يعيب النحو ويقول اول تعلمه شغل وآخره يزدري العالم به الناس فقرأ يوما إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع الله ونصب العلماء فقيل له كفرت من حيث لا تعلم تجعل الله يخشى العلماء فقال لا طعنت عن علم يدل إلى معرفة هذا ابدا
قال عثمان بن سعيد الداني الامام الذي ذكره احمد بن يحي هو القاسم ابن مخيمرة قال وقد جرى لعبد الله بن ابي اسحاق مع محمد بن سيرين كلام وكان بن سيرين ينتقص النحويين فاجتمعا في جنازة فقرأ ابن سيرين انما يخشى الله من عباده العلماء برفع اسم الله فقال له ابن ابي اسحاق كفرت يا ابا بكر
تعيب على هؤلاء الذين يقيمون كتاب الله فقال ابن سيرين ان كنت اخطأت فأستغفر الله
واما علم المقاييس فأصله في السنه ثم في علم السلف بالقياس
ثم قد جاء في ذم القياس اشياء حملوها على القياس الفاسد فذلك من قبيل النظر في الادله
وقد كان السلف الصالح يجتمعون للنظر في المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها للتعاون على استخراج الحق فهو من قبيل التعاون على البر والتقوى ومن قبيل المشاورة المأمور به فكلاهما مأمور به واما علم المعقول بالنظر فاصل ذلك في الكتاب والسنة لان الله تعالى احتج في القرآن على المخالفين لدينه بالادلة العقليه كقوله لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا وقوله هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء وقوله اروني ماذا خلقوا من الارض ام لهم شرك في السموات وحكى عن ابراهيم عليه السلام محاجته للكفار بقوله فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي الخ وفي الحديث حين ذكرت العدوى فمن اعدى الاول إلى غير ذلك من الادله
فكيف يقال انه من البدع
وقول عز الدين ان الرد على القدرية وكذا غيرهم من اهل البدع من البدع الواجبة غير جار على الطريق الواضح
ولو سلم فهو من المصالح المرسلة
واما امثلة البدع المحرمة فظاهرة
واما امثلة المندوبه
فذكر منها احداث الربط والمدارس فإن عنى بالربط ما بنى من الحصون والقصور فقد قصدا للرباط فيها فلا شك ان ذلك مشروع بشرعية الرباط ولا بدعة فيه وان عنى بالربط ما بنى لالتزام سكناها قصد الانقطاع إلى العبادة لان احداث الربط التي شأنها ان تبنى تدينا للمنقطعين للعباده في زعم المحدثين ويوقف عليها اوقاف يجري منها إلى الملازمين لها ما يقوم بهم في معاشهم من طعام ولباس وغيرهما لا يخلو ان يكون لها اصل في الشريعة ام لا فان لم يكن اصل دخلت في الحكم تحت قاعدة البدع التي هي ضلالات فضلا عن ان تكون مباحة فضلا عن ان تكون مندوبا اليها وان كان لها اصل فليست ببدعة فإدخالها تحت جنس البدع غير صحيح
ثم ان كثيرا ممن تكلم على هذه المسألة من المصنفين في التصوف تعلقوا بالصفة التي كانت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يجتمع فيها فقراء المهاجرين وهم الذين نزل فيهم ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجه الآية وقوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فوصفهم الله بالتعبد والانقطاع إلى الله بدعائه قصدا لله خالصا فدل على انهم انقطعوا لعبادة الله بدعائه قصدا لله لا يشغلهم عن ذلك شاغل فنحن انما صنعنا صفة مثلها او تقاربهها يجتمع فيها من اراد الانقطاع إلى الله ويلتزم العباده ويتجرد عن الدنيا والشغل بها
وذلك كان شأن الاولياء ينقطعون عن الناس ويشتغلون بإصلاح بواطنهم
ويولون وجوههم شطر الحق فهم على سيرة من تقدم
وانما يسمى ذلك بدعة باعتبار ما بل هي سنه واهلها متبعون للسنه فهي طريقة خاصه لأناس
ولذلك لما قيل لبعضهم في كم تجب الزكاة قال على مذهبنا ام على مذهبكم ثم قال اما على مذهبنا فالكل لله
واما على مذهبكم فكذا وكذا او كما قال وهذا كله من الأمور التي جرت عند كثير من الناس هكذا غير محققه ولا منزله على الدليل الشرعي ولا على احوال الصحابة والتابعين
ولا بد من بسط طرف من الكلام في هذه المسأله بحول الله حتى يتبين الحق فيها لما انصف ولم يغالط نفسه وبالله التوفيق
وذلك ان رسول الله صلى الله عليه وسلم
لما هاجر إلى المدينة كانت الهجرة واجبة على كل مؤمن بالله ممن كان بمكه او غيرها
فكان منهم من احتال على نفسه فهاجر بماله او شيء منه فاستعان به لما قدم المدينة في حرفته التي كان يحترف من تجارة او غيرها كأبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه هاجر بجميع ماله وكان خمسة آلاف ومنهم من فر بنفسه ولم يقدر على استخلاص شيء من ماله فقدم المدينة صفر اليدين
وكان الغالب على اهل المدينة العمل في حوائطهم واموالهم بأنفسهم فلم يكن لغيرهم معهم كبير فضل في العمل
وكان من المهاجرين من اشركهم الانصار في اموالهم وهم الاكثرون بدليل قصة بني النضير فان ابن عباس رضي الله عنهما قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم
بني النضير قال للانصار ان شئتم قسمتها بين المهاجرين وتركتم نصيبكم فيها وخلى المهاجرون بينكم وبين دوركم واموالكم فإنهم عيال عليكم فقالوا نعم ففعل ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم

غير انه اعطى ابا دجانة وسهل بن حنيف وذكر انهم فقراء وقد قال المهاجرون ايضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم
يا رسول الله ما رأينا قوما ابذل من كثير ولا احسن من مواساة من قليل من قوم نزلنا بين اظهرهم يعني الانصار لقد كفونا المؤنة واشركونا في المهنأ حتى لقد خفنا ان يذهبوا بالاجر كله
فقال النبي صلى الله عليه وسلم
لا ما دعوتم الله لهم واثنيتم عليهم
ومنهم من كان يلتقط نوى التمر فيرضها ويبيعها علقا للإبل ويتقون من ذلك الوجه
ومنهم من لم يجد وجها يكتسب به لقوت ولا لسكنى فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم
في صفة كانت في مسجده وهي سقيفة كانت من جملته اليها ويأوون وفيها يقعدون اذ لم يجدوا مالا ولا اهلا وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يحض الناس على اعانتهم والاحسان اليهم وقد وصفهم ابو هريرة رضي الله تعالى عنه اذ كان من جملتهم وهو اعرف الناس بهم قال في الصحيح واهل الصفة اضياف الاسلام لا يأوون على اهل ولا مال ولا على احد اذا اتته يعني النبي صلى الله عليه وسلم
صدقة بعث بها اليهم ولا يتناول منها شيئا وإذا أتته هدية أرسل إليهم وأصاب منها وأشركهم فيها فوصفهم بأنهم أضياف الإسلام وحكم لهم - كما ترى - بحكم الأضياف
وإنما وجبت الضيافة في الجملة لأن من نزل بالبادية لا يجد منزلا ولا طعاما لشراء إذ لم يكن لأهل الوبر أسواق ينال منها ما يحتاج إليه من طعام يشتري ولا خانات يأوى إليها فصار الضيف مضطرا وإن كان ذا مال فوجب على أهل الموضع ضيافته وإيواؤه حتى يرتحل فإن كان لا مال له فذلك أحرى
فكذلك أهل الصفة لما لم يجدوا منزلا آواهم النبي صلى الله عليه وسلم
إلى المسجد حتى يجدوا كما أنهم حين لم يجدوا ما يقوتهم ندب النبى صلى الله عليه وسلم
إلى إعانتهم
وفيهم نزل قول الله تعالى يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طبيات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض - إلى قوله - للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله الآية
فوصفهم الله تعالى بأوصاف منها أنهم أحصروا في سبيل الله أي منعوا وحبسوا حين قصدوا الجهاد مع نبيه صلى الله عليه ووسلم كأن العدو أحصرهم فلا يستطيعون ضربا في الأرض لا لاتخاذ المسكن ولا للمعاش كأن العدو قد أحاط بالمدينة فلا هم يقدرون على الجهد حتى يكسبوا من غنائمه ولا هم يتفرغون للتجارة أو غيرها لخوفهم من الكفار ولضعفهم في أول الأمر فلم يجدوا سبيلا للكسب أصلا
وقد قيل إن قوله تعالى لا يستطيعون ضربا في الأرض أنهم قوم أصابتهم جراحات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فصاروا زمنى
وفيهم أيضا نزل للفقراء الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم ألا ترى كيف قال أخرجوا ولم يقل خرجوا فإن قد كان يحتمل أن يخرجوا اختيارا فبان أنهم إنما خرجوا منها اضطرارا ولا وجدوا سبيلا ان لا يخرجوا لفعلوا
ففيه دليل على أن الخروج من المال اختيارا ليس بمقصود للشارع وهو الذي تدل عليه أدلة الشريعة
فلأجل ذلك بوأهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
الصفة فكانوا في أثناء ذلك ما بين طالب للقرآن والسنة كأبى هريرة فإنه قصر نفسه على ذلك
الا ترى إلى قوله في الحديث وكنت ألزم رسول صلى الله عليه وسلم
على ملء بطنى فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا وكان منهم من يتفرغ إلى ذكر الله وعبادته وقراءة القرآن فإذا غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم
غزا معه وإذا أقام أقام معه حتى فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين فصاروا إلى ما صار الناس إليه غيرهم ممن كان ذا أهل ومال وطلب للمعاش واتخاذ المسكن لأن العذر الذي حبسهم في الصفة قد زال فرجعوا إلى الأصل لما زال العارض
فالذي تحصل أن القعود في الصفة لم يكن مقصودا لنفسه ولا بناء الصفة للفقراء مقصودا بحيث يقال إن ذلك مندوب إليه لمن قدر عليه
ولا هي شرعية تطلب بحيث يقال إن ترك الاكتساب والخروج عن المال والانقطاع إلى الزوايا يشبه حالة أهل الصفة وهي الرتبة العليا لأنها تشبه بأهل صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم
الذين وصفهم الله تعالى في القرآن بقوله ولا تطرد الذين يدعون ربهم - وقوله - ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغذاة والعشى الآية ) فإن ذلك لم يكن على ما زعم هؤلاء بكل كان على ما تقدم
والدليل من العمل ان المقصود بالصفة لم يدم ولم يثابر أهلها ولا غيرهم على البقاء فيها ولا عمرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم

سيف قطر
18-06-2007, 04:21 PM
ولو كان من قصد الشارع ثبوت تلك الحالة لكانوا هم أحق بفهمها أولا ثم بإقامتها والمكث فيها عن كل شغل وأولى بتجديد معاهدها لكنهم لم يفعلوا ذلك ألبتة فالتشبيه بأهل الصفة إذا في إقامة ذلك المعنى واتخاذ الزوايا والربط لا يصح فليفهم الموفق هذا الموضع فإنه مزلة قدم لمن لم يأخذ دينه عن السلف الأقدمين والعلماء الراسخين
ولا يظن العاقل أن القعود عن الكسب ولزوم الربط مباح أو مندوب إليه أفضل من غيره إذ ليس ذلك بصحيح ولن يأتى آخر هذه الأمة باهدى ممن كان عليها أولها ولا كفى المسكين المغتر بعمل الشيوخ المتأخرين إلى صدور هذه الطائفة المتصفين بالصوفية لم يتخذوا رباطا ولا زاوية ولا بنوا بناء يضاهون به الصفة للاجتماع على التعبد والانقطاع عن أسباب الدنيا كالفضيل بن عياض وإبراهيم بن ادهم والجنيد وإبراهيم الخواص والحارث المحاسبى والشبيلى وغيرهم ممن سابق في هذا الميدان وإنما محصول هؤلاء أنهم خالفوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وخالفوا السلف الصالح وخالفوا شيوخ الطريقة التي انتسبوا إليها ولا توفيق إلا بالله
وأما المدارس

فلم يتلق بها أمر تعبدى يقال في مثله بدعة إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا بالمساجد وهذا لا يوجد
بل العلم كان في الزمان الأول يبث بكل مكان من مسجد أو منزل أو سفر أو حضر او غير ذلك
حتى في الأسواق فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعنى بإعدادها الطلبة فلا يزيد ذلك على إعدادها له منزلا من منازله أو حائطا من حوائطه أو غير ذلك فأين مدخل البدعة هاهنا
وإن قيل إن البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره والتخصيص هاهنا ليس بتخصيص تعبدى وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعين سائر الأمور المحبسة وتخصيصها ليس ببدعة
فكذلك ما نحن فيه بخلاف الربط فإنها خصت تشبيها بالصفة بهما للتعبد فصارت تعبدية بالقصد والعرف حتى إن ساكنيها مباينون لغيرهم في النحلة والمذهب والزي والاعتقاد
وكذلك ما ذكر من بناء القناطر

فإنه راجع إلى إصلاح الطرق وإزالة المشقة عن سالكيها وله اصل في شعب الإيمان وهو إماطة الأذى عن الطريق فلا يصح أن يعد في البدع بحال
وقوله وكل إحسان لم يعهد في العصر الأول فيه تفصيل

فلا يخلو الإحسان المفروض أن يفهم من الشريعة أنه مقيد بقيد تعبدى أولا
فإن كان مقيدا بالتعبد الذي لا يعقل معناه فلا يصح أن يعمل به إلا على ذلك الوجه
وإن كان غير مقيد في أصل التشريع بأمرى تعبدى فلا يقال إنه غير بدعة على أي وجه وقع إلا على أحد ثلاثة أوجه أحدها أن يخرج أصلا شرعيا مثل الإحسان المتبع بالمن والأذى والصدقة من المديان المضروب على يده وما أشبه ذلك ويكون إذ ذاك معصية
والثاني أن يلتزم على وجه لا يتعدى بحيث يفهم منه الجاهل أنه لا يجوز إلا على ذلك الوجه
فحينئذ يكون الالتزام المشار إليه البدعة بل بدعة مذمومة وضلالة وسيأتى بيان ذلك إن شاء الله تعالى فلا تكون إذا مستحبة

والثالث أن يجرى على رأى من يرى المعقول المعنى وغيره بدعة مذمومة كمن كره تنخيل الدقيق في الصيغة فلا تكون عنده البدعة مباحة ولا مستحبة وصلاة التراويح تقدم الكلام عليها
وأما الكلام في دقائق التصوف

فليس ببدعة بإطلاق
ولا هو مما صح بالدليل بإطلاق بل الامر ينقسم
ولفظ التصوف لا بد من شرحه اولا حتى يقع الحكم على أمر مفهوم لأنه أمر مجمل عند هؤلاء المتأخرين
فلنرجع إلى ما قال فيه المتقدمون
وحاصل ما يرجع فيه لفظ التصوف عندهم معنيان أحدهما التخلق بكل خلق سنى والتجرد عن كل خلق دني والآخر أنه الفناء عن نفسه والبقاء لربه
وهما في التحقيق إلى معنى واحد إلا أن أحدهما يصلح التعبير به عن البداية والآخر يصلح التعبير به عن النهاية
وكلاهما اتصاف إلا أن الأول لا يلزمه الحال والثاني يلزمه الحال وقد يعبر فيهما بلفظ آخر فيكون الأول عملا تكليفيا والثاني نتيجته
ويكون الأول اتصاف الظاهر والثاني اتصاف الباطن ومجموعهما هو التصوف
وإذا ثبت هذا فالتصوف بالمعنى الأول لا بدعة في الكلام فيه لأنه إنما يرجل إلى تفقه ينبنى عليه العمل وتفصيل آفاته وعوارضه وأوجه تلافى الفساد الواقع فيه بالإصلاح
وهو فقه صحيح
وأصوله في الكتاب والسنة ظاهرة فلا يقال في مثله بدعة إلا إذا أطلق على فروع الفقه التى لم يلف مثلها في السلف الصالح أنها بدعة كفروع أبواب السلم والإجارات والجراح ومسائل السهو والرجوع عن الشهادات وبيوع الآجال وما اشبه ذلك
وليس من شأن العلماء إطلاق لفظ البدعة على الفروع المستنبطة التى لمتكن فيما سلف وإن دقت مسائلها
فكذلك لا يطلق على دقائق فروع الأخلاق الظاهرة والباطنة أنها بدعة
لأن الجميع يرجع إلى أصول شرعية
وأما بالمعنى فهو على أضرب احدها يرجع إلى العوارض الطارئة على السالكين إذا دخل عليهم نور التوحيد الوجداني فيتكلم فيها بحسب الوقت والحال وما يحتاج إليه في النازلة الخاصة رجوعا إلى الشيخ المربى وما بين له في تحقيق مناطها بفراسته الصادقة في السالك بحسبه وبحسب العارض فيداويه بما يليق به من الوظائف الشرعية والأذكار الشرعية أو بإصلاح مقصده إن عرض فيه العارض فقلما يطرأ العامل بل العارض إلا عند الإخلال ببعض الأصول الشرعية التي بنى عليها في بدايته
فقد قالوا إنما حرموا الوصول بتضييعهم الأصول

سيف قطر
18-06-2007, 04:22 PM
فمثل هذا لا بدعة فيها لرجوعه إلى اصل شرعى ففي الصحيح من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم
جاءه ناس من أصحابه رضى الله عنهم فقالوا يا رسول الله إنا نجد في أنفسنا الشىء يعظم أن نتكلم به أو الكلام به - ما نحب أن لنا وأنا تكلمنا به قال أوقد وجدتموه قالوا نعم قال ذلك صريح في الإيمان الحديث في صحيح مسلم

وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال جاء رجل إلى النبي  فقال يا رسول الله إن احدنا يجد في نفسه يعرض بالشىء لأن يكون حممة أحب إليه من أن يتكلم به قال الله أكبر الله أكبر الله أكبر الحمد لله الذى رد كيده إلى الوسوسة
وفي حديث آخر من وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله
وعن ابن عباس رضى الله عنهما في مثله إذا وجدت شيئا من ذلك فقل هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء عليم - إلى أشباه ذلك وهو صحيح مليح

والثاني يرجع إلى النظر في الكرامات وخوارق العادات وما يتعلق بها مما هو خارق في الحقيقة أو غير خارق وما هو منها يرجع إلى أمر نفسى أو شيطاني أو ما أشبه ذلك من أحكامها فهذا النظر ليس ببدعة كما أنه ليس ببدعة النظر في المعجزات وشروطها والفرق بين النبى والمتنبى وهو من علم الأصول فحكمه حكمه

والضرب الثالث ما يرجع إلى النظر في مدركات النفوس من العالم الغائب واحكام التجريد النفسى والعلوم المتعلقة بعالم الأرواح وذوات الملائكة والشياطين والنفوس الإنسانية والحيوانية وما اشبه ذلك وهو بلا شك بدعة مذمومة إن وقع كالنظر فيه والكلام عليه بقصد جعله علما ينظر فيه وفنا يشتغل بتحصيله بتعلم أو رياضة فإنه لم يعهد مثله في السلف الصالح وهو في الحقيقة نظر فلسفي إنما يشتغل باستجلابه والرياضة لاستفادته أهل الفلسفة الخارجون عن السنة المعدودون في الفرق الضالة فلا يكون الكلام فيه مباحا فضلا عن أن يكون مندوبا إليه

نعم قد يعرض للسالك فيتكلم فيه مع المربى حتى يخرجه عن طريقه ويبعد بينه وبين فريقه لما فيه من إمالة مقصد السالك إلى أن يعبد الله على حرف زيادة إلى الخروج عن الطريق المستقيم بتتبعه والالتفات إليه إذ الطريق مبنى على الإخلاص التام بالتوجه الصادق وتجريد التوحيد عن الالتفات إلى الأغيار وفتح باب الكلام في هذا الضرب مضاد لذلك كله

والضرب الرابع يرجع إلى النظر في حقيقة الفناء من حيث الدخول فيه والاتصاف بأوصافه وقطع أطماع النفس عن كل جهة توصل إلى غير المطلوب وإن دقت فإن فإن أهواء النفوس تدق وتسرى مع السالك في المقامات فلا يقطعها إلا من حسم مادتها وبت طلاقها وهو باب الفناء المذكور
وهذا نوع من أنواع الفقه المتعلق بأهواء النفوس ولا يعد من البدع لدخوله تحت جنس الفقه لأنه وإن دق راجع إلى ما جل من الفقه ودقته وجلته إضافيان والحقيقة واحدة
وثم أقسام أخر جميعها إما يرجع إلى فقه شرعى حسن في الشرع وإما إلى ابتداع ليس بشرعى وهو قبيح في الشرع
وأما الجدل وجمع المحافل للاستدلال على المسائل فقد مر الكلام فيه
وأما أمثلة البدع المكروهة فعد منها زخرفة المساجد وتزويق المصاحف وتلحين القرآن بحيث تتغير ألفاظه عن الوضع العربي فإن أراد مجرد الفعل من غير اقتران أمر آخر فغير مسلم وإن أردا مع اقتران أصل التشريع فصحيح ما قال إن البدعة لا تكون بدعة إلا مع اقتران هذا القصد فإن لم يقترن فهي منهى عنها غير بدع
وأما أمثلة البدع المباحة
فعد منها المصافحة عقب صلاة الصبح والعصر أما إنها بدع فمسلم
وأما إنها مباحة فممنوع إذ لا دليل في الشرع يدل على تخصيص تلك الأوقات بها بل هي مكروهة إذ يخاف بدوامها إلحاقها بالصلوات المذكورة كما خاف مالك رحمه الله وصل ستة أيام من شوال برمضان لإمكان أن يعدها من رمضان وكذلك وقع
فقد قال القرافى قال الشيح زكى الدين عبد العظيم المحدث إن الذى خشى منه مالك رضى الله عنه قد وقع بالعجم فصاروا يتركون المسحرين على عاداتهم والبواقين وشعائر رمضان إلى آخر الستة الأيام فحينئذ يظهرون شعائر العيد - قال - وكذلك شاع عند عامة مصر أن الصبح ركعتان إلا في يوم الجمعة فإنه ثلاث ركعات لأجل أنهم يرون الإمام يواظب على قراءة سورة السجدة يوم الجمعة في صلاة الصبح ويسجد فيها فيعتقدون أن تلك ركعة أخرى واجبة قال وسد هذا الذرائع متعين في الدين
وكان مالك رحمه الله شديد المبالغة في سد الذرائع
وعد ابن عبد السلام من البدع المباحة التوسع في الملذوذات وقد تقدم ما فيه
والحاصل من جميع ما ذكر فيه قد وضح منه أن البدع لا تنقسم إلى ذلك الانقسام بل هي من قبيل المنهى عنه إما كراهة وإما تحريما حسبما يأتى إن شاء الله تعالى
فصل

ومما يتعلق به بعض المتكلفين أن الصوفية هم المشهورون باتباع السنة المقتدون بأفعال السلف الصالح المثابرون في أقوالهم وأفعالهم على الاقتداء التام والفرار عما يخالف ذلك ولذلك جعلوا طريقتهم مبنية على أكل الحلال واتباع السنة والإخلاص وهذا هو الحق
ولكنهم في كثير من الأمور يستحسنون أشياء لم تأت في كتاب ولا سنة ولا عمل بأمثالها السلف الصالح فيعملون بمقتضاها ويثابرون عليها ويحكمونها طريقا لهم مهيعا وسنة لا تخلف بل ربما أوجبوها في بعض الأحوال فلولا أن في ذلك رخصة لم يصح لهم ما بنوا عليه

فمن ذلك أنهم يعتمدون في كثير من الأحكام على الكشف والمعاينة وخرق العادة فيحكمون بالحل والحرمة ويثبتون على ذلك الإقدام والإحجام كما يحكى عن المحاسبى أنه كان إذا تناول طعاما فيه شبهة ينبض له عرق في اصبعه فيمتنع منه
وقال الشيلى اعتقدت وقتا أن لا آكل إلا من حلال فكنت أدور في البراري فرأيت شجرة تين فمددت يدى إليها لآكل فنادتني الشجرة احفظ عليك عهدك لا تأكل منى فإنى ليهودى
وقال إبراهيم الخواص رحمه الله دخلت خربة في بعض الأسفار في طريق مكة بالليل فإذا فيها سبع عظيم فخفت
فهتف بي هاتف اثتب فإن حولك سبعون ألف ملك يحفظونك فمثل هذه الأشياء إذا عرضت على قواعد الشريعة ظهر عدم البناء عليها
إذ المكاشفة أو الهاتف المجهول أو تحرك بعض العروق لا يدل على التحليل ولا التحريم لإمكانه في نفسه وإلا لو حضر ذلك حاكم أو غيره لكان يجب عليه أو يندب البحث عنه حتى يستخرج من يد واضعه بين ايديهم إلى مستحقه
ولو هتف هاتف بأن فلانا قتل المقتول الفلاني او أخذ مال فلان أو زنى أو سرق
أكان يجب عليه العمل بقوله أو يكون شاهدا في بعض الأحكام بل لو تكلمت شجرة أو حجر بذلك أكان يحكم لحاكم به أو يبنى عليه حكم شرعى هذا مما لا يعهد في الشرع مثله
ولذلك قال العلماء لو أن نبيا من الأنبياء ادعى الرسالة وقال إنني إن أدع هذه الشجرة فتكلمنى ثم دعاها فأتت وكلمته وقالت إنك كاذب لكان ذلك دليلا على صدقه لا دليلا على كذبه لأنه تحدى بأمر جاءه على وفق ما ادعاه
وكون الكلام تصديقا أو تكذيبا أمر خارج عن مقتضى الدعوى لا حكم له

سيف قطر
18-06-2007, 04:23 PM
فكذلك نقول في هذه المسألة إذا فرضنا أن انقباض العرق لازم لكون الطعام حراما لا يدل ذلك على أن الحكم بالإمساك عنه إذا لم يدل عليه دليل معتبر في الشرع معلوم
وكذلك مسألة الخواص
فإن التوقى من مظان المهلكات مشروع فخلافه يظهر أنه خلاف المشروع وهو معتاد في أهل هاته الطريقة
وكذلك كلام الشجرة للشبلى من جملة الخوارق وبناء الحكم عليه غير معهود

ومن ذلك أنهم يبنون طريقهم على اجتناب الرخص جملة حتى إن شيخهم الذي مهد لهم الطريقة أبا القاسم القشيرى قال في باب وصية المريدين من رسالته إن اختلف على المريد فتاوى الفقهاء يأخذ بالأحوط ويقصد أبدا الخروج عن الخلاف فإن الرخص في الشريعة للمستضعفين واصحاب الحوائج والأشغال وهؤلاء الطائفة - يعنى الصوفية - ليس لهم شغل سوى القيام بحقه سبحانه
ولهذا قيل إذا انحط الفقير عن درجة الحقيقة إلى رخصة الشريعة فقد فسخ عقده ونقض عهده فيما بينه وبين الله
فهذا الكلام ظاهر في أنه ليس من شأنهم الترخص في مواطن الترخص المشروع وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
والسلف الصالح من الصحابة والتابعين
فالتزام العزائم مع وجود مضار الرخص التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم
إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه فيه ما فيه
وظاهره أنه بدعة استحسنوها قمعا للنفس عن الاسترسال في الميل إلى الراحة وإيثارا إلى ما يبنى عليه من المجاهدة

ومن ذلك أن القشيرى جعل من جملة ما يبنى عليه من أراد الدخول في طريقهم الخروج عن المال فإن ذلك الذي يميل إليه به عن الحق ولم يوجد من يدخل في هذا الأمر ومعه علاقة من الدنيا إلا جرته تلك لعلاقة عن قريب إلى ما منه خرج إلى آخر ما قال
وهو في غاية الإشكال مع ظواهر الشريعة لأنا نعرض ذلك على الحالة الأولى و هي حالة رسول الله صلى الله عليه وسلم
مع أصحابه الكرام إذ لم يأمر أحدا بالخروج عن ماله ولا أخر صاحب صنعة بالخروج عن صنعته ولا صاحب تجارة بالخروج عن ماله ولا صاحب تجارة بترك تجارته وهم كانوا أولياء الله حقا والطالبون لسلوك طريق الحق صدقا وإن سلك من بعدهم الف سنة لم يبلغ شأوهم ولم يبلغ هداهم
ثم إنه كما يكون المال شاغلا في الطريق عن بلوغ المراد فكذلك يكون فراغ اليد منه جملة شاغلا عنه
وليس الماضى أولى بالاعتبار من الآخر
فأنت ترى كيف جعل هذا النوع - الذي لم يوجد في السلف عهده - اصلا في سلوك الطريق
وهو - كما ترى - محدث فما ذلك إلا لأن الصوفية استحسنوه لأنه بلسان جميعهم ينطق
ومن ذلك أنهم يقولون إنه لا يصح للشيوخ التجاوز عن زلات المريديدن لأن ذلك تضييع لحقوق الله تعالى
وهذا الفقير العام يستنكر في الحكم الشرعى
الا ترى ما جاء في الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم
من قوله اقيلوا ذوى الهيئات عثراتهم وذلك فيما لم يكن حدا من حدود الله فلو كان العفو غير صحيح لكان مخالفا لهذا الدليل ولما جاء من فضل العفو وأيضا فإن الله يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ما لا يعين على العنف
ومن جملة الرفق شرعية التجاوز والإغضاء إذ العبد لا بد له من زلة وتقصير ولا معصوم إلا من عصمة الله من ذلك اخذهم على المريد أن يقلل من غذائه لكن بالتدريج شيئا بعد شىء لا مرة واحدة وأن يديم الجوع والصيام وأن يترك التزويج ما دام في سلوكه ويعد ذلك كله من مشكلات التشريع بل هو شبيه بالتبتل الذى رده رسول الله صلى الله عليه وسلم
على بعض أصحابه حتى قال من رغب عن سنتى فليس منى
وإذا تؤمل ما ذكروه في شأن التدريج في ترك الغذاء وجده غير معهود في الزمان الأول والقرن الأفضل والجواب أن نقول - أولا - كل ما عمل به المتصوفة المعتبرون في هذا الشأن لا يخلوا إما أن يكون مما ثبت له أصل في الشريعة أم لا فإن كان له أصل فهم خلقاء به كما أن السلف من الصحابة والتابعين خلقاء بذلك وإن لم يكن له أصل في الشريعة فلا عمل عليه لأن السنة حجة على جميع الأمة وليس عمل أحد من الأمة حجة على السنة لأن السنة معصومة عن الخطإ وصاحبها معصوم وسائر الأمة لم تثتب لهم عصمة إلا مع إجماعهم خاصة وإذا اجتمعوا تضمن إجماعهم دليلا شرعيا كما تقدم التنبيه عليه
فالصوفية كغيرهم ممن لم تثبت له العصمة فيجوز عليهم الخطأ والنسيان والمعصية كبيرتها وصغيرتها فأعمالهم لا تعدو الأمرين
ولذلك قال العلماء كل كلام مأخوذ أو متروك إلا ما كان من كلام النبى صلى الله عليه وسلم
وقد قرر ذلك القشيري أحسن تقرير فقال فإن قيل فهل يكون الولى معصوما حتى لا يصر على الذنوب قيل أما وجوبا كما يقال في الأنبياء فلا وأما أن يكون محفوظا حتى لا يصر على الذنوب - وإن حصلت منهم آفات أو زلات - فلا يمتنع ذلك في وصفهم
قال لقد قيل للجنيد أيزنى العارف فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال وكان أمر الله قدرا مقدورا

فهذا كلام منصف فكما يجوز على غيرهم المعاصى فالابتداع وغيره كذلك يجوز عليهم فالواجب علينا أن نقف مع الاقتداء بمن يمتنع عليه الخطأ ونقف على الاقتداء بمن لا يمتنع عليه الخطأ إذا ظهر في الاقتداء به إشكال بل نعرض ما جاء عن الأئمة على الكتاب والسنة فما قبلاه قبلناه وما لم يقبلاه تركناه ولا علينا إذا قام لنا الدليل على اتباع الشرع ولم يقم لنا دليل على اتباع أقوال الصوفية وأعمالهم إلا بعد عرضها وبذلك وصى شيوخهم وإن كان ما جاء به صاحب الوجد والذوق من الأحوال والعلوم والفهوم فليعرض على الكتاب والسنة فإن قبلاه صح وإلا لم يصح
فكذلك ما رسموه من الأعمال وأوجه المجاهدات وأنواع الالتزامات
ثم نقول ثالثا - إن هذه المسائل وأشباهها قد صارت مع ظاهر الشريعة كالمتدافعة فيحمل كلام الصوفية وأعمالهم مثلا على أنها مستندة إلى دلائل شرعية إلا أنه عارضها في النقل ادلة أوضح منها في أفهام المتفقهين وأنظار المجتهدين وأجرى على المعهود في سائر أصناف العلماء وأنظر في ألفاظ الشارع مما ظنناه مستند القوم
وإذا تعارضت الأدلة ولم يظهر في بعضها نسخ فالواجب الترجيح وهو إجماع من الأصوليين أو كالإجماع وفي مذهب القوم العمل بالاحتياط هو الواجب كما أنه مذهب غيرهم فوجب بحسب الجريان على آرائهم في السلوك أن لا يعمل بما رسموه مما فيه معارضة لأدلة الشرع ونكون في ذلك متبعين لآثارهم مهتدين بأنوارهم خلافا لمن يعرض عن الأدلة ويصمم على تقليدهم فيما لا يصح تقليدهم فيه على مذهبهم فالأدلة والأنظار الفقهية والرسوم الصوفية ترده وتذمه وتحمد من تحرى واحتاط وتوقف عند الاشتباه واستبرأ لدينه وعرضه

وبقى الكلام على اعيان ما ذكر في السؤال من اقوالهم وعوائدهم وما يتنزل منها على مقتضى الأدلة وكيف وجه تنزيلها لا حاجة لنا إليه في هذا الموضع وقد بسط الكلام على جملة منها في كتاب الموافقات وإن فسح الله في المدة وأعان بفضله بسطنا الكلام في هذا الباب في كتاب مذهب أهل التصوف وبيان ما أدخل فيه مما ليس بطريق لهم والله الموفق للصواب
وقد تبين أن لا دليل في شىء مما يحكم به على بدعتهم والحمد لله


انتهى .

السهم الذهبي 2007
18-06-2007, 07:27 PM
ما شا الله عليك عورتني عيني وانا اقراء
جزاك الله خير

سيف قطر
18-06-2007, 11:40 PM
ما شا الله عليك عورتني عيني وانا اقراء
جزاك الله خير
http://img465.imageshack.us/img465/8329/l58rpv5.gif

http://reemah999.jeeran.com/.gif%ED%DA%D8%ED%DF.gif

سيف قطر
07-12-2007, 02:00 PM
يرفع ..

khaleel
08-12-2007, 05:37 AM
اخوي سيف قطر جزاك الله الفردوس الاعلى

للرفع رفع الله قدرك

سيف قطر
14-12-2007, 10:50 AM
حياك الله اخوي خليل دائما وابدا .

http://abeermahmoud2006.jeeran.com/535-Jzakom.gif