دكتور قطر
24-06-2007, 08:04 AM
د. بندر الظفيري
24/06/2007
بقلم: د. بندر الظفيري
(رئيس مجلس ادارة الشركة الوطنية للاستثمار)
رغم الوقع المدوي لقرار البنك المركزي الكويتي فك ارتباط الدينار بالدولار على محافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، فان رد الفعل الرسمي اتسم بالهدوء عندما اعلن عبدالرحمن العطية الامين العام لمجلس التعاون الخليجي ان اعضاء المجلس الآخرين مستمرون في مشروع الوحدة النقدية الخليجية. ثم توالت ولا تزال ردود الافعال المتباينة، وتتواصل بين مؤيد لهذا القرار واعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح، معارض له واعتباره ضربة قاصمة لمشروع العملة الخليجية الموحدة.
تجدر الاشارة بداية الى ان قرار ربط سعر صرف الدينار الكويتي بالدولار الاميركي تم منذ الخامس من يناير لعام 2003 استجابة لمتطلبات العملة الخليجية الموحدة التي من المقرر ان تبصر النور عام 2010، وقبل ذلك الموعد (2003/1/5) كان ارتباط الدينار بسلة من العملات وهو ما تمت العودة اليه في العشرين من مايو الماضي.
الارتباط بعملة واحدة.. عيوب ومزايا
يعود امر تفضيل كثير من الاقتصادات ربط عملتها الوطنية بعملة رئيسية واحدة الى اعتبارات عدة، تسعى من خلالها الى التقليل من تقلبات سعر الصرف بين العملة الوطنية والعملة المربوطة بها، الامر الذي يؤدي الى سهولة التبادل التجاري ويشجع على تدفق الاستثمار من البلد موطن العملة الرئيسية، كما انه ينعكس، من جهة ثانية، استقرارا للعملة الوطنية على افتراض استقرار اسعار الصرف، مما يمنح الثقة بالعملة الوطنية، العامل الذي يشجع على تدفق الاستثمارات الاجنبية بصورة عامة، كما يساعد على التنبوء بالايرادات الحكومية المستقبلية ويسهل تدخل الدولة في سوق الصرف الاجنبي والتأثير فيه.
في المقابل يكتنف هذا الارتباط العديد من السلبيات، اهمها: احتمال عدم توافق سعر الصرف مع اهداف السياسات المحلية، كما ينجم عن زيادة الحاجة الى الاحتياطيات لأن تغير سعر صرف العملة الوطنية يعكس حقيقة تغير ميزان مدفوعات الدولة موطن العملة الرئيسية المربوطة بها، كما يشجع المضاربة على العملة الوطنية واي انخفاض في سعر العملة الرئيسية سينعكس انخفاضا مماثلا في العملة الوطنية.
كما ان الربط يعني من ناحية اخرى ارتباط معدلات التضخم المحلية واسعار الفائدة بمثيلاتها في دولة العملة الرئيسية، الامر الذي ينقل مشاكل اقتصاد تلك الدولة الى الاقتصاد المحلي.
في موازاة ذلك فإن عدم الارتباط بعملة محددة يعطي مرونة اكبر في سعر الصرف ويقلص الى حد بعيد التأثيرات التضخمية ويمنح ثباتا نسبيا اكبر للعملة المحلية ومزيدا من الحماية والاستقرار على المستوى البعيد، ويساعد على تنويم الاحتياطيات وكذلك امتصاص الضغوط المقبلة من الاسعار المحلية.
الدولار.. والبترودولار؟
يعد الدولار من دون شك من اهم العملات الرئيسية في العالم لانه يمثل عملة الاحتياطي العالمي فمعظم البنوك المركزية في معظم دول العالم تحتفظ باحتياطيات كبيرة من الدولار لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة، من هنا نرى ان الدولار يستحوذ على ثلثي احتياطيات النقد الاجنبي في العالم، ونحو 80% من مبادلات سعر الصرف الاجنبي و50% من صادرات العالم تدفع قيمتها بالدولار لذلك نجده مدعوما باقتصادات تمتلك كل مقومات القوة.
واذا كانت محددات سعر عملة ما تتمثل بالمستوى العام للاسعار والاحتياطي النقدي وسعر الصرف ووضع البلد الاقتصادي والمالي، فإن ثمة عوامل داخلية اخرى تؤثر في سعر الدولار كقرارات البنك الفدرالي الاميركي وقيمة سندات الخزينة وسعر الفائدة.
انطلاقا من الاعتبارات السالفة فان ارتباط اسعار النفط بالدولار امر بديهي ومعظم الدول المستوردة للنفط تستخدم الدولار لتسديد قيمة مشترياتها والعائدات المتحققة من مبيعات النفط العالمية تساعد الولايات المتحدة ولاشك على التعاطي مع حالات العجز التجاري الكبير التي تصيب اقتصادها.
ومع ذلك نرى الدولار يعاني من تراجع مستمر امام العملات الرئيسية الاخرى خصوصا اليورو، ويرى هنا بعض الخبراء ان انخفاض الدولار ربما كان مقصودا بعض الاحيان من اجل زيادة الصادرات الاميركية وتقليل عجز الميزان التجاري الاميركي، اما من وجهة النظر الاميركية فقد يكون انخفاض الدولار جزءا اساسيا من عملية تصحيح الحساب الجاري لان الانخفاض في الدولار يتسبب في عدد من التطورات الكلية في الاقتصاد الاميركي كارتفاع اسعار الفائدة وابطاء نمو الطلب الداخلي وتعديل ادخار القطاع الخاص.. و..
بدائل وخيارات
لاشك ان الانخفاض المستمر في سعر صرف الدولار الاميركي مقابل معظم العملات الرئيسية الاخرى والذي تزامن مع بدء تطبيق سياسة ربط سعر الدينار بالدولار كانت له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الكويتي ورغم محاولات بنك الكويت المركزي وتدخله للتخفيف من تأثير تراجع سعر صرف الدولار فانها لم تكن كافية لمنع تراجع القوة الشرائية للدينار مقابل العملات الرئيسية الامر الذي ساهم او ادى الى ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد المحلي.
وفي حالات كهذه تكون الخيارات محدودة اما باستمرار الارتباط بالدولار او توسيع نطاق تأرجح سعر الدينار امام الدولار وهو ما انتهجه البنك المركزي وفشل في تجاوز انخفاض الدولار وتراجعه، مقابل الخيار الاخر الذي يتمثل بربط الدينار بسلة من العملات وفقا لاوزان ترجيحية مبنية على حجم الواردات الكويتية ووفقا لمنشأها (دولار، يورو، ين...) الامر الذي يقلل من تأثير تراجع اي عملة على الاقتصاد المحلي حيث يمكن للعملات الاخرى في السلة ان تعوض التراجع، مع الاشارة الى ان الاوزان النسبية لعملات السلة تحتاج الى اعادة نظر بين فترة واخرى وفقا لمستجدات الاقتصاد العالمي خاصة ما يتعلق منها باقتصادات تتعامل بالعملات الرئيسية في هذه السلة، وقد يكون هذا افضل الخيارات المتاحة وهو ما تم اعتماده اخيرا.
قرار له.. مسوغاته!!
المعارضون لهذا القرار (قرار ارتباط الدينار بالدولار)، يرون فيه خروجا عن اتفاقات العملة الخليجية الموحدة وهذا ما سنتعرض له لاحقا، كما يعتقدون انه لن يمتلك العصا السحرية لعلاج التضخم الذي يعاني منه اقتصادنا الكويتي.
في اعتقادنا ان هذا القرار كان صائبا وذلك للكثير من الاعتبارات، اولها مواجهة التضخم، وان لن يتمكن من معالجته فعلى الاقل يمكنه التخفيف من حدة آثاره وهو مطلب لا يحتمل مزيدا من التأجيل، كما ان الربط بسلة من العملات لا يعني التخلي عن الدولار لانه لا يزال العنصر الاساسي في سلة العملات، ومن المرجح ان يستحوذ الدولار على الوزن الاعلى وبنسبة مساهمة من المتوقع الا تقل عن 65 في المائة.
كما يمكننا القول ان هذا الاجراء يمنح مرونة اكبر لسعر الصرف، بعيدا عن قوة الدولار او تراجعه، فان هذا القرار يعد اكثر حكمة من وجهة نظر اقتصادية لان الاعتماد على العملة الواحدة لن يجعل العملة المحلية في منأى عن الانهيار مستقبلا وهو احتمال وارد ولو نظريا على الأقل.
ورغم اعتقاد البعض أن هذا التحول قد يجعل الثقة بالدينار تهتز فإننا نعتقد ان هذا الامر سيكون مؤقتا ان حدث بل العكس من المتوقع ان تزداد القوة الشرائية للدينار ولو ببطء الامر الذي ينعكس ايجابا على النمو الاقتصادي ويعزز قدرة الاقتصاد الوطني ويمنحه مزيدا من الاستقرار.
وفي السياق لابد من النظر بواقعية الى سواء اوضاع الاقتصاد الاميركي (عجز بنسبة 7% من الناتج، 52% من سندات الخزانة الاميركية تعود لغير الاميركيين والحاجة الاميركية الخارجية اليومي نحو 8 مليارات دولار) يضاف اليها توقعات المزيد من تراجع الدولار وانعكاسات ذلك على اقتصادات العالم المختلفة. بعض المحللين يرون ان ارتفاع اسعار النفط وزيادة وارداته تعوض انخفاض سعر الدولار لكن السؤال الاعتراضي الذي يطرح نفسه هنا هو الى متى يستمر هذا التعويض؟
وماذا ستكون عليه الحال لدى انخفاض اسعار النفط وتراجعها؟
التضخم.. آفة لا يمكن تجاهلها
بما ان التضخم يمثل الفجوة بين العرض المتاح من السلع والخدمات وبين الطلب الفعلي عليها فلابد من الانعكاس ارتفاعا مستمرا في الاسعار مقابل انخفاض في القوة الشرائية نظرا لوجود حجم كبير من السيولة المتداولة الامر الذي يعكس خللا بالتوازن الاقتصادي في اسواق السلع والخدمات.
في الكويت يتراوح معدل التضخم بين 3،3 و4% وهو معدل مرتفع لا يمكن تجاهله لانه يلقي بظلاله على النمط الاستهلاكي للمواطن الكويتي لان ارتفاع الاسعار يصبح بمعظمة عائدا لفروقات اسعار صرف الدينار الكويتي امام العملات الاجنبية الاخرى (يورو، جنيه، ين) التي ارتفعت قيمتها امام الدينار بشكل يؤثر في تحديد اسعار المستهلك. مما لاشك فيه ان ارتفاع اسعار النفط يساعد على تراكم السيولة ثم زيادة الاقتراض من الباب الامامي، لكنه بالمقابل قد يزيد من التكلفة الانتاجية للمنتجات الصناعية والاستهلاكية في الدول المصنعة، الامر الذي يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع المستوردة ويشكل تآكلا للواردات النفطية من الباب الخلفي.
وهنا لابد من الاشارة الى ان اصحاب المداخيل المتوسطة والمحدودة هم الشريحة الاكثر تأثرا من التضخم ويظهر عليهم بصورة جلية، لذلك تلجأ الدول الى اجراءات المواجهة كزيادة الاجور مثلا وهو اجراء يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع والخدمات ويضيف ازمات تضخمية جديدة، او قد تلجأ الى مراقبة الاسعار وكبح جماح اسواق الاسهم ورفع اسعار الفائدة للحد من عمليات الاقتراض وتشجيع الايداع.. ومن هنا يبدو تبني سلة العملات احد اهم سبل مواجهة التخضم والعمل على تخفيف حدة آثاره.
تسونامي التضخم.. في الخليج
اشار تقرير صندوق النقد الدولي اوائل الشهر الماضي الى احتمالات تراجع اسعار النفط لتستقر في حدود 61 دولارا للبرميل وتنبأ بارتفاع معدلات التضخم في منطقة الخليج ككل لتصل الى 9% في المتوسط وارجع زيادة معدلات التضخم هذه الى زيادة عائدات النفط والسياسات الاقتصادية في المنطقة التي ترتكز على مشاريع عملاقة كبيرة.
كما اعتبر ان التضخم مستورد من خلال ارتفاع قيمة الواردات نتيجة انخفاض الدولار وارتفاع قيم العملات الدولية الاخرى كاليورو، خاصة ان واردات دول الخليج قفزت لتقارب 376 مليار دولار في عام 2007.
وقد سبق لصندق النقد العربي ان حذر منذ اواخر العام الماضي من عدم مرونة السياسات النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي وافتقارها الى حرية الحركة والمرونة الكافية لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم الذي يمثل الخطر الاكبر على اقتصاديات المنطقة وقد لاحظ ارتفاعا في كل من قطر والامارات ليصل الى 10% على سبيل المثال، واستمرار معدلات التضخم هذه سيعيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بلا شك، لاسيما الاستثمار والادخار والانتاج ويؤدي الى تباطؤ النمو بشكل يضعف التنوع الاقتصادي المنشود.
نعتقد ان التضخم في المحصلة قد يكون كافيا لدق ناقوس الخطر وضرورة اتخاذ اجراءات ما، والمطلوب النظر الى موضوع الارتباط بالدولار من زاوية اقتصادية اكثر منها سياسية واستغلال الفورة النفطية بصورة اجدى، وخصوصا اذا ما علمنا ان احتياطيات النقد الاجنبي بالدولار في المنطقة في تزايد مستمر، كما ان الاتجاه الى استثمار عوائده في الولايات المتحدة ما يزال في تصاعد الامر الذي يوحي بالتوجه الى دعم الدولار ومنعه من الاتجاه نحو مزيد من الانهيار، مما يجعل السياسة النقدية الخاصة بأسعار الفائدة ببلدان المنطقة مرتبطة بالسياسة النقدية الاميركية.
العملية الخليجية الموحدة.. واقع وآفاق!
تعهدت الدول الخليجية في ديسمبر 2001 بتحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية عام ،2010 واعتبارا من الخامس من يناير 2003 اصبحت عملات الدول الخليجية الست مرتبطة بالدولار الاميركي كخطوة اولى نحو هذه الوحدة.
24/06/2007
بقلم: د. بندر الظفيري
(رئيس مجلس ادارة الشركة الوطنية للاستثمار)
رغم الوقع المدوي لقرار البنك المركزي الكويتي فك ارتباط الدينار بالدولار على محافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي، فان رد الفعل الرسمي اتسم بالهدوء عندما اعلن عبدالرحمن العطية الامين العام لمجلس التعاون الخليجي ان اعضاء المجلس الآخرين مستمرون في مشروع الوحدة النقدية الخليجية. ثم توالت ولا تزال ردود الافعال المتباينة، وتتواصل بين مؤيد لهذا القرار واعتباره خطوة في الاتجاه الصحيح، معارض له واعتباره ضربة قاصمة لمشروع العملة الخليجية الموحدة.
تجدر الاشارة بداية الى ان قرار ربط سعر صرف الدينار الكويتي بالدولار الاميركي تم منذ الخامس من يناير لعام 2003 استجابة لمتطلبات العملة الخليجية الموحدة التي من المقرر ان تبصر النور عام 2010، وقبل ذلك الموعد (2003/1/5) كان ارتباط الدينار بسلة من العملات وهو ما تمت العودة اليه في العشرين من مايو الماضي.
الارتباط بعملة واحدة.. عيوب ومزايا
يعود امر تفضيل كثير من الاقتصادات ربط عملتها الوطنية بعملة رئيسية واحدة الى اعتبارات عدة، تسعى من خلالها الى التقليل من تقلبات سعر الصرف بين العملة الوطنية والعملة المربوطة بها، الامر الذي يؤدي الى سهولة التبادل التجاري ويشجع على تدفق الاستثمار من البلد موطن العملة الرئيسية، كما انه ينعكس، من جهة ثانية، استقرارا للعملة الوطنية على افتراض استقرار اسعار الصرف، مما يمنح الثقة بالعملة الوطنية، العامل الذي يشجع على تدفق الاستثمارات الاجنبية بصورة عامة، كما يساعد على التنبوء بالايرادات الحكومية المستقبلية ويسهل تدخل الدولة في سوق الصرف الاجنبي والتأثير فيه.
في المقابل يكتنف هذا الارتباط العديد من السلبيات، اهمها: احتمال عدم توافق سعر الصرف مع اهداف السياسات المحلية، كما ينجم عن زيادة الحاجة الى الاحتياطيات لأن تغير سعر صرف العملة الوطنية يعكس حقيقة تغير ميزان مدفوعات الدولة موطن العملة الرئيسية المربوطة بها، كما يشجع المضاربة على العملة الوطنية واي انخفاض في سعر العملة الرئيسية سينعكس انخفاضا مماثلا في العملة الوطنية.
كما ان الربط يعني من ناحية اخرى ارتباط معدلات التضخم المحلية واسعار الفائدة بمثيلاتها في دولة العملة الرئيسية، الامر الذي ينقل مشاكل اقتصاد تلك الدولة الى الاقتصاد المحلي.
في موازاة ذلك فإن عدم الارتباط بعملة محددة يعطي مرونة اكبر في سعر الصرف ويقلص الى حد بعيد التأثيرات التضخمية ويمنح ثباتا نسبيا اكبر للعملة المحلية ومزيدا من الحماية والاستقرار على المستوى البعيد، ويساعد على تنويم الاحتياطيات وكذلك امتصاص الضغوط المقبلة من الاسعار المحلية.
الدولار.. والبترودولار؟
يعد الدولار من دون شك من اهم العملات الرئيسية في العالم لانه يمثل عملة الاحتياطي العالمي فمعظم البنوك المركزية في معظم دول العالم تحتفظ باحتياطيات كبيرة من الدولار لتلبية احتياجاتها من السلع والخدمات المستوردة، من هنا نرى ان الدولار يستحوذ على ثلثي احتياطيات النقد الاجنبي في العالم، ونحو 80% من مبادلات سعر الصرف الاجنبي و50% من صادرات العالم تدفع قيمتها بالدولار لذلك نجده مدعوما باقتصادات تمتلك كل مقومات القوة.
واذا كانت محددات سعر عملة ما تتمثل بالمستوى العام للاسعار والاحتياطي النقدي وسعر الصرف ووضع البلد الاقتصادي والمالي، فإن ثمة عوامل داخلية اخرى تؤثر في سعر الدولار كقرارات البنك الفدرالي الاميركي وقيمة سندات الخزينة وسعر الفائدة.
انطلاقا من الاعتبارات السالفة فان ارتباط اسعار النفط بالدولار امر بديهي ومعظم الدول المستوردة للنفط تستخدم الدولار لتسديد قيمة مشترياتها والعائدات المتحققة من مبيعات النفط العالمية تساعد الولايات المتحدة ولاشك على التعاطي مع حالات العجز التجاري الكبير التي تصيب اقتصادها.
ومع ذلك نرى الدولار يعاني من تراجع مستمر امام العملات الرئيسية الاخرى خصوصا اليورو، ويرى هنا بعض الخبراء ان انخفاض الدولار ربما كان مقصودا بعض الاحيان من اجل زيادة الصادرات الاميركية وتقليل عجز الميزان التجاري الاميركي، اما من وجهة النظر الاميركية فقد يكون انخفاض الدولار جزءا اساسيا من عملية تصحيح الحساب الجاري لان الانخفاض في الدولار يتسبب في عدد من التطورات الكلية في الاقتصاد الاميركي كارتفاع اسعار الفائدة وابطاء نمو الطلب الداخلي وتعديل ادخار القطاع الخاص.. و..
بدائل وخيارات
لاشك ان الانخفاض المستمر في سعر صرف الدولار الاميركي مقابل معظم العملات الرئيسية الاخرى والذي تزامن مع بدء تطبيق سياسة ربط سعر الدينار بالدولار كانت له انعكاسات سلبية على الاقتصاد الكويتي ورغم محاولات بنك الكويت المركزي وتدخله للتخفيف من تأثير تراجع سعر صرف الدولار فانها لم تكن كافية لمنع تراجع القوة الشرائية للدينار مقابل العملات الرئيسية الامر الذي ساهم او ادى الى ارتفاع معدلات التضخم في الاقتصاد المحلي.
وفي حالات كهذه تكون الخيارات محدودة اما باستمرار الارتباط بالدولار او توسيع نطاق تأرجح سعر الدينار امام الدولار وهو ما انتهجه البنك المركزي وفشل في تجاوز انخفاض الدولار وتراجعه، مقابل الخيار الاخر الذي يتمثل بربط الدينار بسلة من العملات وفقا لاوزان ترجيحية مبنية على حجم الواردات الكويتية ووفقا لمنشأها (دولار، يورو، ين...) الامر الذي يقلل من تأثير تراجع اي عملة على الاقتصاد المحلي حيث يمكن للعملات الاخرى في السلة ان تعوض التراجع، مع الاشارة الى ان الاوزان النسبية لعملات السلة تحتاج الى اعادة نظر بين فترة واخرى وفقا لمستجدات الاقتصاد العالمي خاصة ما يتعلق منها باقتصادات تتعامل بالعملات الرئيسية في هذه السلة، وقد يكون هذا افضل الخيارات المتاحة وهو ما تم اعتماده اخيرا.
قرار له.. مسوغاته!!
المعارضون لهذا القرار (قرار ارتباط الدينار بالدولار)، يرون فيه خروجا عن اتفاقات العملة الخليجية الموحدة وهذا ما سنتعرض له لاحقا، كما يعتقدون انه لن يمتلك العصا السحرية لعلاج التضخم الذي يعاني منه اقتصادنا الكويتي.
في اعتقادنا ان هذا القرار كان صائبا وذلك للكثير من الاعتبارات، اولها مواجهة التضخم، وان لن يتمكن من معالجته فعلى الاقل يمكنه التخفيف من حدة آثاره وهو مطلب لا يحتمل مزيدا من التأجيل، كما ان الربط بسلة من العملات لا يعني التخلي عن الدولار لانه لا يزال العنصر الاساسي في سلة العملات، ومن المرجح ان يستحوذ الدولار على الوزن الاعلى وبنسبة مساهمة من المتوقع الا تقل عن 65 في المائة.
كما يمكننا القول ان هذا الاجراء يمنح مرونة اكبر لسعر الصرف، بعيدا عن قوة الدولار او تراجعه، فان هذا القرار يعد اكثر حكمة من وجهة نظر اقتصادية لان الاعتماد على العملة الواحدة لن يجعل العملة المحلية في منأى عن الانهيار مستقبلا وهو احتمال وارد ولو نظريا على الأقل.
ورغم اعتقاد البعض أن هذا التحول قد يجعل الثقة بالدينار تهتز فإننا نعتقد ان هذا الامر سيكون مؤقتا ان حدث بل العكس من المتوقع ان تزداد القوة الشرائية للدينار ولو ببطء الامر الذي ينعكس ايجابا على النمو الاقتصادي ويعزز قدرة الاقتصاد الوطني ويمنحه مزيدا من الاستقرار.
وفي السياق لابد من النظر بواقعية الى سواء اوضاع الاقتصاد الاميركي (عجز بنسبة 7% من الناتج، 52% من سندات الخزانة الاميركية تعود لغير الاميركيين والحاجة الاميركية الخارجية اليومي نحو 8 مليارات دولار) يضاف اليها توقعات المزيد من تراجع الدولار وانعكاسات ذلك على اقتصادات العالم المختلفة. بعض المحللين يرون ان ارتفاع اسعار النفط وزيادة وارداته تعوض انخفاض سعر الدولار لكن السؤال الاعتراضي الذي يطرح نفسه هنا هو الى متى يستمر هذا التعويض؟
وماذا ستكون عليه الحال لدى انخفاض اسعار النفط وتراجعها؟
التضخم.. آفة لا يمكن تجاهلها
بما ان التضخم يمثل الفجوة بين العرض المتاح من السلع والخدمات وبين الطلب الفعلي عليها فلابد من الانعكاس ارتفاعا مستمرا في الاسعار مقابل انخفاض في القوة الشرائية نظرا لوجود حجم كبير من السيولة المتداولة الامر الذي يعكس خللا بالتوازن الاقتصادي في اسواق السلع والخدمات.
في الكويت يتراوح معدل التضخم بين 3،3 و4% وهو معدل مرتفع لا يمكن تجاهله لانه يلقي بظلاله على النمط الاستهلاكي للمواطن الكويتي لان ارتفاع الاسعار يصبح بمعظمة عائدا لفروقات اسعار صرف الدينار الكويتي امام العملات الاجنبية الاخرى (يورو، جنيه، ين) التي ارتفعت قيمتها امام الدينار بشكل يؤثر في تحديد اسعار المستهلك. مما لاشك فيه ان ارتفاع اسعار النفط يساعد على تراكم السيولة ثم زيادة الاقتراض من الباب الامامي، لكنه بالمقابل قد يزيد من التكلفة الانتاجية للمنتجات الصناعية والاستهلاكية في الدول المصنعة، الامر الذي يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع المستوردة ويشكل تآكلا للواردات النفطية من الباب الخلفي.
وهنا لابد من الاشارة الى ان اصحاب المداخيل المتوسطة والمحدودة هم الشريحة الاكثر تأثرا من التضخم ويظهر عليهم بصورة جلية، لذلك تلجأ الدول الى اجراءات المواجهة كزيادة الاجور مثلا وهو اجراء يؤدي الى ارتفاع اسعار السلع والخدمات ويضيف ازمات تضخمية جديدة، او قد تلجأ الى مراقبة الاسعار وكبح جماح اسواق الاسهم ورفع اسعار الفائدة للحد من عمليات الاقتراض وتشجيع الايداع.. ومن هنا يبدو تبني سلة العملات احد اهم سبل مواجهة التخضم والعمل على تخفيف حدة آثاره.
تسونامي التضخم.. في الخليج
اشار تقرير صندوق النقد الدولي اوائل الشهر الماضي الى احتمالات تراجع اسعار النفط لتستقر في حدود 61 دولارا للبرميل وتنبأ بارتفاع معدلات التضخم في منطقة الخليج ككل لتصل الى 9% في المتوسط وارجع زيادة معدلات التضخم هذه الى زيادة عائدات النفط والسياسات الاقتصادية في المنطقة التي ترتكز على مشاريع عملاقة كبيرة.
كما اعتبر ان التضخم مستورد من خلال ارتفاع قيمة الواردات نتيجة انخفاض الدولار وارتفاع قيم العملات الدولية الاخرى كاليورو، خاصة ان واردات دول الخليج قفزت لتقارب 376 مليار دولار في عام 2007.
وقد سبق لصندق النقد العربي ان حذر منذ اواخر العام الماضي من عدم مرونة السياسات النقدية لدول مجلس التعاون الخليجي وافتقارها الى حرية الحركة والمرونة الكافية لمواجهة ارتفاع معدلات التضخم الذي يمثل الخطر الاكبر على اقتصاديات المنطقة وقد لاحظ ارتفاعا في كل من قطر والامارات ليصل الى 10% على سبيل المثال، واستمرار معدلات التضخم هذه سيعيق خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بلا شك، لاسيما الاستثمار والادخار والانتاج ويؤدي الى تباطؤ النمو بشكل يضعف التنوع الاقتصادي المنشود.
نعتقد ان التضخم في المحصلة قد يكون كافيا لدق ناقوس الخطر وضرورة اتخاذ اجراءات ما، والمطلوب النظر الى موضوع الارتباط بالدولار من زاوية اقتصادية اكثر منها سياسية واستغلال الفورة النفطية بصورة اجدى، وخصوصا اذا ما علمنا ان احتياطيات النقد الاجنبي بالدولار في المنطقة في تزايد مستمر، كما ان الاتجاه الى استثمار عوائده في الولايات المتحدة ما يزال في تصاعد الامر الذي يوحي بالتوجه الى دعم الدولار ومنعه من الاتجاه نحو مزيد من الانهيار، مما يجعل السياسة النقدية الخاصة بأسعار الفائدة ببلدان المنطقة مرتبطة بالسياسة النقدية الاميركية.
العملية الخليجية الموحدة.. واقع وآفاق!
تعهدت الدول الخليجية في ديسمبر 2001 بتحقيق الوحدة الاقتصادية الخليجية عام ،2010 واعتبارا من الخامس من يناير 2003 اصبحت عملات الدول الخليجية الست مرتبطة بالدولار الاميركي كخطوة اولى نحو هذه الوحدة.