مغروور قطر
27-06-2007, 05:48 AM
استراتيجية «سابك» للاستثمارات الخارجية
محمد بن حمد الماضي
طالعت بكل التقدير مقال الأخ الأستاذ سليمان المنديل، المنشور تحت عنوان «ولكن ليطمئن قلبي»، على الصفحة الخامسة، بعدد جريدتكم العامرة رقم (10435)، الصادر في 24 يونيو (حزيران) 2007، إذ يتساءل الكاتب الكريم عن جدوى الاستثمار الخارجي مقارنة بالاستثمار الداخلي، وقد وجدت الفرصة مواتية للإجابة عن هذا التساؤل، موضحاً بعض الجوانب التي تقوم عليها استراتيجية «سابك» للاستثمارات الخارجية.
في البداية، أود الإشارة إلى أن أية استثمارات ـ سواء كانت داخلية أو خارجية ـ قد تتعرض للربح والخسارة مهما كانت الظروف مهيأة لها، وهناك العديد من الشواهد المؤكدة لذلك في الداخل والخارج، ويرجع الأمر إلى أنماط الإدارة وطبيعة الإنتاج، والتقنيات المستخدمة، وغير ذلك من الجوانب ذات الصلة .. إلا أن النجاح يكون دائماً من نصيب الاستثمارات المستندة إلى رؤية استراتيجية، والقائمة على دراسات متأنية مستفيضة تشمل مختلف الجوانب الاقتصادية والفنية.
وفيما يتعلق بجدوى استثمار «سابك» الذي أعلن مؤخراً من خلال مساعيها للاستحواذ على قطاع الصناعات البلاستيكية في شركة «جنرال إلكتريك» .. أود الإفادة أن ذلك يتفق تماماً مع خطة سابك الاستراتيجية 2020 التي تشكل المنتجات المتخصصة عنصراً بالغ الأهمية فيها، حيث ترمي هذه الخطة إلى أن تمثل إيرادات هذه المنتجات 20 في المائة إلى 25 في المائة من إجمالي دخل الشركة، إلى جانب أنها منتجات توظف أحدث التقنيات العالمية، وتحقق قيمة مضافة أعلى مما تحققه الصناعات البتروكيماوية الأساسية التقليدية.
ولقد أمضت شركة «جنرال إلكتريك»، نحو خمسين عاماً حتى بلغت هذا المستوى الصناعي المتقدم، ما يعني أن «سابك» حين تمتلك هذه الصناعات، فهي تدخل عالم صناعات المنتجات المتخصصة من أقصر وأسرع الطرق وأوسع الأبواب، فضلا عن استحواذ أسواق جديدة، وبراءات اختراع بلغ عددها 1700 في أميركا و3500 حول العالم، ومهارات قيادية، وموارد بشرية عالية الخبرات، يمكن الاستفادة من خبراتها المميزة في تدريب الموارد البشرية السعودية، وهو نفس النهج الذي سلكته «سابك» حين استحوذت سابقاً على قطاعات الصناعات الأوروبية التي تعمل حالياً ـ بنجاح تام ـ تحت مظلة شركة «سابك أوروبا»، حيث أوفدنا أعداداً من السعوديين للعمل في المصانع الأوروبية، وبالمقابل استقدمنا عناصر من هذه المصانع للعمل في مجمعاتنا بالمملكة، فكان ذلك أسلوباً رائداً للتكامل في مجال الموارد البشرية، التي هي مفتاح النجاح لأية عمليات إنتاجية.
لا شك أن قطاع الصناعات البلاستيكية بشركة جنرال إلكتريك، الذي نحن الآن بصدد إتمام إجراءات الاستحواذ عليه، يحقق أرباحاً جيدة بما يملك من تقنيات وآلاف المنتجات المتخصصة .. لذا فقد استغربت ما كتبه بعض المحللين عن أنه قطاع متعثر، وأود هنا إيضاح جانب بالغ الأهمية، وهو أن الكثير من الشركات العالمية تقوم وفقاً لرؤيتها الاستراتيجية بعمليات إعادة هيكلة لتتواءم مع معطيات التغيير في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وفي ضوء ذلك قد تغير بعض نشاطها أو تبيع جزءاً من قطاعاتها، وذلك ليس معناه أن هذا الجزء متعثر .. فهناك على سبيل المثال شركات تغادر ميدان البتروكيماويات إلى مجال التعدين، وأخرى تتجه إلى الصناعات التقنية أو تركز على الصناعات الرأسية، مثلما ركزت شركة «شل» على الصناعات الأساسية دون الصناعات التحويلية وهو نفس ما فعلته شركة «دي إس إم» بتوجهها إلى صناعة الأدوية والصناعات الغذائية، وغير ذلك من الأمثلة كثير.
ولقد اغتنمت «سابك» الفرص المتاحة بعد دراسة مستفيضة، وحققت الكثير من الفوائد بشراء مصانع «دي إس إم» و«هنتسمان»، حيث أضافت إلى شبكتها الإنتاجية والتسويقية والتقنية مواقع جديدة متقدمة، واستقطبت زبائن هاتين الشركتين، وعززت قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية، وأصبحت من كبار المنتجين والمسوقين في السوق الأوروبية.
وإذا كان البعض قد أشار إلى أن قطاع الصناعات البلاستيكية بشركة «جنرال إلكتريك» قد تراجعت أرباحه، فإن ذلك يعود بشكل أساسي إلى ارتفاع كلفة اللقيم تبعاً لارتفاع أسعار البترول .. إلا أن انتقال هذا القطاع إلى «سابك» سوف يهيئ له مجالا واسعاً لتنامي الربحية، من خلال تكامل عملياته مع عمليات مصانعنا في أوروبا والجبيل الصناعية.
كما لا يفوتني في هذا المجال أن أشير إلى أن هذه الصفقة لن تكون في صالح «سابك» وحدها، بل هي أيضاً تشكل رافداً جديداً لنماء الصناعات التحويلية الوطنية، وتمكنها من دخول مجالات صناعية جديدة ، بما في ذلك صناعة السيارات،وغيرها.
ولم تكن عملية الاستحواذ بالأمر الهين اليسير، حيث كان هناك منافسون كثر، من الشركات البتروكيميائية العريقة والصناديق الاستثمارية، إلا أن «سابك» استطاعت كسب الصفقة بأسلوب احترافي وسعر مناسب، ورغم أن المبلغ كان كبيراً إلى أنه لم يؤثر في تصنيف «سابك» الائتماني المعتمد من أبرز وكالات التصنيف العالمية، وهو أعلى تصنيف لشركة بتروكيماوية بعد شركة «باسف».
أما وضع الديون فهو يتناسب مع الدخل، وتعتبر «سابك» أفضل الشركات البتروكيماوية العالمية حسب معيار الدين مقسوماً على صافي الدخل قبل خصم الاستهلاكات والضريبة، الأمر الذي يضع حداً ولا يدع مجالا لأية تكهنات سلبية حول تأثير القروض على «سابك»، ومتانة مركزها المالي.
* نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة سابك
محمد بن حمد الماضي
طالعت بكل التقدير مقال الأخ الأستاذ سليمان المنديل، المنشور تحت عنوان «ولكن ليطمئن قلبي»، على الصفحة الخامسة، بعدد جريدتكم العامرة رقم (10435)، الصادر في 24 يونيو (حزيران) 2007، إذ يتساءل الكاتب الكريم عن جدوى الاستثمار الخارجي مقارنة بالاستثمار الداخلي، وقد وجدت الفرصة مواتية للإجابة عن هذا التساؤل، موضحاً بعض الجوانب التي تقوم عليها استراتيجية «سابك» للاستثمارات الخارجية.
في البداية، أود الإشارة إلى أن أية استثمارات ـ سواء كانت داخلية أو خارجية ـ قد تتعرض للربح والخسارة مهما كانت الظروف مهيأة لها، وهناك العديد من الشواهد المؤكدة لذلك في الداخل والخارج، ويرجع الأمر إلى أنماط الإدارة وطبيعة الإنتاج، والتقنيات المستخدمة، وغير ذلك من الجوانب ذات الصلة .. إلا أن النجاح يكون دائماً من نصيب الاستثمارات المستندة إلى رؤية استراتيجية، والقائمة على دراسات متأنية مستفيضة تشمل مختلف الجوانب الاقتصادية والفنية.
وفيما يتعلق بجدوى استثمار «سابك» الذي أعلن مؤخراً من خلال مساعيها للاستحواذ على قطاع الصناعات البلاستيكية في شركة «جنرال إلكتريك» .. أود الإفادة أن ذلك يتفق تماماً مع خطة سابك الاستراتيجية 2020 التي تشكل المنتجات المتخصصة عنصراً بالغ الأهمية فيها، حيث ترمي هذه الخطة إلى أن تمثل إيرادات هذه المنتجات 20 في المائة إلى 25 في المائة من إجمالي دخل الشركة، إلى جانب أنها منتجات توظف أحدث التقنيات العالمية، وتحقق قيمة مضافة أعلى مما تحققه الصناعات البتروكيماوية الأساسية التقليدية.
ولقد أمضت شركة «جنرال إلكتريك»، نحو خمسين عاماً حتى بلغت هذا المستوى الصناعي المتقدم، ما يعني أن «سابك» حين تمتلك هذه الصناعات، فهي تدخل عالم صناعات المنتجات المتخصصة من أقصر وأسرع الطرق وأوسع الأبواب، فضلا عن استحواذ أسواق جديدة، وبراءات اختراع بلغ عددها 1700 في أميركا و3500 حول العالم، ومهارات قيادية، وموارد بشرية عالية الخبرات، يمكن الاستفادة من خبراتها المميزة في تدريب الموارد البشرية السعودية، وهو نفس النهج الذي سلكته «سابك» حين استحوذت سابقاً على قطاعات الصناعات الأوروبية التي تعمل حالياً ـ بنجاح تام ـ تحت مظلة شركة «سابك أوروبا»، حيث أوفدنا أعداداً من السعوديين للعمل في المصانع الأوروبية، وبالمقابل استقدمنا عناصر من هذه المصانع للعمل في مجمعاتنا بالمملكة، فكان ذلك أسلوباً رائداً للتكامل في مجال الموارد البشرية، التي هي مفتاح النجاح لأية عمليات إنتاجية.
لا شك أن قطاع الصناعات البلاستيكية بشركة جنرال إلكتريك، الذي نحن الآن بصدد إتمام إجراءات الاستحواذ عليه، يحقق أرباحاً جيدة بما يملك من تقنيات وآلاف المنتجات المتخصصة .. لذا فقد استغربت ما كتبه بعض المحللين عن أنه قطاع متعثر، وأود هنا إيضاح جانب بالغ الأهمية، وهو أن الكثير من الشركات العالمية تقوم وفقاً لرؤيتها الاستراتيجية بعمليات إعادة هيكلة لتتواءم مع معطيات التغيير في النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وفي ضوء ذلك قد تغير بعض نشاطها أو تبيع جزءاً من قطاعاتها، وذلك ليس معناه أن هذا الجزء متعثر .. فهناك على سبيل المثال شركات تغادر ميدان البتروكيماويات إلى مجال التعدين، وأخرى تتجه إلى الصناعات التقنية أو تركز على الصناعات الرأسية، مثلما ركزت شركة «شل» على الصناعات الأساسية دون الصناعات التحويلية وهو نفس ما فعلته شركة «دي إس إم» بتوجهها إلى صناعة الأدوية والصناعات الغذائية، وغير ذلك من الأمثلة كثير.
ولقد اغتنمت «سابك» الفرص المتاحة بعد دراسة مستفيضة، وحققت الكثير من الفوائد بشراء مصانع «دي إس إم» و«هنتسمان»، حيث أضافت إلى شبكتها الإنتاجية والتسويقية والتقنية مواقع جديدة متقدمة، واستقطبت زبائن هاتين الشركتين، وعززت قدراتها التنافسية في الأسواق العالمية، وأصبحت من كبار المنتجين والمسوقين في السوق الأوروبية.
وإذا كان البعض قد أشار إلى أن قطاع الصناعات البلاستيكية بشركة «جنرال إلكتريك» قد تراجعت أرباحه، فإن ذلك يعود بشكل أساسي إلى ارتفاع كلفة اللقيم تبعاً لارتفاع أسعار البترول .. إلا أن انتقال هذا القطاع إلى «سابك» سوف يهيئ له مجالا واسعاً لتنامي الربحية، من خلال تكامل عملياته مع عمليات مصانعنا في أوروبا والجبيل الصناعية.
كما لا يفوتني في هذا المجال أن أشير إلى أن هذه الصفقة لن تكون في صالح «سابك» وحدها، بل هي أيضاً تشكل رافداً جديداً لنماء الصناعات التحويلية الوطنية، وتمكنها من دخول مجالات صناعية جديدة ، بما في ذلك صناعة السيارات،وغيرها.
ولم تكن عملية الاستحواذ بالأمر الهين اليسير، حيث كان هناك منافسون كثر، من الشركات البتروكيميائية العريقة والصناديق الاستثمارية، إلا أن «سابك» استطاعت كسب الصفقة بأسلوب احترافي وسعر مناسب، ورغم أن المبلغ كان كبيراً إلى أنه لم يؤثر في تصنيف «سابك» الائتماني المعتمد من أبرز وكالات التصنيف العالمية، وهو أعلى تصنيف لشركة بتروكيماوية بعد شركة «باسف».
أما وضع الديون فهو يتناسب مع الدخل، وتعتبر «سابك» أفضل الشركات البتروكيماوية العالمية حسب معيار الدين مقسوماً على صافي الدخل قبل خصم الاستهلاكات والضريبة، الأمر الذي يضع حداً ولا يدع مجالا لأية تكهنات سلبية حول تأثير القروض على «سابك»، ومتانة مركزها المالي.
* نائب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة سابك