حكيم زمانه
02-09-2005, 08:45 PM
بِسْـمِ اللّـهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيـمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ؛ سيد الأولين والآخرين، وعلى آله و صحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
لقد أصبح -في نظر الناس اليومَ- من يُكثر ذِكْرَ الآخرة أو ذكرَ الموت (شخصٌ متشائم) .. و من يخْشَ عذاب الله (شخص يسيء الظن بالله) .. و من يَكثُر بكاؤه -من خشية الله أو طلبًا لرحمته- في الصلاة أو عند سماع القرآن (شخصٌ كئيب)!!
لقد أصبحنا اليومَ –وكثير من المسلمين- وقد اطمأنت قلوبنا وارتاحت نفوسنا دون أدنى قلق؛ وكأن الجنة تحت أقدامنا وفي جيوبنا؛ بحجة أن الله غفور رحيم، وأنه لن يعذبنا فيكفينا شرف محاولة الالتزام بشرع الله... مما أدى بنا إلى التفريط في الكثير من حقوق الله.
نعم... إخوتي... إن الله غفور رحيم، ولكن ألم يقل الغفور الرحيم عن نفسه: نبئ عبادي... فأين عبوديتنا الحقّة لله تعالى؟
ألم يقرن الله الرحمةَ بالعذاب في كثير من الآيات؛ فقال تبارك وتعالى: {إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم}... {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم}... {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب}... فلماذا نفصل الرحمة عن العذاب؟؟ ولماذا نفصل الوعد عن الوعيد ؟؟
إخوتي.. لا شك أن هذا خلل في العبادة .. لا يصح أن أظل خائفةً من عقاب الله ناسيةً رحمته.. و لكن أيضًا لا يصح أن أتكاسل عن أبذل جهدي في طاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ متواكلةً طامعةً في رحمة الله متجاهلةً تحذيره بالعقاب أو العذاب .. فإننا إنما نسير إلى الله تعالى بالخوف منه ومن عقابه والرجاء فيه وفي رحمته مع تحقق محبته في البداية والأصل، كالطائر لا بد له من رأسٍ وجناحين حتى يستطيع الانطلاق والتحليق.
لماذا نضحك بملء أفواهنا ؟؟ من أين لنا كل هذا الاطمئنان؟؟ والإمام ابن حنبل يُسْأَل: يا إمام.. متى يجد العبد طعم الراحة؟ فيرد قائلاً: عند أول قدمٍ يضعها في الجنة.
هذه ليست دعوة مني لنشر الكآبة... ولكن أحبتي... أين بكاؤنا من خشية الله؟؟ أين خوفنا من الوعيد؟؟ أين هَمّ الآخرة في حياتنا؟؟ أين إكثارنا من ذكر الموت وهي وصية نبينا صلى الله عليه وسلم؟؟ لا نرى ذلك إلا نادراً، وإن كان ففي بعض مواسم الخير مثل شهر رمضان أو غيره!! أليس من الخلل في العبادة أن تكون مرتبطة بوقت معين؟؟
ألم يقل الله عز وجل: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى . أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ. لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ. أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [ الذاريات / 56 – 62 ]؟
وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [ مريم / 58 ]؟
ألم يقل الحبيب صلى الله عليه و سلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً؟"؛ فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين [رواه البخاري]، والخنين: هو البكاء مع غُنّة.
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متشائما؟!!؟
بل انظر إلى أمي وأمك عائشة رضي الله عنها؛ وصفية تروي عنها أن امرأةً أتتها تشكو إليها قسوة القلب فقالت لها: "أكثري ذكرَ الموت؛ يرِقُّ قلبك وتقدرين على حاجتك ". وانظر إلى أبيها رضي الله عنه وأرضاه، وهي تصفه قائلة: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه؛ أتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: مُروا أبا بكرٍ فَلْيُصَلِّ، قلت: إن أبا بكر رجلٌ أسيف -وفي رواية: لا يملك دمعه، وفي روايةٍ: كان أبو بكر رجلاً بكّاءً؛ لا يملكُ عينيه إذا قرأ القرآن– إن يقُم مقامك يبكي؛ فلا يقدر على القراءة [البخاري و مسلم]...
وهو من هو؛ هو رجل قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إيمانه أرجح من إيمان الأمة كلها
انظر إلى أبي هريرة –رضي الله عنه- وهو يبكي في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقلة زادي، وأني أمسيت في صعودٍ على جنةٍ أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي".
ومع أننا مهما أوتينا من أعمالٍ صالحة لن تدخلنا الجنة إلا أن يتغمدنا الله برحمته.. إلا أني أعجز عن مقارنة أعمالهم بأعمالنا، وقياس خوفهم على طول أملنا؛ فيعجزني ذلك عن فهم من أين نستمد كل هذه الثقة في المغفرة والرحمة؟.. أنحن أقوى إيمانًا منهم؟؟ أم أن أعمالنا خيراً من أعمالهم؟؟ أم أننا نحسن الظن بالله أكثر منهم؟؟
أخي... أختي... أخاطبكم وأخاطب نفسي قبلكم.. علينا أن نراجع أنفسنا، ونعيد حساباتنا، ونفكر كثيرًا ومليًّا قبل أن نقول إن الله غفور رحيم ونحن ساهون لاهون نفعل ما نفعل، ونعمى عن رؤية حقيقة حالنا.. فوالله ما أرى غير أن القلوب قد قست وما رقَّت، فتمنعت النفوس وما انقادت، وجفَّت العيون وما دمعت... فإلى الله المشتكى، وهو المستعان.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ؛ سيد الأولين والآخرين، وعلى آله و صحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
لقد أصبح -في نظر الناس اليومَ- من يُكثر ذِكْرَ الآخرة أو ذكرَ الموت (شخصٌ متشائم) .. و من يخْشَ عذاب الله (شخص يسيء الظن بالله) .. و من يَكثُر بكاؤه -من خشية الله أو طلبًا لرحمته- في الصلاة أو عند سماع القرآن (شخصٌ كئيب)!!
لقد أصبحنا اليومَ –وكثير من المسلمين- وقد اطمأنت قلوبنا وارتاحت نفوسنا دون أدنى قلق؛ وكأن الجنة تحت أقدامنا وفي جيوبنا؛ بحجة أن الله غفور رحيم، وأنه لن يعذبنا فيكفينا شرف محاولة الالتزام بشرع الله... مما أدى بنا إلى التفريط في الكثير من حقوق الله.
نعم... إخوتي... إن الله غفور رحيم، ولكن ألم يقل الغفور الرحيم عن نفسه: نبئ عبادي... فأين عبوديتنا الحقّة لله تعالى؟
ألم يقرن الله الرحمةَ بالعذاب في كثير من الآيات؛ فقال تبارك وتعالى: {إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم}... {إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم}... {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب}... فلماذا نفصل الرحمة عن العذاب؟؟ ولماذا نفصل الوعد عن الوعيد ؟؟
إخوتي.. لا شك أن هذا خلل في العبادة .. لا يصح أن أظل خائفةً من عقاب الله ناسيةً رحمته.. و لكن أيضًا لا يصح أن أتكاسل عن أبذل جهدي في طاعة الله وامتثال أوامره واجتناب نواهيه؛ متواكلةً طامعةً في رحمة الله متجاهلةً تحذيره بالعقاب أو العذاب .. فإننا إنما نسير إلى الله تعالى بالخوف منه ومن عقابه والرجاء فيه وفي رحمته مع تحقق محبته في البداية والأصل، كالطائر لا بد له من رأسٍ وجناحين حتى يستطيع الانطلاق والتحليق.
لماذا نضحك بملء أفواهنا ؟؟ من أين لنا كل هذا الاطمئنان؟؟ والإمام ابن حنبل يُسْأَل: يا إمام.. متى يجد العبد طعم الراحة؟ فيرد قائلاً: عند أول قدمٍ يضعها في الجنة.
هذه ليست دعوة مني لنشر الكآبة... ولكن أحبتي... أين بكاؤنا من خشية الله؟؟ أين خوفنا من الوعيد؟؟ أين هَمّ الآخرة في حياتنا؟؟ أين إكثارنا من ذكر الموت وهي وصية نبينا صلى الله عليه وسلم؟؟ لا نرى ذلك إلا نادراً، وإن كان ففي بعض مواسم الخير مثل شهر رمضان أو غيره!! أليس من الخلل في العبادة أن تكون مرتبطة بوقت معين؟؟
ألم يقل الله عز وجل: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى . أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ. لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ. أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [ الذاريات / 56 – 62 ]؟
وقال: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [ مريم / 58 ]؟
ألم يقل الحبيب صلى الله عليه و سلم: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً؟"؛ فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين [رواه البخاري]، والخنين: هو البكاء مع غُنّة.
أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم متشائما؟!!؟
بل انظر إلى أمي وأمك عائشة رضي الله عنها؛ وصفية تروي عنها أن امرأةً أتتها تشكو إليها قسوة القلب فقالت لها: "أكثري ذكرَ الموت؛ يرِقُّ قلبك وتقدرين على حاجتك ". وانظر إلى أبيها رضي الله عنه وأرضاه، وهي تصفه قائلة: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه؛ أتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم: مُروا أبا بكرٍ فَلْيُصَلِّ، قلت: إن أبا بكر رجلٌ أسيف -وفي رواية: لا يملك دمعه، وفي روايةٍ: كان أبو بكر رجلاً بكّاءً؛ لا يملكُ عينيه إذا قرأ القرآن– إن يقُم مقامك يبكي؛ فلا يقدر على القراءة [البخاري و مسلم]...
وهو من هو؛ هو رجل قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إيمانه أرجح من إيمان الأمة كلها
انظر إلى أبي هريرة –رضي الله عنه- وهو يبكي في مرضه، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: "أما إني لا أبكي على دنياكم هذه، ولكن أبكي على بُعد سفري، وقلة زادي، وأني أمسيت في صعودٍ على جنةٍ أو نار، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي".
ومع أننا مهما أوتينا من أعمالٍ صالحة لن تدخلنا الجنة إلا أن يتغمدنا الله برحمته.. إلا أني أعجز عن مقارنة أعمالهم بأعمالنا، وقياس خوفهم على طول أملنا؛ فيعجزني ذلك عن فهم من أين نستمد كل هذه الثقة في المغفرة والرحمة؟.. أنحن أقوى إيمانًا منهم؟؟ أم أن أعمالنا خيراً من أعمالهم؟؟ أم أننا نحسن الظن بالله أكثر منهم؟؟
أخي... أختي... أخاطبكم وأخاطب نفسي قبلكم.. علينا أن نراجع أنفسنا، ونعيد حساباتنا، ونفكر كثيرًا ومليًّا قبل أن نقول إن الله غفور رحيم ونحن ساهون لاهون نفعل ما نفعل، ونعمى عن رؤية حقيقة حالنا.. فوالله ما أرى غير أن القلوب قد قست وما رقَّت، فتمنعت النفوس وما انقادت، وجفَّت العيون وما دمعت... فإلى الله المشتكى، وهو المستعان.