تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : العمران في العالم العربي لا يراعي مقومات الحياة



ahmed jasim
14-07-2007, 06:51 AM
وجهة نظر اقتصادية - العمران في العالم العربي لا يراعي مقومات الحياة
ابراهيم محمد الحياة - 14/07/07//

أول ما يلحظه الزائر العربي هذه الأيام إلى عمان والدوحة ودبي والجزائر ودمشق وعواصم ومدن أخرى في العالم العربي هو توسعها العمراني الأفقي الذي يحبس الأنفاس. ولعل أبرز ما يميز هذا التوسع تخلّف البنية التحتية الضرورية عن اللحاق به. يضاف أنه يتم في مصر وبلاد الشام وشمال أفريقيا على حساب الأراضي الزراعية الخصبة التي تتسم بالندرة في غالبية الدول العربية.

العاصمة الأردنية عمّان، على سبيل المثال، هي مدينة قليلة الخضرة يفاجأ المرء بتوسع سكني خانق. واجتاح هذا التوسع محيطها وهو يضم أراضٍ زراعية. ولا يحتاج المرء للغياب سنوات حتى يكتشف تغيير معالم مناطق وأحياء بكاملها. هذه المناطق الجديدة لا تتوافر فيها شبكات الصرف الصحي ذات المواصفات المطلوبة، ناهيك عن الطرق وشبكات الاتصال والمواصلات ووسائل النقل العام. ومعروف أن وضعاً كهذا يترك آثاراً كارثية على البيئة بسبب تسرب المواد الكيماوية من مخلفات المنازل والمتاجر والمكاتب وورش إصلاح السيارات وغيرها إلى الأراضي الزراعية والمياه الجوفية وإن كانت بعيدة من الأبنية. والمعروف أن تسرباً كهذا يجعل الأخيرة غير صالحة للاستخدام فضلاً عن أنه يتسبب بأمراض تكلف موازنة الأفراد والدولة مبالغ باهظة.

ولا يختلف الوضع كثيراً في دمشق حيث التهمت الأبنية غوطتها الشهيرة ولم يبق منها سوى معالم تذكّر بأطلال مساحات خضراء كانت تحيط بالمدينة حتى نهاية سبعينات القرن الماضي. وبفعل ذلك لم تعد هذه المساحات قادرة على تزويد ساكنيها بأكثر من 25 في المئة من حاجاتهم من الأغذية بعدما كانت تزيد على 75 في المئة قبل أقل من 40 سنة وفقاً لمعلومات تجار أسواقها العريقة.

أما في دبي والدوحة والبحرين فالتوسع العمراني وصل إلى مياه الخليج التي تردم لإقامة جزر اصطناعية من الصعب معرفة تبعاتها السلبية على الإحياء البحري في تلك المنطقة خلال السنوات المقبلة. ويستمر التوسع مثل اكتساح الموضة لسوق الألبسة، على رغم مخاوف أبداها خبراء على هذه الحياة. كما يستمر من دون تخطيط وتنفيذ مسبقين لمقومات البنية التحتية في الوقت المناسب لا سيما على صعيد الطرق والجسور ووسائل النقل العامة بما فيها أنفاق المترو والخطوط الحديدية السريعة. وتشكل دبي نموذجاً لذلك إذ أدى ضعف الاهتمام بهذه الوسائل إلى اختناقات مرورية يتزايد عبئها يوماً بعد آخر على السكان والسياح ورجال الأعمال. وهو ما يضطر الأخيرين اللجوء إلى الإمارات المجاورة خلال زياراتهم لشركائهم أو لقضاء أعمالهم.

على النقيض من تجربة التوسع العمراني في العالم العربي، تعد التجربة الأوروبية عموماً والألمانية خصوصاً مثالاً على النجاح في مراعاة مقومات التاريخ والبيئة الحيوية. ففي مدينة مثل العاصمة برلين حددت الأراضي الزراعية وأراضي البناء والمساحات الخضراء التي تشكل حتى الآن ثلث مساحة المدينة منذ نحو مئة سنة. وحتى مقومات البنية التحتية أنشئت منذ نحو قرن أخذت في الاعتبار التطور الذي يمكن أن تشهده المدينة لاحقاً. وهكذا فإن أية عملية توسع لاحقة تشكل امتداداً للبنية القائمة وإغناء لها من الناحيتين العمرانية والتاريخية. أما التوسع العمراني السكني والمكتبي والتجاري في عموم ألمانيا فهو محصور في مناطق جهزت بنيتها التحتية بشكل مسبق ومدروس على أساس طويل الأجل. ويلفت النظر في هذا الإطار الشروط القاسية التي توضع على صعيد التقيد بالحفاظ على المساحات الخضراء واستخدام المياه.

ويخضع البناء داخل المدن والتجمعات السكانية بدوره لمثل هذه الشروط لا سيما عندما يتعلق الأمر بترميم مبنى قديم أو بناء جديد مجاور له. ففي حالات كهذه تكون الشروط صارمة بهدف الحفاظ على الطابع التاريخي. ويلاحظ المرء مدى الحرص على هذا الطابع في المدن والقرى والمناطق الألمانية كلها في شكل فريد من نوعه في العالم. ومن ميزات تجربة ألمانيا التوليف بين القديم والجديد في شكل يستحق دراسته والاستفادة منه في التوسع العمراني الذي يشهده عالمنا العربي حيث لا يأخذ في الاعتبار تاريخه ومقومات حياتنا اليومية.