المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مصر: إصرار حكومي على بيع 80% من بنك القاهرة لمستثمر استراتيجي



مغروور قطر
25-07-2007, 05:11 AM
مصر: إصرار حكومي على بيع 80% من بنك القاهرة لمستثمر استراتيجي

الفريق الاقتصادي لم يعد يخشى المعارضة الصارخة للرأي العام


اقبال اجنبي على تملك حصص كبيرة في البنوك المصرية («الشرق الاوسط»)

القاهرة : ماجدة محمد
جددت الحكومة المصرية عزمها بيع نسبة 80% من بنك القاهرة لمستثمر استراتيجي، كما أكدت أنها لن تزيد النسبة التي ستطرح للجمهور من البنك عما أعلنته من قبل وهي 15% (+ 5% للعاملين)، ونفت وجود أي اتجاه لخفض المطروح للمستثمر الاستراتيجي الى 70% كما طالب البعض.
وعلمت «الشرق الأوسط» إن الإصرار الحكومي على المضي قدما في خطة بيع البنك العام ستتم ترجمته في هجمة رسمية مضادة للترويج لمزايا بيع البنك، وأهمية هذه الخطوة في إطار خطة الإصلاح المصرفي التي كان قد تم إقرارها عام 2003، على الرغم من أنها لم تكن تشمل بيع بنك القاهرة.

وقالت مصادر رفيعة المستوى إن أمانة السياسات بالحزب الحاكم التي يرأسها جمال مبارك نجل الرئيس كانت قد عقدت اجتماعا عشية انعقاد الاجتماع المشترك للجنة الاقتصادية ولجنة الخطة والموازنة بالبرلمان لمناقشة طلبات الإحاطة للنواب الغاضبين من الإعلان المباغت عن بيع البنك، وتوصل المجتمعون من أمانة السياسات إلى ضرورة المضي قدما في خطة بيع البنك وعدم التراجع إزاء الانتقادات العنيفة للقرار، والقيام بحملة مضادة لبيان أهمية تلك الخطوة في ضوء الأزمة التي عاناها بنك القاهرة والتي أوصلته الى وجود عجز في المخصصات يزيد عن 12 مليار جنيه نتيجة تعثر نحو 73% من محفظته الائتمانية، وقال أعضاء السياسات في حضور مسؤولين حكوميين إن بنك مصر نفسه الذى استحوذ على بنك القاهرة في يناير (كانون الثاني) الماضي سيتهاوى إذا استمر في وضع الأخير تحت عباءته.

وتكشف من الاجتماع إن قرار البيع تم اتخاذه بين رئاسة مجلس الوزراء والبنك المركزي وبنك مصر، وبعيدا هذه المرة عن المسؤولين عن برنامج إدارة الأصول العامة، لكن الجميع اتفقوا على أهمية التوحد في الدفاع عن القرار سواء أمام البرلمان أو في مواجهة الرأي العام، كما تكشف أيضا إن وزارة المالية رفضت منح بنك مصر ما بين 10 و12 مليار جنيه لسداد عجز مخصصات القاهرة، بعد أن وضح تعذر تقديم البنك المركزي قرضا مساندا لبنك «مصر» بتلك القيمة، خاصة أنه استنفد الرصيد الذي يمكن أن يتيح هذا القرض من خلاله (عائد الـ 14% من ودائع البنوك لديه والتي لا تحصل عن فوائد عنها)، بعد عمليات مساندة البنوك العامة والخاصة لتطبيق الإصلاح المصرفي في الفترة الماضية.

وقد زاد مرور الاجتماع البرلماني يوم الأربعاء الماضى «على خير» بموافقة اللجنتين على البيع، من ثقة الحكومة وجرأتها في تسويق القرار والهجوم على منتقديه الى حد إن كثيرين باتوا يتوقعون إن تعلن الحكومة في الخطوة التالية عن بيع حصص من بنكي الأهلي ومصر، رغم إن رئيس الدولة قال علنا أنهما لن يباعا.

يذكر إن محافظ البنك المركزي خلال مؤتمر صحافي منذ أيام قال إنه لا مانع في المستقبل، ونظريا على الأقل على حد تعبيره، من بيع حصة من البنك الاهلي أو مصر للجمهور على أن يكون مصريا، ليظل البنكان في النهاية كيانان مصريان طبقا للوعد الرئاسي والحكومي.

وبرغم كل ما تقدم لا يزال الجدل محتدما حول بيع البنوك خاصة للأجانب، وهم الذين يمتلكون الفرصة الأكبر في شراء بنك القاهرة، وزاد من سخونة الجدل ربط الرأي العام بين بيع الأراضي للأجانب الذي تزايد مؤخرا وبين بيع البنوك لهم وجعلهما قضية واحدة.

وتحولت القاهرة خلال الأسبوعين الماضيين الى محط أنظار العديد من المؤسسات المالية والعربية والعالمية، لتبدأ بنوك دولية كبرى بوضع بنك القاهرة على خريطة استثماراتها المقبلة خاصة أن قرار البيع أحيا الأمل لدى بعض البنوك العربية التي أخفقت في شراء 80% من بنك الإسكندرية الذي فاز به بنك انتسيا سان باولو الايطالي أواخر العام الماضي، إلا أن توقعات قوية ترجح عدم جذب صفقة بنك القاهرة أنظار البنوك المصرية لعدم قدرتها على شرائه.

ومع قرب اختيار مؤسسة عالمية تتولى تسويق البنك في الأسواق الدولية بعد نشر إعلان دولي في صحيفتي «الايكومنست» و«الفاينانشيال تايمز» لا يزال الجدل مشتعلا داخل الأوساط الاقتصادية والحزبية وفي دوائر النخبة المصرية، حيث يعتبر المعارضون إن فكرة بيع البنوك العامة للأجانب مرفوضة من الأساس بشكل مطلق، باعتبارها مؤسسات حيوية تمثل عصب الاقتصاد القومي، كما إن التاريخ المصري المعاصر يحمل خبرة مريرة من ممارسات البنوك الأجنبية.

وحذر المعارضون من سيطرة رؤوس الأموال الأجنبية على الجهاز المصرفي المصري واتفقت الأحزاب المصرية على رفض بيع بنك القاهرة، بل وكان حزب الوفد، الليبرالي الداعي لحرية الاقتصاد، الأكثر تنديدا بالقرار الحكومي حيث حملت مانشيتات صحيفته اليومية اتهامات للحكومة باحتقار الشعب، ووصل الأمر برئيس الحزب محمود أباظة الى التشكيك في القدرة السياسية للحكومة ووصف قرار البيع بالقرار السياسي.

على الجانب الآخر أيد عدد كبير من قيادات البنوك الحاليين والسابقين بل ورجال الأعمال البيع معتبرين أنه الحل الأمثل لمواجهة المشاكل الكبيرة التي يعانيها بنك القاهرة سواء المالية أو الإدارية، لتوجه حصيلة بيعه لقطاعات تخدم المجتمع، وبلغ الأمر مداه ببعض المؤيدين مثل محمود عبد العزيز رئيس البنك الاهلي ورئيس اتحاد البنوك السابق، للمطالبة ببيع جميع البنوك العامة، معتبرا أنها خطوة تأخرت كثيرا وكان يجب إن تتم في عهد حكومات سابقة.

والطريف إن الإعلان عن بيع البنك أيضا واكب الذكرى 55 لثورة يوليو وتحول النقاش حول الثورة أو جانب كبير منه إلى مع وضد بيع البنوك لكن المحصلة النهائية لجدل البنوك هي إن المجموعة النيوليبرالية الحاكمة أدركت إن الرأي العام في مصر حاليا لايزال رهين الانفعال الساخن، ويكفيه الفعل الأرسطي أي إن يتطهر من أي قضية بالطريقة الأرسطية «البكاء التراجيدي» على ما يعتقد انه يضيع، ثم يخلد بعد ذلك الى الدورة اليومية للحياة بما فيها من كر وفر وجري وراء لقمة العيش دون اهتمام بانجاز تقدم على صعيد ما كان قد أثاره أو أغضبه، ومن هنا قرر كبار الحزب الحاكم المضي في برنامجهم حتى النهاية والتلويح بالمكاسب المالية الكبيرة التي ستنجم عن صفقة بيع بنك القاهرة التي قدرت مبدئيا بما يتراوح بين 12 و15 مليار جنيه (الدولار = 5.69 جنيه) والتأكيد على أن القسم الأكبر من العائد سينفق على مشاريع للبنية التحتية تخص محدودي الدخل.

وأيا كان ما يحدث فان السياسة انتهت في مصر وراح معها الجدل المنهجي المعبر عن تيارات سياسية حقيقية، ولم يبق إلا الصراخ في مقابل سياسة واضحة لفريق اليمين الجديد قوامها تخارج الدولة من الحقل الانتاجى والخدمي وبيع الأصول العامة والاعتماد على القطاع الخاص، ويتم تجذيرها يوما بعد يوم على أنها الوصفة الناجحة التي نهض بها من سبقونا، وأنه لا يصح أن نتأخر في تطبيقها أكثر من ذلك تحت ضغوط ميراث ثورة يوليو.