المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدولار.. لماذا هذا التراجع؟



مغروور قطر
29-07-2007, 05:06 AM
الدولار.. لماذا هذا التراجع؟

المفارقة أن الصناديق الاستثمارية الأميركية تتخلى عن العملة الخضراء منذ عام 2003

لندن: «الشرق الاوسط»
افاد تقرير حديث صدر عن مجلس الاحتياط الاميركي بأن الدولار فقد 22 في المائة من قيمته أمام مؤشر العملات الرئيسية، مقارنة بالذروة التي وصل اليها عام 2002. كما انه في الوقت الراهن في اضعف حالاته امام اليورو، وفي ادنى مستوياته منذ 26 عاما امام الجنيه الاسترليني و30 عاما امام الدولار الكندي. ويبقى ضعيفا امام العديد من العملات الاخرى.
ويأتي ضعف الدولار في وقت وصل فيه العجز التجاري الاميركي الى اعلى مستوياته التاريخية بعد ان بلغ 800 مليار دولار (حوالي ثلثه مع الصين لوحدها)، مقابل طفرة اقتصادية متواصلة في اسيا، وصعود اقتصادي في اوروبا، وظهور اقتصادي قوي لدول اميركا اللاتينية.

ورغم ان الدولار حقق بعض المكاسب الطفيفة خلال الاسبوع، الا ان قوته في المدى القصير والمتوسط تبقى محل شك نتيجة عوامل كثيرة تدعم اتجاهات الضعف اكثر من عوامل القوة في العملة الخضراء.

وفي هذا السياق قال ديفيد بلوم مدير استراتيجيات العملات في بنك «اتش اس بي سي»، انه خلال طفرة التكنولوجيا و«الدوت كوم»مع نهاية التسعينات من الالفية الماضية، كان الدولار يمثل رهانا رابحا للمستثمرين.

ولكن على مدى الاربع سنوات الماضية فان الوضع انقلب تماما، حيث اصبح الرهان الكبير على اليورو. ويقدر بلوم انه منذ نهاية الشهر الماضي، فان القلق حول سوق الديون للشركات الاميركية او الرهون العقارية كان مسؤولا عن تراجع الدولار نحو 25 في المائة امام اليورو و3 في المائة امام الجنيه الاسترليني، وهذا ما ساعد على دفع الدولار الى ادنى مستوياته امام العملة الاوروبية منذ تداولها في الاسواق، ولادنى مستوى في 26 عاما امام الجنيه الاسترليني.

ولكن بالطبع هناك عوامل اخرى ساهمت في هبوط قيمة العملة الاميركية على مدى السنوات الماضية. ولعل اولها يتعلق بمعدلات الفائدة، فبينما يتوقع معظم المراقبين ان ترتفع معدلات الفائدة في معظم اقتصادات الدول الصناعية، فان الامر كان مختلفا في الولايات المتحدة، فمع توقعات تباطؤ النمو الاقتصادي ومخاوف قطاع المساكن توقعت الاسواق ان يقدم مجلس الاحتياط الاميركي (البنك المركزي) على خفض معدل الفائدة في اميركا.

والقضية الاخرى هو ان ارتفاع اسعار النفط والطاقة بشكل عام ولد ضغوطا متزايدة على الدولار الاميركي، خصوصا في ظل المخاوف على تباطؤ النمو نتيجة ان اميركا هي اكبر مستورد للطاقة في العالم. وبحسب احصائيات ادارة معلومات الطاقة الاميركية، فقد استوردت الولايات المتحدة في العام الماضي ما قيمته 217 مليار دولار من النفط الخام فقط.

والعامل الثالث الذي ساهم في تراجع الدولار يتمثل في قيام البنوك المركزية العالمية بتنويع احتياطاتها من العملات الاجنبية، عبر بيع كميات من الدولار الاميركي وتحويلها الى اليورو وعملات اخرى. وهنا يقدر صندوق النقد الدولي ان البنوك المركزية تملك حاليا اكثر من 5 تريليونات دولار من الاحتياطات الاجنبية.

وعلى سبيل المثال تشير التقديرات الى ان الصين التي تحتفظ باكبر احتياطات مالية في العالم، تصل الى نحو 1.33 تريليون دولار، منها 65 في المائة مقيمة بالدولار و30 في المائة في اليورو والباقي بعملات اخرى.

وهنا قال سايمون ديريك رئيس وحدة ابحاث العملات في بنك «نيويورك ميلون»، حسب ما نقلت عنه صحيفة «الفايننشال تايمز» ان ذلك الامر يعني ان الصين عليها ان تبيع 16 مليارا من الدولارات شهريا للابقاء على تلك النسب المئوية من دون تغيير.

والاحتياطات التي تملكها الصناديق الاستثمارية السيادية او الحكومية (swf) تمثل عاملا اخر من الضغوط النزولية على الدولار الاميركي. فهذه الصناديق بحسب مؤسسة مورغان ستانلي تملك حاليا اصولا مالية تقدر بنحو 2.6 تريليون دولار وتتطلع الى استثمارات مالية متطورة بعيدا عن شراء سندات الخزينة الاميركية التي تتراجع منذ فترة طويلة.

كما ان الاسهم الاميركية، وعلى الرغم من ارتفاعاتها الكبيرة، الا ان هناك اسواقا عديدة في الاسواق الناشئة تقدم عوائد مالية اكبر، الامر الذي استقطبت معه مليارات الدولارات التي توجهت من الولايات المتحدة الى مناطق اخرى من العالم. يشار هنا الى ان الولايات المتحدة الاميركية تعتمد الى حد كبير على التدفقات الاجنبية الى اميركا من اجل تمويل عجزها المالي المتفاقم على مدى السنوات الماضية. والسبب الخامس والمهم في هبوط العملة الخضراء هو مفارقة بحد بذاتها، حيث يقول هنا ستيفن جين من مؤسسة مورغان ستانلي، ان مديري الاموال الاميركيين يبتعدون عن الدولار منذ عام 2003، مبين انه على عكس الافتراض السائد بان التنويع يقتصر بالدرجة الاولى على البنوك المركزية الآسيوية، بل ان مديري الاموال الاميركيين هم ايضا ابتعدوا عن الدولار حيث استثمروا بعيدا عن الدولار نحو 1.2 تريليون دولار خلال الاربع سنوات الماضية، لا بل انه وحسب جين، فان اكبر اللاعبين في عمليات التنويع بعيدا عن الدولار، يتمثل في صناديق التقاعد والتأمين والصناديق الاستثمارية الاخرى التي تتحكم بنحو 21 تريليون دولار، او ما يعادل 4 اضعاف احتياطات العالم من العملات الاجنبية. ولعل هذا الامر يفسر جزءا من اسباب ضعف الدولار.

ولعل القضية السلبية التي تؤثر على الدولار تتمثل في المناخ السيئ تجاه التوقعات حول الدولار، فطبقا لاستطلاع اجراه بنك « ميريل لينش» وحصلت «الشرق الاوسط» على نسخة منه، فان مديري الثروات العالمية كانوا متشائمين باستمرار حول توقعات الدولار على مدى الخمس سنوات الماضية.

ويقول باري إتشينغرين، المحاضر في جامعة كاليفورنيا، في دراسة صغيرة، إن سيطرة أي عملة على العالم يتطلب أيضا ثقة المستهلكين في قيمة تلك العملة. ويضيف أن احتفاظ الدولار بموقعه كعملة الاحتياط النقدي عالمياً سيتوقف على السياسات المالية التي ستتبعها الولايات المتحدة. فاذا استمر عجز الحساب الجاري مرتفعاً لفترة من الزمن، واذا ظلت الالتزامات الخارجية تتصاعد، فإن الدول الأخرى ستصبح غير راغبة في حفظ احتياطاتها النقدية بالدولار، ومن ثم فستنخفض قيمة الدولار، الأمر الذي سيؤدي بدوره الى ضغوط تضخمية ممــا سيزيد من نفور الدول عن العملة الأميركية. فهذه هي الدائرة الخبيثة التي قد تفقد الدولار عرشه، ولن يجدي وقتها رفع اسعار الفائدة لجذب المستثمرين. وتوضح دراسة أخرى اعدها جيفري فرانكيل، الأستاذ في جامعة هارفارد، أن هناك عاملاً إضافياً يلعب دوراً في تحديد عملة الاحتياط الدولية، وهو ما سماه «التأثير والتأثر»، أي أن السلطات النقدية في بلدان كثيرة، تختار العملة المعينة فقط لأن بقية العالم تختارها أيضا، وبذلك يسهل على الجميع التعامل عبرها. ويقول فرانكيل إن اليورو يمكن أن يحل محل الدولار، ولكن ليس قريباً، مذكراً بأن الدولار نفسه استغرق بضعة عقود لكي يحل محل الجنيه الإسترليني. ويحاول الكاتب وضع تصورين (سيناريوهين) خلال العشرين سنة المقبلة ـ الأول لانتصار اليورو، والثاني لبقاء الدولار. فالأول يفترض أن تستمر العملة الأميركية في خسارة نحو 3.6% من قيمتها كل عام مقابل سلة من العملات، في حين يستمر اليورو في الصعود بمعدل 4.6% سنويا مقابل نفس السلة من العملات. وهذه الأرقام لم يخترها الكاتب اعتباطاً، بل هي الأرقام الحقيقية التي ظلت سائدة بين عامي 2001 و2004. فاذا افترضنا استمرار هذه النسب، فإن اليورو سيصبح العملة الأولى بحلول عام 2024. بل اذا تبنت كلٌ من بريطانيا والسويد والدنمارك عملة اليورو، فضلا عن دول أوروبا الشرقية التي انضمت في 2004 الى الاتحاد الأوروبي، فإن التاريخ قد يتغير من 2019 الى 2024، أي بعد 12 عاماً فقط. أما السيناريو الثاني، فيتلخص في أنه اذا لم تستطع أوروبا تخطي عقبات التوحيد الحالية، فإن البعض يرى أن عملة اليورو نفسها قد تختفي، ما بالك أن تسود العالم. عملتان متعادلتان: غير أن هناك سيناريو ثالثاً يطرحه باري إتشينغرين من جامعة كاليفورنيا، وهو أن تصبح العملتان ـ الدولار واليورو ـ متعادلتين في اجتذابهما لاحتياطات العالم من النقد. فمع مرور الوقت وتمكن اليورو من إثبات قيمته، قد يتخلى العالم عن فكرة «العملة المسيطرة».