المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا تعني مبادرة قطر باستحداث منظومة تشريعات وجهاز رقابي جديد؟



مغروور قطر
30-07-2007, 02:58 AM
ماذا تعني مبادرة قطر باستحداث منظومة تشريعات وجهاز رقابي جديد؟| تاريخ النشر:يوم اللإثنين ,30 يُولْيُو 2007 1:11 أ.م.

بقلم د. حبيب الملا :
تناقلت وكالات الأنباء أخيراً ما جاء في جريدة الفايننشال تايمز اللندنية عما أعلنته دولة قطر على لسان وزير ماليتها يوسف كمال عن مبادرة غاية في الأهمية بالنسبة لقطاع الخدمات المالية. إذ أعلنت قطر مباشرتها مشروع دمج الجهات الرقابية المتعددة في هيئة تنظيمية مالية منفردة ومتكاملة تتولى الإشراف على الخدمات المصرفية وقطاع التأمين وقطاع الأسواق المالية وغيرها من الخدمات المالية، وهي المبادرة التي كان قد أعلن عنها أمير قطر في مارس الماضي. ويعني هذا الأمر فصل أعمال الرقابة على المصارف التجارية والمؤسسات المالية المنوطة الآن بمصرف قطر المركزي عن الأعمال السيادية، بحيث يقتصر دور المصرف المركزي على إصدار النقد وتحديد اسعار الفائدة وأسعار الصرف. وستجمع هذه الهيئة التنظيمية الجديدة موارد الموظفين المتوزعة حالياً بين إدارة الإشراف المصرفي والوحدة المصرفية لحماية المستهلك التابعة لها في مصرف قطر المركزي، وهيئة قطر للأسواق المالية، والهيئة التنظيمية لمركز قطر المالي العالمي. وبالتالي، ستقيم هذه الهيئة الجديدة نظاماً واحداً، وتضع، في الوقت ذاته، مجموعة واحدة من القواعد العالية المقاييس والمطبقة على المؤسسات المالية كافة.

ومن المتوقع قيام الهيئة الجديدة بحلول العام المقبل واكتمال عملية الانتقال الخاصة بالمؤسسات المالية بحلول العام 2010 . وسوف يسمح للمؤسسات التي تحمل ترخيصاً بأن تستمر في مزاولة الأنشطة المرخصة لها مادامت تتوافق ومع النظام الجديد، خلال فترة الانتقال.

ونظراً الى الدور المهم الذي يضطلع به قطاع الخدمات المالية في تحريك التنوع الاقتصادي فقد اتجهت الدول الخليجية في السنوات الأخيرة إلى الاهتمام بهذا القطاع لجهة إنشاء جهات رقابية قائمة على أفضل الممارسات العالمية ومزودة بكفاءات وخبرات بشرية عالية تسندها منظومة من التشريعات المالية المتطورة وسلطة قضائية متخصصة بالإضافة إلى بيئة أعمال خدماتية داعمة وقوية. وبدأ هذا الاتجاه بالإعلان عن إنشاء مركز دبي المالي العالمي في العام 2002 كأول خطوة في هذا الاتجاه، تلاه الإعلان عن إنشاء مرفأ البحرين المالي ثم مركز قطر المالي العالمي في العام 2005 كأحدث قادم في هذا السباق لتبوؤ مركز الريادة المالية في المنطقة.

ويتضح من المؤشرات الأولى للتجربة حتى الآن أنها ناجحة وبدأت تؤتي ثمارها. إذ استقطب مركز دبي المالي العالمي ما يزيد على 130 شركة من الشركات المتخصصة والأسماء الرائدة في قطاع الخدمات المالية بدءا من المصارف والتأمين وإدارة الأصول والخدمات المساندة بالإضافة إلى بورصتين إحداهما للسلع والمشتقات والأخرى للطاقة. كما أن مركز قطر المالي العالمي يحتضن حتى الآن أكثر من 50 شركة مالية متخصصة في منافسة محمومة مع نظيره في دبي.

يذكر أن ما رشح حتى الآن من تفاصيل عن المبادرة القطرية يتضح منه أن المبادرة سوف تقوم على عاملين أساسيين هما:

أ- دمج الأجهزة الرقابية المالية سواء الرقابة على أعمال المصارف أو التأمين أو الأسواق المالية في جهاز رقابي واحد.

ب- تعميم القوانين الإنجلوساكسونية والمنطقة في مركز قطر المالي على جميع المعاملات التجارية في قطر والاستعاضة بهذه القوانين عن القوانين اللاتينية التقليدية المطبقة الآن وفي معظم الدول العربية.

وبفضل هذه المبادرة، سوف تتبع قطر النزعة الحديثة في توحيد الجهات الرقابية المنوط بها تنظيم منتجات وأنشطة الخدمات المالية على أنواعها. وتتوقع قطر تحقيق مكاسب مهمة من هذه الخطوة، بما في ذلك زيادة الشفافية والوضوح انطلاقاً من سياق مؤسسي مبسط، وتحسين الكفاءة من خلال حشد القدرات البشرية التنظيمية النادرة، وكذلك القدرة على تكوين رؤية شاملة عن المؤسسات المالية الناشطة على عدة جبهات مالية (كما في القطاع المصرفي، أو التأمين، أو التداول في الأوراق المالية).

وغني عن القول أن نجاح أي هيئة تنظيمية مالية يشترط نيل ثقة صناعة الخدمات المالية وثقة عملائها على السواء. وحسبما أعلن فإن الجهاز التنظيمي الجديد في دولة قطر سيتمتع باستقلالية تامة، وستكون إدارته مسؤولة أمام مجلس من الخبراء القطريين والدوليين في تنظيم الخدمات المالية. وسيتم تعيين مجلس مؤقت في نهاية السنة الجارية ليعين، في أسرع ما يمكن، فريق الإدارة الأعلى.

والاتجاه نحو دمج الجهات الرقابية على قطاعات الخدمات المالية المختلفة وإخضاع هذه القطاعات لجهة رقابية واحدة هو الاتجاه السائد في العالم الآن بالنسبة للأجهزة الرقابية. وبدأ هذا الاتجاه في المملكة المتحدة في أواخر التسعينيات بعد أزمة انهيار بنك الاتحاد والتجارة الدولي حيث تم فصل سلطة الرقابة على أعمال المصارف التجارية عن بنك انجلترا وإنشاء سلطة الخدمات المالية البريطانية التي دمجت عشرة أجهزة رقابية وما يزيد على الـ 2500 موظف. علماً أن نظام الجهة الرقابية الواحدة هو النظام الذي أخذ به كل من مركز دبي المالي العالمي ومركز قطر المالي العالمي.

ويذكر أنه عندما توليت رئاسة سلطة الخدمات المالية في مركز دبي المالي العالمي تقدمت بمذكرة إلى مجلس الإدارة لجهة دراسة الأنظمة الرقابية المطبقة في عواصم المال الرئيسية في العالم وتقديم مذكرة إلى السلطات المسؤولة بفحوى هذه الدراسة مشفوعة بتوصيات عن الاتجاه الواجب اتباعه في دولة الإمارات العربية المتحدة كأفضل الممارسات الموجودة في قطاع الخدمات المالية باعتبار أن الإمارات رائدة في اتباع الممارسات الفضلى واقتصادها هو الأكثر حيوية ونمواً في المنطقة. إلا أن عدم إدراك بعض أعضاء مجلس الإدارة للبعد التنموي لهذه المبادرة والرؤية المستقبلية لقطاع الخدمات المالية في اقتصاد دولة الامارات أدى إلى تجميد المبادرة بذريعة أن مثل هذه التوصيات قد تثير حفيظة المصرف المركزي للدولة! مع أن المصرف المركزي هو الأكثر حرصاً على المصلحة العامة وما من شأنه أن يؤدي إلى ازدهار الاقتصاد. أما الشق الثاني من المبادرة فيعني أن قطر تسعى إلى اتخاذ خطوة جذرية لتحديث قوانينها التجارية دفعة واحدة عوضاً عن الحلول الجزئية التي تعتمد على مبدأ تعديل بعض التشريعات بشكل جزئي وذلك في خطوة جريئة وغير اعتيادية تسعى - على ما يبدو - إلى مسابقة الزمن من خلال إجراء غير مسبوق حتى الآن.

ومع قيام قطر بالاعلان عن مبادرتها الأخيرة فإنه يخشى أن تؤثر هذه الخطوة في الريادة التي لا تزال تتبوؤها الدولة في قطاع الخدمات المالية في المنطقة بفضل كونها الأسبق إلى إنشاء مركز مالي متطور. إذ إن تعميم التجربة على جميع المعاملات المالية في قطر واستحداث تشريعات تجارية متطورة ووفقاً للمعايير العالمية من شأنه أن تكون له آثار بعيدة المدى على الاقتصاد الكلي من مجرد اقتصار هذه القوانين ضمن حيز جغرافي محدود.

أما بالنسبة لتحديث التشريعات فكانت للإمارات تجربة جزئية في هذا المجال ينبغي الاطلاع عليها للوقوف على ما قد يواجه مثل هذا المشروع من صعوبات؛ إذ حاولت وزارة الاقتصاد بالتعاون مع جهاز - مبادلة - في إمارة أبوظبي والمجلس الاقتصادي في إمارة دبي إدخال بعض ملامح النظام القانوني الانجلوساكسوني على مشروع قانون الشركات الجديد وذلك بعد استبعاد المشروع القديم الذي كان مطروحاً على المجلس الوطني. ومن ذلك مثلاً استحداث فكرة مسجل الشركات المعروف في النظم الانجلوساكسونية. إلا أن هذه المحاولة لم يكتب لها النجاح لأسباب عديدة لا يتسع المجال لسردها الآن.

وقد يتساءل البعض عن جدوى تغيير الاتجاه التشريعي المستقر والقائم والمألوف لدى جميع المتعاملين إلى الأخذ باتجاه جديد لم يسبق تجربته مع ما يثيره ذلك من صعوبات قد لا تبدو واضحة في الأفق الآن. وللإجابة عن مثل هذا التساؤل لابد من إلقاء بعض الضوء على خلفية القوانين المطبقة في دول العالم.

إن النظامين القانونيين الرئيسيين في العالم هما النظام القانوني الانجلوساكسوني الذي يعود في جذوره التاريخية إلى الأعراف التي كانت تسود القبائل الجرمانية التي غزت بريطانيا في عصر ما قبل الميلاد والنظام القانوني اللاتيني أو الفرنسي الذي يعتمد على القوانين المدونة التي وضعها الإمبراطور الفرنسي نابليون. ويسود النظام القانوني الانجلوساكسوني بشكل رئيسي في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والهند وباكستان واستراليا ونيوزيلندا وهونج كونج وسنغافورة ودول الكومنولث البريطاني. أما النظام القانوني اللاتيني فيسود في معظم دول القارة الأوروبية والمستعمرات الفرنسية في إفريقيا وكذلك في الدول العربية. علماً بأن كلاً من الأردن والسودان والإمارات المتصالحة قبل الاتحاد كانت تتبنى النظام الانجلوساكسوني قبل أن تتحول بعد ذلك إلى النظام اللاتيني.

إن اتباع الدول العربية لنظام القانون اللاتيني يرجع إلى محض المصادفة لا أكثر وليس لكون هذا النظام هو الأفضل أو الأنسب لهذه الدول. إذ إن أول بعثة تم إرسالها لاستلهام المعارف الأوروبية الحديثة في عهد محمد علي باشا والي مصر ذهبت إلى فرنسا، ونقلت البعثة القوانين الفرنسية إلى مصر ومن ثم قام الخبراء القانونيون المصريون الذين استعانت بهم الدول العربية الوليدة التي خرجت من ربقة الاستعمار لوضع أنظمتها القانونية، قاموا بتعميم القوانين المصرية المستقاة من القوانين الفرنسية في الدول العربية كافة.

ويتضح من استطلاع خريطة مدن المال والأعمال في العالم أن جميع هذه المدن بلا استثناء تتبع النظام القانوني الانجلوساكسوني، ومن ذلك على سبيل المثال مدن لندن ونيويورك وسنغافورة وهونج كونج وسيدني ولم يكن ذلك محض مصادفة بل بسبب مرونة هذه القوانين واستيعابها للتعاملات المالية المتطورة. لذلك فإن القرار الاستراتيجي لكل من مركز دبي المالي العالمي ومركز قطر المالي العالمي بتطبيق القوانين الانجلوساكسونية على التعاملات التي تتم ضمن الإطار الجغرافي لهذه المراكز كان قراراً تم اتخاذه بعناية مدروسة لأن المؤسسات المالية العالمية التي يطمح كلا المركزين إلى استقطابها تعتمد على هذه القوانين وتعمل وفقاً لها مما يساعد على جذبها للمركزين.

مغروور قطر
30-07-2007, 02:58 AM
ومن خصائص النظام القانوني الانجلوساكسوني الميزات الآتية:

أ- مرونته وتطوره قياساً إلى النظام اللاتيني وكذلك قدرته على استيعاب التعاملات التجارية والمالية المتطورة مما يجعله القانون المختار للمؤسسات المالية والمصرفية العالمية ومدن المال والأعمال.

ب- اعتماده على نظام السوابق القضائية بشكل مكثف مما يضفي الاستقرار القانوني في الدول التي تعتمد هذا النظام على أساس وجود إرث قانوني ملزم للمحاكم بما يضمن استقرار الأحكام. كما يمكن الاستشهاد بهذا الإرث عند إعطاء المشورة القانونية مما يتيح للمتعاملين القدرة على اتخاذ قراراتهم بشكل مدروس وواضح.

ج- أنه يعطي للقاضي مرونة أكبر في الاجتهاد القضائي في تفسير النصوص القانونية الأمر الذي يجعل هذه القوانين أكثر قدرة على استيعاب المستجدات التجارية ويقلل من الحاجة إلى التعديل المستمر للنصوص القانونية الذي هو سمة النظم التي تتبع المنهج اللاتيني. إلا أن النظام الانجلوساكسوني في الوقت نفسه يتطلب من القاضي تدريباً متميزاً وقدرة عالية على الفهم والتحليل والاستنباط.

د- أنه يختصر كثيراً من الجلسات الشكلية المتكررة. إذ إنه في النظام الانجلوساكسوني لا تعقد الجلسة إلا بعد اكتمال تقديم الأطراف لأوراقهم ومستنداتهم وقيام القاضي بدراسة أوراق الدعوى، عندها فقط تعقد الجلسة للقيام بالمرافعات الشفوية. وهذا يجنب الأطراف والمحاكم الجلسات الشكلية المتكررة التي لا تحقق أي غرض حقيقي ويقتصر دورها على قيام الأطراف بدور ساعي البريد من خلال تقديم مستنداتهم ومذكراتهم خلال تلك الجلسات من دون أن تكون للمحكمة دراية بمضمونها. الأمر الذي يكلف الأطراف والمحاكم جهداً كبيراً بلا طائل يمكن الاستفادة منه بشكل أكثر فعالية.

هـ- علماً أن النظام القانوني الانجلوساكسوني أقرب في ملامحه إلى النظام القانوني الإسلامي من حيث قدرة القاضي على الاجتهاد في تفسير النصوص واعتماده على السوابق التي هي من قبيل الاجتهادات الفقهية في الفقه الإسلامي. كما أن نظام تفرغ القاضي لقضية واحدة أو عدد قليل من القضايا حتى يتم الفصل فيها هو أيضاً من سمات النظام القضائي الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك فإن نظام المحلفين -في الجانب الجنائي للقوانين الانجلوساكسونية- هو وجه آخر لفكرة العاقلة في الفقه الإسلامي والتي تقوم على مبدأ نظرة المجتمع إلى الفعل الإجرامي وإشراكه في إدانته.

والحقيقة أن المبادرة القطرية بتعميم القوانين الانجلوساكسونية على جميع التعاملات التجارية التي تتم في الأراضي القطرية مبادرة جريئة وتستحق الإشادة. ومن السابق لأوانه الحكم على نتائج هذه التجربة خاصة أنها في مراحلها الأولى. إلا أن المبادرة لو كتب لها النجاح فإنها ستكون سابقة من شأنها أن تغير الخريطة التشريعية في المنطقة من حيث استحداثها لنظام قانوني جديد وتعميمه على جميع التعاملات التجارية. كما أن هذه المبادرة بشقيها سوف تضفي على الاقتصاد القطري المزيد من الحيوية ومن شأنها أن تجعل النظام القانوني والمالي في قطر الأكثر تقدماً في المنطقة كلها.