المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل تخطو أمريكا الخطوة الأخيرة نحو الكساد الكبير؟



ROSE
08-08-2007, 02:02 AM
تمويل الديون بديون يهدد الامبراطورية
هل تخطو أمريكا الخطوة الأخيرة نحو الكساد الكبير؟


القاهرة ميرفت دياب:


لأول مرة تقف الولايات المتحدة بين المطرقة والسندان... دين في الخارج وآخر في الداخل وكلاهما يهدد بكساد اقتصادي ليس واشنطن وحدها التي ستعاني منه، لكن العالم أيضا سيدفع ثمنا باهظا له، فقد اعتادت الولايات المتحدة على أن تكون الحروب بمثابة الأداة التي تعمل على تحريك الاقتصاد، فالحرب صناعة كبيرة وهائلة وعادة ما تحشد الدولة إمكاناتها الهائلة وراء الجيش، وعلى العكس من دول كثيرة في العالم، فإن الحرب لا تستنزف الموارد في أمريكا بل تنعش الأسواق الاستهلاكية بنفس القدر الذي تنتعش به صناعة الأسلحة وكل الصناعات المكملة والمحيطة بها، لكن الولايات المتحدة، وهي اكبر قوة عسكرية في العالم كانت دائما تجد من يمول هذه المغامرات كما كانت الحال في حربي الخليج الأولى والثانية.


أما الحرب في العراق فكان عليها أن تمولها وحدها لتنفرد بالكعكة كاملة. ولأن أمريكا هي أيضا أكبر دولة مدينة في العالم فهي تتعايش من خلال أسواق المال التي تمولها الاستثمارات الأجنبية أي أنها تستدين اليوم لتنفيذ مغامراتها العسكرية على أمل أن تؤتي أكلها الاقتصادية فتصبح قادرة على سداد ديونها في الغد الذي قد لا يأتي ابدا، لكن المشكلة التي بدأت في الظهور هذا العام وأخذت آثارها تترك بصمات واضحة في الاقتصاد الأمريكي من خلال أسواق البورصة التي اهتزت بشدة أكثر من مرة في “وول ستريت” بشكل خاص وفي أنحاء العالم بشكل عام، أكدت أن تمويل الديون بديون جديدة أصبح أداة تهدد استمرار الامبراطورية الأمريكية ليس في الخارج فقط بل وفي الداخل حيث سار المواطن الأمريكي على نفس نهج حكومته. فالإدارة الأمريكية تعرف جيدا أن تفوقها العسكري هو الأداة التي تستعيض بها عن القيام بعملية تنمية حقيقية وهو ما جعل الاقتصاد الأمريكي يعتمد على دور نيويورك كمركز مالي عالمي بعد أن انتقلت الصناعة إلى دول آسيا رخيصة العمالة.

لكن عندما تأزم الوضع في العراق باعتبارها الجزء الأهم من الحرب ضد “الإرهاب” بالمنظور الأمريكي وفاقت تكلفتها المادية الحرب الفيتنامية وأصبحت عبئا على الموازنة الأمريكية، لم تجد إدارة البيت الأبيض بداً من الالتفاف للداخل وتقدم الرئيس الأمريكي جورج بوش بالتعاون مع رئيس مجلس محافظي البنك المركزي الأمريكي، آلان جرينسبان، بخطة لإنعاش الاقتصاد.

وقدم بوش ما عرف منذ ست سنوات ببرنامج خفض الضرائب على الشرائح العليا من أصحاب الدخول في أمريكا، ولإسكات منتقدي هذا البرنامج قام جرينسبان بعد ذلك بخفض الفوائد على القروض إلى أدنى مستوياتها في محاولة لإنعاش الأسواق عبر عملية مالية وليست إنتاجية، ذلك أن الاقتصاد الأمريكي يعتمد في جزء كبير منه (ثلثا معدل النمو) على الاستهلاك الداخلي.

وأغرت المستويات المنخفضة للفوائد على القروض والخطة التي تبناها الرئيس الأمريكي لخفض الضرائب والتي استفادت منها أيضا شريحة كبيرة من الطبقة الوسطى، ملايين الأمريكيين لاستعادة ما فقدوه من “الحلم” الأمريكي ومحاولة العيش في مستوى الرفاهية الذي يليق بأبناء الامبراطورية الوحيدة في العالم.

واشترى الأمريكيون العقارات على أمل أن يكونوا قادرين في الغد برواتبهم الضئيلة ومع شد الأحزمة على سداد ديونهم خلال السنوات المقبلة، لكن قبل أن يتمكنوا من الاستقرار في بيوتهم الجديدة أصبحوا مدينين بما يقرب من تريليون دولار، وذلك حسب المقياس العقاري المعدل، وهذا هو المشهد الأول من المأساة التي يعيشها الأمريكيون الآن.

أما المشهد الثاني فجاء في تقارير حول الأداء في هذا القطاع بين نهايتي عامي 2005 و ،2006 حيث انخفضت أسعار هذه المنازل بنسبة 50% وتراجعت حركة البناء منذ يناير/ كانون الثاني الماضي بنسبة 14ر3%. وهكذا أصبحت شركات التمويل العقاري والبنوك غير قادرة على استرداد أموالها من الأمريكيين، فقد كانت حركة الشراء والإقبال على قروض البنوك وشركات التمويل العقاري إحدى الأدوات التي استخدمها جرينسبان للإيحاء بوجود حالة انتعاش في الأسواق، لكنه مثل كل كبار الاقتصاديين كان يعلم جيدا أن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى حالة كساد تبدو الآن أكثر خطورة مما توقع الكثيرون، فقد اختار هذا الاقتصادي المخضرم أن ينتعش اقتصاد الدولة على حساب المقترضين الذين فقدوا القدرة على دفع مديونياتهم، وبالتالي وقعت البنوك وشركات التمويل العقاري في مأزق كبير.

فقد تلاشت أحلامهم في الأرباح وأصبحوا يبحثون عن مخرج لهم وللمقترضين في الوقت نفسه ليستعيدوا أموالهم. ومع تراجع أسعار العقارات أصبح من المستحيل أن يلجأ أي من الطرفين لإعادة عملية البيع لان الخسارة ستكون فادحة. وهكذا اهتزت بورصة نيويورك وفي أعقابها اهتزت بورصات العالم حيث أدت حالة الانهيار التي أصيب بها سوق العقارات والشركات الممولة للقروض إلى بداية ضعيفة جدا لنمو الاقتصاد الأمريكي هذا العام في الربع الأول منه حيث بلغت نسبته 0ر6% وهي النسبة الأسوأ منذ أربع سنوات، وهو ما دعا الإدارة الأمريكية لخفض توقعاتها الاقتصادية لهذا العام ليصل النمو المتوقع إلى 2ر3% بدلا من 2ر9%. لكن معدلات النمو في الربع الثاني - حسب الفريق الاقتصادي لإدارة جورج بوش والذي يضم وزير الخزانة هنري بولسون، ووزير التجارة كارلوس جوتيريز- بلغت 3ر4% وكانت مفاجأة استدعت أن يعقد الرئيس بوش وفريقه مؤتمراً صحافياً لتأكيد قوة الاقتصاد الأمريكي وهيمنته على العالم.

لكن الحقيقة التي اضطر بولسون للاعتراف بها هي أن هذا النمو في الاقتصاد الأمريكي يعود إلى قوة الاقتصاد العالمي والنمو القوي الذي تشهده مناطق أخرى من العالم. وبحسبة سريعة أدرك المتابعون أن معدل النمو بلغ في أحسن الأحوال في النصف الأول من هذا العام 2% فقط بما يعني انه كان على الإدارة الأمريكية أن تخفض مرة أخرى توقعاتها لمستقبل النمو الاقتصادي في المدى القريب، فالمؤكد الآن أن أزمة السوق العقارية فرضت نفسها على الأسواق والأنشطة الاقتصادية في أمريكا.

فعلى الرغم من أن الأزمة العقارية هدأت في الربع الثاني من هذا العام حيث توقفت الاستثمارات بنسبة 9ر3% مقارنة بالربع الأول الذي توقفت فيه الحركة بنسبة 16ر3%، أدى ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم إلى 4ر3%، أما تواتر التقارير حول أزمة السوق العقاري فقد أدى بدوره إلى تراجع في مؤشر وول ستريت لأكثر من مرة هذا العام كان آخرها الأسبوع الماضي حيث تراجع مؤشر داو جونز الصناعي 450 نقطة لتضيع مع هذا التراجع مليارات عدة من الدولارات في أسواق الأسهم. ومع اهتزاز سوق المال في وول ستريت اهتزت الأسواق في لندن وباريس وبرلين.

الغريب أن واشنطن حاولت إغراء الصين بالاستثمار في سندات السوق العقارية والذي بدا واضحا انه يترنح ويحتاج إلى دفقة دماء قوية من الاستثمارات الأجنبية، وسافر وزير الإسكان والتنمية العقارية الفونسو جاكسون إلى بكين لإقناعها بتخصيص جزء من استثمارات الاحتياطي النقدي الأجنبي لها والبالغ 1ر33 تريليون دولار لشراء سندات في السوق العقارية بدلا من أذونات الخزانة الأمريكية، والمعروف أن الصين تملك 414 مليار دولار في اذونات الخزانة الأمريكية منذ ابريل/ نيسان الماضي وذلك حسب آخر أرقام أعلنتها مؤسسة “بلومبيرج”، كما تملك بكين سندات عقارية بلغت أكثر من 107 مليارات دولار.

وعلى الرغم من أن بكين تعتمد في جزء كبير من عملية التنمية الاقتصادية الهائلة التي تقوم بها الآن على صادراتها للسوق الأمريكية إلا أنها رفضت التورط في شراء هذه السندات بل وأعلنت عن إنشاء مؤسسة خاصة لتصحيح مسار استثماراتها من النقد الأجنبي الذي انتقده الكثير من الخبراء الاقتصاديين الصينيين، وذلك لعدم تنوعه واقترابه المرضي من الاستثمارات الدولارية. ويعكس موقف الصين دعوات بدأت تتردد في دول آسيا بضرورة إنهاء الهيمنة النقدية للدولار وسيطرته على الاقتصاد العالمي، فالقيمة الحالية للدولار رغم انخفاض أسعاره في مواجهة الين واليورو- مبالغ فيها جدا إذا ما أخذنا في الاعتبار وضع الاقتصاد الأمريكي وحجم الدين الخارجي والعجز الهائل في الحساب الجاري والميزان التجاري لحساب دول أخرى ووصول الدين المحلى إلى 6 تريليونات دولار حيث إن الدولار أصبح عملة نقدية لا تحمل الكثير من القيمة الاقتصادية الحقيقية.

ROSE
08-08-2007, 02:02 AM
ويؤكد هنري ليو، الخبير الاقتصادي ورئيس مجموعة ليو للاستثمار في نيويورك، انه منذ رفع الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون غطاء الذهب عن الدولار باعتباره مقياسا للقيمة، أصبحت التجارة العالمية مجرد لعبة تقوم فيها واشنطن بإصدار الدولار وتقوم دول العالم الأخرى بإنتاج البضائع التي يمكن شراؤها بالدولار، ولأن اقتصادات العالم أصبحت متشابكة فإن التنافس الحالى- حسب رأي ليو- أصبح لا يزيد على كونه منافسة للحصول على الدولار إما لشراء ما يلزم العملية الإنتاجية أو لتسديد الفوائد على القروض الدولية أو لدعم رصيد الاحتياطي النقدي من العملات الصعبة.

فالعجز في الحساب الجاري الأمريكي بلغ 875 مليار دولار سنويا. وهذا العجز تموله الاستثمارات الخارجية اعتمادا على المركز المالي القوي لأسواق وول ستريت، لكنه يعني أيضا أن على الولايات المتحدة أن تجذب استثمارات خارجية تبلغ 70 مليار دولار كل شهر، وعندما تتراجع هذه الاستثمارات كما حدث في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مثلا- فإن ذلك يضع ضغوطا شديدة على قيمة الدولار قد تؤدي إلى انهياره. الغريب أن الاستثمارات الخارجية لم تتراجع فقط في ديسمبر بل خرج من دوائر المال الأمريكية ما يقرب من 11 مليار دولار، كما كثف المستثمرون الأمريكيون استثماراتهم في سندات طويلة الأجل في الخارج بلغت لأول مرة 64 مليار دولار. هذه المبالغ قد لا تكون كبيرة لكنها ذات مغزى خصوصا مع انتعاش أسواق البورصة في أوروبا التي تقدم أرباحا تزيد على 8% وفي آسيا حيث تصل الأرباح لأكثر من 14%. لكن لاتزال للقصة بقية في المطبخ المالي العالمي، فالدولار على الرغم من كل هذه الضغوط لا ينهار كما أن اليورو وهو المنافس القوي له لم يرتفع كثيرا ذلك أن المستثمرين من الصين واليابان وربما الأوروبيين أنفسهم حافظوا على المستويات المعتادة للدولار الأمريكي. فطوكيو وبكين تستثمران وحدهما ما يقرب من 7ر1 تريليون دولار في العملة والأسهم الأمريكية ومن غير الطبيعي أن تتركاهما تنهاران وإلا انهارت استثماراتهما.لكن اتجاها أصبح يتزايد الآن يشير إلى أن المستثمرين الخارجيين أو بمعنى أدق ممولي الديون الأمريكية أصبحوا أكثر حذرا ويعملون منذ فترة على تنويع استثماراتهم خارج أمريكا وداخل قاراتهم وهو ما يفسر تزايد النغمة القائلة إنها سيطرة الدولار على الأسواق العالمية أو بالأحرى اعتماد عملة جديدة قبل أن يسقط الدولار كما سقط من قبله الجنية الاسترليني ومعهما مخاطر انهيار اقتصادي عالمي. ويحذر الخبراء من أن حركة الاقتصاد العالمي التي أصبحت تدور في فلك الدولار لخدمة الدين الأمريكي ما هي إلا نوع من الانتحار وتدمير الذات اقتصاديا.

ويؤكد فيرج بيرجيستين، رئيس معهد بيترسون للعلاقات الاقتصادية الدولية في شهادته أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، أن الخطر الأكبر يكمن في احتمال توقف أو تغيير مسار الاستثمارات العالمية التي تمول الدين الخارجي والعجز في الحساب الجاري والموازنة الأمريكيين. ويضيف بيرجيستين ان أي انخفاض في حجم هذه الاستثمارات سيؤدي إلى حالة تدهور سريعة وحادة في أسعار تداول الدولار وهو ما يعني عمليا ارتفاع أسعار الخدمات والبضائع المستوردة التي تنافس البضائع المحلية.

وذلك بالإضافة إلى زيادة الفوائد على القروض لتصل لمستوى معدلات التضخم، وتستمر العملية ليصل الاقتصاد الأمريكي إلى حالة التباطؤ ومنها الدخول بسرعة في كساد. وأشار إلى انه من المستحيل تحديد الوقت بالضبط أو حجم مثل هذه الكارثة، غير انه يشير إلى حقائق عدة يجب أن تؤخذ في الاعتبار وهي أولا: أن كل 10% من التدهور الذي يصيب متوسط الثقل التجاري للدولار تعني زيادة على التضخم بمعدل 1%، ثانيا: أن الدولار تصل الزيادة الحالية في أسعاره على قيمته الحقيقية لأكثر من 20% وهو ما يعني زيادة معدلات التضخم بنسب تتراوح بين 4 و 6% وزيادة فوائد البنوك بنسبة 8%. ويحذر بيرجيستين من أن الدولار قد يعاني أزمة مماثلة لما حدث في الثمانينات عندما انخفض سعره بنسبة 30%.

لكن ما يشير إلى احتمال دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة تباطؤ ثم كساد واحتمال انهيار قيمة الدولار إلى النصف هو أن حجم العجز يصل إلى الضعف عما كان عليه في الثمانينات، كما أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد في مرحلة الشباب كما كان بل إن أعلى معدلات نمو له لا تتجاوز 3% وهو ما يعني أن أي صدمة خارجية قد تكون من القوة بحيث تؤدي إلى دخوله في حالة كساد.

الأهم من كل ذلك، أن أمريكا في الثمانينات كانت دائنة وليست مدينة عندما تراجع سعر الدولار، وهو عكس الوضع الآن كما أن الأسواق العالمية لم تكن أمامها عملة أخرى تلجأ إليها في مواجهة انهيار الدولار وهو ما جعلها تعمل على ضخ المليارات في سندات الخزانة الأمريكية للحفاظ على أسعار منتجاتها التي يتم بيعها بالدولار. أما الآن فقد أصبح اليورو من اشد المنافسين للدولار الأمريكي مع فارق كبير أن اليورو يقف خلفه اقتصاد واسع وقوي ومتنوع لدول أوروبا مجتمعة، كما أن غطاءه من الاحتياطي النقدي اكبر بكثير من الدولار.

المشكلة الآن أن الشعب والحكومة في أمريكا أصبحا في المأزق نفسه، فالإدارة الأمريكية يطوقها الفشل في حربها ضد الإرهاب خصوصا في العراق ولم تعد باستطاعتها زيادة تمويل هذه الحرب أو الاستمرار في دفع التكلفة العالية لها دون مردود استثماري واضح اقتصاديا. وحتى وقت قريب كان من الصعب تحديد تكلفة الحرب العراقية وبالتالي تحديد المردود لهذا الاستثمار المستنزف للموازنة الأمريكية حيث اعتاد الرئيس بوش على أن يطلب ميزانية الحرب في العراق كجزء من ميزانية الحرب ضد الإرهاب أو مع تكلفة الحرب في أفغانستان، كما أن جزءا كبيرا من هذه الميزانية أصبحت الإدارة تتقدم بطلبه باعتباره ميزانية طوارئ، كما هو الحال مع إرسال المزيد من القوات للعراق، أما الأمريكيون، فقد وقعوا في فخ الديون والبطالة وأصبح عليهم أن يجاهدوا ليصلوا إلى تسوية ما مع البنوك أو فليستمروا في التخلف عن الدفع وهو ما يهدد بانهيار شركات التمويل العقاري وكساد في البنوك وبطالة غير محدودة أو ما يسميه الأمريكيون الكساد الكبير