ROSE
14-08-2007, 02:10 AM
الاستثمارات الخليجية «تخترق» العاصمة التونسية بشكل غير مسبوق ...الكويتيون أعطوا شرارتها الأولى.. قطر رقم جديد في المعادلة.. والإماراتيون قاموا بـ «استثمار تاريخي
الحكومة تهيئ الظروف لكي تكون عاصمة للأعمال في شمال إفريقيا، والمراقبون يطرحون توافر شروط سياسية لتحقيق ذلك
تونس- صالح عطية :
لم يشهد التعاون التونسي مع بلدان الخليج، هذه الطفرة التي عرفها خلال العامين الماضيين، حيث تكثـفت العلاقات بشكل لافت للنظر على أكثر من صعيد، قبل أن تتوج، بتوقيع الحكومة التونسية، اتفاقية مع شركة إماراتية، هي الأضخم في حجمها وإطارها ومضمونها وأهميتها في تاريخ البلاد..
التعاون التونسي- الخليجي، انطلق مطلع الستينيات من القرن المنقضي، عبر مشروعات فلاحية وفي مستوى البنية الأساسية (محولات وطرقات ومسالك فلاحية)، كانت الكويت بادرت بإنجازها من خلال تمويلات، بدأت متدرجة لكنها كانت ضخمة ومنتظمة، عبر الصندوق الكويتي للتنمية العربية، الذي يذكره المسؤولون التونسيون بكثير من الحميمية، باعتباره رافق الجهد التونسي من أجل التنمية والتقدم في البلاد، عندما كان التخطيط يجري على قدم وساق، لإخراجها من براثن التخلف والنمط الريفي، باتجاه الطور المديني، ونحو شكل من أشكال الحداثة التي كانت هدف الدولة الجديدة والجمهورية الخارجة للتوّ من جلباب الاستعمار الفرنسي..
ومع توالي السنوات، أخذت المساعدات الكويتية شكل الاستثمارات في قطاعات السياحة، (عبر سلسلة "أبو نواس" الشهيرة) والصناعة والبنية الأساسية ، إلى جانب بناء السدود والمسالك الفلاحية في المحافظات الشمالية للبلاد..
الخطوة الثانية
ثم جاء بعد ذلك دور الاستثمارات السعودية، عبر مشروعات مشتركة، مالية ومصرفية وعقارية، أسهمت بقسط وافر في تغيير زوايا المشهد التونسي العام، قبل أن تتكثف في قطاعات مختلفة، بعد أن أيقن رجال الأعمال السعوديون، بأن التربة التونسية مثمرة وولاّدة، باعتبارها لا تقتصر على الجغرافيا التونسية فحسب، وإنما يصل مداها المحيط الأوروبي والمتوسطي بشكل عام، ويتيح أفقا جديدا لأموال سعودية ضخمة تبحث لها عن أطر ومنابت لإغنائها وتطويرها..
الغريب في الأمر، أن هذا الزخم في العلاقة بين تونس وكل من الكويت والمملكة العربية السعودية، لم يكن يعكس زخما مماثلا في مستوى التنسيق السياسي، في ضوء رهان الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، على نقاط ارتكاز أخرى في سياسته الخارجية، بعيدا عن إطار العلاقات بدول الخليج في تلك الفترة.. لقد مثّل هاجس التحديث على الطريقة الأوروبية، ذلك الضباب الكثيف الذي حجب الرؤية، فلم ير التونسيون آنذاك، سوى المثال الأوروبي والنموذج الأوروبي ماثلا أمامهم، الأمر الذي جعلهم يستعيضون عن العلاقة مع الخليج، أو بالأحرى، يقصرونها على بعض الاستثمارات المحدودة، فيما كانت دول المشرق وبعض بلدان الجوار الشمال إفريقي، قد تفطنت إلى هذا "الرقم الجديد" في المعادلة الدبلوماسية..
نظرة جديدة
لكن هذه النظرة، سرعان ما تبدلت بمجرد قدوم رئيس الوزراء التونسي الأسبق، محمد مزالي مطلع الثمانينيات من القرن المنقضي، الذي لعب دورا مهما في تنشيط شرايين العلاقات التونسية- الخليجية، بشكل جعل المستثمرين الخليجيين يضعون تونس ضمن أجندة تحركهم واستراتيجية أنشطتهم.. وتزامن التحرك التونسي في الواقع، مع بوادر أزمة اقتصادية بدأت تطل برأسها بعد نحو خمسة وعشرين عاما من الحكم، في ضوء محدودية الثروات الطبيعية، فكان لا بد من "منشّطات" لهذا الاقتصاد، لكي يحافظ من خلالها على عناصر بقائه واستمراره، في عالم بدأ يشهد بعض التغيرات في ملامحه التي ستتبدل بشكل شبه كلي فيما بعد..
ومع انفجار العلاقات الدولية في أعقاب الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي بداية التسعينيات من القرن الماضي، وعلى الرغم من توقيع الحكومة التونسية في عام 1995، اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، كانت الأعين التونسية ترقب الحراك الخليجي وتتتبع خطاه، في مسعى لإحداث "اختراق" يصل إلى درجة الرهان "الاستراتيجي"، وهو ما حصل فعلا على امتداد العشرية الماضية على الأقل، حيث لم تشهد تونس هذا السياق النشيط في العلاقات مع دول الخليج مثلما تم خلال هذه الفترة..
وتزامن هذا النشاط الاستثماري الخليجي، مع مرور منطقة الخليج بحرب طويلة لم تضع أوزارها منذ عام 1990، عندما أقدم الرئيس العراقي الراحل على احتلال الكويت، وما استتبع ذلك من حرب دولية لتحريرها، قبل أن يدخل الخليج برمته في دوامة تداعيات احتلال العراق المستمرة منذ عام 2003، بالإضافة إلى تداعيات تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وهي أحداث اضطرت الرأسمال الخليجي إلى البحث عن مواطن آمنة، بعيدا عن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فكانت منطقة شمال إفريقيا، ومنها تونس، إحدى أبرز الدول المستفيدة من هذه المستجدات الإقليمية والدولية المتسارعة، سيما في ضوء الظروف الأمنية التي تعيشها المنطقة المغاربية، قياسا بدول عديدة لم تعد ملجأ آمنا بالنسبة للخليجيين، سواء الأوروبية منها أو الأمريكية أو حتى الآسيوية..
وأسهمت التقارير الدولية وتلك الصادرة عن مؤسسات عالمية متخصصة، والتي نوهت بالوضع الاقتصادي التونسي، من حيث شفافيته وقدرته التنافسية العالية، وحالة الاستقرار التي يمر بها خلال الأعوام العشرين الماضية، حيث كان معدل النمو في حدود 5 بالمائة، وهو معدل جيد قياسا بالظرفية الاقتصادية الدولية وتقلباتها، أسهمت هذه التقارير في تشجيع المستثمرين الخليجيين على إدراج الرقم التونسي ضمن حسابات أعمالهم، خصوصا بعد أن أقدمت الحكومة التونسية على تعديل أوتارها المتعلقة بقوانين الاستثمار، التي لم تكن تستجيب لبعض "الشروط" الخليجية..
بداية التحرك الخليجي
وفاق حجم رؤوس الأموال الخليجية التي تدفقت على تونس في غضون السنوات القليلة الماضية، مائتي مليون دينار تونسي (الدولار يساوي 1,260 دينار تونسي) في عام 2005، فيما كانت هذه النسبة في حدود 97 مليون دينار خلال عام 2001، وهو ما يعني أن الاستثمارات الخليجية في تونس، زادت نسبتها بنحو 53 % خلال السنوات الخمس المنقضية.
وبدأت المجموعات الكبرى في دول الخليج، تهتم بتونس للاستثمار في قطاعات واعدة، مثل الاتصالات والخدمات المالية والسياحة.
من هذه الزاوية، تحركت الاستثمارات الكويتية، باتجاه تطوير تموقعها في الساحة التونسية.. فقرر البنك التونسي- الكويتي، وضع استراتيجية جديدة ترمي إلى تنويع الاستثمارات، والتوجه نحو المشاريع ذات القيمة المضافة العالية، والموجهة كليا نحو التصدير، خصوصا أن الاقتصاد التونسي مرتبط شديد الارتباط بالجانب الأوروبي، بما يوفر للبنك هامشا أوسع لحراكه المالي..
وكان البنك التونسي- الكويتي قد تخصص خلال السنوات الطويلة الماضية، في تمويل المشاريع ذات الصبغة السياحية..
وأعلنت شركة "أم بي أي إنترناشيونال هولدينغ" الكويتية من جهتها، عن إحداث صندوق للاستثمارات السياحية برأسمال بلغت قيمته 65 مليون دينار تونسي، يهدف إلى تجديد وحدات فندقية قصد إعادة تشغيلها..
وكان الكويتيون قد أعلنوا في وقت سابق هذا العام، عن وضع استراتيجية جديدة لتطوير أدائهم في القطاع الصناعي التونسي، المقبل على تنافسية عالية بين المستثمرين من أنحاء مختلفة من العالم.
توسيع الرقعة السعودية
وفي خطوة متساوقة مع خيار المصرف التونسي الكويتي، قررت الشركة العقارية التونسية- السعودية، الترفيع في رأس مالها من 9 إلى 13 مليون دولار، ضمن رغبة تهدف إلى شراء أراض جديدة، بغية استمرار نشاطها إلى ما بعد الخماسية القادمة..
كما قررت الشركة المشتركة التي يعود تأسيسها إلى عام 1985، تطوير نشاطها، عبر الترفيع في معدل البناء السنوي من 6700 متر مربع، إلى 17 ألف متر مربع خلال الفـترة المقبلة، إلى جانب تنويع مصادر التمويل من خلال اللجوء إلى السوق المالية التونسية...
وتطمح الشركة العقارية التونسية- السعودية، في سياق منافستها للمشروعات الكويتية، إلى تهيئة العديد من المركبات المعدة للسكن والأعمال من النوع الرفيع، وذلك على مساحة تقدر بـ120 ألف متر مربع، بينها "إنترنشيونال سيتي 1 و2 و3"، و"كليوباترا سنتر" و"إقامة الخزامى" و"ديار الرحاب 3 و4 و5" و"دريـم سنتر"...
وفي عام 2005، بلغ عدد الشركات ذات الرأسمال السعودي العاملة في قطاع السياحة، نحو 18 شركة توظف حوالي ثلاثة آلاف شخص، فيما ينشط المستثمرون السعوديون في القطاع المالي منذ مدة طويلة، عبر البنك التونسي- السعودي للتمويل.
ويرجح المسؤولون التونسيون إمكانية الزيادة في حجم الاستثمارات السعودية في تونس خلال المرحلة المقبلة في ضوء اتفاقيات التعاون الموقعة بين البلدين.
الرقم القطري الجديد
بالموازاة مع هذه الدماء الجديدة في التعاون التونسي- الخليجي، دخلت قطر "على الخط" من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم مع تونس، تهدف إلى إنشاء مصفاة النفط بالصخيرة (320 كيلو متر جنوب العاصمة التونسية)، وهو أول مشروع من نوعه، تدخله الحكومة القطرية في بلد عربي في مجال إنتاج وصناعة البتروكيماويات..
وستنتج المصفاة في البداية، نحو 150 ألف برميل نفط يوميا، إلى جانب إنشاء مجمع للبتروكيماويات والأسمدة الكيماوية التي ستكون إحدى أهم الصناعات التي سيتم إنجازها بداية من عام 2011.
وتتجاوز كلفة بناء هذه المصفاة، ملياري دولار تقريبا، وسط توقعات بأن تفتح آفاقا ضخمة لتونس في صناعة وإنتاج البتروكيماويات في البلاد...
ومن غير المستبعد، أن تشهد المرحلة القادمة إقدام المستثمرين القطريين على مشروعات في قطاعات الخدمات والمصارف والاتصالات، وسط توقعات بأن تكون هذه الاستثمارات ضمن إطار يختلف عن بقية الاستثمارات الخليجية المتعارف عليها..
«الهجمة» الإماراتية
على أن العامين الماضيين، كانا عامي الاستثمارات الإماراتية بامتياز.. ففي هذا الظرف الزمني الوجيز، قلب الإماراتيون معطيات الاستثمار لصالحهم، وباتوا أكبر مستثمر أجنبي بتونس، بعد أن كان الأوروبيون، وتحديداً الفرنسيين، الشريك التجاري الأول لتونس، وأكبر مستثمر فيها على امتداد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن..
وشملت طفرة الاستثمارات الإماراتية فى تونس، مشاريع ضخمة فى عدة قطاعات، فاق حجمها إلى حد الآن سبعة مليارات دولار.
فقد فازت شركة "تيكوم ـ ديغ" التابعة لشركة دبى القابضة فى مارس من عام 2006، بأكبر عملية خصخصة فى تونس، عبر عرض بلغ 3.5 مليار دينار (1.83 مليار يورو- 2.25 مليار دولار)، لشراء 35 بالمائة من رأسمال اتصالات تونس، وهو أكبر بكثير من عرض منافستها فى الجولة الأخيرة، شركة "فيفاندى يونيفرسال" الفرنسية المعروفة..
وأعلنت مجموعة "بوخاطر" نهاية شهر أكتوبر من ذات العام، عن مشروع ضخم هو الأول من نوعه فى تونس، ويتمثل فى إنشاء مدينة سكنية وترفيهية ورياضية متكاملة على ضفاف بحيرة تونس الشمالية، وهى أرقى المنتجعات السكنية والتجارية للعاصمة التونسية..
الحكومة تهيئ الظروف لكي تكون عاصمة للأعمال في شمال إفريقيا، والمراقبون يطرحون توافر شروط سياسية لتحقيق ذلك
تونس- صالح عطية :
لم يشهد التعاون التونسي مع بلدان الخليج، هذه الطفرة التي عرفها خلال العامين الماضيين، حيث تكثـفت العلاقات بشكل لافت للنظر على أكثر من صعيد، قبل أن تتوج، بتوقيع الحكومة التونسية، اتفاقية مع شركة إماراتية، هي الأضخم في حجمها وإطارها ومضمونها وأهميتها في تاريخ البلاد..
التعاون التونسي- الخليجي، انطلق مطلع الستينيات من القرن المنقضي، عبر مشروعات فلاحية وفي مستوى البنية الأساسية (محولات وطرقات ومسالك فلاحية)، كانت الكويت بادرت بإنجازها من خلال تمويلات، بدأت متدرجة لكنها كانت ضخمة ومنتظمة، عبر الصندوق الكويتي للتنمية العربية، الذي يذكره المسؤولون التونسيون بكثير من الحميمية، باعتباره رافق الجهد التونسي من أجل التنمية والتقدم في البلاد، عندما كان التخطيط يجري على قدم وساق، لإخراجها من براثن التخلف والنمط الريفي، باتجاه الطور المديني، ونحو شكل من أشكال الحداثة التي كانت هدف الدولة الجديدة والجمهورية الخارجة للتوّ من جلباب الاستعمار الفرنسي..
ومع توالي السنوات، أخذت المساعدات الكويتية شكل الاستثمارات في قطاعات السياحة، (عبر سلسلة "أبو نواس" الشهيرة) والصناعة والبنية الأساسية ، إلى جانب بناء السدود والمسالك الفلاحية في المحافظات الشمالية للبلاد..
الخطوة الثانية
ثم جاء بعد ذلك دور الاستثمارات السعودية، عبر مشروعات مشتركة، مالية ومصرفية وعقارية، أسهمت بقسط وافر في تغيير زوايا المشهد التونسي العام، قبل أن تتكثف في قطاعات مختلفة، بعد أن أيقن رجال الأعمال السعوديون، بأن التربة التونسية مثمرة وولاّدة، باعتبارها لا تقتصر على الجغرافيا التونسية فحسب، وإنما يصل مداها المحيط الأوروبي والمتوسطي بشكل عام، ويتيح أفقا جديدا لأموال سعودية ضخمة تبحث لها عن أطر ومنابت لإغنائها وتطويرها..
الغريب في الأمر، أن هذا الزخم في العلاقة بين تونس وكل من الكويت والمملكة العربية السعودية، لم يكن يعكس زخما مماثلا في مستوى التنسيق السياسي، في ضوء رهان الرئيس الراحل، الحبيب بورقيبة، على نقاط ارتكاز أخرى في سياسته الخارجية، بعيدا عن إطار العلاقات بدول الخليج في تلك الفترة.. لقد مثّل هاجس التحديث على الطريقة الأوروبية، ذلك الضباب الكثيف الذي حجب الرؤية، فلم ير التونسيون آنذاك، سوى المثال الأوروبي والنموذج الأوروبي ماثلا أمامهم، الأمر الذي جعلهم يستعيضون عن العلاقة مع الخليج، أو بالأحرى، يقصرونها على بعض الاستثمارات المحدودة، فيما كانت دول المشرق وبعض بلدان الجوار الشمال إفريقي، قد تفطنت إلى هذا "الرقم الجديد" في المعادلة الدبلوماسية..
نظرة جديدة
لكن هذه النظرة، سرعان ما تبدلت بمجرد قدوم رئيس الوزراء التونسي الأسبق، محمد مزالي مطلع الثمانينيات من القرن المنقضي، الذي لعب دورا مهما في تنشيط شرايين العلاقات التونسية- الخليجية، بشكل جعل المستثمرين الخليجيين يضعون تونس ضمن أجندة تحركهم واستراتيجية أنشطتهم.. وتزامن التحرك التونسي في الواقع، مع بوادر أزمة اقتصادية بدأت تطل برأسها بعد نحو خمسة وعشرين عاما من الحكم، في ضوء محدودية الثروات الطبيعية، فكان لا بد من "منشّطات" لهذا الاقتصاد، لكي يحافظ من خلالها على عناصر بقائه واستمراره، في عالم بدأ يشهد بعض التغيرات في ملامحه التي ستتبدل بشكل شبه كلي فيما بعد..
ومع انفجار العلاقات الدولية في أعقاب الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي بداية التسعينيات من القرن الماضي، وعلى الرغم من توقيع الحكومة التونسية في عام 1995، اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، كانت الأعين التونسية ترقب الحراك الخليجي وتتتبع خطاه، في مسعى لإحداث "اختراق" يصل إلى درجة الرهان "الاستراتيجي"، وهو ما حصل فعلا على امتداد العشرية الماضية على الأقل، حيث لم تشهد تونس هذا السياق النشيط في العلاقات مع دول الخليج مثلما تم خلال هذه الفترة..
وتزامن هذا النشاط الاستثماري الخليجي، مع مرور منطقة الخليج بحرب طويلة لم تضع أوزارها منذ عام 1990، عندما أقدم الرئيس العراقي الراحل على احتلال الكويت، وما استتبع ذلك من حرب دولية لتحريرها، قبل أن يدخل الخليج برمته في دوامة تداعيات احتلال العراق المستمرة منذ عام 2003، بالإضافة إلى تداعيات تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، وهي أحداث اضطرت الرأسمال الخليجي إلى البحث عن مواطن آمنة، بعيدا عن أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، فكانت منطقة شمال إفريقيا، ومنها تونس، إحدى أبرز الدول المستفيدة من هذه المستجدات الإقليمية والدولية المتسارعة، سيما في ضوء الظروف الأمنية التي تعيشها المنطقة المغاربية، قياسا بدول عديدة لم تعد ملجأ آمنا بالنسبة للخليجيين، سواء الأوروبية منها أو الأمريكية أو حتى الآسيوية..
وأسهمت التقارير الدولية وتلك الصادرة عن مؤسسات عالمية متخصصة، والتي نوهت بالوضع الاقتصادي التونسي، من حيث شفافيته وقدرته التنافسية العالية، وحالة الاستقرار التي يمر بها خلال الأعوام العشرين الماضية، حيث كان معدل النمو في حدود 5 بالمائة، وهو معدل جيد قياسا بالظرفية الاقتصادية الدولية وتقلباتها، أسهمت هذه التقارير في تشجيع المستثمرين الخليجيين على إدراج الرقم التونسي ضمن حسابات أعمالهم، خصوصا بعد أن أقدمت الحكومة التونسية على تعديل أوتارها المتعلقة بقوانين الاستثمار، التي لم تكن تستجيب لبعض "الشروط" الخليجية..
بداية التحرك الخليجي
وفاق حجم رؤوس الأموال الخليجية التي تدفقت على تونس في غضون السنوات القليلة الماضية، مائتي مليون دينار تونسي (الدولار يساوي 1,260 دينار تونسي) في عام 2005، فيما كانت هذه النسبة في حدود 97 مليون دينار خلال عام 2001، وهو ما يعني أن الاستثمارات الخليجية في تونس، زادت نسبتها بنحو 53 % خلال السنوات الخمس المنقضية.
وبدأت المجموعات الكبرى في دول الخليج، تهتم بتونس للاستثمار في قطاعات واعدة، مثل الاتصالات والخدمات المالية والسياحة.
من هذه الزاوية، تحركت الاستثمارات الكويتية، باتجاه تطوير تموقعها في الساحة التونسية.. فقرر البنك التونسي- الكويتي، وضع استراتيجية جديدة ترمي إلى تنويع الاستثمارات، والتوجه نحو المشاريع ذات القيمة المضافة العالية، والموجهة كليا نحو التصدير، خصوصا أن الاقتصاد التونسي مرتبط شديد الارتباط بالجانب الأوروبي، بما يوفر للبنك هامشا أوسع لحراكه المالي..
وكان البنك التونسي- الكويتي قد تخصص خلال السنوات الطويلة الماضية، في تمويل المشاريع ذات الصبغة السياحية..
وأعلنت شركة "أم بي أي إنترناشيونال هولدينغ" الكويتية من جهتها، عن إحداث صندوق للاستثمارات السياحية برأسمال بلغت قيمته 65 مليون دينار تونسي، يهدف إلى تجديد وحدات فندقية قصد إعادة تشغيلها..
وكان الكويتيون قد أعلنوا في وقت سابق هذا العام، عن وضع استراتيجية جديدة لتطوير أدائهم في القطاع الصناعي التونسي، المقبل على تنافسية عالية بين المستثمرين من أنحاء مختلفة من العالم.
توسيع الرقعة السعودية
وفي خطوة متساوقة مع خيار المصرف التونسي الكويتي، قررت الشركة العقارية التونسية- السعودية، الترفيع في رأس مالها من 9 إلى 13 مليون دولار، ضمن رغبة تهدف إلى شراء أراض جديدة، بغية استمرار نشاطها إلى ما بعد الخماسية القادمة..
كما قررت الشركة المشتركة التي يعود تأسيسها إلى عام 1985، تطوير نشاطها، عبر الترفيع في معدل البناء السنوي من 6700 متر مربع، إلى 17 ألف متر مربع خلال الفـترة المقبلة، إلى جانب تنويع مصادر التمويل من خلال اللجوء إلى السوق المالية التونسية...
وتطمح الشركة العقارية التونسية- السعودية، في سياق منافستها للمشروعات الكويتية، إلى تهيئة العديد من المركبات المعدة للسكن والأعمال من النوع الرفيع، وذلك على مساحة تقدر بـ120 ألف متر مربع، بينها "إنترنشيونال سيتي 1 و2 و3"، و"كليوباترا سنتر" و"إقامة الخزامى" و"ديار الرحاب 3 و4 و5" و"دريـم سنتر"...
وفي عام 2005، بلغ عدد الشركات ذات الرأسمال السعودي العاملة في قطاع السياحة، نحو 18 شركة توظف حوالي ثلاثة آلاف شخص، فيما ينشط المستثمرون السعوديون في القطاع المالي منذ مدة طويلة، عبر البنك التونسي- السعودي للتمويل.
ويرجح المسؤولون التونسيون إمكانية الزيادة في حجم الاستثمارات السعودية في تونس خلال المرحلة المقبلة في ضوء اتفاقيات التعاون الموقعة بين البلدين.
الرقم القطري الجديد
بالموازاة مع هذه الدماء الجديدة في التعاون التونسي- الخليجي، دخلت قطر "على الخط" من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم مع تونس، تهدف إلى إنشاء مصفاة النفط بالصخيرة (320 كيلو متر جنوب العاصمة التونسية)، وهو أول مشروع من نوعه، تدخله الحكومة القطرية في بلد عربي في مجال إنتاج وصناعة البتروكيماويات..
وستنتج المصفاة في البداية، نحو 150 ألف برميل نفط يوميا، إلى جانب إنشاء مجمع للبتروكيماويات والأسمدة الكيماوية التي ستكون إحدى أهم الصناعات التي سيتم إنجازها بداية من عام 2011.
وتتجاوز كلفة بناء هذه المصفاة، ملياري دولار تقريبا، وسط توقعات بأن تفتح آفاقا ضخمة لتونس في صناعة وإنتاج البتروكيماويات في البلاد...
ومن غير المستبعد، أن تشهد المرحلة القادمة إقدام المستثمرين القطريين على مشروعات في قطاعات الخدمات والمصارف والاتصالات، وسط توقعات بأن تكون هذه الاستثمارات ضمن إطار يختلف عن بقية الاستثمارات الخليجية المتعارف عليها..
«الهجمة» الإماراتية
على أن العامين الماضيين، كانا عامي الاستثمارات الإماراتية بامتياز.. ففي هذا الظرف الزمني الوجيز، قلب الإماراتيون معطيات الاستثمار لصالحهم، وباتوا أكبر مستثمر أجنبي بتونس، بعد أن كان الأوروبيون، وتحديداً الفرنسيين، الشريك التجاري الأول لتونس، وأكبر مستثمر فيها على امتداد أكثر من ثلاثة عقود من الزمن..
وشملت طفرة الاستثمارات الإماراتية فى تونس، مشاريع ضخمة فى عدة قطاعات، فاق حجمها إلى حد الآن سبعة مليارات دولار.
فقد فازت شركة "تيكوم ـ ديغ" التابعة لشركة دبى القابضة فى مارس من عام 2006، بأكبر عملية خصخصة فى تونس، عبر عرض بلغ 3.5 مليار دينار (1.83 مليار يورو- 2.25 مليار دولار)، لشراء 35 بالمائة من رأسمال اتصالات تونس، وهو أكبر بكثير من عرض منافستها فى الجولة الأخيرة، شركة "فيفاندى يونيفرسال" الفرنسية المعروفة..
وأعلنت مجموعة "بوخاطر" نهاية شهر أكتوبر من ذات العام، عن مشروع ضخم هو الأول من نوعه فى تونس، ويتمثل فى إنشاء مدينة سكنية وترفيهية ورياضية متكاملة على ضفاف بحيرة تونس الشمالية، وهى أرقى المنتجعات السكنية والتجارية للعاصمة التونسية..