ROSE
22-08-2007, 07:49 AM
"الاقتصادية" تنشر تقريرا موسعا عن العملة السعودية أعدته شركة جدوى للاستثمار
تقرير: الاقتصاد السعودي غير مهيأ حاليا لفك ارتباط الريال بالدولار
- "الاقتصادية" من الرياض - 09/08/1428هـ
أكد تقرير اقتصادي حديث أن أفضل خيار للسعودية حاليا هو إبقاء عملتها (الريال) مرتبطة بالدولار وعدم إجراء أي تعديل في سعر صرفها. وقال التقرير الذي أصدرته شركة جدوى للاستثمار, إنه من الطبيعي أن يأتي يوم يكون فيه القرار الصائب بالنسبة للسعودية هو التخلي عن الربط بالدولار, وهناك سببان للجوء لذلك الخيار هما، أولاً، أن يكون الاقتصاد قد تنوع بدرجة كبيرة تبعده عن نفوذ الدولار. وثانياً، أن الدولة تحتاج إلى أدوات مستقلة لتحديد سعر الفائدة وذلك عندما ترتفع مديونية الشركات والأفراد بأعلى مما هي عليه.
لكن التقرير يستبعد حدوث أي من تلك الشروط الأساسية خلال السنوات المقبلة القريبة، حيث إن تنويع الاقتصاد يعتبر عملية متدرجة ومن المرجح أن يظل سوق النفط مُقوما بالدولار لسنوات عديدة مقبلة. ويؤيد التقرير أن تكاليف تغيير سعر الصرف تفوق حسناتها كثيرًا, خصوصاً أن التضخم المستورد لا يشكل إلا قدراً ضئيلاً من موجة التضخم الحالية في السعودية.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
هناك رأي متنام أن الوقت قد حان لتعديل سعر صرف الريال (برفع قيمته) بل وربما اقتفاء أثر الكويت والتخلي عن سياسة الربط بالدولار الأمريكي. ويتم إلقاء اللوم على الدولار المتهالك على أنه وراء ارتفاع التضخم وجعل العطلات الصيفية في الخارج أكثر تكلفة. إضافة إلى ذلك، تحوم أسعار النفط قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق ويشهد الاقتصاد حالة ازدهار مما يمثل ضغطا طبيعيا لتعزيز قوة الريال. وفي رأينا فإن تكاليف تغيير سعر الصرف تفوق حسناتها كثيرًا خصوصاً أن التضخم المستورد لا يشكل إلا قدراً ضئيلاً من موجة التضخم الحالية في السعودية، أما أكبر المتضررين من إجراء رفع قيمة الريال فهم كما يلي:
الدولة
يتم تسلم عائدات النفط بالدولار ومن ثم تحويلها إلى الريال للإنفاق على الميزانية. ومن شأن إجراء تعديل على سعر الصرف التسبب في إضعاف قيمة الريال وانعكاس ذلك على واردات النفط مما يؤدي بالتالي إلى خفض حجم الفوائض المالية للدولة وتسريع اليوم الذي تتراجع فيه الميزانية إلى خانة العجز. أما احتياطي الدولة من الموجودات الأجنبية المقوم بالدولار في معظمه، الذي يفوق حجمه حالياً 240 مليار دولار فستنخفض قيمته بمجرد تحويله إلى الريال.
مؤسسة النقد (ساما): أكدت مؤسسة النقد مراراً أنه لا نية لديها لتعديل سياسة ربط سعر الصرف مع الدولار، القائمة منذ 21 عاما. لذا ستتضرر مصداقية ساما وتتراجع الثقة في العملة إذا ما تدهورت أسعار النفط أو ارتفع سعر الدولار. علاوة على ذلك، لا تحبذ البنوك المركزية في العادة إجراء تغييرات مفاجئة أو حادة في أسعار الصرف، خصوصاً أن التعديلات الطفيفة قد لا تؤتي إلا أثراً محدوداً بالنسبة لمن تضرر من ضعف الدولار.
المستثمر الأجنبي
إضافة عامل التخوف من تغيير سعر الصرف إلى الريال الأكثر تكلفة ستثبط من همة الاستثمارات الأجنبية وتؤدي لتقويض مبادرة اقتصادية رئيسية.
الشركات المحلية
ستشهد الشركات السعودية المصدرة ارتفاعاً في أسعارها في الأسواق الخارجية بينما تقل تنافسيتها. أما تلك التي تتنافس منتجاتها مع الواردات مثل المواد الغذائية ومواد البناء والأثاث فستعاني الواردات الأقل تكلفة.
ربما يكون من الصواب إجراء تغيير في سياسة الربط بالدولار على المدى الطويل وذلك عندما يتنوع الاقتصاد وتتضح حاجة مؤسسة النقد لتطوير أدوات سياسة نقدية أكثر استقلالية للتحكم في سعر الفائدة. لكن الوقت لذلك لم يحن بعد، كما أن تغيير سعر الصرف لمجرد ملاحقة تحركات الدولار يشكل سياسة قد تفوق سيئاتها حسناتها في هذا الوقت. والاحتمال الوحيد لتعديل سعر صرف الريال في ظل الظروف الحالية حسبما نعتقد ربما يأتي من الرغبة في توزيع أرباح عوائد النفط المرتفعة على المواطنين الذين تأثرت مداخيلهم من ارتفاع التضخم.
سعر الصرف المستقر
ظل ربط الريال السعودي عند معدل 3.75 مقابل الدولار سارياً منذ عام 1986. وكانت سياسة الربط هذه قد تم تبنيها بغرض الحفاظ على استقرار قيمة العملة داخلياً وخارجياً، وتم اختيار الدولار دون غيره باعتباره العملة المستخدمة في تقييد تعاملات تجارة النفط الدولية، الوضع الذي لا يزال قائماً حتى اليوم. يهيمن النفط على السواد الأعظم من إيرادات الميزانية والصادرات عند مستوى 91 في المائة و88 في المائة على التوالي. وحتى تتمكن من دعم سياسة الربط تحتفظ مؤسسة النقد (ساما) بموجب النظام برصيد كاف من "العملات الأجنبية القابلة للتحويل إلى ذهب" وهي أدوات مالية قصيرة الأجل بالدولار الأمريكي من أجل تغطية كامل قيمة العملة الورقية المتداولة من الريال السعودي، أي ذلك الجزء من عرض النقود الذي يطلق عليه اصطلاحاً "ن-0". وفي الواقع تحتفظ مؤسسة النقد اليوم برصيد من العملات الأجنبية يتعدى كثيراً ما هو مطلوب لتوفير التغطية الكاملة للعملة المحلية.
وحتى اليوم فقد استوفى الربط أغراضه داعماً للأداء الاقتصادي في البلاد. ويستخدم التضخم في قياس مدى استقرار قيمة العملة داخلياً، حيث يؤدي ارتفاعه إلى تآكل القدرة الشرائية للريال. وقد راوح معدل التضخم في السعودية بين عامي 1986 و2006 عند مستوى 0.5 في المائة في المتوسط. أما الاستقرار الخارجي فيتم قياسه باستخدام "سعر الصرف الساري الفعلي"، الذي يأخذ في الاعتبار قيمة الريال السعودي مقابل عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية. وحسب تقارير صندوق النقد الدولي فقد ظل سعر الصرف الفعلي للريال مستقراً نسبياً باستثناء الفترات التي وهنت فيها قوة الدولار بصورة كبيرة بين عامي 1986و1987 وعامي 2002 و2005.
وشكلت تطورات أسواق النفط ضغوطاً على سياسة الربط في بعض الأحيان، ففي عام 1993 أدى تضافر أسعار النفط المتدهورة مع المخاوف بشأن العجز في الميزانية والميزان التجاري إلى خلق موجة من المضاربات راهنت على انخفاض قيمة الريال في أسواق العملات. كما حدثت موجات مضاربة مشابهة في أواخر عام 1998 وأوائل عام 1999 تزامنت مع تراجع أسعار النفط والأزمة الاقتصادية في آسيا التي نتج عنها انخفاض كبير في أسعار صرف معظم العملات في المنطقة. وقد أصابت مؤسسة النقد حينها عندما تدخلت في أسواق العملات للحفاظ على استقرار الريال بتوظيف احتياطياتها الضخمة من الموجودات الأجنبية. أما الآن فإن الضغط لا يأتي من أسواق العملات بقدر ما يأتي من الآراء السائدة التي تدعو لرفع قيمة الريال أو حتى إنهاء سياسة ربط سعر الصرف.
لماذا هناك ضغط من أجل التغيير؟
أحد الأسباب هو الاعتقاد السائد أن علاقة العملتين قد اختلت، حيث إن الارتفاع المطرد في سعر النفط إضافة لحالة الرواج الاقتصادي من شأنهما العمل على تعزيز قيمة الريال، لكن الدولار الضعيف يتسبب في تدهور قيمة الريال في الخارج، بينما يضعف التضخم من قيمته في الداخل. كما عملت العوامل العالمية والإقليمية على إزكاء حالة التخمينات بشأن تعديل سعر الصرف.
إن عملية تحديد مدى توافق عملة ما مع قيمتها العادلة تشوبها صعوبات كثيرة. مثال ذلك لا يوجد إجماع واضح بين الاقتصاديين على كيفية التوصل إلى "القيمة العادلة" لعملة ما، خصوصاً إذا كانت العملة غير معومة بالكامل وبالتالي لا علاقة لقوى السوق في تحديد سعر صرفها. لكن رغم ذلك، وكما يشرح الرسم البياني، يبدو أن هناك تغيرات هيكلية في أسعار النفط لم تنعكس على سعر الصرف. كما أن فائض الحساب الجاري الضخم بما يتعدى إمكانية استمراره على هذا النحو إلى ما لا نهاية (تخطى الفائض 20 في المائة من الناتج الإجمالي في كُلٍ من الأعوام الثلاثة الماضية) يعتبر أيضاً وبصورة عامة إشارة إلى أن قيمة العملة تعتبر منخفضة. أخيرا، هناك ما يطلق عليه "مؤشر بيج ماك" الذي تشرف عليه مجلة "إيكونوميست"، والذي يلمح إلى أن قيمة الريال تعتبر أقل بواقع 30 في المائة مقابل الدولار (يقوم هذا المؤشر على فرضية أن أسعار أي منتج متطابق من حيث المواد والعمالة والخدمات المطلوبة لتركيبه وتوزيعه ينبغي أن تكون متساوية في كل الدول). عليه يعزي المؤشر أي فروقات في الأسعار إلى الخلل في توازن سعر الصرف. وقد توصل إلى نتائج مشابهة محللون آخرون يستخدمون أساليب أكثر تعقيداً.
وهناك عامل آخر يدعم فكرة أن قيمة الريال دون مستواها حاليا وهو تراجعه أمام بعض العملات العالمية الرئيسية الأخرى، خصوصا اليورو والجنيه الاسترليني. ومما لا شك فيه أن التدفق الضخم من العملات الأجنبية في ظل نظام حر لسعر الصرف كان سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع قيمة الريال. لكن بدلا من ذلك، وبسبب ضعف قيمة الدولار، انخفض الريال. ويوضح الرسم البياني في الصفحة السابقة أن "سعر الصرف الفعلي للريال السعودي" قد انخفض بواقع 21 في المائة منذ نهاية عام 2001.
الجدول أدناه يوضح أن عملات جميع الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية قد تعززت أمام الريال منذ نهاية عام 2005.
لذا فإن الجدل أن سعر الصرف غير متسق حالياً يعتبر مقبولاً، لكن هل يعني ذلك أن إجراء تغيير على الربط بعد 21 عاما من ثبات سعر الصرف يعتبر سياسة سليمة؟ نعتقد أن الإجابة بالنفي، على الأقل في الوقت الراهن. وكما تعلمت الدول الآسيوية التي تعتمد على الصادرات فإن العملة ذات القيمة المنخفضة نوعاً ما تدعم التنافسية والنمو من خلال تحفيز الصادرات بينما تعمل على الحد من الواردات. عليه فإن الاقتصاد السعودي يعتبر مستفيداً من سعر الصرف الحالي. كما أن أسواق العملات تتحرك بسرعة أكبر من حركة صانعي السياسات الحكومية، لذا فإن إجراء تعديل منفرد في سعر صرف الريال بسبب ضعف الدولار قد يأتي بنتائج سلبية إذا ما اشتدت قوة الدولار فجأة. والآن وبعد عقود من ربط سعر الصرف فإن أي مبرر للتغيير ينبغي أن يرتكز على الحجج الاقتصادية الهيكلية وليست مجرد الحركة في أسواق العملات الأجنبية. ونتطرق فيما يلي إلى تلك الحجج.
التضخم وسعر الصرف
إحدى أكثر الحجج الاقتصادية تردداً في الوقت الراهن فيما يتعلق بتعديل سعر الصرف هي أن الريال الضعيف يتسبب في التضخم المستورد. وقد كان ذلك أحد أكبر المبررات التي طرحتها الكويت في سياق رفعها سعر صرف الدينار.
وحدث أن هبوط الريال قد تزامن مع فترة من الارتفاع في التضخم في السعودية، حيث ارتفع التضخم من متوسط 0.3 في المائة عام 2003 إلى 3.1 في المائة بحلول حزيران (يونيو) 2007. لكن من شأن ضعف الريال أن يؤدي إلى ارتفاع قيمة الواردات بالعملات الأخرى وليس بالدولار. وتواصل الحجة في أن رفع قيمة الريال ستؤدي في خفض فاتورة الواردات مما يخفف بالتالي من التضخم المستورد. لكننا لا نعتقد أن للتضخم أية علاقة كانت أو ستكون بارتفاع الأسعار في السعودية للأسباب التالية:
.
تقرير: الاقتصاد السعودي غير مهيأ حاليا لفك ارتباط الريال بالدولار
- "الاقتصادية" من الرياض - 09/08/1428هـ
أكد تقرير اقتصادي حديث أن أفضل خيار للسعودية حاليا هو إبقاء عملتها (الريال) مرتبطة بالدولار وعدم إجراء أي تعديل في سعر صرفها. وقال التقرير الذي أصدرته شركة جدوى للاستثمار, إنه من الطبيعي أن يأتي يوم يكون فيه القرار الصائب بالنسبة للسعودية هو التخلي عن الربط بالدولار, وهناك سببان للجوء لذلك الخيار هما، أولاً، أن يكون الاقتصاد قد تنوع بدرجة كبيرة تبعده عن نفوذ الدولار. وثانياً، أن الدولة تحتاج إلى أدوات مستقلة لتحديد سعر الفائدة وذلك عندما ترتفع مديونية الشركات والأفراد بأعلى مما هي عليه.
لكن التقرير يستبعد حدوث أي من تلك الشروط الأساسية خلال السنوات المقبلة القريبة، حيث إن تنويع الاقتصاد يعتبر عملية متدرجة ومن المرجح أن يظل سوق النفط مُقوما بالدولار لسنوات عديدة مقبلة. ويؤيد التقرير أن تكاليف تغيير سعر الصرف تفوق حسناتها كثيرًا, خصوصاً أن التضخم المستورد لا يشكل إلا قدراً ضئيلاً من موجة التضخم الحالية في السعودية.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
هناك رأي متنام أن الوقت قد حان لتعديل سعر صرف الريال (برفع قيمته) بل وربما اقتفاء أثر الكويت والتخلي عن سياسة الربط بالدولار الأمريكي. ويتم إلقاء اللوم على الدولار المتهالك على أنه وراء ارتفاع التضخم وجعل العطلات الصيفية في الخارج أكثر تكلفة. إضافة إلى ذلك، تحوم أسعار النفط قرب أعلى مستوياتها على الإطلاق ويشهد الاقتصاد حالة ازدهار مما يمثل ضغطا طبيعيا لتعزيز قوة الريال. وفي رأينا فإن تكاليف تغيير سعر الصرف تفوق حسناتها كثيرًا خصوصاً أن التضخم المستورد لا يشكل إلا قدراً ضئيلاً من موجة التضخم الحالية في السعودية، أما أكبر المتضررين من إجراء رفع قيمة الريال فهم كما يلي:
الدولة
يتم تسلم عائدات النفط بالدولار ومن ثم تحويلها إلى الريال للإنفاق على الميزانية. ومن شأن إجراء تعديل على سعر الصرف التسبب في إضعاف قيمة الريال وانعكاس ذلك على واردات النفط مما يؤدي بالتالي إلى خفض حجم الفوائض المالية للدولة وتسريع اليوم الذي تتراجع فيه الميزانية إلى خانة العجز. أما احتياطي الدولة من الموجودات الأجنبية المقوم بالدولار في معظمه، الذي يفوق حجمه حالياً 240 مليار دولار فستنخفض قيمته بمجرد تحويله إلى الريال.
مؤسسة النقد (ساما): أكدت مؤسسة النقد مراراً أنه لا نية لديها لتعديل سياسة ربط سعر الصرف مع الدولار، القائمة منذ 21 عاما. لذا ستتضرر مصداقية ساما وتتراجع الثقة في العملة إذا ما تدهورت أسعار النفط أو ارتفع سعر الدولار. علاوة على ذلك، لا تحبذ البنوك المركزية في العادة إجراء تغييرات مفاجئة أو حادة في أسعار الصرف، خصوصاً أن التعديلات الطفيفة قد لا تؤتي إلا أثراً محدوداً بالنسبة لمن تضرر من ضعف الدولار.
المستثمر الأجنبي
إضافة عامل التخوف من تغيير سعر الصرف إلى الريال الأكثر تكلفة ستثبط من همة الاستثمارات الأجنبية وتؤدي لتقويض مبادرة اقتصادية رئيسية.
الشركات المحلية
ستشهد الشركات السعودية المصدرة ارتفاعاً في أسعارها في الأسواق الخارجية بينما تقل تنافسيتها. أما تلك التي تتنافس منتجاتها مع الواردات مثل المواد الغذائية ومواد البناء والأثاث فستعاني الواردات الأقل تكلفة.
ربما يكون من الصواب إجراء تغيير في سياسة الربط بالدولار على المدى الطويل وذلك عندما يتنوع الاقتصاد وتتضح حاجة مؤسسة النقد لتطوير أدوات سياسة نقدية أكثر استقلالية للتحكم في سعر الفائدة. لكن الوقت لذلك لم يحن بعد، كما أن تغيير سعر الصرف لمجرد ملاحقة تحركات الدولار يشكل سياسة قد تفوق سيئاتها حسناتها في هذا الوقت. والاحتمال الوحيد لتعديل سعر صرف الريال في ظل الظروف الحالية حسبما نعتقد ربما يأتي من الرغبة في توزيع أرباح عوائد النفط المرتفعة على المواطنين الذين تأثرت مداخيلهم من ارتفاع التضخم.
سعر الصرف المستقر
ظل ربط الريال السعودي عند معدل 3.75 مقابل الدولار سارياً منذ عام 1986. وكانت سياسة الربط هذه قد تم تبنيها بغرض الحفاظ على استقرار قيمة العملة داخلياً وخارجياً، وتم اختيار الدولار دون غيره باعتباره العملة المستخدمة في تقييد تعاملات تجارة النفط الدولية، الوضع الذي لا يزال قائماً حتى اليوم. يهيمن النفط على السواد الأعظم من إيرادات الميزانية والصادرات عند مستوى 91 في المائة و88 في المائة على التوالي. وحتى تتمكن من دعم سياسة الربط تحتفظ مؤسسة النقد (ساما) بموجب النظام برصيد كاف من "العملات الأجنبية القابلة للتحويل إلى ذهب" وهي أدوات مالية قصيرة الأجل بالدولار الأمريكي من أجل تغطية كامل قيمة العملة الورقية المتداولة من الريال السعودي، أي ذلك الجزء من عرض النقود الذي يطلق عليه اصطلاحاً "ن-0". وفي الواقع تحتفظ مؤسسة النقد اليوم برصيد من العملات الأجنبية يتعدى كثيراً ما هو مطلوب لتوفير التغطية الكاملة للعملة المحلية.
وحتى اليوم فقد استوفى الربط أغراضه داعماً للأداء الاقتصادي في البلاد. ويستخدم التضخم في قياس مدى استقرار قيمة العملة داخلياً، حيث يؤدي ارتفاعه إلى تآكل القدرة الشرائية للريال. وقد راوح معدل التضخم في السعودية بين عامي 1986 و2006 عند مستوى 0.5 في المائة في المتوسط. أما الاستقرار الخارجي فيتم قياسه باستخدام "سعر الصرف الساري الفعلي"، الذي يأخذ في الاعتبار قيمة الريال السعودي مقابل عملات الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية. وحسب تقارير صندوق النقد الدولي فقد ظل سعر الصرف الفعلي للريال مستقراً نسبياً باستثناء الفترات التي وهنت فيها قوة الدولار بصورة كبيرة بين عامي 1986و1987 وعامي 2002 و2005.
وشكلت تطورات أسواق النفط ضغوطاً على سياسة الربط في بعض الأحيان، ففي عام 1993 أدى تضافر أسعار النفط المتدهورة مع المخاوف بشأن العجز في الميزانية والميزان التجاري إلى خلق موجة من المضاربات راهنت على انخفاض قيمة الريال في أسواق العملات. كما حدثت موجات مضاربة مشابهة في أواخر عام 1998 وأوائل عام 1999 تزامنت مع تراجع أسعار النفط والأزمة الاقتصادية في آسيا التي نتج عنها انخفاض كبير في أسعار صرف معظم العملات في المنطقة. وقد أصابت مؤسسة النقد حينها عندما تدخلت في أسواق العملات للحفاظ على استقرار الريال بتوظيف احتياطياتها الضخمة من الموجودات الأجنبية. أما الآن فإن الضغط لا يأتي من أسواق العملات بقدر ما يأتي من الآراء السائدة التي تدعو لرفع قيمة الريال أو حتى إنهاء سياسة ربط سعر الصرف.
لماذا هناك ضغط من أجل التغيير؟
أحد الأسباب هو الاعتقاد السائد أن علاقة العملتين قد اختلت، حيث إن الارتفاع المطرد في سعر النفط إضافة لحالة الرواج الاقتصادي من شأنهما العمل على تعزيز قيمة الريال، لكن الدولار الضعيف يتسبب في تدهور قيمة الريال في الخارج، بينما يضعف التضخم من قيمته في الداخل. كما عملت العوامل العالمية والإقليمية على إزكاء حالة التخمينات بشأن تعديل سعر الصرف.
إن عملية تحديد مدى توافق عملة ما مع قيمتها العادلة تشوبها صعوبات كثيرة. مثال ذلك لا يوجد إجماع واضح بين الاقتصاديين على كيفية التوصل إلى "القيمة العادلة" لعملة ما، خصوصاً إذا كانت العملة غير معومة بالكامل وبالتالي لا علاقة لقوى السوق في تحديد سعر صرفها. لكن رغم ذلك، وكما يشرح الرسم البياني، يبدو أن هناك تغيرات هيكلية في أسعار النفط لم تنعكس على سعر الصرف. كما أن فائض الحساب الجاري الضخم بما يتعدى إمكانية استمراره على هذا النحو إلى ما لا نهاية (تخطى الفائض 20 في المائة من الناتج الإجمالي في كُلٍ من الأعوام الثلاثة الماضية) يعتبر أيضاً وبصورة عامة إشارة إلى أن قيمة العملة تعتبر منخفضة. أخيرا، هناك ما يطلق عليه "مؤشر بيج ماك" الذي تشرف عليه مجلة "إيكونوميست"، والذي يلمح إلى أن قيمة الريال تعتبر أقل بواقع 30 في المائة مقابل الدولار (يقوم هذا المؤشر على فرضية أن أسعار أي منتج متطابق من حيث المواد والعمالة والخدمات المطلوبة لتركيبه وتوزيعه ينبغي أن تكون متساوية في كل الدول). عليه يعزي المؤشر أي فروقات في الأسعار إلى الخلل في توازن سعر الصرف. وقد توصل إلى نتائج مشابهة محللون آخرون يستخدمون أساليب أكثر تعقيداً.
وهناك عامل آخر يدعم فكرة أن قيمة الريال دون مستواها حاليا وهو تراجعه أمام بعض العملات العالمية الرئيسية الأخرى، خصوصا اليورو والجنيه الاسترليني. ومما لا شك فيه أن التدفق الضخم من العملات الأجنبية في ظل نظام حر لسعر الصرف كان سيؤدي بالتأكيد إلى ارتفاع قيمة الريال. لكن بدلا من ذلك، وبسبب ضعف قيمة الدولار، انخفض الريال. ويوضح الرسم البياني في الصفحة السابقة أن "سعر الصرف الفعلي للريال السعودي" قد انخفض بواقع 21 في المائة منذ نهاية عام 2001.
الجدول أدناه يوضح أن عملات جميع الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية قد تعززت أمام الريال منذ نهاية عام 2005.
لذا فإن الجدل أن سعر الصرف غير متسق حالياً يعتبر مقبولاً، لكن هل يعني ذلك أن إجراء تغيير على الربط بعد 21 عاما من ثبات سعر الصرف يعتبر سياسة سليمة؟ نعتقد أن الإجابة بالنفي، على الأقل في الوقت الراهن. وكما تعلمت الدول الآسيوية التي تعتمد على الصادرات فإن العملة ذات القيمة المنخفضة نوعاً ما تدعم التنافسية والنمو من خلال تحفيز الصادرات بينما تعمل على الحد من الواردات. عليه فإن الاقتصاد السعودي يعتبر مستفيداً من سعر الصرف الحالي. كما أن أسواق العملات تتحرك بسرعة أكبر من حركة صانعي السياسات الحكومية، لذا فإن إجراء تعديل منفرد في سعر صرف الريال بسبب ضعف الدولار قد يأتي بنتائج سلبية إذا ما اشتدت قوة الدولار فجأة. والآن وبعد عقود من ربط سعر الصرف فإن أي مبرر للتغيير ينبغي أن يرتكز على الحجج الاقتصادية الهيكلية وليست مجرد الحركة في أسواق العملات الأجنبية. ونتطرق فيما يلي إلى تلك الحجج.
التضخم وسعر الصرف
إحدى أكثر الحجج الاقتصادية تردداً في الوقت الراهن فيما يتعلق بتعديل سعر الصرف هي أن الريال الضعيف يتسبب في التضخم المستورد. وقد كان ذلك أحد أكبر المبررات التي طرحتها الكويت في سياق رفعها سعر صرف الدينار.
وحدث أن هبوط الريال قد تزامن مع فترة من الارتفاع في التضخم في السعودية، حيث ارتفع التضخم من متوسط 0.3 في المائة عام 2003 إلى 3.1 في المائة بحلول حزيران (يونيو) 2007. لكن من شأن ضعف الريال أن يؤدي إلى ارتفاع قيمة الواردات بالعملات الأخرى وليس بالدولار. وتواصل الحجة في أن رفع قيمة الريال ستؤدي في خفض فاتورة الواردات مما يخفف بالتالي من التضخم المستورد. لكننا لا نعتقد أن للتضخم أية علاقة كانت أو ستكون بارتفاع الأسعار في السعودية للأسباب التالية:
.