المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقومات نجاح الأسواق المالية



Love143
14-09-2005, 11:45 PM
مقومات نجاح الأسواق المالية
أحمد حسين راشد الكبيسي
باحث ومحلل اقتصادي

الأسواق المالية لم تنشأ من فراغ وإنما قامت كمحطة لتطورات اقتصادية استوجبت نشأة هذه الأسواق من أجل تيسير وتطوير المعاملات الاقتصادية والمالية. ونشأة الأسواق المالية جاءت نتيجة للتطور الحاصل في الاقتصاد من حيث زيادة الانتاج والتخصيص في الأعمال. والسوق المالي يشكل أحد أقسام سوق رأس المال الهامة، بالإضافة الي السوق النقدي. ويطلق عليه سوق الأوراق المالية، ويعود أصل هذه التسمية الي القرن السادس عشر للميلاد حيث استعملتلأول مرة في مدينة بروكسل البلجيكية التي كانت مركزا رئيسيا للتجارة في الغرب في ذلك القرن. وقد كان تجار هذه المدينة يجتمعون مع التجار الوافدين اليها لعقد الصفقات في ساحة عامة تطل عليها دار أحد التجار الأغنياء وقد شاعت هذه التسمية في ألمانيا وإيطاليا.

أما في بريطانيا فقد اطلقت سوق الأوراق المالية عام 1566م، أما في الشرق العربي فقد تأسست بورصة القاهرة عام 1904م وبورصة الاسكندرية ثم بورصة بيروت ثم بورصة عمّان ثم بورصة الكويت، عُمان، المغرب، تونس، السودان، البحرين، مسقط، الدوحة، دبي وغيرها. ويجب أن يكون هناك مقومات لنجاح أي سوق مالي ويتلخص في الآتي:

1- وجود نظام اقتصادي رأسمالي يسمح بإنشاء الشركات والعمل الخاص وانتقال الملكية من جهة الي أخري. وتتميز هذه الاقتصاديات بصفة الرأسمالية الحرة وبوجود دافع الربح كمحرك للنشاط الاقتصادي، فضلا عن سيادة السوق وما يتحمله من تلاقي لقوي العرض والطلب تحت أسعار السلع والخدمات في ظل المنافسة، وهذا من شأنه زيادة الثروات في المجتمع ككل بدافع الربح، ويوازيه مخاطر تحمل الخسائر فإن جميع القرارات الاستثمارية يسبقها عادة دراسة مكثفة تهدف الي تقليل التعرض الي المخاطر الي أكبر قدر ممكن ويعكس الاقتصاديات المخططة التي تمثل الملكية العامة فيها الجانب الأكبر من الاستحواذ علي عناصر الانتاج والاعتماد علي القطاع العام. فإن الملكية العامة بتطبيقها تفتقر الي دوافع الربح والمنافسة فضلاً علي القيود علي انتقال الملكية من جهة الي أخري مما يشكل صعوبة بالغة ويشكك في نجاح أية سوق مالي.

2- ضرورة وجود رؤوس أموال معروضة، فإن أية سوق لا يمكن أن تكون متوازنة وفعالة دون وجود عرض يقابله طلب، ووجود رؤوس أموال معروضة يعتمد علي حجم المدخرات الذي يتوقف بدوره علي اجمالي الناتج القومي والميل الحدي للادخار والميل الحدي للاستهلاك، ومن الملاحظ ان الاستثمار في الأسواق المالية يعتمد بالدرجة الأولي علي أموال جمهور من المستثمرين والتي تمثل تجميعاً للمدخرات الوطنية وتوجيهها نحو الاستثمار، الأمر الذي تحتاج اليه المؤسسات الاقتصادية ذات الحجم الكبير، وفي كل الأحوال فإن الدولة بمفردها لا تستطيع القيام بكافة أوجه الاستثمار التي توجه نحو المشروعات الانتاجية.

3- ضرورة وجود طلب علي رؤوس الأموال المعروضة. ويمثل جانب الطلب علي رؤوس الأموال الحاجة التمويلية للمشروعات سواء كانت تمثل فرصاً استثمارية جديدة أو توسعات في الطاقة الانتاجية القائمة ويتوقف حجم الطلب علي رؤوس الأموال علي أمور كثيرة منها الطاقة الاستيعابية وحجم السلع والخدمات التي يحتاجها المجتمع ومدي انفتاحه علي الأسواق الخارجية ومدي توافر البنية التحتية التي تكفل دافع الاستثمارات وتوظيفها في المجالات الاقتصادية المختلفة، كما يتوقف ايضاً الطلب علي رؤوس الأموال علي تكلفة الأموال مقارنة بالمنافع والأرباح التي يمكن ان تتحقق نتيجة الاستثمار، فضلا عن ان الظروف الاقتصادية السائدة والتوقعات تؤثر كثيراً علي حجم الطلب علي رؤوس الأموال.

4- وجود قوانين تنظم وتحمي التعامل في الأسواق المالية. إن الجانب التشريعي يُعد أحد الجوانب الضرورية لقيام سوق مالي ولا يقتصر الجانب التشريعي علي قانون انشاء سوق مالي او التعليمات المنظمة للتعامل في السوق فحسب، ولكنه يمتد ليشمل التشريعات المنظمة لإنشاء الشركات والرقابة علي النقد وتشجيع الاستثمارات في المناطق الحرة وقوانين الضرائب والجمارك والقوانين المنظمة لمهنة المحاسبة او التدقيق وقوانين التجارة والقوانين العائدة لكل قطاع اقتصادي. وهذا الاطار التشريعي يعكس الفلسفة الاقتصادية التي يتبناها المجتمع وهي ضرورية لقيام سوق مالي.

5- الاطار المؤسسي للسوق المالي، ويقصد بالإطار المؤسسي وجود كيان منظم وقانوني له مكانة محددة يتم فيه تداول الأدوات المالية المختلفة فضلاً عن وجود تعليمات التعامل والنظم التي تحكم العلاقة مع الوسطاء والمستثمرين وأسلوب التعامل والأوقات التي يتم فيها ممارسة العمل، والأدوات المالية التي يتم إصدارها في السوق المالي، كما يشمل الإطار المؤسسي إدارة السوق أو اللجنة التي تباشر هذا العمل باعتبارها اللجنة المنظمة.

6- الجوانب المحاسبية ووجود أكبر قدر ممكن من المعلومات، والمقصود بالجوانب المحاسبية هي وجود أعراف محاسبية ومباديء معمول بها وتنظيم مهنة التدقيق بما يوفر الثقة في البيانات المالية المنشورة ويتيح أكبر قدر ممكن من المعلومات أمام المستثمرين ويتوقف علي ذلك دقة اتخاذ القرارات بالتعامل في السوق وقيام هذا التعامل علي أساس من الدراسة العلمية السليمة. إن قيام مؤسسات التصنيف التي تتابع عن قرب تطور ميزانيات الشركات وما يمكن أن يؤثر علي هذه الميزانيات بشكل مباشر أو غير مباشر ووضع تصنيفات لهذه الشركات وأسهمها ودرجة الاستثمار من حيث العائد أو المخاطرة من حيث توافر المعلومات التي يمكن الاعتماد عليها والثقة فيها بدرجة معقولة.

7- وجود جهاز مصرفي قادر ومتمكن. والمقصود بذلك أن وجود الجهاز المصرفي القادر علي تمويل المستثمرين في السوق والقادر علي تفهم عمل سوق الأوراق المالية وتكون هذه المصارف علي معرفة تامة بمخاطر التداول بالأسهم وما ينتج عن ذلك، والجهاز المصرفي يجب أن يتعامل مع المستثمرين بثقة تامة علي معرفته بالاقتصاد الوطني، وأن الأسواق المالية ما هي إلا أدوات تعكس قوة ومتانة اقتصاد الدولة، فالجهاز المصرفي ركن من أركان الحركة الاقتصادية ولديه القدرة الفائقة في تحريك رؤوس الأموال، وهذا مما يشجع حركة دوران الاقتصاد ليواجه التحديات والمخاطر.

أخيرا، لكي يكون لدينا سوق مالي، يجب أن نفهم دور هذا السوق في تنمية المدخرات فيجب أن نعرف مفهوم الادخار وأهميته. فالادخار هو الفرق بين الدخل والاستهلاك سواء كان ذلك علي صعيد العائلة أو الفرد أو الدولة. لذلك هناك بعض المتطلبات الخاصة يجب ان تتوفر لدي أي فرد يرغب في دخول حقل الاستثمار بصفة عامة أو الأسواق المالية بصفة خاصة، وأهم تلك المتطلبات هو ان يتمتع الفرد بمركز مالي متوازن وأن يكون لديه احتياطي معني لمواجهة المتطلبات اليومية العاجلة، فالمبلغ المخصص للاستثمار يجب ألا يدخل في مواجهة متطلبات الاستثمار. ولكي يكون سوق الأوراق المالية منظماً مرضياً يجب أن تتوفر فيه الشروط التالية:

1- يجب أن تكون عمليات التداول سهلة وسريعة بقدر المستطاع.

2- يجب مراقبة المعاملات التي من الممكن ان تحصل فيها عملية الغش والتزوير.

3- يجب ان تكون سوق الأسهم واسعة بما يكفي لإعطاء سعر البورصة مدلوله الكامل مما يتطلب قدر كافٍ للطلبات أو العروض المتعلقة في الأسهم.

4- الإعلان عن الأسعار من أجل إعلام جميع المهتمين (بائعين ومشترين) لتقييم حجم مبيعاتهم ومشترياتهم وإدارة محافظهم.

أعتقد أن الأسواق المالية ما هي إلا مرآة عاكسة لجميع اقتصاديات هذه الدول. ومن خلالها نستطيع أن نحكم علي توافر فرص الاستثمار في ظل القيود التشريعية والتي تحكم النزاهة والحيادية في استقلالية الأسواق المالية.