تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : البورصات·· شروخ في مرآة الاقتصـاد العالمـي !



Love143
16-09-2005, 08:27 AM
البورصات·· شروخ في مرآة الاقتصـاد العالمـي !

ملف من إعداد- أيمن جمعة:
رغم كل التطورات الاقتصادية والمالية المذهلة التي شهدها العالم على مر العقدين الماضيين، فان أسواق الأوراق المالية (البورصة) ظلت تحتفظ بلقب ''مرآة الاقتصاد''، الذي أطلقه عليها تجار بلجيكا فور ولادتها في منتصف القرن الخامس عشر الميلادي· فالبورصات ملتقى كل مفاصل الاقتصاد الحر، ومنها تنطلق نبضات النهضة والتنمية الاقتصادية والاستثمارية· وبقدر قوة كل بورصة وحيويتها تكون قوة الاقتصاد الوطني الذي تعمل فيه· أما إذا كانت الحركة واهنة والشفافية معدومة فان الصورة التي تنعكس على ''المرآة'' تكون ضبابية، وأحيانا تحدث خدوشا وشروخا في مرآة الاقتصاد، وعندها لا يتطلب الأمر خبرة واسعة لكي يجزم المرء بوجود خلل في العوامل الأساسية لذلك الاقتصاد·
وتزداد خطورة البورصات مع تنامي ثورة الاتصالات والمعلوماتية والتحول إلى أنظمة التداول الالكتروني الذي يتيح تنقل مئات المليارات من الدولارات بطرفة عين من مكان لآخر، بشكل قد يصعب على هيئات الرقابة متابعته، ومن هنا تعاظم دور البورصات والأسواق لأن أي تلاعب فيها قد يثير أجواء ذعر تدفع رؤوس الأموال، الجبانة بطبيعتها، للهروب، ما يؤدي لآثار كارثية كما حدث مع النمور الآسيوية عام ·1997 وفي ظل هذا الزخم والتنافس تتقدم أسواق المال العربية ببطء وثبات بل وبمعدل يفوق كل الأسواق الناشئة لكن هذا لا يمنعنا من الاعتراف بأنها ما تزال في مرحلة النمو ولم تصل إلى درجة كافية من النضج· وفي هذا السياق ينبثق السؤال الرئيسي·· كيف نستطيع أن نقدم هذه الأسواق إلى المستثمرين على انها بيئة استثمارية خالية من التلاعب، بكافة أنواعه، التي توصف بأنها أذكى الجرائم الاقتصادية؟

من العبارات الاقتصادية الشهيرة ''رأس مال البورصات هو السمعة الطيبة''·· الجملة بسيطة للغاية لكن تنفيذها هو ''الحلم'' الذي يراود خبراء الاقتصاد منذ قرون· ولكي نصف بورصة ما بان ''سمعتها طيبة'' فلا بد أن تتسم تداولاتها بشفافية ونزاهة لا يشوبها أي تلاعب· ويصبح السؤال العفوي: ''كيف نضع آليات مراقبة وعقاب فعالة تعطي للأسواق سمعة طيبة وتقدمها للمستثمرين على أنها توفر بيئة استثمارية تحول دون أي تلاعب''؟
لحماية صورة البورصة وتعزيز ثقة المستثمرين فيها، تحرص الدول على وضع قوانين صارمة تمنع أي تجاوزات، وفرض آليات لحماية المستثمرين خاصة الصغار منهم· ففي أميركا على سبيل المثال تشترط الهيئات المشرفة على البورصة أن يكون للشركة عدد كبير من المساهمين قد يصل إلى عدة آلاف حتى لا تكون الشركة وهمية· وتضع بورصة ''ناسداك'' شروطا قاسية لإدراج السهم وشروطا أخرى للسماح له بالاستمرار في قاعة التداول بما في ذلك قوة الشركة في السوق وعوائد عملياتها وأرباحها ومراقبة اجتماعات حملة الأسهم وحقوق التصويت واستقلال المديرين· وفي فرنسا يتعين على الشركة الراغبة في التسجيل على قائمة البورصة أن تضع 25% من أسهمها على الأقل تحت تصرف السوق· والشركات التي لا تستطيع تلبية مثل هذه الشروط يتم إدراجها على مؤشرات أقل أهمية مثل ظحء في نيويورك أو السوق الثانية في باريس حيث تكون شروط الإدراج أقل صرامة·
وبعد انضمام الشركة لمؤشر البورصة تبدأ عملية المراقبة التي تختلف صورها من دولة لأخرى فقد تكون من صلاحيات سلطات البورصة نفسها كما هو الحال في بريطانيا وهولندا، أو من قبل هيئة متخصصة مثل ''لجنة السندات المالية والبورصة'' التي تأسست عام 1934 في أميركا أو ''اللجنة البنكية'' البلجيكية التي تأسست عام 1935 أو لجنة ''عمليات البورصة'' التي ظهرت في فرنسا عام 1967 أو ما يمكن وصفه بـ''مجلس الحكماء'' في بورصة استراليا· ويقع على عاتق هذه الأجهزة مهمة القيام بمراقبة فعالة تبدأ من لحظة إصدار الأسهم والسندات وضمان الشفافية في الأسواق وقمع المخالفات المحتملة التي يتم رصدها ولا تتوقف إلا بخروج السهم من البورصة· وبالفعل لعبت هذه الأجهزة دورا مهما في تطهير التصرفات في البورصة وتحسين الأخبار الموجهة للجمهور المستثمر·
آليات مراقبة
تشتمل جهود المراقبة والتنظيم على عدة محاور تبدأ من التزام الشركات بقواعد البورصة مرورا بمراقبة حركة الأسهم والتداول في قاعة التداولات ومراقبة المشاركين في السوق مثل حملة الأسهم وشركات السمسرة وصولا إلى فرض عقوبات صارمة في حالة رصد أي تلاعب· وتتفاوت معايير المراقبة والتنظيم التي تضعها البورصات للسماح بتداول الأوراق المالية وذلك حسب ظروف كل دولة وبيئتها الاقتصادية· وفي إطار عملية المراقبة والتنظيم التي لا تتوقف دقيقة واحدة ليلا أو نهارا فان البورصات العالمية لا تسمح بأي تحول مفاجئ في اتجاه سهم ما إلا بعد السماح لكل متعاملي البورصة بدراسة العامل الذي دفع نحو هذا التغيير· وإذا أصدرت شركة ما إعلانا عن نتائج أو بيانات فمن حق لجنة المراقبة فوكُّفط ًكُُّسف وقف التعامل في أسهم الشركة للسماح لكل الأطراف الفاعلة في السوق باستيعاب هذا الإعلان ودراسة تداعياته قبل استئناف التداولات على السهم· ويوجد هذا النموذج بوضوح في بورصة ''ناسداك'' الالكترونية العملاقة حيث يعطي وقف التعامل في أسهم شركة ما الفرصة للجميع للحصول على المعلومات الجديدة ودراستها والتأكد من مصداقيتها· ولا توجد فترة محددة لوقف التعاملات في الأسهم لكنها عادة ما تستأنف خلال 30 دقيقة تقريبا بعد إعلان المعلومات عبر وسائل الإعلام أو غيرها من الوسائل المنظمة لعمل البورصة·
وتلزم البورصات الأوروبية والدولية الكبرى كل الشركات المدرجة بالرد فورا على أي استفسار تقدمه لجان المراقبة عن أي تحركات غير طبيعية لأوراقها المالية· ولضمان أقصى قدر من الشفافية فان الشركات تكون ملزمة بتقديم كل بياناتها إلى هيئة مراقبة السوق بما في ذلك البيانات التي تحجبها عن المجتمع الاستثماري على أن تظل هذه البيانات سرية بحيث لا يتم الكشف عنها إلا في حالة الضرورة· ومن حق الشركات أيضا إذا لاحظت تحركات مريبة على أنشطتها أن تحدد ما إذا كان الأمر يتطلب تدخلا أم لا· وقد يتعلق الأمر بمفاوضات اندماج أو شراء حصص في شركات أخرى وفي هذه النقطة قد تضطر الشركة لإصدار بيان حتى لو لم تكن المفاوضات وصلت إلى مراحلها النهائية·
وتشدد ''بورصة لندن'' في قسم القواعد والقوانين بالقانون الأساسي للسوق على أن الحفاظ على جاذبية السوق واستقرارها يستلزم ''توفر بيئة استثمار منظمة جيدة وتتسم بالشفافية إضافة إلى قواعد وإرشادات واضحة فضلا عن مراقبة دقيقة للتداولات وأنشطة السوق''· وتؤكد الهيئة المنظمة للبورصة أن غاية ما تتطلع إليه هو ''ضمان حصول من يصدرون الأسهم والوسطاء والمستثمرين على سوق جذابة وفعالة ومنظمة جيدا لجمع رؤوس الأموال وتلبية متطلبات التداول والاستثمار''·
ويقدم قانون الخدمات المالية الصادر عام 1986 الأساس لتنظيم سوق الأوراق المالية في المملكة المتحدة· وبمقتضى هذا القانون فان البورصة هي المعنية بإصدار الأسهم على أن تقوم إدارة تنظيم السوق بمراقبة الصفقات وأسعار الأسهم وبيانات التداولات والتحقق من التزامها بقواعد التداول في السوق·

Love143
16-09-2005, 08:28 AM
تابع

العملاق الأصفر
وإذا حولنا أبصارنا إلى أقصى الشرق نجد أن اليابان، أو ''العملاق الأصفر''، كما يطلق عليها، تصف البورصة بأنها مؤسسة ''توفر مكانا لتبادل الأوراق المالية تحت إشراف وسلطة رئيس الوزراء الياباني''· وينص القانون الأساسي لبورصة طوكيو على أنها تستهدف ''المساعدة على حماية مصالح الشعب والمستثمرين وهو ما يستلزم تنفيذ التعاملات في الأوراق المالية بطريقة عادلة وفعالة''· ويحدد القانون الأساسي لبورصة طوكيو الوظائف الرئيسية للسوق على أنها: ''ضمان استمرار التعاملات في قاعة التداول باستمرار جلسة وراء الأخرى من خلال أنظمة تعامل باستخدام أجهزة الكمبيوتر وتماشيا مع قواعد البورصة، ومراقبة التعاملات دقيقة بدقيقة عبر أنظمة التداول الكمبيوترية ومتابعة الصفقات لضمان التزامها بقواعد الشفافية مع إلزام السلطات المعنية بالتدخل الفوري في حالة اكتشاف أي تعاملات غير عادلة، ومراقبة الأسهم والسندات والأوراق المالية المدرجة وأداء شركاتها بشكل مستمر لضمان أعلى مستوى من الالتزام''· ويحق لهيئة البورصة تعليق التداولات إذا رصدت أي تجاوز لقوانينها·
لجنة الحكماء
وفي أقصى جنوب الكرة الأرضية وضعت استراليا سلسلة قواعد تعمل على ضمان الالتزام بالقواعد ''الأخلاقية والمالية'' للتداول· ولهذا الهدف وضعت البورصة عشرة مبادئ أساسية للشفافية وتشكلت لجنة خبراء مهمتها الرئيسية بحث أية تجاوزات ''مشتبه فيها وأي مزاعم'' تثار عن سلوكيات السماسرة وشركات السمسرة وتقوم بفرض ''عقوبات فورية'' عندما يثبت أي احتيال· تتألف اللجنة التي يمكن وصفها بـ''لجنة تأديبية'' من مجموعة من خبراء قطاع الأعمال الذين تعينهم البورصة استنادا إلى قائمة طويلة من الشروط المتعلقة بخبراتهم وكفاءتهم المهنية· وتعمل اللجنة بشكل مستقل تماما عن الإدارة التنفيذية للبورصة وتكتفي بالتعاون مع مستشار قانوني تابع للسوق· وإذا خلصت اللجنة إلى وجود أي تحايل أو تلاعب في السوق فإنها تتحرك على الفور لتوقيع عقوبات تبدأ بتوجيه اللوم إلى تعليق النشاط وصولا إلى فرض غرامات قاسية تصل إلى 250 ألف دولار·
وبهدف تعزيز وحماية ثقة المستثمرين قررت بورصة استراليا في أغسطس عام 2002 تشكيل مجلس تكون مهمته الرئيسية رفع توصيات تضمن للسوق مسايرة أحدث التطورات الدولية· وكانت من أولى التوصيات التي رفعها المجلس ''إجراء مراجعات مستمرة لقواعد البورصة ورفع توصيات حول القواعد التي يتعين تغييرها أو تطويرها فضلا عن متابعة مدى التزام الشركات بقواعد البورصة''·
ومن اللافت للنظر في قانون البورصة الاسترالية أن من حق أية شركة أن ترفض أية توصية يرفعها مجلس حكماء البورصة إذا رأت أنها لا تتماشى معها· لكن عليها بالطبع أن تشرح الأسباب· وتطلب قواعد بورصة استراليا من الشركات المدرجة أن ترفع ضمن تقاريرها السنوية إلى البورصة تقريرا عن مدى التزامها بأفضل التوصيات التي حددها المجلس· ويتعين عليها أن تحدد التوصيات التي تجاهلتها الشركات وأسباب ذلك، ويكون ملزما أيضا من الشركات أن تبلغ البورصة إذا رأت أنها تعاقدت مع شخص قد يكون له تأثير على سعر سهمها·
درس نيويوركي
عندما ضربت الهزة الضخمة بورصة نيويورك عام ،2002 أدرك مراقبو السوق أن العقوبات الصارمة والمراقبة القوية على التداولات لا تكفي، فقد جاءت الضربة من الشركات والمؤسسات نفسها ودفع المستثمرون الصغار الثمن· وكان الدرس الرئيسي المستخلص من هذه الكارثة انه لا غنى عن ''رقابة حكومية قوية'' على الشركات والبنوك والقطاع الخاص لضبط الإيقاع·
وفي تلك الأزمة كانت تقارير الشركات وتعاملاتها سليمة من ''الناحية النظرية''، وتمثلت الثغرة الكبرى في ''تضارب المصالح'' وفشل آليات المراقبة الحكومية في كشف الخدع المحاسبية وتلاعب مسؤولي الشركات الذين حرصوا على تقديم أرقام وهمية عن الأرباح لدعم أسهم شركاتهم في البورصات وإقناع المستثمرين بشرائها، وسارت الأسهم في اتجاه صعودي إلى أن تجاوزت حدود المعقول· وانفجرت الأزمة عندما كشفت تحقيقات أن شركة إنرون العملاقة للنفط بالغت في أرباحها بحوالي ستة مليارات دولار· وعلى نفس المنوال خرجت فضائح لشركة ''ورلد كوم'' للاتصالات، و''زيروكس'' الأميركية وغيرهما من الشركات· وتقوضت الثقة في السوق لتتكبد بورصة نيويورك خسائر قيمتها 2,5 تريليون دولار خلال النصف الأول من عام 2002 وفتحت السلطات تحقيقا مع 12 مصرفاً استثمارياً بسبب علاقاتها المحتملة بالتلاعبات·
وظهرت الحقيقة جلية أمام الجميع: الرقابة على التداولات وحدها لا تكفي فالسوق بحاجة لرقابة حكومية صلبة على الشركات والبنوك التي تصدر الأسهم· لم يكن التوصل لمثل هذه النتيجة بالأمر الهين في الدولة التي تمثل قلب الاقتصاد الرأسمالي لكن صحيفة ''واشنطن بوست'' اضطرت لان تعترف بعد سلسلة مقالات عن ملابسات ما حدث بان الكارثة ما كانت لتحدث لو لم يتم إلغاء المراقبة الحكومية قبل 25 عاما من وقوع الكارثة، الأمر الذي فتح الباب أمام كبار المستثمرين الجشعين لزيادة أرباحهم دون قيود أو اعتبار للمصلحة العامة· وخلص المحللون إلى أن الشرارة التي تسببت في هذا الانهيار تكمن في صدور قانونين عامي 1996 و1999 احدهما يرفع الحظر على تداول البنوك للأوراق المالية والثاني يلغي الرقابة الحكومية على شركات الاتصالات، إذ تمكنت بنوك الاستثمار من دخول مجال الاتصالات اللاسلكية والانترنت التي تحررت من كل الضوابط، الأمر الذي أدى لنمو الاقتصاد بشكل غير عادي وعلى أساس توقعات مستقبلية مبالغة· واتضح فيما بعد أن مديري الشركات لعبوا دورا في الكارثة لأنهم ركزوا على إدارة أسهمهم أكثر من تركيزهم على إدارة شركاتهم· واشترك أيضا في الفضيحة المحللون الذين عملوا برواتب خيالية في البنوك الاستثمارية وبدلا من أن يقدموا تقييمات موضوعية لقيمة الأسهم المتداولة في الأسواق المالية، تصرفوا وكأنهم مدراء بنوك الاستثمار التي لها مصلحة في تضخيم قيمة الأسهم التي تصدرها·
وعندما تساءل البعض عن دور مراقبي الحسابات الذين تقع على عاتقهم مهمة الحيلولة دون وقوع عمليات غير قانونية في الشركات تبين أنهم تحولوا إلى شركاء في الأعمال وإدارة الأسهم ومساعدة الشركات على التهرب من الضرائب· وعجزت هيئة سوق الأوراق المالية والصرف عن وقف الكارثة لان طاقمها فشل في ملاحقة أنشطة البورصة التي فاق فيها التداول اليومي الألف مليار دولار· وكان الدرس الرئيسي من هذه الأزمة هو: ''تحرير رأس المال من الضوابط يصيب البنية الاقتصادية بخلل خطير''· وتقول مجلة الايكونوميست: لا يمكن لأحد أن يضع سلسلة قواعد ونظم تصلح لأسواق المال في كل زمان ومكان ذلك لان كل بورصة تعمل في مناخ اقتصادي وثقافي واجتماعي يختلف عن باقي البورصات لكن الأفكار تظل جميعها تدور حول نقطة واحدة وهي أن الشفافية تتطلب رقابة حكومية قوية على تداولات السوق وأنشطة الشركات وتقاريرها مع آلية عقاب صارمة لمن يتعدى الخط الأحمر·