المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنكار ومعارضة الحق لدى البعض أمر متفشئ في هذا الزمان



الخبير العقاري
19-09-2007, 09:33 PM
يستغرب المرء كثيراً من مواقف بعض الناس التي تعاند الحق وتخالفه وتعارضه وتحاربه، ولاسيما مع ظهور وجه الصواب واستبانة الحق دون أي شك ولا ارتياب، وقد دلت النصوص الشرعية على بعض بواعث إنكار الحق، وسيتناول هذا المقال الموجز بعض جوانب هذا الموضوع، وقبل ذلك لابد من بيان معنى الحق ووروده في النصوص الشرعية·
أولاً: تعريف الحق:
الحق نقيض الباطل، يقال: حق الأمر أي وجب وثبت وصار حقا، فالحق هو الثابت الواجب والصحيح·
والباطل: نقيض الحق وهو ما لاثبات له عند الفحص والتمييز، يقال بطل الشيء: فسد وسقط حكمه، وأبطل الشيء: جعله باطلا كما قال تعالى:{ليحق الحق ويبطل الباطل}·
والحق له إطلاقات في النصوص الشرعية منها:
الأول: الحق اسم من أسماء الله الحسنى:
ورد هذا الاسم في عشر آيات من القرآن منها:
{ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير}، وقوله عز وجل {يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين}·
ومعنى هذا الاسم: أن الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته، فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء إلا به·
الثاني: الإسلام دين الحق:
قال تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون} قال الشيخ ابن سعدي: >فكان ما بعث الله به محمدا [ مشتملاً على بيان الحق من الباطل في أسماء الله وأوصافه وأفعاله وفي أحكامه وأخباره والأمر بكل مصلحة نافعة للقلوب والأرواح والأبدان، من إخلاص الدين لله وحده ومحبة الله وحده وعبادته، والأمر بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والأعمال الصالحة والآداب النافعة، والنهي عن كل ما يضاد ذلك ويناقضه من الأخلاق والأعمال السيئة المضرة للقلوب والأبدان والدنيا والآخرة<·
الثالث: الاعتقاد الصحيح والقول أو الفعل الموافق للصواب والحكمة:
فمن الأول: قوله [: {الحق من ربك فلا تكونن من الممترين} وقوله عز وجل: {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه}·
ومن الثاني: قوله تعالى: {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق}·
ثانياً: التدافع بين الحق والباطل سنة ثابتة:
بين الله عز وجل إن الحق والباطل ضدان، والضدان لايجتمعان، ولهذا صار التدافع بينهما أمرا لازما وحتميا، وبين الله عز وجل أن للباطل قوة تحميه وتدافع عنه كما قال سبحانه وتعالى: {إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون}، وقال: {الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت}·
وقرر سبحانه وتعالى أن قوة الكفر والضلال لا تفتر حتى تزيل الحق وأتباعه كما قال عز وجل: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون} وقال: {ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا}·
وبشرنا الله تعالى بأنه ينصر الحق وأهله فقال: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغة فإذا هو زاهق} وقال: {ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته ولو كره المجرمون} وقال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادناالمرسلين· إنهم المنصورون· وإن جندنا لهم الغالبون} وقال: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)·
والصراع بين الحق والباطل له أشكال عديدة وصور مختلفة، منها التدافع بالقوة والاضطهاد لإزالة الحق وأهله، ومنها إثارة الشبهات حول الحق وأهله كما وقع للرسل والأنبياء وأتباعهم، وقد يكون بالإعراض عن الحق وأتباعه وعدم الاستماع لهم والقبول منهم، وسيتناول هذا المقال الموجز بعض دوافع هذا التدافع والصراع·
ثالثاً: بعض دوافع إنكار الحق:
أولاً: اتباع الهوى: الهوى: هو ميل النفس إلى ما تستلذه من الشهوات، واتباع الهوى، هو إيثار ميل النفس إلى الشهوة والانقياد لها فيما تدعو إليه من معاصي الله عز وجل·
ولهذا نجد أن اتباع الهوى مذموم في النصوص الشرعية، قال عز وجل: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة}، وقال سحانه وتعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير}، وقال: {ولا تتبع أهواء الذين كذبوا بآياتنا والذين لا يؤمنون بالآخرة وهم بربهم يعدلون}·
وقال [: >اللهم أني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء< أخرجه الترمذي، وقال [: >ثلاث كفارات وثلاث درجات وثلاث منجيات وثلاث مهلكات: أما الكفارات فإسباغ الوضوء في السبرات - أي شدة البرد - وانتظار الصلوات بعد الصلوات ونقل الأقدام الى الجمعات، وأما الدرجات فإطعام الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام، وأما المنجيات فالعدل في الغضب والرضى والقصد في الفقر والغنى وخشية الله في السر والعلانية، وأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه<·
وقال علي : >إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: طول الأمل واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق<، وقال ابن عباس: ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتاب إلا ذمه<، وقال الحسن: >الهوى شر داء خالط قلبا، وقال: أفضل الجهاد جهاد الهوى<، وقال الشعبي: >إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه<·
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: >صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه فلا يستحضر مالله ورسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى اذا حصل ما يرضاه بهواه ويغضب إذا حصل ما يغضب لهواه، فليس قصده أن يكون الدين كله لله وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصده الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء، ليعظم هو ويثنى عليه أو لغرض من الدنيا فلم يكن لله غضبه ولم يكن مجاهدا في سبيل الله، بل إن أصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلا سيء القصد ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله، وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله< وقد بين الله سبحانة وتعالى أن اتباع الهوى من أسباب رد الحق فقال عز وجل: {لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلاً كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون} وقال: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن أتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين}·
ثانياً: الكبر: والكبر والتكبر والاستكبار هو التعاظم والترفع، فالكبر: هو استعظام النفس ورؤية قدرها فوق قدر الغير، والاستهانة بالناس واستصغارهم·
وقد بين الله سبحانة وتعالى أن الكبر سبب لرد الحق في مواضع كثيرة منها:
قوله تعالى: {وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين}، وقال: {أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون} وقال: {إلهكم إله واحد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون} وقال: {ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بأياتنا وسلطان مبين· فاستكبروا وكانوا قوما عالين} وقال: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا} وقال: {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير}·
وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن النبي [ قال: >لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر< قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة قال: >إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس< وبطر الحق: هو دفعه وإنكاره ترفعا وتجبرا، وغمط الناس هو احتقارهم·
قال ابن حجر: الكبر الحالة التي يختص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أن يرى نفسه أكبر من غيره، وأعظم ذلك أن يتكبر على ربه بأن يمتنع من قبول الحق والإذعان له بالتوحيد والطاعة·
ثالثاً: الجهل: الجهل يطلق على ضد العلم وعلى ما هو ضد الحلم، الأول عدم حصول العلم والإدراك، والثاني هو السفه والحمق والتهور والطيش كما قال عز وجل: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}·
والإنسان عدو ما يجهل، وإذا لم يعرف المرء حقيقة الحق وفائدته فإنه يعاديه كما فعل الكافرون مع أنبيائهم قال تعالى: {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول}، وبين سبحانه وتعالى أن أكثر الناس لا يعلمون الحق فهم معرضون عنه أو معاندون فقال: {ألا إن لله ما في السموات والأرض ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون}، وقال: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وقال: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وقال: {أم اتخذوا من دونه آلهة قل هاتوا برهانكم هذا ذكر من معي وذكر من قبلي بل أكثرهم لا يعلمون الحق فهم معرضون}·
وقد وصف الله تعالى أهل النار بالجهل فقال: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} قال ابن عباس: لو كنا نسمع الهدى أو نعقله، أو لو كنا نسمع سماع من يعي ويفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر· قال ابن القيم: فأخبر أنهم كانوا لا يسمعون ولا يعقلون، والسمع والعقل هما أصل العلم وبهما ينال، وقد قال بعض السلف: خير المواهب العقل وشر المصائب الجهل·
رابعاً: التقليد للآباء والعظماء: وقد بين الله تعالى أن تقليد الآباء والكبراء بغير تفكر ولا تعقل من أسباب رد الحق ومعاداته فقال عز وجل: {وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون· قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون}، قال ابن سعدي: وهذا الاحتجاج من هؤلاء المشركين الضالين بتقليدهم لآبائهم الضالين ليس المقصود به اتباع الحق والهدى وإنما هو تعصب محض يراد به نصرة ما معهم من الباطل·
وقال سبحانه وتعالى: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباءهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون} قال ابن سعدي: فاكتفوا بتقليد الآباء وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل الناس وأشدهم ضلالا، وهذه شبهة لرد الحق واهية، فهذا دليل على إعراضهم عن الحق ورغبتهم عنه·
قال عدي بن حاتم: أتيت رسول الله [ وفي عنقي صليب فقال: >يا عدي ألق عنك هذا الوثن< وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله} قلت: يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا؟ قال: >بلى أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه< قلت: بلى فقال: تلك عبادتهم·
وقد أخبر سبحانه وتعالى أنهم يوم القيامة يطالبون بمضاعفة العذاب لمن أضلهم من الكبراء والعظماء فقال: {وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا· ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيراً}·
ولهذا ذم السلف التقليد وحذروا منه: قال عمر: ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون، وقال ابن عباس: ويل للأتباع من عثرات العالم قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئاً برأيه ثم يجد من هو أعلم برسول الله [ منه فيترك قوله ذلك ثم تمضي الأتباع، وقال علي: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق لم يتسضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا الى ركن وثيق، وقال ابن مسعود: ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلا إن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في البشر·
فهذه بعض دوافع إنكار الحق ورده، وهناك غيرها كثير ذكره الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله [، فنسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل بالطلا ويرزقنا اجتنابه·