المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشعراء...وقرائنهم من الجن



BODYGUARD
22-09-2007, 03:19 PM
قصة لقاء الأعشى بشيطانه مِسْحَل بن أثاثة : التي يرويها الأعشى فيقول: «خرجتُ أريدُ قيس بن معد يكرب بحضرموت، فضللتُ في أوائل أرض اليمن؛ لأني لم أكن سلكتُ ذلك الطريق قبلُ، فأصابني مطرٌ، فرميتُ ببصري أطلبُ مكانًا ألجأُ إليه، فوقعتْ عيني على خباء من شعر، فقصدتُ نحوه، وإذا أنا بشيخ على باب الخباء، فسلمتُ عليه، فردَّ علي السلام، وأدخلَ ناقتي خباءً آخر كان بجانب البيت، فحططتُ رحلي وجلستُ، فقال من أنتَ؟ وإلى أين تقصد؟ قلتُ أنا الأعشى، أقصدُ قيس بن معد يكرب. قال: حياك الله! أظنُّك امتدحتَه بشعر؟ قلتُ: نعم، قال: فأنشدنيه، فابتدأتُ مطلع القصيدة:

رَحَلَت سُمَيَّةُ غُدوَةً أَجمالَها ****غَضبى عَلَيكَ فَما تَقولُ بَدا لَها


فلما أنشدته هذا المطلع قال: حسبُك! أهذه القصيدة لك؟ قلتُ: نعم، قال: من سمية التي تنسُبُ بها؟ قلت: لا أعرفها، وإنما هو اسمٌ أُلقي في روعي؛ فنادى: يا سمية اخرجي، وإذا جارية قد خرجتْ، فوقفتْ وقالتْ: ما تريدُ يا أبتِ؟ قال: أنشدي عمكِ قصيدتي التي مدحتُ بها قيس بن معد يكرب، ونسبْتُ بك في أولها، فاندفعتْ تُنشد القصيدة حتى أتت على آخرها لم تخرم منها حرفًا، فلما أتمَّتها قال: انصرفي، ثم قال: هل قلتَ شيئًا غير ذلك؟ قلتُ: نعم، كان بيني وبين ابن عمٍ لي يقال له يزيد بن مسهر، ما يكون بين بني العم، فهجاني وهجوته فأفحمته. قال: ماذا قلتَ فيه؟ قال: قلتُ:

وَدِّع هُرَيرَةَ إِنَّ الرَكبَ مُرتَحِلُ*****وَهَل تُطيقُ وَداعًا أَيُّها الرَجُلُ!


فلما أنشدته البيت الأول قال: حسبك! من هريرة هذه التي نسبتَ بها؟ قلتُ: لا أعرفها وسبيلها سبيل التي قبلها؛ فنادى: يا هريرة؛ فإذا جارية قريبة السن من الأولى خرجتْ، فقال: أنشدي عمك قصيدتي التي هجوتُ بها يزيد بن مسهر، فأنشدتها من أولها إلى آخرها لم تخرم منها حرفًا، فَسُقِط في يدي وتحيّرتُ وتغشتني رعدة.
فلما رأى ما نزل بي قال: ليُفْرِخْ رَوْعُكَ يا أبا بصير؛ أنا هاجسك مِسْحَل بن أثاثة، الذي ألقى على لسانك الشعر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

القصة التي رويت عن جرير بن عبدالله البجلي أنه أتى في بعض أسفاره الماء فإذا قومٌ مشوهون فقعد، يقول: «فبينا أنا عندهم إذ أتاهم رجل أشدُّ تشويهًامنهم فقالوا: هذا شاعرهم. فقالوا له يا فلان؛ أنشد هذا فإنه ضيف؛ فأنشد:
«ودِّع هريرة إن الركبَ مرتحلُ»
فلا والله ما خرم منها بيتًا واحدًا، حتى انتهى إلى هذا البيت:

تسمعُ للحلْيِ وسواسًا إذا انصرفتْ****كما استعانَ بريحٍ عِشْرِقٌ زَجِلُ


فأعجب به. فقلتُ: من يقول هذه القصيدة؟ قال: أنا. قلتُ: لولا ما تقول لأخبرتك أن أعشى بني ثعلبة أنشدنيها عامًا أول بنجران! قال: فإنك صادق، أنا الذي ألقيتها على لسانه، وأنا مِسْحَل صاحبه، ما ضاع شعرُ شاعرٍ وضعه عند ميمون ابن قيس!».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ونحو هذه القصة نقرأ قصة عن شيطان امرئ القيس حين التقاه أحد الرواة فقال له: أتروي من أشعار العرب شيئًا؟ قال نعم، وأقول، فقال له الراوي أنشدني، فأنشده قولَ امرئ القيس:
قِفا نَبكِ مِن ذِكرى حَبيبٍ وَمَنزِلِ
بِسِقطِ اللِوى بَينَ الدَخولِ فَحَومَلِ
فلما فرغ قال له الراوي: هذا لامرئ القيس، قال: لستُ أولَ من كُفِر نعمةً أسداها! أنا والله منحته ما أعجبك منه! قال الراوي: فما اسمك؟ قال: لافظ بن لاحظ.
ثم يخوض الراوي معه في حديث طويل، ويسأله: من أشعر العرب؟ فأنشأ يقول:
ذهبَ ابن حجرٍ بالقريض وقوله

ولقد أجاد فما يُعادُ زيادُ
لله هاذر إذ يجود بقوله
إن ابن ماهر بعدها لجوادُ
فقال الراوي: من هاذر؟ قال: صاحب زياد الذبياني(يعني النابغة) وهو أشعر الجن.
وكذا عن شيطان زهير ابن أبي سلمى ردد الرواة قصةً عن حمزة الزيات: أنه كان في سفر فضلَّت راحلته، فخرج في طلبها، فأمسكه اثنان يحس بهما ويسمع كلامهما ولا يراهما، فأخذاه إلى شيخ حسن الشيبة قاعدٍ على تلعة، (مرتفع من الأرض) فحاوره، ثم سأله أتقول الشعر؟ قال: لا! قال: أفترويه؟ قال:نعم! قال: هاته، فأنشده حمزة الزيات قصيدة:

أمِن أُمِّ أوفى دمنةٌ لم تَكَّلمِ****بحومانة الدَّرَّاجِ فالمُتَثَلِّمِ

فقال: لمن هذه؟ قلتُ: لزهير بن أبي سلمى! قال: الجني؟ قلتُ: بل الإنسي! مرارًا.
فرفع رأسه إلى قومٍ عنده، فأُتي بشيخ، فقال له: يا زهير! قال: لبيك! قال: «أمن أم أوفى» لمن؟ قال: لي! قال: إن حمزة الزيات يذكر أنها لزهير بن أبي سلمى الإنسي، قال: صدق هو، وصدقتَ أنت.
قال: وكيف هذا؟ قال: هو إلفي من الإنس، وأنا تابعه من الجنِّ، أقول الشيء فألقيه في وهمه، ويقول الشيء فآخذه عنه؛ فأنا قائلها في الجن، وهو قائلها في الإنس!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــ

ويجاوز الأمر ذلك إلى ما يُسمى بوحدة الشيطان بين شاعرين، وهذا ما زعمه الفرزدق ، حينما يقول: «شيطاني وشيطان جرير واحد» وذلك حينما يقول بيتًا من الشعر ثم يتوقع أن يهجوه به جرير، ودون أن يكون هناك تواصلٌ بين الشاعرين، ومن ذلك قول جرير:

بِسَيفِ أَبي رَغوانَ سَيفِ مُجاشِعٍ****ضَرَبتَ وَلَم تَضرِب بِسَيفِ اِبنِ ظالِمِ

وقد توقع الفرزدق أن يهجوه جرير بقصيدة يضمنها هذا البيت، بحجة أن شيطانهما واحد، وذلك عندما ضرب الفرزدق بسيف فنبا وارتعشت يده، وهذا ما حدث بالفعل.

وفي قصة أخرى روي أن الفرزدق نزل بقوم من العرب فأكرموه وأحسنوا قراه. فلما كان في الليل دب إلى جارية منهم فراودها عن نفسها، فصاحت، فتبادر القوم إليها، فأنقذوها منه ولاموه على فعلته. فجعل يتفكر ويهيم، فقال له صاحب البيت: أتحب أن أزوجك من هذه الجارية؟ قال: لا والله وما ذلك بي. ولكن كأني بابن المراغة (يقصد جريرًا) قد بلغه هذا الخبر فقال:

وَكُنتَ إِذا حَلَلتَ بِدارِ قَومٍ******رَحَلتَ بِخِزيَةٍ وَتَرَكتَ عارا


فقال الرجل: لعله لايفطن لهذا. قال: عسى أن يكون ذاك. قال: فوالله ما هو إلا وقت يسير حتى مر بنا راكب ينشد هذا البيت. فسألوه عنه. فأنشدهم قصيدة لجرير فيها هذا البيت بعينه.