nooora
19-10-2007, 01:11 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
أقل مظاهر التغيير بالقلب: أن تقاطع أصحاب المنكر وتبتعد عنهم
الرضا بالمنكر هو نفسه منكر والرضا بالكفر كفر، والرضا بالظلم ظلم
شر ما يصيب الناس، أن تختلَّ القيم في الأذهان والأفكار، فإذا التمسُّك بالدين يصبح رجعية أو تخلفا!
الإسلام لا يريد من المسلم أن يفعل المعروف فحسب، وأن يترك المنكر فقط، بل حمَّله مسؤولية إصلاح الجماعة
الحديث الثلاثون
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
روى الترمذي وأبو داود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى منهم أخاه، فيقول له: أي فلان، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض".
وفي رواية: "ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم"، ثم قرأ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) «المائدة:79، 78».
المسلم صاحب مسؤولية:
أيها الاخوة المستمعون: إن الإسلام لا يريد من المسلم أن يفعل المعروف فحسب، وأن يترك المنكر فقط، بل حمَّله واجبا آخر، حمَّله واجبا نحو المجتمع، حمَّله مسؤولية إصلاح الجماعة.
إن عليه أن يفعل المعروف، وعليه -مع ذلك- أن يأمر به، وأن عليه أن يجتنب المنكر، وعليه -مع ذلك- أن ينهى عنه.
إن مسؤولية المسلم أن يكون مصلحا في جماعة، فهو صاحب مسؤولية، وأنه على ثغرة من ثغر الإسلام... فلهذا إذا رأى المنكر، كان عليه أن يُغيِّره بيده إن أمكن، فإن لم يستطع فعليه أن يُغيِّره بلسانه، يأمر وينهى، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، ولكن الناس يفهمون هذه الرتبة الأخير فهما مغلوطا، يظنون التغيير بالقلب أمرا سلبيا، ولو كان أمرا سلبيا ما سُمِّي تغييرا، النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: يُغيِّر بقلبه. كيف يُغيِّر إذا كان هو مجرد امتناع فقط؟ لا... ولكن التغيير بالقلب، أن يكون قلب المسلم مُمتلئا بالكراهية، للمنكر وأصحابه، يتمزَّق كبده حسرة وأسى، على هذه الحال، وأن يحمل الغَيرة والغليان في قلبه، أن يغلي قلبه كلما رأى المعصية والمنكر، كما يغلي القدر فوق النار.
ليس هذا تغيير بالقلب:
هكذا ينبغي أن يكون المسلم، أما أن يقول أنا أُغير بقلبي، ومع هذا يخالط أصحاب المنكر، ويؤاكلهم ويشاربهم ويصافحهم. فليس هذا من التغيير بالقلب، وهو ليس من التغيير في شيء.
إن أقل مظاهر التغيير بالقلب: أن تقاطع أصحاب المنكر، أن تبتعد عنهم، ولهذا ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أن بني إسرائيل لم يُغنِ عنهم من الله شيئا، أنهم كان بعضهم يلقى بعضا ويقول له: يا فلان، اتق الله، ودع هذا فإنه لا يحل لك.
هذا النهي باللسان لم يُغنهم شيئا؛ لأنه لم يتبعه عمل، لم يكن وراءه موقف إيجابي، فلهذا ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على ألسنة أنبيائهم، وقال: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)، اعتبر القرآن قولهم هذا باللسان... لم يعتبره تناهيا عن المنكر؛ لأنه قول سلبي لا يعبر عن موقف إيجابي...
إنما الواجب أن يفعل الإنسان، أن يأمر وينهى، وأن يُتبع ذلك بالمقاطعة، حتى يشعر صاحب المنكر أنه مُقاطَع، وأنه مُحاصَر حصارا أدبيا من المجتمع... فمَن لم يُزلِ المنكر فليزُلْ عن المنكر. حتى لا تنزل عليه اللعنة حين تنزل، فإن الرحمة تخصُّ، والنقمة واللعنة تعمُّ...
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحضر عند رجل يُقتل مظلوما، فإن اللعنة تنزل على مَن حضره ولم يدفع عنه، ولا تقف عند رجل يُضرب مظلوما، فإن اللعنة تنزل على مَن حضره ولم يدفع عنه".
فإذا اضطررت اضطرارا إلى أن تبقى بمكان فيه معصية، فتكفيك كراهية ما يقع من منكر لذاته ولمَن يرتكبونه.
وفي الحديث: "إذا حضر العمل بالمعاصي، كان مَن حضرها فكرهها كمَن غاب عنها، ومَن غاب عنها فرضيها كان كمَن حضرها"
فالرضا له أهميته، الرضا بالمنكر هو نفسه منكر، كما قيل: الرضا بالكفر كفر، والرضا بالظلم ظلم.
ترك إنكار المنكر مصيبة:
إذا ترك الناس إنكار المنكر، ولو بالقلب، ورضوا عنه وعن فاعليه، فهذه هي المصيبة التي تُحلُّ بالناس سخط الله، وتُنزل بهم بلاءه وعذابه، وفي الحديث: "لا تزال لا إله إلا الله تنفع مَن قالها، وتدفع عنهم عذاب الله، حتى يستخفُّوا بحقها". قيل: وما الاستخفاف بحقها، يا رسول الله؟ قال: "أن يُعمل بمعاصي الله فلا تُنكر ولا تُغيَّر"، أي لا تُغيَّر باليد ولا باللسان ولا تُنكر بالقلب.
فهذا هو الذي يجلب على الناس سخط الله وعذابه، وشرٌّ من ذلك أيها الإخوة المستمعون: أن تختلَّ الموازين، وتضطرب المقاييس والقيم في المجتمع، فيُصبح المعروف في نظر الناس مُنكرا، ويُصبح المُنكر معروفا، وتُصبح السنة بدعة، وتصير البدعة سنة.
هذا شر ما يصيب الناس، أن تختلَّ القيم في الأذهان والأفكار، فإذا التمسُّك بالدين يصبح رجعية أو تخلفا، أو التحلُّل من الفضائل والعفاف والحشمة والوقار يصبح ضربا من التمدُّن والترقِّي والتحرُّر... وهكذا.
إن اختلال الموازين هو شرُّ ما يُصاب به تأخرا، وإذا المجتمع، وأشدُّ من ذلك أن تجد في الناس مَن يأمر بالمنكر، ومَن ينهى عن المعروف، أن تجد للمنكر أصواتا جهرة، تدعو إليه في صحافة تُروَّج، وفي كتب تُنشر، وفي إذاعات تملأ الآفاق، وفي التليفزيونات، وفي السينيمات...
ترى للباطل أصواتا عالية، تُدوِّي في كل أُذن، وتتجاوب في كل أُفق، وتملأ كل عين، بما يُرى، وما يُسمع، وما يُقرأ.
أصوات تدعو إلى الفجور، إلى الإلحاد، إلى الإباحية، إلى الشيوعية، إلى السُّخرية بالدين، بالصلاة، بأوامر الله، كما قال الله تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) «المائدة:58».
هذا هو شر ما يصاب به المجتمع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث له: "كيف أنتم إذا فسق شبانكم، وطغت نساؤكم، وتركتم جهادكم؟". قال الصحابة: وكائن ذلك يا رسول الله؟ تفسق الشبان، وتطغى النساء، ويُترك الجهاد؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، وأشدُّ منه سيكون". قالوا: وما أشد منه؟ قال: "كيف أنتم إذا صار فيكم المعروف مُنكرا، والمُنكر معروفا؟". قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، وأشد منه سيكون". قالوا: وما أشد منه؟ قال: "كيف أنتم إذا أمرتم بمُنكر، ونهيتم عن المعروف؟، قال الله تعالى: لأتيحنَّ لهم فتنة تَذَر الحليم حيران".
وأي فتنة -يا جماعة المسلمين- أشد مما فيه المسلمون الآن؟
أي فتنة أشد مما تلاقي الأمة الإسلامية في هذا العصر، بعد أن اضطربت أمورها، واختلَّت موازينها، وأصبح كتاب الله وراءها ظهريا، وأصبح المتدينون لا حَول لهم ولا طَول، وأصبح الفُجَّار شامخين بأنوفهم، ثانين أعطافهم ليضلوا عن سبيل الله...
إنها فتنة لا مخرج منها إلا كتاب الله، إلا أن نرجع لنضع أيدينا في يد الله، إلا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونصرخ بأعلى أصواتنا آمرين ناهين حافظين لحدود الله، وما ينبغي أن يرتفع المنكر، وأن يعلو صوته في مجتمع مسلم، وما ينبغي أن يضيع المعروف حتى لا يجد مَن يأمر به.
إن الله حينما وصف الأمة الإسلامية، وتحدَّث عن خيريتها قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) «آل عمران:110»، فالسبب الأول لخيرية الأمة هو هذه الفضيلة، وهذه الفريضة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحينما تحدَّث الله عن المؤمنين والمؤمنات قال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) «التوبة:71».
فقبل أن يتحدَّث عن الصلاة والزكاة، تحدَّث عن أخص أوصاف المؤمنين والمؤمنات: أنهم (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، وحينما حدَّثنا الله عن نصر مَن نصره، ذكر مَن هم الذين يستحقون نصر الله فقال: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) «الحج:41،40».
منقووووووووووووووول
أقل مظاهر التغيير بالقلب: أن تقاطع أصحاب المنكر وتبتعد عنهم
الرضا بالمنكر هو نفسه منكر والرضا بالكفر كفر، والرضا بالظلم ظلم
شر ما يصيب الناس، أن تختلَّ القيم في الأذهان والأفكار، فإذا التمسُّك بالدين يصبح رجعية أو تخلفا!
الإسلام لا يريد من المسلم أن يفعل المعروف فحسب، وأن يترك المنكر فقط، بل حمَّله مسؤولية إصلاح الجماعة
الحديث الثلاثون
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
روى الترمذي وأبو داود، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل، أنه كان الرجل يلقى منهم أخاه، فيقول له: أي فلان، اتق الله ودع ما تصنع، فإنه لا يحل لك. ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده". قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض".
وفي رواية: "ولعنهم على لسان داود وعيسى بن مريم"، ثم قرأ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) «المائدة:79، 78».
المسلم صاحب مسؤولية:
أيها الاخوة المستمعون: إن الإسلام لا يريد من المسلم أن يفعل المعروف فحسب، وأن يترك المنكر فقط، بل حمَّله واجبا آخر، حمَّله واجبا نحو المجتمع، حمَّله مسؤولية إصلاح الجماعة.
إن عليه أن يفعل المعروف، وعليه -مع ذلك- أن يأمر به، وأن عليه أن يجتنب المنكر، وعليه -مع ذلك- أن ينهى عنه.
إن مسؤولية المسلم أن يكون مصلحا في جماعة، فهو صاحب مسؤولية، وأنه على ثغرة من ثغر الإسلام... فلهذا إذا رأى المنكر، كان عليه أن يُغيِّره بيده إن أمكن، فإن لم يستطع فعليه أن يُغيِّره بلسانه، يأمر وينهى، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، ولكن الناس يفهمون هذه الرتبة الأخير فهما مغلوطا، يظنون التغيير بالقلب أمرا سلبيا، ولو كان أمرا سلبيا ما سُمِّي تغييرا، النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: يُغيِّر بقلبه. كيف يُغيِّر إذا كان هو مجرد امتناع فقط؟ لا... ولكن التغيير بالقلب، أن يكون قلب المسلم مُمتلئا بالكراهية، للمنكر وأصحابه، يتمزَّق كبده حسرة وأسى، على هذه الحال، وأن يحمل الغَيرة والغليان في قلبه، أن يغلي قلبه كلما رأى المعصية والمنكر، كما يغلي القدر فوق النار.
ليس هذا تغيير بالقلب:
هكذا ينبغي أن يكون المسلم، أما أن يقول أنا أُغير بقلبي، ومع هذا يخالط أصحاب المنكر، ويؤاكلهم ويشاربهم ويصافحهم. فليس هذا من التغيير بالقلب، وهو ليس من التغيير في شيء.
إن أقل مظاهر التغيير بالقلب: أن تقاطع أصحاب المنكر، أن تبتعد عنهم، ولهذا ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم: أن بني إسرائيل لم يُغنِ عنهم من الله شيئا، أنهم كان بعضهم يلقى بعضا ويقول له: يا فلان، اتق الله، ودع هذا فإنه لا يحل لك.
هذا النهي باللسان لم يُغنهم شيئا؛ لأنه لم يتبعه عمل، لم يكن وراءه موقف إيجابي، فلهذا ضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على ألسنة أنبيائهم، وقال: (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)، اعتبر القرآن قولهم هذا باللسان... لم يعتبره تناهيا عن المنكر؛ لأنه قول سلبي لا يعبر عن موقف إيجابي...
إنما الواجب أن يفعل الإنسان، أن يأمر وينهى، وأن يُتبع ذلك بالمقاطعة، حتى يشعر صاحب المنكر أنه مُقاطَع، وأنه مُحاصَر حصارا أدبيا من المجتمع... فمَن لم يُزلِ المنكر فليزُلْ عن المنكر. حتى لا تنزل عليه اللعنة حين تنزل، فإن الرحمة تخصُّ، والنقمة واللعنة تعمُّ...
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحضر عند رجل يُقتل مظلوما، فإن اللعنة تنزل على مَن حضره ولم يدفع عنه، ولا تقف عند رجل يُضرب مظلوما، فإن اللعنة تنزل على مَن حضره ولم يدفع عنه".
فإذا اضطررت اضطرارا إلى أن تبقى بمكان فيه معصية، فتكفيك كراهية ما يقع من منكر لذاته ولمَن يرتكبونه.
وفي الحديث: "إذا حضر العمل بالمعاصي، كان مَن حضرها فكرهها كمَن غاب عنها، ومَن غاب عنها فرضيها كان كمَن حضرها"
فالرضا له أهميته، الرضا بالمنكر هو نفسه منكر، كما قيل: الرضا بالكفر كفر، والرضا بالظلم ظلم.
ترك إنكار المنكر مصيبة:
إذا ترك الناس إنكار المنكر، ولو بالقلب، ورضوا عنه وعن فاعليه، فهذه هي المصيبة التي تُحلُّ بالناس سخط الله، وتُنزل بهم بلاءه وعذابه، وفي الحديث: "لا تزال لا إله إلا الله تنفع مَن قالها، وتدفع عنهم عذاب الله، حتى يستخفُّوا بحقها". قيل: وما الاستخفاف بحقها، يا رسول الله؟ قال: "أن يُعمل بمعاصي الله فلا تُنكر ولا تُغيَّر"، أي لا تُغيَّر باليد ولا باللسان ولا تُنكر بالقلب.
فهذا هو الذي يجلب على الناس سخط الله وعذابه، وشرٌّ من ذلك أيها الإخوة المستمعون: أن تختلَّ الموازين، وتضطرب المقاييس والقيم في المجتمع، فيُصبح المعروف في نظر الناس مُنكرا، ويُصبح المُنكر معروفا، وتُصبح السنة بدعة، وتصير البدعة سنة.
هذا شر ما يصيب الناس، أن تختلَّ القيم في الأذهان والأفكار، فإذا التمسُّك بالدين يصبح رجعية أو تخلفا، أو التحلُّل من الفضائل والعفاف والحشمة والوقار يصبح ضربا من التمدُّن والترقِّي والتحرُّر... وهكذا.
إن اختلال الموازين هو شرُّ ما يُصاب به تأخرا، وإذا المجتمع، وأشدُّ من ذلك أن تجد في الناس مَن يأمر بالمنكر، ومَن ينهى عن المعروف، أن تجد للمنكر أصواتا جهرة، تدعو إليه في صحافة تُروَّج، وفي كتب تُنشر، وفي إذاعات تملأ الآفاق، وفي التليفزيونات، وفي السينيمات...
ترى للباطل أصواتا عالية، تُدوِّي في كل أُذن، وتتجاوب في كل أُفق، وتملأ كل عين، بما يُرى، وما يُسمع، وما يُقرأ.
أصوات تدعو إلى الفجور، إلى الإلحاد، إلى الإباحية، إلى الشيوعية، إلى السُّخرية بالدين، بالصلاة، بأوامر الله، كما قال الله تعالى: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) «المائدة:58».
هذا هو شر ما يصاب به المجتمع.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث له: "كيف أنتم إذا فسق شبانكم، وطغت نساؤكم، وتركتم جهادكم؟". قال الصحابة: وكائن ذلك يا رسول الله؟ تفسق الشبان، وتطغى النساء، ويُترك الجهاد؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، وأشدُّ منه سيكون". قالوا: وما أشد منه؟ قال: "كيف أنتم إذا صار فيكم المعروف مُنكرا، والمُنكر معروفا؟". قالوا: وكائن ذلك يا رسول الله؟ قال: "نعم، والذي نفسي بيده، وأشد منه سيكون". قالوا: وما أشد منه؟ قال: "كيف أنتم إذا أمرتم بمُنكر، ونهيتم عن المعروف؟، قال الله تعالى: لأتيحنَّ لهم فتنة تَذَر الحليم حيران".
وأي فتنة -يا جماعة المسلمين- أشد مما فيه المسلمون الآن؟
أي فتنة أشد مما تلاقي الأمة الإسلامية في هذا العصر، بعد أن اضطربت أمورها، واختلَّت موازينها، وأصبح كتاب الله وراءها ظهريا، وأصبح المتدينون لا حَول لهم ولا طَول، وأصبح الفُجَّار شامخين بأنوفهم، ثانين أعطافهم ليضلوا عن سبيل الله...
إنها فتنة لا مخرج منها إلا كتاب الله، إلا أن نرجع لنضع أيدينا في يد الله، إلا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونصرخ بأعلى أصواتنا آمرين ناهين حافظين لحدود الله، وما ينبغي أن يرتفع المنكر، وأن يعلو صوته في مجتمع مسلم، وما ينبغي أن يضيع المعروف حتى لا يجد مَن يأمر به.
إن الله حينما وصف الأمة الإسلامية، وتحدَّث عن خيريتها قال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) «آل عمران:110»، فالسبب الأول لخيرية الأمة هو هذه الفضيلة، وهذه الفريضة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وحينما تحدَّث الله عن المؤمنين والمؤمنات قال: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) «التوبة:71».
فقبل أن يتحدَّث عن الصلاة والزكاة، تحدَّث عن أخص أوصاف المؤمنين والمؤمنات: أنهم (يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)، وحينما حدَّثنا الله عن نصر مَن نصره، ذكر مَن هم الذين يستحقون نصر الله فقال: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ . الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) «الحج:41،40».
منقووووووووووووووول