سيف قطر
31-10-2007, 12:24 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الأطعمة
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/images/header_03.jpg
باب في أحكام الأطعمة
لما كان الطعام يتغذى به جسم الإنسان ، وينعكس أثره على أخلاقه وسلوكه ؛ فالأطعمة الطيبة يكون أثرها طيبا على الإنسان ، والأطعمة الخبيثة بضد ذلك ، ولذلك أمر الله العباد بالأكل من الطيبات ، ونهاهم عن الخبائث :
قال تعالى : يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا .
وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ .
وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا .
وقال تعالى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ .
والأطعمة جمع طعام ، وهو ما يؤكل ويشرب .
والأصل فيها الحل ، لقوله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي تدل على أن الأصل في الأطعمة الحل إلا ما استثني .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الأصل فيها الحل لمسلم عمل صالحا ، لأن الله تعالى إنما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته ، لا على معصيته . لقوله تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ولهذا لا يجوز أن يستعان بالمباح على المعصية ؛ كمن يعطي اللحم والخبز من يشرب عليه الخمر ويستعين به على الفواحش ، ومن أكل الطيبات ولم يشكر فمذموم ، قال تعالى : ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أي : عن الشكر عليه ، انتهى . [فتاوى شيخ الإسلام 7/ 44 ، والاختيارات الفقهية ص 464 .] .
فالله تعالى أباح لعباده المؤمنين الطيبات لكي ينتفعوا بها ، وقال تعالى : يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ .
وقد بين الله لعباده ما حرمه عليهم من المطاعم والمشارب ، قال تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ فما لم يبين تحريمه فهو حلال ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا ؛ فلا تعتدوها ، وحرم أشياء ، فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان ؛ فلا تبحثوا عنها قال النووي رحمه الله : " حديث حسن ، رواه الدارقطني وغيره . "
فكل ما لم يبين الله ولا رسوله تحريمه من المطاعم والمشارب والملابس ؛ فلا يجوز تحريمه ؛ فإن الله قد فصل لنا ما حرم ؛ فما كان حراما فلا بد أن يكون تحريمه مفصلا ؛ فكما أنه لا يجوز إباحة ما حرم الله ؛ فكذلك لا يجوز تحريم ما عفا الله عنه ولم يحرمه .
والقاعدة في ذلك أن كل طعام طاهر لا مضرة فيه فهو مباح ؛ بخلاف الطعام النجس ، كالميتة ، والدم ، والرجيع ، والبول ، والخمر ، والحشيشة ، والمتنجس ، وهو الذي خالط النجاسة ؛ فإنه يحرم ، لأنه خبيث مضر ، لقوله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ الآية .
فأما الميتة ؛ فهي ما فارقته الحياة بدون ذكاة شرعية ، وحرمت لما فيها من خبث التغذية ، والغاذي شبيه بالمغتذي ، ومن محاسن الشريعة تحريمه ، فإن اضطر إليه . أبيح له ، وانتفى وجه الخبث منه حال الاضطرار ؛ لأنه غير مستقل بنفسه في المحل المغتذى به ، بل هو متولد من القابل والفاعل ، فإن ضرورته تمنع قبول الخبث الذي في المغتذى به ، فلم تحصل تلك المفسدة ، لأنها مشروطة بالاختيار الذي به يقبل المحل خبث التغذي ، فإذا زال الاختيار زال شرط القبول ، فلم تحصل المفسدة أصلا .
وأما الدم ؛ فالمراد به المسفوح منه ، وكان أهل الجاهلية يجعلونه في المباعر ، ويشوونه ، ويأكلونه ، فأما ما يبقى في خلل اللحم بعد الذبح وما يبقى في العروق فمباح ، حتى لو مسه بيده فظهر عليها أو مسه بقطنة ؛ لم ينجس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الصحيح أنه إنما يحرم الدم المسفوح المصبوب المهراق ، فأما ما يبقى في عروق اللحم ؛ فلم يحرمه أحد من العلماء " انتهى . [انظر : حاشية الروض المربع 7/ 417 .]
ولا يحل من الأطعمة ما فيه مضرة كالسم والخمر والحشيشة والدخان التبغ ؛ لقوله تعالى : وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فالآية الكريمة تدل على تحريم أكل أو شرب كل ما فيه مضرة ، مع أدلة أخرى تدل على تحريم الأطعمة والأشربة الضارة للعقول والأبدان .
والأطعمة المباحة على نوعين : حيوانات ونباتات كالحبوب والثمار ، فيباح منها كل ما لا مضرة فيه .
والحيوانات على نوعين : حيوانات تعيش في البر ، وحيوانات تعيش في البحر .
فحيوانات البر مباحة ؛ إلا أنواعا منها حرمها الشارع :
ومن ذلك : الحمر الأهلية ؛ لحديث جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه .
قال ابن المنذر : " لا خلاف بين أهل العلم اليوم في تحريمها " . [انظر : حاشية الروض المربع 7/ 418 .]
وحرم من حيوانات البر أيضا ما له ناب يفترس به ؛ لقول أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع متفق عليه ، ويستثنى من ذلك الضبع ، فيحل ، لحديث جابر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " إنما حرم ما له ناب من السباع العادية بطبعها كالأسد ، وأما الضبع ، فإنما فيها أحد الوصفين ، وهو كونها ذات ناب وليست من السباع العادية ، والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث للمغتذي بها شبها ، ولا تعد الضبع من السباع العادية ، لا لغة ولا عرفا ... " انتهى . [إعلام الموقعين 2/ 126 ، 4/ 240 - 380 .]
- والطيور مباحة ؛ إلا ما استثني ؛ فيحرم من الطير ما له مخلب يصيد به ، وهو الظفر الذي يصيد به الحيوانات ؛ كالعقاب والبازي والصقر ؛ لقول ابن عباس : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ، وعن كل ذي مخلب من الطيور رواه أبو داود وغيره .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " قد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، وصحت صحة لا مطعن فيها من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة " اهـ . [إعلام الموقعين 2/ 118 ، 4/ 380 .]
ويحرم من الطيور أيضا ما يأكل الجيف كالنسر ، والرخم ، والغراب ، وذلك لخبث ما يتغذى به .
ويحرم من الحيوانات ما يستخبث كالحية ، والفأرة ، والحشرات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أكل الحيات والعقارب حرام مجمع عليه ، فمن أكلها مستحلا لها ، استتيب ، ومن اعتقد التحريم وأكلها ، فهو فاسق عاص لله ورسوله " . [فتاوى شيخ الإسلام 11/ 690 .]
وتحرم الحشرات لأنها من الخبائث .
ويحرم من الحيوانات أيضا ما تولد من مأكول وغيره ، كالبغل من الخيل والحمر الأهلية ؛ تغليبا لجانب التحريم .
وقد أجمل بعض العلماء ما يحرم من حيوانات البر في ستة أنواع هي :
1 - ما نص عليه بعينه ؛ كالحمر الأهلية .
2 - ما وضع له حد وضابط ؛ كما له ناب من السباع أو مخلب من الطير .
3 - ما يأكل الجيف ؛ كالرخم والغراب .
4 - ما يستخبث ، كالفأرة والحية .
5 - ما تولد من مأكول وغير مأكول ؛ كالبغل .
6 - ما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله ؛ كالفواسق الخمس والهدهد والصرد .
وما عدا ما ذكر من الحيوانات والطيور ؛ فهو حلال على أصل الإباحة ، كالخيل ، وبهيمة الأنعام ، والدجاج ، والحمر الوحشية ، والظباء ، والنعامة ، والأرنب ، وسائر الوحوش ؛ لأن ذلك كله مستطاب ، فيدخل في قوله تعالى : أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ .
ويستثنى من ذلك الجلَّالة من البقر والإبل ، وهي التي أكثر علفها النجاسة ، فيحرم كلها ؛ لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث ابن عمر : نهى عن أكل الجلالة وألبانها ومن حديث عمرو بن شعيب : نهى عن لحوم الحمر الأهلية ، وعن ركوب الجلالة وأكل لحمها وسواء في ذلك بهيمة الأنعام أو الدجاج ونحوه ، ولبنها وبيضها نجس حتى تحبس ثلاثا وتطعم الطاهر فقط .
قال ابن القيم : " أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست وعلفت الطاهرات ، حل لبنها ولحمها ، وكذا الزرع والثمار : إذا سقيت بالماء النجس ، ثم سقيت بالطاهر حلت ؛ لاستحالة وصف الخبيث وتبدله بالطيب " انتهى . [إعلام الموقعين 1/ 40 .]
ويكره أكل بصل وثوم ونحوهما مما له رائحة كريهة خصوصا عند حضور المساجد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : من أكل من هذه الشجرة ، فلا يقربن مصلانا .
ومن اضطر إلى محرم بأن خاف التلف إن لم يأكله غير السم ؛ حل له منه ما يسد رمقه ( أي : يمسك قوته ويحفظها ) ؛ لقوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ومن اضطر إلى طعام غيره مع عدم اضطرار صاحب ذلك الطعام إليه ؛ لزم بذله له بقدر ما يسد رمقه بقيمته .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إن كان المضطر فقيرا ، لم يلزمه عوض ؛ إذ إطعام الجائع وكسوة العاري فرض كفاية ، ويصيران فرض عين على المعيَّن إذا لم يقم غيره به " اهـ . [الاختيارات ص465 .]
ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه كثياب لدفع برد ، أو حبل أو دلو لاستقاء ماء ، وكقدر لطبخ ، وجب بذله له مجانا ، مع عدم حاجة صاحبه إليه ؛ لأن الله تعالى ذم على منعه بقوله : وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ .
قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما : ( الماعون هو ما يتعاطاه الناس بينهم ويتعاورونه من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك ) .
تابع ..
فلله الحمد على هذا الدين الكامل والتشريع الحكيم الذي هو هدى ورحمة .
http://www.alfawzan.ws/alfawzan/bookstree/tabid/91/Default.aspx?View=Page&NodeID=6926&PageID=208&SectionID=1&MarkIndex=0&0#%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b7%d8%b9%d9%85%d8%a9 (%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81%d9%87%d8%a7)
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/images/header_03.jpg
كتاب الأطعمة
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/images/header_03.jpg
باب في أحكام الأطعمة
لما كان الطعام يتغذى به جسم الإنسان ، وينعكس أثره على أخلاقه وسلوكه ؛ فالأطعمة الطيبة يكون أثرها طيبا على الإنسان ، والأطعمة الخبيثة بضد ذلك ، ولذلك أمر الله العباد بالأكل من الطيبات ، ونهاهم عن الخبائث :
قال تعالى : يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا .
وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ .
وقال تعالى : يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا .
وقال تعالى : قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ .
والأطعمة جمع طعام ، وهو ما يؤكل ويشرب .
والأصل فيها الحل ، لقوله تعالى : هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وغير ذلك من نصوص الكتاب والسنة التي تدل على أن الأصل في الأطعمة الحل إلا ما استثني .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " الأصل فيها الحل لمسلم عمل صالحا ، لأن الله تعالى إنما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته ، لا على معصيته . لقوله تعالى : لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا ولهذا لا يجوز أن يستعان بالمباح على المعصية ؛ كمن يعطي اللحم والخبز من يشرب عليه الخمر ويستعين به على الفواحش ، ومن أكل الطيبات ولم يشكر فمذموم ، قال تعالى : ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ أي : عن الشكر عليه ، انتهى . [فتاوى شيخ الإسلام 7/ 44 ، والاختيارات الفقهية ص 464 .] .
فالله تعالى أباح لعباده المؤمنين الطيبات لكي ينتفعوا بها ، وقال تعالى : يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ .
وقد بين الله لعباده ما حرمه عليهم من المطاعم والمشارب ، قال تعالى : وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ فما لم يبين تحريمه فهو حلال ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحد حدودا ؛ فلا تعتدوها ، وحرم أشياء ، فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان ؛ فلا تبحثوا عنها قال النووي رحمه الله : " حديث حسن ، رواه الدارقطني وغيره . "
فكل ما لم يبين الله ولا رسوله تحريمه من المطاعم والمشارب والملابس ؛ فلا يجوز تحريمه ؛ فإن الله قد فصل لنا ما حرم ؛ فما كان حراما فلا بد أن يكون تحريمه مفصلا ؛ فكما أنه لا يجوز إباحة ما حرم الله ؛ فكذلك لا يجوز تحريم ما عفا الله عنه ولم يحرمه .
والقاعدة في ذلك أن كل طعام طاهر لا مضرة فيه فهو مباح ؛ بخلاف الطعام النجس ، كالميتة ، والدم ، والرجيع ، والبول ، والخمر ، والحشيشة ، والمتنجس ، وهو الذي خالط النجاسة ؛ فإنه يحرم ، لأنه خبيث مضر ، لقوله تعالى : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ الآية .
فأما الميتة ؛ فهي ما فارقته الحياة بدون ذكاة شرعية ، وحرمت لما فيها من خبث التغذية ، والغاذي شبيه بالمغتذي ، ومن محاسن الشريعة تحريمه ، فإن اضطر إليه . أبيح له ، وانتفى وجه الخبث منه حال الاضطرار ؛ لأنه غير مستقل بنفسه في المحل المغتذى به ، بل هو متولد من القابل والفاعل ، فإن ضرورته تمنع قبول الخبث الذي في المغتذى به ، فلم تحصل تلك المفسدة ، لأنها مشروطة بالاختيار الذي به يقبل المحل خبث التغذي ، فإذا زال الاختيار زال شرط القبول ، فلم تحصل المفسدة أصلا .
وأما الدم ؛ فالمراد به المسفوح منه ، وكان أهل الجاهلية يجعلونه في المباعر ، ويشوونه ، ويأكلونه ، فأما ما يبقى في خلل اللحم بعد الذبح وما يبقى في العروق فمباح ، حتى لو مسه بيده فظهر عليها أو مسه بقطنة ؛ لم ينجس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " الصحيح أنه إنما يحرم الدم المسفوح المصبوب المهراق ، فأما ما يبقى في عروق اللحم ؛ فلم يحرمه أحد من العلماء " انتهى . [انظر : حاشية الروض المربع 7/ 417 .]
ولا يحل من الأطعمة ما فيه مضرة كالسم والخمر والحشيشة والدخان التبغ ؛ لقوله تعالى : وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ فالآية الكريمة تدل على تحريم أكل أو شرب كل ما فيه مضرة ، مع أدلة أخرى تدل على تحريم الأطعمة والأشربة الضارة للعقول والأبدان .
والأطعمة المباحة على نوعين : حيوانات ونباتات كالحبوب والثمار ، فيباح منها كل ما لا مضرة فيه .
والحيوانات على نوعين : حيوانات تعيش في البر ، وحيوانات تعيش في البحر .
فحيوانات البر مباحة ؛ إلا أنواعا منها حرمها الشارع :
ومن ذلك : الحمر الأهلية ؛ لحديث جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل متفق عليه .
قال ابن المنذر : " لا خلاف بين أهل العلم اليوم في تحريمها " . [انظر : حاشية الروض المربع 7/ 418 .]
وحرم من حيوانات البر أيضا ما له ناب يفترس به ؛ لقول أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع متفق عليه ، ويستثنى من ذلك الضبع ، فيحل ، لحديث جابر : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكل الضبع .
قال العلامة ابن القيم رحمه الله : " إنما حرم ما له ناب من السباع العادية بطبعها كالأسد ، وأما الضبع ، فإنما فيها أحد الوصفين ، وهو كونها ذات ناب وليست من السباع العادية ، والسبع إنما حرم لما فيه من القوة السبعية التي تورث للمغتذي بها شبها ، ولا تعد الضبع من السباع العادية ، لا لغة ولا عرفا ... " انتهى . [إعلام الموقعين 2/ 126 ، 4/ 240 - 380 .]
- والطيور مباحة ؛ إلا ما استثني ؛ فيحرم من الطير ما له مخلب يصيد به ، وهو الظفر الذي يصيد به الحيوانات ؛ كالعقاب والبازي والصقر ؛ لقول ابن عباس : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذي ناب من السباع ، وعن كل ذي مخلب من الطيور رواه أبو داود وغيره .
قال الإمام ابن القيم رحمه الله : " قد تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالنهي عن كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، وصحت صحة لا مطعن فيها من حديث علي وابن عباس وأبي هريرة " اهـ . [إعلام الموقعين 2/ 118 ، 4/ 380 .]
ويحرم من الطيور أيضا ما يأكل الجيف كالنسر ، والرخم ، والغراب ، وذلك لخبث ما يتغذى به .
ويحرم من الحيوانات ما يستخبث كالحية ، والفأرة ، والحشرات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أكل الحيات والعقارب حرام مجمع عليه ، فمن أكلها مستحلا لها ، استتيب ، ومن اعتقد التحريم وأكلها ، فهو فاسق عاص لله ورسوله " . [فتاوى شيخ الإسلام 11/ 690 .]
وتحرم الحشرات لأنها من الخبائث .
ويحرم من الحيوانات أيضا ما تولد من مأكول وغيره ، كالبغل من الخيل والحمر الأهلية ؛ تغليبا لجانب التحريم .
وقد أجمل بعض العلماء ما يحرم من حيوانات البر في ستة أنواع هي :
1 - ما نص عليه بعينه ؛ كالحمر الأهلية .
2 - ما وضع له حد وضابط ؛ كما له ناب من السباع أو مخلب من الطير .
3 - ما يأكل الجيف ؛ كالرخم والغراب .
4 - ما يستخبث ، كالفأرة والحية .
5 - ما تولد من مأكول وغير مأكول ؛ كالبغل .
6 - ما أمر الشارع بقتله أو نهى عن قتله ؛ كالفواسق الخمس والهدهد والصرد .
وما عدا ما ذكر من الحيوانات والطيور ؛ فهو حلال على أصل الإباحة ، كالخيل ، وبهيمة الأنعام ، والدجاج ، والحمر الوحشية ، والظباء ، والنعامة ، والأرنب ، وسائر الوحوش ؛ لأن ذلك كله مستطاب ، فيدخل في قوله تعالى : أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ .
ويستثنى من ذلك الجلَّالة من البقر والإبل ، وهي التي أكثر علفها النجاسة ، فيحرم كلها ؛ لما روى أحمد وأبو داود وغيرهما من حديث ابن عمر : نهى عن أكل الجلالة وألبانها ومن حديث عمرو بن شعيب : نهى عن لحوم الحمر الأهلية ، وعن ركوب الجلالة وأكل لحمها وسواء في ذلك بهيمة الأنعام أو الدجاج ونحوه ، ولبنها وبيضها نجس حتى تحبس ثلاثا وتطعم الطاهر فقط .
قال ابن القيم : " أجمع المسلمون على أن الدابة إذا علفت بالنجاسة ثم حبست وعلفت الطاهرات ، حل لبنها ولحمها ، وكذا الزرع والثمار : إذا سقيت بالماء النجس ، ثم سقيت بالطاهر حلت ؛ لاستحالة وصف الخبيث وتبدله بالطيب " انتهى . [إعلام الموقعين 1/ 40 .]
ويكره أكل بصل وثوم ونحوهما مما له رائحة كريهة خصوصا عند حضور المساجد ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : من أكل من هذه الشجرة ، فلا يقربن مصلانا .
ومن اضطر إلى محرم بأن خاف التلف إن لم يأكله غير السم ؛ حل له منه ما يسد رمقه ( أي : يمسك قوته ويحفظها ) ؛ لقوله تعالى : فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ومن اضطر إلى طعام غيره مع عدم اضطرار صاحب ذلك الطعام إليه ؛ لزم بذله له بقدر ما يسد رمقه بقيمته .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إن كان المضطر فقيرا ، لم يلزمه عوض ؛ إذ إطعام الجائع وكسوة العاري فرض كفاية ، ويصيران فرض عين على المعيَّن إذا لم يقم غيره به " اهـ . [الاختيارات ص465 .]
ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه كثياب لدفع برد ، أو حبل أو دلو لاستقاء ماء ، وكقدر لطبخ ، وجب بذله له مجانا ، مع عدم حاجة صاحبه إليه ؛ لأن الله تعالى ذم على منعه بقوله : وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ .
قال ابن عباس وابن مسعود وغيرهما : ( الماعون هو ما يتعاطاه الناس بينهم ويتعاورونه من الفأس والقدر والدلو وأشباه ذلك ) .
تابع ..
فلله الحمد على هذا الدين الكامل والتشريع الحكيم الذي هو هدى ورحمة .
http://www.alfawzan.ws/alfawzan/bookstree/tabid/91/Default.aspx?View=Page&NodeID=6926&PageID=208&SectionID=1&MarkIndex=0&0#%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b7%d8%b9%d9%85%d8%a9 (%d8%aa%d8%b9%d8%b1%d9%8a%d9%81%d9%87%d8%a7)
http://www.alfawzan.ws/AlFawzan/images/header_03.jpg