إنتعاش
11-11-2007, 01:19 PM
بعد هدوء دام تسعة أشهر تقريبا استفاقت أسواق الإمارات، أبو ظبي ودبي، على أحجام تداولات أخذت بالتصاعد مع التذبذب أحيانا منذ بداية شهر أكتوبر، أدت إلى دفع المؤشرات لمستويات هي الأعلى خلال شهر واحد، منذ بداية هذا العام. ووصلت قيمة تداولات أسواق الإمارات ذروتها في يوم الثلاثاء الماضي 6-11-2007 حيث وصلت إلى 13.3 مليار درهم في يوم واحد.
وجاذبية الأسواق من الناحية التحليلية وتغير سلوك المستثمرين إلى سلوك متفائل وتدفق السيولة.. عوامل رئيسية تقف وراء هذا الاستقطاب والتغير، فالحقيقة أن كل عامل من هذه العوامل الثلاث يحتاج إلى بحث مستقل.
وهناك مصادر مختلفة ومتعددة، ومن المهم تشخيص مصدرها وحجمها ومدى ديمومتها.. وعلى هذا الأساس يمكن أن تقسّم إلى السيولة المحلية، وهي سيولة غاية في الأهمية، وتعد أساسية لديمومة حركة السوق. تنقسم هذه السيولة من حيث المصدر إلى سيولة مؤسساتية، مفترضة أن يكون هذا النوع من السيولة مخطط مسبقا وليس عشوائيا، كما يفترض أن تكون إدارة تلك السيولة محترفة تبتعد عن القرارات الانفعالية.
سيولة عاطفية
والنوع الثاني هو سيولة أفراد: وهي حتى الآن تعتبر "قلب" السيولة، وهذه تنقسم إلى فئات المستثمرين من حيث القدرة المالية إلى سيولة كبار المستثمرين وصغار المستثمرين، والفئة الوسطى والتي من النادر الإشارة إليها في حديث المحللين؛ لعدم وجود اتفاق على الحدود أو المدى الذي تنتمي إليه. جزء كبير من هذه السيولة لا يزال عاطفي ومزاجي، وفي كثير من الأحيان مندفع وكثيرا ما يتم استغلال هذا الجانب من قبل مضاربين أو مقامرين محترفين كبار (من حيث السيولة)؛ حيث يقومون بتداولات ذات طبيعة إيحائية، وتنتهي في كثير من الحالات لغير صالح صغار المستثمرين بشكل خاص.
أما الجزء الثالث فهو سيولة محافظ وصناديق، وهذه إما أن تكون تابعة لمؤسسات مالية وحصلت على الموافقات اللازمة على إنشائها (صناديق) أو محافظ ناتجة من اتفاق أفراد على تجميع مبالغ وزجها في السوق؛ حيث إن عددا كبيرا من هذه المحافظ تحول إلى طبيعة مضاربية. لقد لوحظ هذا التحول مع الانخفاضات المتواصلة في أسواق الإمارات خلال الفترة من شهر نوفمبر 2005 ولغاية يوليو 2006.
ومن حيث فترة بقاء السيولة المحلية في الأسواق، فهناك سيولة باقية ومستمرة، سواء أكانت ذات طبيعة استثمارية أو مضاربية وهذه لم تخرج من السوق سواء بشكل إرادي أو لا إرادي، وهذا النوع الأخير يمكن الإشارة إليه على أنه "سيولة عالقة" ارتبطت بأسهم معينة عند مستويات سعرية عالية، وهذا النوع قد لا يتحرر بشكل سريع ويحتاج إلى وقت ما بين النصف الثاني من 2008، وقد يتجاوز نهاية عام 2009.
وهناك سيولة كانت مترقبة (سبق دخولها أو جديدة) دخلت بتوقيت مناسب كما يمكن تشخيص نوع رابع من السيولة من حيث فترة البقاء في السوق وهي "السيولة الطارئة" وهذه سيولة لم يكن مخطط دخولها السوق أساسا، جزء منها في حسابات توفير أو ودائع تحفزت بحركة الأسواق في محاولة من أصحابها الاستفادة من تلك الموجة من الارتفاعات. قد تتحول هذه السيولة إلى سيولة أكثر استقرارا، وتبقى في السوق، خصوصا مع احتمال استمرار الاتجاه التصاعدي في السوق بعد انتهاء التصحيح في كلا السوقين وبافتراض بقاء المخاطر الإقليمية السياسية عند المستوى الحالي.
وأخيرا يمكن تصنيف السيولة المحلية بحسب الجنسيات والإحصاءات بهذا الخصوص متوافرة لدى الأسواق، والتي تشير إلى أن معظم سيولة الأفراد تعود لمواطنين، ومع توقع بقاء مستوى جاذبية أسواق الإمارات (لأكثر من سبب) عند مستويات مغرية، فمن غير المتوقع هجرة السيولة المحلية إلى خارج الإمارات، بل على العكس نتوقع انخفاض تحويلات المقيمين بهدف الاستفادة من الفرص القادمة في أسواق الإمارات.
مصطنعة
أما النوع الذي شهدته الأسواق في الآونة الأخيرة فقد تمثل في السيولة المكشوفة وهي سيولة مصطنعة ناتجة من قيام شركات الوساطة بمنح الائتمان إلى عملائها، ومع ارتفاع الأسواق تمادت بعض الشركات في منح الائتمان لبعض عملائها بهدف تعويض ما فاتها من انخفاض في الدخل الناتج من عمولات التداول.. مشكلة هذا النوع من "السيولة" هو أنها فاقدة للتوقيت وغير مُسيطر عليها.. عمليات البيع خصوصا قد لا تنسجم ولا ترتبط مع حركة السوق وهذا ما قد يؤدي إلى ظهور مشاكل تشغيلية لدى بعض الشركات، وإضافة إلى المخاطر الناتجة عن انخفاض السوق، وعدم أركان سداد المبالغ التي تبقى مكشوفة، يفترض توخي الحيطة والحذر من قبل المستثمر وشركة الوساطة وعدم الاندفاع في استخدام هذه الأداة بشكل مكثف.
وكل سيولة غير إماراتية تم اعتبارها سيولة أجنبية ومنها الخليجية.
وفيما يتعلق بالسيولة الخليجية فإن الأسواق المؤثرة في الخليج كانت سوق الدوحة وسوق الكويت من حيث اجتذاب السيولة، سواء محلية أو من الخارج، علما أن درجة جاذبية أسواق الإمارات هي الأعلى في المنطقة.. وعليه فإن تأثير السيولة الأجنبية في ارتفاعات سوقي الدوحة والكويت كان في الغالب لعوامل محلية. والتصحيح الذي شهدته مؤخرا السوق الكويتية وربما قد تشهد مزيدا منه خلال الفترة المتبقية من السنة ما يؤدي إلى حركة سيولة تنتقل إلى السوق الإماراتية (تستهدف كلا السوقين، دبي وأبو ظبي).
ولا يوجد دليل ملموس على انتقال سيولة خليجية إلى أسواق الإمارات، وربما يكون هناك انتقال للسيولة، ولكن في واقع الحال غير مؤثر قياسا بالسيولة الأجنبية، التي ضُخت من قبل صناديق ومحافظ ومؤسسات مالية أجنبية معظمها في اعتقادي أمريكية وبريطانية.
والسيولة في الأسواق المالية العالمية لا تنتقل بشكل عشوائي ولا بشكل "خيري" وإنما تنتقل لسبب أو أسباب منطقية وعلمية.. والسؤال الذي قد يسأله كثير من المستثمرين.. لماذا الآن؟؟ لماذا دخلت السيولة بشكل هادئ في شهر سبتمبر تقريبا أو قبل هذا التاريخ بقليل؟
في شهر يوليو من هذا العام بدأت شرارة أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة وصدرت مئات الدراسات وآلاف التقارير جميعها يتفق على حدة الأزمة وبعضها يلجأ إلى لوم جهات معينة، ولكن جميعها لا يعرف متى تنتهي، حاولت عديد من الدراسات أن تخفف من حدة تأثر الأسواق، وقام الفيدرالي الأمريكي بضخ عشرات المليارات من الدولارات في السوق، ولكن في اعتقادي أن نهاية العام ستشهد مفاجآت أخرى غير سارة في السوق الأمريكية ناجمة من شطب مليارات من الدولارات كديون معدومة لدى المؤسسات التي تمادت في منح هذا النوع من الائتمان عالي المخاطر.
وبعد هذا الملخص المتواضع عن وضع السوق الأمريكية وتأثير مؤسسات عقارية ومالية ومصارف ضخمة، انتقل إلى السوق الأوروبية وبالذات في السوق البريطانية.. الأمر الذي أدى إلى قيام المحافظ والصناديق التابعة لمؤسسات مالية كبيرة بالتفكير بأسواق لا ترتبط في أدائها بالأسواق الأمريكية والأوروبية.
مدى ارتباط بعض اسواق الخليج بالاسواق العالمية
وللتأكد من موضوع درجة ارتباط الأسواق وبالتالي الحكم على مدى صلاحيتها لتقليل المخاطر من خلال تنويع استثمارات الصناديق والمحافظ فقد قمنا بإجراء اختبارا يتلخص باستخدام معامل الارتباط، وهو مؤشر إحصائي يقيس العلاقة بين متغيرين أو أكثر. وتم استخدام مصفوفة معامل الارتباط Correlation Matrix والتي تظهر مدى ارتباط بعض الأسواق في الخليج مع بعض الأسواق الأمريكية والأوروبية ومع حركة أسعار الذهب والنفط.
ولقد تم اعتماد مؤشرات تلك الأسواق باعتبارها تعبر عن حركة تلك الأسواق كما تم اختيار تلك العلامة على ثلاث مستويات زمنية. المدى اليومي أي الارتباط بين الأسواق من خلال قراءات المؤشرات بشكل يومي منذ بداية عام 2007 ولغاية يوم 5-11-2007 (تاريخ إعداد الدراسة).
وتتراوح قراءة مؤشر معامل الارتباط بين (+1) و(-1) فكلما اقتربت القراءة زاد معامل الارتباط من (1) فهذا دليل على قوة ارتباط موجبة (طردية) وكلما انخفضت تحت (0.5) واقتربت من صفر، كان ذلك تعبيرا عن ضعف الارتباط وأحيانا تكون القراءة سلبية وهذا يعبر عن انعكاس العلاقة من حيث اتجاه الحركة بين متغيرين.
ويلاحظ أن ارتباط سوقي دبي وأبو ظبي يتزايد كلما اتسع المدى الزمني. ومعامل ارتباط السوقين على المدى اليومي 0.59 وهو أعلى ارتباط بين أسواق المنطقة، يزيد على الارتباط على المستوى الأسبوعي ليصبح 0.79 وليرتفع أكثر على المستوى الشهري ويصبح 0.98 تقريبا.
ويلاحظ ضعف ارتباط الأسواق الخليجية بشكل عام مع الأسواق الأمريكية من خلال مؤشر داو جونز (DJI) ومؤشر ستاندر أندبورز (SPI) ويلاحظ أن ارتباط مؤشر سوق دبي مع المؤشرات الأمريكية ضعيف، وكذلك الحال مع مؤشر سوق أبو ظبي. لقد بلغ معامل ارتباط مؤشر سوق دبي مع المؤشرات الأمريكية (DJI) و(SPI) على الصعيد الأسبوعي (0.004) و (0.0013) على التوالي وهي ضعيفة جدا أما على المدى الشهري فقد وصلت إلى (0.217) و(0.333) على التوالي.
أما مؤشر سوق أبو ظبي فقد كان معامل الارتباط مع نفس المؤشرين DJI وSPI وعلى المدى الأسبوعي (0.181-) و(0.140-) أما على المدى الشهري فكان (0.326) و(0.420) على التوالي.
وربما هذا يفسر إلى حد ما التركيز على سوق دبي باعتبار أن مؤشر دبي أضعف ارتباطا على النطاق الشهري مع المؤشرات الأمريكية قياسا بسوق أبو ظبي.
وحول مؤشر السوق السعودي (SASI) يوضح ضعف العلاقة مع المؤشرات الأمريكية ولكن إجراءات الدخول إلى السوق لا تزال صعبة ومعقدة تحول دون الدخول السلس للأموال.
ومن ذلك نستنتج أن كلا السوقين (أبو ظبي ودبي) أكثر ارتباطا بالسوق البريطانية من الأسواق الأمريكية من خلال مؤشر (TTSES) فقد وصل معامل الارتباط على المدى الشهري 0.50 و0.60 تقريبا على التوالي ومع ذلك فإن هذا المستوى من الارتباط لا يعد قويا ويوصف بأنه أقل من متوسط.
تحذير من توسيع ملكية الأجانب
واستنادا إلى النتائج السابقة فإن أسواق الإمارات تصلح لتنويع الاستثمارات ومرشحة لتكون هدفا لصناديق ومحافظ أمريكية وأوروبية. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من تقدم الأسواق الآسيوية من حيث البيئة القانونية وإمكانية سرعة دخول الأموال إلا أنها ترتبط بالأسواق الأمريكية والأوربية، ولهذا السبب تصبح أسواق الإمارات مستهدفة من قبل المحافظ والصناديق الغربية وحتى الآسيوية.
ونتائج هذه الدراسة تشير بشكل واضح إلى منطقية أسباب دخول السيولة الأجنبية ولكن في نفس الوقت غير قادرة على تحديد مدى ديمومة بقاء تلك السيولة. وهذا في اعتقادي يرتبط بعدة عوامل منها نتائج الشركات والإدراجات الجديدة المتوقعة، واستمرار القلق في السوق الأمريكية وبعض الأسواق الأوربية.
وأخيرا ضخ السيولة بهذا المستوى الكبير يجعلني أكثر ميلا لعدم توسيع ملكية الأجانب للمحافظة على توازن واستقرار الأسواق. فعلى الرغم من عقلانية ومنطقية دخول تلك السيولة، إلا أن ذلك لا يعني أنها بالضرورة ستكون ذات طبيعة استثمارية طويلة الأمد. علينا أن نبقي نصب أعيننا استهداف المضاربة وهذا يعني ارتفاع درجة تذبذب الأسهم وزيادة مخاطرها.
لنتفائل لكن مع الحذر. ودون الإفراط بالتفاؤل يبدو أن ما تبقى سيكون ايجابيا.. وهذا ما نتمناه.
* مدير الاستراتيجيات وتطوير الأعمال في إعمار للخدمات المالية
وجاذبية الأسواق من الناحية التحليلية وتغير سلوك المستثمرين إلى سلوك متفائل وتدفق السيولة.. عوامل رئيسية تقف وراء هذا الاستقطاب والتغير، فالحقيقة أن كل عامل من هذه العوامل الثلاث يحتاج إلى بحث مستقل.
وهناك مصادر مختلفة ومتعددة، ومن المهم تشخيص مصدرها وحجمها ومدى ديمومتها.. وعلى هذا الأساس يمكن أن تقسّم إلى السيولة المحلية، وهي سيولة غاية في الأهمية، وتعد أساسية لديمومة حركة السوق. تنقسم هذه السيولة من حيث المصدر إلى سيولة مؤسساتية، مفترضة أن يكون هذا النوع من السيولة مخطط مسبقا وليس عشوائيا، كما يفترض أن تكون إدارة تلك السيولة محترفة تبتعد عن القرارات الانفعالية.
سيولة عاطفية
والنوع الثاني هو سيولة أفراد: وهي حتى الآن تعتبر "قلب" السيولة، وهذه تنقسم إلى فئات المستثمرين من حيث القدرة المالية إلى سيولة كبار المستثمرين وصغار المستثمرين، والفئة الوسطى والتي من النادر الإشارة إليها في حديث المحللين؛ لعدم وجود اتفاق على الحدود أو المدى الذي تنتمي إليه. جزء كبير من هذه السيولة لا يزال عاطفي ومزاجي، وفي كثير من الأحيان مندفع وكثيرا ما يتم استغلال هذا الجانب من قبل مضاربين أو مقامرين محترفين كبار (من حيث السيولة)؛ حيث يقومون بتداولات ذات طبيعة إيحائية، وتنتهي في كثير من الحالات لغير صالح صغار المستثمرين بشكل خاص.
أما الجزء الثالث فهو سيولة محافظ وصناديق، وهذه إما أن تكون تابعة لمؤسسات مالية وحصلت على الموافقات اللازمة على إنشائها (صناديق) أو محافظ ناتجة من اتفاق أفراد على تجميع مبالغ وزجها في السوق؛ حيث إن عددا كبيرا من هذه المحافظ تحول إلى طبيعة مضاربية. لقد لوحظ هذا التحول مع الانخفاضات المتواصلة في أسواق الإمارات خلال الفترة من شهر نوفمبر 2005 ولغاية يوليو 2006.
ومن حيث فترة بقاء السيولة المحلية في الأسواق، فهناك سيولة باقية ومستمرة، سواء أكانت ذات طبيعة استثمارية أو مضاربية وهذه لم تخرج من السوق سواء بشكل إرادي أو لا إرادي، وهذا النوع الأخير يمكن الإشارة إليه على أنه "سيولة عالقة" ارتبطت بأسهم معينة عند مستويات سعرية عالية، وهذا النوع قد لا يتحرر بشكل سريع ويحتاج إلى وقت ما بين النصف الثاني من 2008، وقد يتجاوز نهاية عام 2009.
وهناك سيولة كانت مترقبة (سبق دخولها أو جديدة) دخلت بتوقيت مناسب كما يمكن تشخيص نوع رابع من السيولة من حيث فترة البقاء في السوق وهي "السيولة الطارئة" وهذه سيولة لم يكن مخطط دخولها السوق أساسا، جزء منها في حسابات توفير أو ودائع تحفزت بحركة الأسواق في محاولة من أصحابها الاستفادة من تلك الموجة من الارتفاعات. قد تتحول هذه السيولة إلى سيولة أكثر استقرارا، وتبقى في السوق، خصوصا مع احتمال استمرار الاتجاه التصاعدي في السوق بعد انتهاء التصحيح في كلا السوقين وبافتراض بقاء المخاطر الإقليمية السياسية عند المستوى الحالي.
وأخيرا يمكن تصنيف السيولة المحلية بحسب الجنسيات والإحصاءات بهذا الخصوص متوافرة لدى الأسواق، والتي تشير إلى أن معظم سيولة الأفراد تعود لمواطنين، ومع توقع بقاء مستوى جاذبية أسواق الإمارات (لأكثر من سبب) عند مستويات مغرية، فمن غير المتوقع هجرة السيولة المحلية إلى خارج الإمارات، بل على العكس نتوقع انخفاض تحويلات المقيمين بهدف الاستفادة من الفرص القادمة في أسواق الإمارات.
مصطنعة
أما النوع الذي شهدته الأسواق في الآونة الأخيرة فقد تمثل في السيولة المكشوفة وهي سيولة مصطنعة ناتجة من قيام شركات الوساطة بمنح الائتمان إلى عملائها، ومع ارتفاع الأسواق تمادت بعض الشركات في منح الائتمان لبعض عملائها بهدف تعويض ما فاتها من انخفاض في الدخل الناتج من عمولات التداول.. مشكلة هذا النوع من "السيولة" هو أنها فاقدة للتوقيت وغير مُسيطر عليها.. عمليات البيع خصوصا قد لا تنسجم ولا ترتبط مع حركة السوق وهذا ما قد يؤدي إلى ظهور مشاكل تشغيلية لدى بعض الشركات، وإضافة إلى المخاطر الناتجة عن انخفاض السوق، وعدم أركان سداد المبالغ التي تبقى مكشوفة، يفترض توخي الحيطة والحذر من قبل المستثمر وشركة الوساطة وعدم الاندفاع في استخدام هذه الأداة بشكل مكثف.
وكل سيولة غير إماراتية تم اعتبارها سيولة أجنبية ومنها الخليجية.
وفيما يتعلق بالسيولة الخليجية فإن الأسواق المؤثرة في الخليج كانت سوق الدوحة وسوق الكويت من حيث اجتذاب السيولة، سواء محلية أو من الخارج، علما أن درجة جاذبية أسواق الإمارات هي الأعلى في المنطقة.. وعليه فإن تأثير السيولة الأجنبية في ارتفاعات سوقي الدوحة والكويت كان في الغالب لعوامل محلية. والتصحيح الذي شهدته مؤخرا السوق الكويتية وربما قد تشهد مزيدا منه خلال الفترة المتبقية من السنة ما يؤدي إلى حركة سيولة تنتقل إلى السوق الإماراتية (تستهدف كلا السوقين، دبي وأبو ظبي).
ولا يوجد دليل ملموس على انتقال سيولة خليجية إلى أسواق الإمارات، وربما يكون هناك انتقال للسيولة، ولكن في واقع الحال غير مؤثر قياسا بالسيولة الأجنبية، التي ضُخت من قبل صناديق ومحافظ ومؤسسات مالية أجنبية معظمها في اعتقادي أمريكية وبريطانية.
والسيولة في الأسواق المالية العالمية لا تنتقل بشكل عشوائي ولا بشكل "خيري" وإنما تنتقل لسبب أو أسباب منطقية وعلمية.. والسؤال الذي قد يسأله كثير من المستثمرين.. لماذا الآن؟؟ لماذا دخلت السيولة بشكل هادئ في شهر سبتمبر تقريبا أو قبل هذا التاريخ بقليل؟
في شهر يوليو من هذا العام بدأت شرارة أزمة الرهونات العقارية في الولايات المتحدة وصدرت مئات الدراسات وآلاف التقارير جميعها يتفق على حدة الأزمة وبعضها يلجأ إلى لوم جهات معينة، ولكن جميعها لا يعرف متى تنتهي، حاولت عديد من الدراسات أن تخفف من حدة تأثر الأسواق، وقام الفيدرالي الأمريكي بضخ عشرات المليارات من الدولارات في السوق، ولكن في اعتقادي أن نهاية العام ستشهد مفاجآت أخرى غير سارة في السوق الأمريكية ناجمة من شطب مليارات من الدولارات كديون معدومة لدى المؤسسات التي تمادت في منح هذا النوع من الائتمان عالي المخاطر.
وبعد هذا الملخص المتواضع عن وضع السوق الأمريكية وتأثير مؤسسات عقارية ومالية ومصارف ضخمة، انتقل إلى السوق الأوروبية وبالذات في السوق البريطانية.. الأمر الذي أدى إلى قيام المحافظ والصناديق التابعة لمؤسسات مالية كبيرة بالتفكير بأسواق لا ترتبط في أدائها بالأسواق الأمريكية والأوروبية.
مدى ارتباط بعض اسواق الخليج بالاسواق العالمية
وللتأكد من موضوع درجة ارتباط الأسواق وبالتالي الحكم على مدى صلاحيتها لتقليل المخاطر من خلال تنويع استثمارات الصناديق والمحافظ فقد قمنا بإجراء اختبارا يتلخص باستخدام معامل الارتباط، وهو مؤشر إحصائي يقيس العلاقة بين متغيرين أو أكثر. وتم استخدام مصفوفة معامل الارتباط Correlation Matrix والتي تظهر مدى ارتباط بعض الأسواق في الخليج مع بعض الأسواق الأمريكية والأوروبية ومع حركة أسعار الذهب والنفط.
ولقد تم اعتماد مؤشرات تلك الأسواق باعتبارها تعبر عن حركة تلك الأسواق كما تم اختيار تلك العلامة على ثلاث مستويات زمنية. المدى اليومي أي الارتباط بين الأسواق من خلال قراءات المؤشرات بشكل يومي منذ بداية عام 2007 ولغاية يوم 5-11-2007 (تاريخ إعداد الدراسة).
وتتراوح قراءة مؤشر معامل الارتباط بين (+1) و(-1) فكلما اقتربت القراءة زاد معامل الارتباط من (1) فهذا دليل على قوة ارتباط موجبة (طردية) وكلما انخفضت تحت (0.5) واقتربت من صفر، كان ذلك تعبيرا عن ضعف الارتباط وأحيانا تكون القراءة سلبية وهذا يعبر عن انعكاس العلاقة من حيث اتجاه الحركة بين متغيرين.
ويلاحظ أن ارتباط سوقي دبي وأبو ظبي يتزايد كلما اتسع المدى الزمني. ومعامل ارتباط السوقين على المدى اليومي 0.59 وهو أعلى ارتباط بين أسواق المنطقة، يزيد على الارتباط على المستوى الأسبوعي ليصبح 0.79 وليرتفع أكثر على المستوى الشهري ويصبح 0.98 تقريبا.
ويلاحظ ضعف ارتباط الأسواق الخليجية بشكل عام مع الأسواق الأمريكية من خلال مؤشر داو جونز (DJI) ومؤشر ستاندر أندبورز (SPI) ويلاحظ أن ارتباط مؤشر سوق دبي مع المؤشرات الأمريكية ضعيف، وكذلك الحال مع مؤشر سوق أبو ظبي. لقد بلغ معامل ارتباط مؤشر سوق دبي مع المؤشرات الأمريكية (DJI) و(SPI) على الصعيد الأسبوعي (0.004) و (0.0013) على التوالي وهي ضعيفة جدا أما على المدى الشهري فقد وصلت إلى (0.217) و(0.333) على التوالي.
أما مؤشر سوق أبو ظبي فقد كان معامل الارتباط مع نفس المؤشرين DJI وSPI وعلى المدى الأسبوعي (0.181-) و(0.140-) أما على المدى الشهري فكان (0.326) و(0.420) على التوالي.
وربما هذا يفسر إلى حد ما التركيز على سوق دبي باعتبار أن مؤشر دبي أضعف ارتباطا على النطاق الشهري مع المؤشرات الأمريكية قياسا بسوق أبو ظبي.
وحول مؤشر السوق السعودي (SASI) يوضح ضعف العلاقة مع المؤشرات الأمريكية ولكن إجراءات الدخول إلى السوق لا تزال صعبة ومعقدة تحول دون الدخول السلس للأموال.
ومن ذلك نستنتج أن كلا السوقين (أبو ظبي ودبي) أكثر ارتباطا بالسوق البريطانية من الأسواق الأمريكية من خلال مؤشر (TTSES) فقد وصل معامل الارتباط على المدى الشهري 0.50 و0.60 تقريبا على التوالي ومع ذلك فإن هذا المستوى من الارتباط لا يعد قويا ويوصف بأنه أقل من متوسط.
تحذير من توسيع ملكية الأجانب
واستنادا إلى النتائج السابقة فإن أسواق الإمارات تصلح لتنويع الاستثمارات ومرشحة لتكون هدفا لصناديق ومحافظ أمريكية وأوروبية. ومن الجدير بالذكر أنه على الرغم من تقدم الأسواق الآسيوية من حيث البيئة القانونية وإمكانية سرعة دخول الأموال إلا أنها ترتبط بالأسواق الأمريكية والأوربية، ولهذا السبب تصبح أسواق الإمارات مستهدفة من قبل المحافظ والصناديق الغربية وحتى الآسيوية.
ونتائج هذه الدراسة تشير بشكل واضح إلى منطقية أسباب دخول السيولة الأجنبية ولكن في نفس الوقت غير قادرة على تحديد مدى ديمومة بقاء تلك السيولة. وهذا في اعتقادي يرتبط بعدة عوامل منها نتائج الشركات والإدراجات الجديدة المتوقعة، واستمرار القلق في السوق الأمريكية وبعض الأسواق الأوربية.
وأخيرا ضخ السيولة بهذا المستوى الكبير يجعلني أكثر ميلا لعدم توسيع ملكية الأجانب للمحافظة على توازن واستقرار الأسواق. فعلى الرغم من عقلانية ومنطقية دخول تلك السيولة، إلا أن ذلك لا يعني أنها بالضرورة ستكون ذات طبيعة استثمارية طويلة الأمد. علينا أن نبقي نصب أعيننا استهداف المضاربة وهذا يعني ارتفاع درجة تذبذب الأسهم وزيادة مخاطرها.
لنتفائل لكن مع الحذر. ودون الإفراط بالتفاؤل يبدو أن ما تبقى سيكون ايجابيا.. وهذا ما نتمناه.
* مدير الاستراتيجيات وتطوير الأعمال في إعمار للخدمات المالية