إنتعاش
11-11-2007, 11:40 PM
في وقت تجاوزت فيه أسعار النفط الخام حاجز الـ 90 دولارا للبرميل، رفعت منظمة أوبك في آخر تقرير لها توقعاتها للطلب على نفطها هذا الشتاء إلى 31.43 مليون برميل يوميا، ورفعت توقعاتها للربع الأول من العام المقبل إلى 31.17 مليون برميل يوميا أي بزيادة قدرها 100 ألف برميل على تقديرات لها سابقة، أيضا توقعت وكالة الطاقة الدولية أن يرتفع الطلب العالمي على النفط في عام 2008 بحدود 2.1 مليون برميل يوميا ليصل إلى نحو 90 مليون برميل يوميا. ما يؤكد مجددا صلابة وقوة الطلب العالمي على النفط، وأن تضاعف أسعاره عدة مرات لم ينجح حتى الآن في كبح جماح الطلب المتنامي، ما يعني أن الصراعات الدولية على مصادر الطاقة ستتفاقم مستقبلا، وستزداد الضغوط على الدول المنتجة لزيادة إنتاجها بصورة لا تخدم مصالحها الوطنية وتتسبب في استنزاف احتياطياتها النفطية بسرعة لا تتوافق مع قدرتها على توظيف مواردها المالية وتنويع اقتصاداتها، ولن نتمكن من تفادى أي من ذلك ما لم تتطور بدائل النفط بما يواكب التراجع المتوقع في قدرة العالم على إنتاجه، والذي يظل حتى الآن أمرا بعيد المنال.
فالتوسع الأخير في استخدام بعض المحاصيل الزراعية لإنتاج الإيثانول، باعتباره أحد البدائل الذي يعول عليها للحد من اعتماد الدول المستهلكة على النفط، تسبب، حتى الآن، في ارتفاع كبير في أسعار العديد من السلع الغذائية، حيث نافس هذا الاستخدام استخدامات غذائية تقليدية لتلك المحاصيل، كما أن اتساع الرقعة الزراعية المخصصة لإنتاجها جاء على حساب محاصيل زراعية أخرى، وهذا الارتفاع في تكاليف السلع الغذائية أمر غير مقبول إذا ما أخذنا في الاعتبار الدور الهامشي لكل تلك الجهود في تأمين حاجة الدول المستهلكة من مصادر الطاقة. على سبيل المثال، استراتيجية الولايات المتحدة الهادفة إلى مضاعفة إنتاجها من الإيثانول خمس مرات، وصولا إلى 35 مليار برميل بحلول عام 2017، لن يحقق لها إلا الاستغناء عن 15 في المائة من حاجتها من البنزين ذلك العام، ومع ذلك لن تصل إلى هذا المستوى من الإنتاج إلا وقد تضاعفت أسعار العديد من السلع الغذائية، بما في ذلك مختلف أنواع الحبوب، الزيوت، اللحوم، منتجات الألبان، والأعلاف، بصورة تضر كثيرا بالاقتصاد العالمي، من خلال ارتفاع حاد في معدلات التضخم وزيادة كبيرة في معدلات الفقر عالميا. ما يؤكد ضخامة التحدي الذي يواجهه العالم حاليا في سعيه لتأمين احتياجاته من الطاقة، وأن البدائل المنظورة حاليا غير قادرة على ذلك، ما سيدخل العالم في صرع حاد مرير على مصادر النفط القليلة المتاحة.
وإن كان العالم يشعر بقلق كبير إزاء قدرته على تأمين احتياجاته من مصادر الطاقة في عصر ما بعد النفط ويسعى إلى تطوير بدائل له، فإننا في الواقع أحوج إلى أن تنجح هذه الجهود بسرعة أكبر. فنحن نشارك العالم قلقه حول إيجاد مصادر للطاقة في عصر ما بعد النفط، إلا أننا نزيد عليه بحاجتنا إلى أن يكون النجاح حليف هذه الجهود في وقت أقرب، ما يحد من الضغوط علينا لرفع إنتاجنا النفطي واستنزاف احتياطياتنا. فمع تراجع إنتاج النفط في مواقع عديدة في العالم سيتزايد الضغط على دول الخليج لرفع إنتاجها، فامتلاكها معظم الاحتياطيات المتبقية سيجعلها مسؤولة أمام العالم عن تأمين معظم احتياجاته النفطية من خلال رفع كبير في معدلات إنتاجها، أما في حال نجاح جهود تطوير بدائل الطاقة، فقد نتمكن من الحد من الطلب على نفطنا وبالتالي إطالة عمر احتياطياتنا النفطية. على سبيل المثال، لو أردنا الآن أن نحدد إنتاجنا النفطي وفق حاجتنا المالية لربما كان كافيا، في ظل الأسعار الحالية المرتفعة، أن ننتج نصف إنتاجنا الحالي، إلا أن العالم لن يسمح لنا بذلك، بل وحتى يتوقع منا زيادته.
لذا فإن من أبرز وأهم ما يجب أن يعنى بها مركز الدراسات البترولية الذي أعلن عن إنشائه أخيرا وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا التي ستبدأ نشاطها عام 2009 هو دعم جهود تطوير بدائل النفط بكافة أشكالها، خاصة تلك التي تقوم على استغلال موارد متوافرة في بلادنا كالطاقة الشمسية، وأن نكون مستعدين لتخصيص مبالغ ضخمة للبحوث العلمية في هذه المجالات محليا وعالميا، فمصلحتنا تقتضي سرعة نجاحها لا أن يكون النجاح حليفها عند اقتراب نضوب احتياطياتنا النفطية. وعلينا تجاوز كل خوف موروث لدينا من بدائل النفط، فالسوق النفطية قد تغيرت وعصر النفط الرخيص قد ولى إلى البد، ومهما ارتفعت أسعار النفط الخام فسيظل الطلب عليه في نمو، وآمل أن يكون كتاب الأستاذ عبد العزيز الحقباني "صناعة التاريخ: السعودية وثورة الطاقة البديلة" الذي تفضل بتزويدي بنسخة منه جزءا من حراك علمي اقتصادي نراجع من خلاله موقفنا من تطوير بدائل النفط فمصلحتنا تقتضي ذلك بإلحاح.
د. عبد الرحمن محمد السلطان
* نقلا عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.
فالتوسع الأخير في استخدام بعض المحاصيل الزراعية لإنتاج الإيثانول، باعتباره أحد البدائل الذي يعول عليها للحد من اعتماد الدول المستهلكة على النفط، تسبب، حتى الآن، في ارتفاع كبير في أسعار العديد من السلع الغذائية، حيث نافس هذا الاستخدام استخدامات غذائية تقليدية لتلك المحاصيل، كما أن اتساع الرقعة الزراعية المخصصة لإنتاجها جاء على حساب محاصيل زراعية أخرى، وهذا الارتفاع في تكاليف السلع الغذائية أمر غير مقبول إذا ما أخذنا في الاعتبار الدور الهامشي لكل تلك الجهود في تأمين حاجة الدول المستهلكة من مصادر الطاقة. على سبيل المثال، استراتيجية الولايات المتحدة الهادفة إلى مضاعفة إنتاجها من الإيثانول خمس مرات، وصولا إلى 35 مليار برميل بحلول عام 2017، لن يحقق لها إلا الاستغناء عن 15 في المائة من حاجتها من البنزين ذلك العام، ومع ذلك لن تصل إلى هذا المستوى من الإنتاج إلا وقد تضاعفت أسعار العديد من السلع الغذائية، بما في ذلك مختلف أنواع الحبوب، الزيوت، اللحوم، منتجات الألبان، والأعلاف، بصورة تضر كثيرا بالاقتصاد العالمي، من خلال ارتفاع حاد في معدلات التضخم وزيادة كبيرة في معدلات الفقر عالميا. ما يؤكد ضخامة التحدي الذي يواجهه العالم حاليا في سعيه لتأمين احتياجاته من الطاقة، وأن البدائل المنظورة حاليا غير قادرة على ذلك، ما سيدخل العالم في صرع حاد مرير على مصادر النفط القليلة المتاحة.
وإن كان العالم يشعر بقلق كبير إزاء قدرته على تأمين احتياجاته من مصادر الطاقة في عصر ما بعد النفط ويسعى إلى تطوير بدائل له، فإننا في الواقع أحوج إلى أن تنجح هذه الجهود بسرعة أكبر. فنحن نشارك العالم قلقه حول إيجاد مصادر للطاقة في عصر ما بعد النفط، إلا أننا نزيد عليه بحاجتنا إلى أن يكون النجاح حليف هذه الجهود في وقت أقرب، ما يحد من الضغوط علينا لرفع إنتاجنا النفطي واستنزاف احتياطياتنا. فمع تراجع إنتاج النفط في مواقع عديدة في العالم سيتزايد الضغط على دول الخليج لرفع إنتاجها، فامتلاكها معظم الاحتياطيات المتبقية سيجعلها مسؤولة أمام العالم عن تأمين معظم احتياجاته النفطية من خلال رفع كبير في معدلات إنتاجها، أما في حال نجاح جهود تطوير بدائل الطاقة، فقد نتمكن من الحد من الطلب على نفطنا وبالتالي إطالة عمر احتياطياتنا النفطية. على سبيل المثال، لو أردنا الآن أن نحدد إنتاجنا النفطي وفق حاجتنا المالية لربما كان كافيا، في ظل الأسعار الحالية المرتفعة، أن ننتج نصف إنتاجنا الحالي، إلا أن العالم لن يسمح لنا بذلك، بل وحتى يتوقع منا زيادته.
لذا فإن من أبرز وأهم ما يجب أن يعنى بها مركز الدراسات البترولية الذي أعلن عن إنشائه أخيرا وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا التي ستبدأ نشاطها عام 2009 هو دعم جهود تطوير بدائل النفط بكافة أشكالها، خاصة تلك التي تقوم على استغلال موارد متوافرة في بلادنا كالطاقة الشمسية، وأن نكون مستعدين لتخصيص مبالغ ضخمة للبحوث العلمية في هذه المجالات محليا وعالميا، فمصلحتنا تقتضي سرعة نجاحها لا أن يكون النجاح حليفها عند اقتراب نضوب احتياطياتنا النفطية. وعلينا تجاوز كل خوف موروث لدينا من بدائل النفط، فالسوق النفطية قد تغيرت وعصر النفط الرخيص قد ولى إلى البد، ومهما ارتفعت أسعار النفط الخام فسيظل الطلب عليه في نمو، وآمل أن يكون كتاب الأستاذ عبد العزيز الحقباني "صناعة التاريخ: السعودية وثورة الطاقة البديلة" الذي تفضل بتزويدي بنسخة منه جزءا من حراك علمي اقتصادي نراجع من خلاله موقفنا من تطوير بدائل النفط فمصلحتنا تقتضي ذلك بإلحاح.
د. عبد الرحمن محمد السلطان
* نقلا عن جريدة "الإقتصادية" السعودية.