تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : بين سوق العمل والأسهم - أين يتجه الاقتصاد السعودي؟



إنتعاش
11-11-2007, 11:41 PM
عندما تقود سيارتك على الطريق السريع بينما وزن الهواء في الإطارات الأربعة غير متساو، كيف سيكون ثبات السيارة وأداؤها؟. ثم إذا كانت الإطارات من أحجام وأنواع مختلفة فهل ستزداد الحالة سوءا؟ تلك السيارة تمثل الاقتصاد بينما أسواق عوامل الإنتاج فيه تشبه الإطارات التي يسير عليها, لذلك ولضمان أفضل أداء يجب أن تعمل وتُعامل هذه الأسواق بطريقة متوازنة لتسير مركبة الاقتصاد في طريقها المرسومة.


ففي الحوار الوطني الذي انعقد في منطقة عسير حول موضوع سوق العمل، ورغم تنوع الطرح وتعدد الآراء إلا أن النتائج جاءت مثيرة للعديد من الأسئلة المهمة حول فلسفتنا عن سوق العمل وفهمنا له، كما أن هذه الأسئلة تقود أيضا إلى مقارنة حالة سوق العمل في سوق الأسهم، وهل نحن نفهم ونعامل سوق العمل كما سوق الأسهم؟ أقصد من ناحية اقتصادية. بمعنى آخر هل نحن نمتلك رؤية واضحة حول اقتصاد سوق العمل واقتصاد سوق المال وعلاقتهما بالاقتصاد الكلي للبلد؟ هل نحن نتعامل مع كلا السوقين من منظور ونظرية اقتصادية أساسية واحدة؟ فمن خلال مراجعة الطرح التي تفضل بها عدد كبير من المشاركين في الحوار الوطني حول سوق العمل وخاصة ممثلي مؤسسات العمل ورؤيتهم لها ودورهم فيها ثم مقارنة هذا الدور وهذه العلاقة مع دور هيئة السوق المالية في سوق الأسهم، فإن هناك العديد من الاستفسارات وعلامات الاستفهام التي يمكن إثارتها حول توجه الاقتصاد السعودي ككل.

من المعلوم أن قطبي الاقتصاد في العالم هما الرأسمالية والاشتراكية، ولكل منهما فلسفته الواضحة حول تفسير، ومن ثم تقييم، العائد على عناصر الإنتاج وحول التسعير والمنافسة والعديد من القضايا الشائكة جدا ومن أهمها مدى تدخل الدولة وتوجيهها للاقتصاد. وليس هذا المقال لتفسير الاختلافات بين الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي حول هذه القضايا لكن بالتأكيد, إن النظريتين كلتيهما لا تفرقان بين عناصر الإنتاج، فما يصح على رأس المال يصح على العمل وبقية العناصر.

فالرأسمالية في تفسيرها لدور الدولة لا يتغير من سوق العمل إلى سوق رأس المال وكذلك الاشتراكية، لذلك تجد اقتصادا واضح المعالم يمكن فهمه وتحييد مستقبله وإلى أين يتجه. لكن من النادر أن تجد اقتصادا يتعامل مع سوق العمل بطريقة ويتعامل مع سوق المال بطريقة وفلسفة أخرى. فمع سوق العمل تتدخل الدولة لتوجيه الاقتصاد ولا تترك الفرصة لعوامل السوق أن تعمل أو لا تتيح لها المجال لكي تتفاعل وتحدد اتجاه السوق، بل تتدخل الدولة وتفرض سياسات وممارسات غير مفسرة اقتصاديا، وبالمقابل تتعامل مع سوق رأس المال بفكر السوق الحرة وتترك عوامل العرض الطلب والمنافسة لكي تحدد معالم السوق وترفض التدخل لتوجيهها نحو أي مسار أو اتجاه مهما كان ومهما وصلت إليه حالة السوق.

هذه الازدواجية في التعامل مع أهم عنصرين من عناصر الإنتاج والانطلاق من رؤى اقتصادية غير واضحة المعالم – عندي على الأقل - تجعلني غير متأكد من فهمي لما سيؤول عليه حال الاقتصاد في المستقبل المنظور طالما أننا نعالج القضايا المتشابهة بطرق مختلفة، ولا نقدم تفسيرات اقتصادية لذلك.

القضية أكبر بكثير من مجرد مقال، بل اقتصاد أصبح غير واضح المعالم، فيه العديد من العلاقات التي لا يكمن تفسيرها بشكل دقيق والتي قد تتفاعل في الظل دونما ملاحظة أو سيطرة منا وبالتالي عدم قدرتنا على فهم نتائجها بشكل واضح. فمن الظواهر الاقتصادية مثلا التضخم، وهو يحدث نتيجة تفاعل غير متزن بين سوق العمل وسوق رأس المال، فأحدهما أو كلاهما يحتاج إلى معالجة لإعادته إلى مساره الطبيعي، لكن هذه المعالجة يمكن عملها فقط إذا كنا نتفهم ونعرف جميع التفاعلات (حسب ما تشرحه النظرية الاقتصادية)، لكن إذا كانت هناك تفاعلات لعوامل غير معروفة وغير منظورة، فمهما عالجنا – استنادا على النظرية – فلن نفلح في شيء. ففي سوق العمل هناك تدخل واضح من الدولة وتجاهل لاقتصاد السوق تماما، حتى نشعر أننا أمام اقتصاد موجه على رغم الادعاءات المتكررة أنه اقتصاد حر.

وزارتان لتنظيم السوق! وتشريعات مختلفة وازدواجية في التدخل حتى لكأنك ترى سوقين للعمل لهما معالم مختلفة – سوق العمل الخاص وسوق العمل الحكومي. ولا أعرف حتى الآن ما مبررات وزارتين للعمل في المملكة مع كامل احترامي للوزراء المعنيين ولدورهم في بناء نهضة هذا البلد.

في المقابل تجد سوق المال, وهو الأخطر والأعمق تأثيرا ينتظم تحت مظلة هيئة، وليس وزارة! وهناك اتجاه واضح وصريح بعدم التدخل حتى ولو لم تعد آليات السوق قادرة على العمل لتصحيح أوضاعها، بل هناك تكريس لمفهوم السوق الحرة والاقتصاد الرأسمالي في أوضح صورة، وخاصة فيما يتعلق بدور التنظيم في السوق وضمانات المنافسة العادلة.

إن سوق العمل لا يختلف عن سوق رأس المال فكلاهما مصدران لعنصرين من عناصر الإنتاج. لن يعمل سوق العمل دون سوق المال ولا سوق المال دون سوق العمل. لن تتحرك عربة الاقتصاد بشكل مريح وسريع طالما أن أحجام إطاراتها مختلفة بل ذات أشكال وأبعاد متناقضة، لذلك ما أن تبدأ مسيرة اقتصادنا بالتسارع حتى نشعر بعدم التوازن، وتتفاقم مشكلاتنا.

د. محمد أل عباس

* نقلا عن جريدة "الإقتصادية" السعودية
** أستاذ المراجعة المساعد -جامعة الملك خالد - أبها