إنتعاش
25-11-2007, 06:51 AM
منقول من جريدة الشرق القطرية :
بعد أن استعرضت في المقال السابق أهمية المعلومات وتأثيرها الجوهري على كفاءة السوق المالي، وحيث إن هذه المعلومات يجب أن تتوافر للجميع في الشكل والمضمون والتوقيت المناسبين، فان حركة واتجاه السوق المالي ستتأثر وبحساسية شديدة لتلك المعلومات بحيث تنعكس على آلية التداول وبالتالي على اسعار الاسهم ارتفاعا أو هبوطا.
وهذا يأخذنا الى جزئية مهمة جدا في تركيبة وهيكلية أي سوق مالي، وهي مراقبة التداولات والتأكد من نزاهتها وخلوها من عمليات التضليل أو الاستفادة غير المشروعة نتيجة تسرب معلومات داخلية، وهو دور حساس وخطير تقوم به عادة دائرة تعنى بمراقبة التداولات وشؤون الوسطاء.
كان من الصعب في السابق ومع بداية تطور السوق المالي واعتماده على الوسائل والأساليب اليدوية في آليات التداول وجود اجراءات واضحة ومباشرة تقوم على قواعد صلبة يسهل تطبيقها لمواجهة أو كشف أي عمليات تداول مريبة، ولكن مع بداية تطبيق أنظمة التداول الالكترونية وما رافقها من تطور مستمر في آلية التداول نتيجة لتطور أنظمة المعلومات أصبح من الممكن رسم سياسات واجراءات واضحة يمكن الاعتماد عليها لمراقبة آلية التداول وبالتالي تطبيق معايير محددة يسهل على اساسها مكافأة الملتزم ومعاقبة المخالف.
وفي هذا الصدد تجدر الاشارة الى قرار ادارة سوق الدوحة للاوراق المالية الاخير، الأسبوع الماضي، بخصوص الغاء صفقات التداول على احد الاسهم المدرجة وذلك حفاظا على عدالة ونزاهة التداولات انطلاقا من مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
إن الصلاحيات الممنوحة لدائرة مراقبة التداول التي تخولها مثلا ايقاف التداول على أسهم شركة محددة أو الغاء صفقات معينة أو معاقبة الوسطاء الماليين نتيجة مخالفتهم لبنود اللائحة الداخلية للسوق، لاشك انها صلاحيات واسعة تهدف الى تطبيق معايير عالية من الشفافية وبالتالي الوصول للهدف المنشود وهو الارتقاء باداء وكفاءة السوق المالي وتحقيق درجة معقولة من العدالة والمصداقية في التداولات.
وضمن هذا السياق فإنني أعتقد بان مراقبة تداول الطلعيين وكشف التداولات الوهمية «الصورية» ان وجدت هما اهم محورين يمثلان تحديا حقيقيا وبالتالي يتطلبان جهودا استثنائية وأدوات مؤثرة وقادرة على تحقيق الهدف الذي من أجله وجدت دائرة مراقبة التداول.
فلا يختلف اثنان على قدرة «البعض» في تحقيق أرباح خيالية أو تفادي خسائر موجعة نتيجة الاستفادة من معلومات داخلية وجوهرية تخص أي شركة مدرجة، وهذا أمر تتعرض له الاسواق المالية بمختلف تصنيفاتها المتقدمة منها والناشئة على حد سواء، ولكن الاثر يبدو أكثر وضوحا على الأسواق الناشئة وذلك بسبب صغر حجم وعمق هذه الاسواق. أما بالنسبة للصفقات الصورية التي يكون الهدف منها توجيه انظار المتعاملين لسهم شركة معينة وايهامهم بان هناك حركة غير طبيعية على السهم اما بانتظار اخبار ستظهر أو نتيجة لشائعات تروج في السوق، مما يؤدي الى ارتفاعات قياسية وغير مبررة وبالتالي أيضا تحقيق أرباح خيالية في فترة زمنية محدودة.
ان هذه الارباح الخيالية والتي تحقق في زمن قياسي هي عرضة للمساءلة القانونية، فالطرف الآخر وعادة ما يكون شريحة صغار المستثمرين خصوصا الافراد منهم هم من يمثلون الطرف الخاسر في هذه المعادلة، وهنا للاسف يلعب عامل الخبرة ونقص الوعي الاستثماري دورا سلبيا واضحا.
وفي المقابل فإن الخسائرالفادحة التي من الممكن ان يتعرض لها الافراد لها انعكاسات سلبية مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الوطني للدولة، فمن ناحية تؤثر على القدرة الشرائية الاجمالية للفرد كما انها تؤثر على قدرته الانتاجية ومساهمته في نمو الاقتصاد لما لها من انعكاسات معنوية سلبية على ادائه العام، ومن ناحية اخرى فإنها تضعف الثقة بشكل عام بالسوق المالي الذي هو مرآة الاقتصاد مما يؤدي الى صعوبة جذب استثمارات اضافية وبطء عجلة النمو الاقتصادي.
إن كل ما سبق ذكره يحتم على الجهات المعنية بمراقبة التداول مواصلة جهودها الحثيثة من أجل رفع مستوى مهنية آلية التداول، فمن ناحية هي مطالبة بشكل مستمر بتحديث الإجراءات المستخدمة ورفع مستوى الوسائل المساعدة في مراقبة التداول عن طريق استخدام انظمة معلومات تقنية عالية الدقة، ومن ناحية أخرى ان يتم بشكل دوري مراجعة التشريعات والقوانين المعمول بها والتقدم بتوصيات جديدة للجهات التشريعية المعنية بحيث تعزز من نقاط القوة وتعالج نقاط الضعف، كما أن رفع درجة التنسيق مع الوسطاء المرخصين عن طريق عقد ندوات وجلسات استشارية مشتركة سيعزز من قوة وسلطة التشريعات المطبقة ويساعد على خلق أفكار جديدة نتيجة المشاركة والتفاعل الايجابي، وهذا بالتأكيد سوف ينعكس ايجابيا على كفاءة السوق المالي ويعزز من ثقة المستثمرين دافعا عجلة الاقتصاد خطوة جديدة الى الأمام.
سامر الجاعوني
خبير مصرفي
الدوحة - قطر
بعد أن استعرضت في المقال السابق أهمية المعلومات وتأثيرها الجوهري على كفاءة السوق المالي، وحيث إن هذه المعلومات يجب أن تتوافر للجميع في الشكل والمضمون والتوقيت المناسبين، فان حركة واتجاه السوق المالي ستتأثر وبحساسية شديدة لتلك المعلومات بحيث تنعكس على آلية التداول وبالتالي على اسعار الاسهم ارتفاعا أو هبوطا.
وهذا يأخذنا الى جزئية مهمة جدا في تركيبة وهيكلية أي سوق مالي، وهي مراقبة التداولات والتأكد من نزاهتها وخلوها من عمليات التضليل أو الاستفادة غير المشروعة نتيجة تسرب معلومات داخلية، وهو دور حساس وخطير تقوم به عادة دائرة تعنى بمراقبة التداولات وشؤون الوسطاء.
كان من الصعب في السابق ومع بداية تطور السوق المالي واعتماده على الوسائل والأساليب اليدوية في آليات التداول وجود اجراءات واضحة ومباشرة تقوم على قواعد صلبة يسهل تطبيقها لمواجهة أو كشف أي عمليات تداول مريبة، ولكن مع بداية تطبيق أنظمة التداول الالكترونية وما رافقها من تطور مستمر في آلية التداول نتيجة لتطور أنظمة المعلومات أصبح من الممكن رسم سياسات واجراءات واضحة يمكن الاعتماد عليها لمراقبة آلية التداول وبالتالي تطبيق معايير محددة يسهل على اساسها مكافأة الملتزم ومعاقبة المخالف.
وفي هذا الصدد تجدر الاشارة الى قرار ادارة سوق الدوحة للاوراق المالية الاخير، الأسبوع الماضي، بخصوص الغاء صفقات التداول على احد الاسهم المدرجة وذلك حفاظا على عدالة ونزاهة التداولات انطلاقا من مبدأ لا ضرر ولا ضرار.
إن الصلاحيات الممنوحة لدائرة مراقبة التداول التي تخولها مثلا ايقاف التداول على أسهم شركة محددة أو الغاء صفقات معينة أو معاقبة الوسطاء الماليين نتيجة مخالفتهم لبنود اللائحة الداخلية للسوق، لاشك انها صلاحيات واسعة تهدف الى تطبيق معايير عالية من الشفافية وبالتالي الوصول للهدف المنشود وهو الارتقاء باداء وكفاءة السوق المالي وتحقيق درجة معقولة من العدالة والمصداقية في التداولات.
وضمن هذا السياق فإنني أعتقد بان مراقبة تداول الطلعيين وكشف التداولات الوهمية «الصورية» ان وجدت هما اهم محورين يمثلان تحديا حقيقيا وبالتالي يتطلبان جهودا استثنائية وأدوات مؤثرة وقادرة على تحقيق الهدف الذي من أجله وجدت دائرة مراقبة التداول.
فلا يختلف اثنان على قدرة «البعض» في تحقيق أرباح خيالية أو تفادي خسائر موجعة نتيجة الاستفادة من معلومات داخلية وجوهرية تخص أي شركة مدرجة، وهذا أمر تتعرض له الاسواق المالية بمختلف تصنيفاتها المتقدمة منها والناشئة على حد سواء، ولكن الاثر يبدو أكثر وضوحا على الأسواق الناشئة وذلك بسبب صغر حجم وعمق هذه الاسواق. أما بالنسبة للصفقات الصورية التي يكون الهدف منها توجيه انظار المتعاملين لسهم شركة معينة وايهامهم بان هناك حركة غير طبيعية على السهم اما بانتظار اخبار ستظهر أو نتيجة لشائعات تروج في السوق، مما يؤدي الى ارتفاعات قياسية وغير مبررة وبالتالي أيضا تحقيق أرباح خيالية في فترة زمنية محدودة.
ان هذه الارباح الخيالية والتي تحقق في زمن قياسي هي عرضة للمساءلة القانونية، فالطرف الآخر وعادة ما يكون شريحة صغار المستثمرين خصوصا الافراد منهم هم من يمثلون الطرف الخاسر في هذه المعادلة، وهنا للاسف يلعب عامل الخبرة ونقص الوعي الاستثماري دورا سلبيا واضحا.
وفي المقابل فإن الخسائرالفادحة التي من الممكن ان يتعرض لها الافراد لها انعكاسات سلبية مباشرة وغير مباشرة على الاقتصاد الوطني للدولة، فمن ناحية تؤثر على القدرة الشرائية الاجمالية للفرد كما انها تؤثر على قدرته الانتاجية ومساهمته في نمو الاقتصاد لما لها من انعكاسات معنوية سلبية على ادائه العام، ومن ناحية اخرى فإنها تضعف الثقة بشكل عام بالسوق المالي الذي هو مرآة الاقتصاد مما يؤدي الى صعوبة جذب استثمارات اضافية وبطء عجلة النمو الاقتصادي.
إن كل ما سبق ذكره يحتم على الجهات المعنية بمراقبة التداول مواصلة جهودها الحثيثة من أجل رفع مستوى مهنية آلية التداول، فمن ناحية هي مطالبة بشكل مستمر بتحديث الإجراءات المستخدمة ورفع مستوى الوسائل المساعدة في مراقبة التداول عن طريق استخدام انظمة معلومات تقنية عالية الدقة، ومن ناحية أخرى ان يتم بشكل دوري مراجعة التشريعات والقوانين المعمول بها والتقدم بتوصيات جديدة للجهات التشريعية المعنية بحيث تعزز من نقاط القوة وتعالج نقاط الضعف، كما أن رفع درجة التنسيق مع الوسطاء المرخصين عن طريق عقد ندوات وجلسات استشارية مشتركة سيعزز من قوة وسلطة التشريعات المطبقة ويساعد على خلق أفكار جديدة نتيجة المشاركة والتفاعل الايجابي، وهذا بالتأكيد سوف ينعكس ايجابيا على كفاءة السوق المالي ويعزز من ثقة المستثمرين دافعا عجلة الاقتصاد خطوة جديدة الى الأمام.
سامر الجاعوني
خبير مصرفي
الدوحة - قطر