تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مثقفون لاهون..!!



tariq ali
05-12-2007, 07:47 PM
للدكتور. محمد الريفي

الثقافة هي نظام فكري وسلوكي متجانس يتكون من: معرفة حقيقية متجددة، وفهم للواقع،
وطموح مستنير لتحقيق أهداف جماعية، وعمل متواصل لتحقيق تلك الأهداف والطموح. وبهذا المعنى، فإن الثقافة لا تتحدد بالمعرفة والاطلاع فحسب، وإنما بالقدرة على التفاعل مع المجتمع، لإصلاحه بالنقد والكتابة والأعمال الأدبية والفنية.

والمثقف هو من يحمل رسالة، ويمتلك رؤية، ويتزود بمعرفة حقيقية، ويحدد أهدافه بوضوح، ويفهم الواقع، ويبصر سبيله، ويبشر بمشروع تغييري إصلاحي. وهو صاحب قضية وطموح، إيجابي يتفانى في تحقيق أهدافه لمصلحة مجتمعه وأبناء شعبه، ويسعى إلى تخطي حدود الزمان والمكان لتحقيق المعاني الإنسانية في العالم دون تقيد بجنسية أو قومية. لذلك فهو يجهد نفسه، ويبذل ما في وسعه، لتغيير مجتمعه إلى الأحسن، ويعمل على تحقيق التجانس والتوافق في مجتمعه، ويمد جسور التفاهم والتحاور مع الثقافات الأخرى لينقل إليها رسالته.

والمثقف هو الذي يتميز بتجانس فكره مع أهدافه وسلوكه، فالثقافة هي منطلق أهدافه وطموحه وليس العكس، وهي حصن متين لهويته ووجوده، يصعب التفريق بين الثقافة والهوية وبين الهوية والوجود، وليس المثقف هو من يغير ثقافته بتغير مصالحه وظروفه متقلبا كلما هبت رياح الصراع بين الثقافات والحضارات والمصالح.

والثقافة الإسلامية تتميز عن غيرها من الثقافات بأنها تكرم الإنسان، وتقيه الانزلاق في متاهات الأفكار الهدامة، التي يصنعها دعاة الشر وأعداء الإنسانية. وهي منبع قيمنا وسلوكنا وطموحنا، نستلهم منها غاياتنا والحكمة من وجودنا في هذا الكون، وفيها إجابة كافية لكل ما يحير العقل ويربكه من تساؤلات أحدثت فراغا في نفوس البشر فأشقتهم، وملأت حياتهم بالضنك والعذاب. ونحن نعتز بقيمنا وثقافتنا الإسلامية، ونعتقد أنها هي البلسم الشافي لكل ما يعانيه البشر من ضياع وتخبط، وهي الثقافة التي تكفل الله بحفظها، فلا تناقض فيها ولا شوائب.

وهناك عدة أنواع من المثقفين من حيث بنيتهم الفكرية، فهناك مثقفون إسلاميون، وعلمانيون، وليبراليون، ...
وهناك تقصير واضح لدى المثقفين في النهوض بالمجتمعات العربية وممارسة النقد الاجتماعي الإيجابي والهادف إلى الإصلاح والتنمية والتطوير والرقي الحضاري...

وهناك فئة من المثقفين الذين سنحت لهم فرصة التعرف على الثقافة الغربية والعيش في المجتمعات الغربية، للدراسة أو العمل أو الزيارة والسياحة، فهؤلاء أصبحت مجموعة المواقف، التي تعرضوا لها في المجتمع الغربي، تشكل مرجعية لسلوكهم ومنطلقات فكرهم، يحتكمون إليها وينتقدون مجتمعاتهم على أساسها. وقد أثبتت دراسات قام بها باحثون عرب في علم الاجتماع أن الشخص الذي يعيش في المجتمعات الغربية تتكون في لا وعيه مكودات (codes) أو رموز لا تفارقه في نشاطه الفكري والعقلي إلا عند سكوت دماغه، وقليل من هؤلاء من يسيطر على هذه الرموز ويخضعها لتفكيره بدلا من خضوع فكره لها.

وبعض هؤلاء، الذين عاشوا في المجتمعات الغربية، لا يستطيع مقاومة هذه الرموز ويستجيب لندائها تلقائيا، ويحتكم إلى هذه الرموز في تفكيره، ويستمد منها قيمه ومفاهيمه. وهنا مكمن الخطر الذي ينتج عن عدم تجانس المثقف الغربي مع مجتمع وأبناء شعبه، فهو يعيش بجسده في بلده، ولكنه يعيش بروحه وعقله في الغرب، ويحاول أن يستلهم كل معاييره من هذه الرموز. فهو يقيس كل ما يواجهه من أحداث عليها، ويرى كل ما حوله من منظور ما تمليه هذه الرموز أو الثقافة الغربية، ويريد أن يجعل كل الناس في مجتمعه وكل الأحداث تسير على نمط ثقافي واحد كالذي تلقاه في اللاوعي، ولا يوجد لديه أي متسع للتفكير في منطلقات أخرى.

ومن هؤلاء من يبحث عن عيوب في المجتمع ناتجة عن الضياع الثقافي والحضاري الذي تعاني منه مجتمعاتنا، فيستغل هذه الثغرات لا لإصلاح المجتمع، وليس لمحاولة تناول هذه العيوب بالنقد والتحليل الموضوعي باحثا عن حلول وإجابات، وإنما للقدح في الثقافة الإسلامية والتحريض ضد الالتزام بالإسلام (أو ما يسمونه التدين).

وهؤلاء هم المثقفون اللاهون... أعاذنا الله منهم ووقانا شرهم.

***************** منقول**************