سيف قطر
19-12-2007, 06:29 PM
المواطن قاسم حسن سليمان الغزواني (85) عاماً
http://www.almadinapress.com/images/thumbnails/1033971.jpg
محمد رابع سليمان – منى ?
فارق الزمن كان خير شاهد على رحلة الحج بين اليوم والأمس..
جئت وأنا شاب في الثلاثينيات قبل نصف قرن..
واليوم أعود بعد أن شاب رأسي وانحنى ظهري وضعفت قوتي ولم تعد لدي طموحات في هذه الحياة سوى الستر وأن ألقى الله بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مشكور.. هذه هي قصة المواطن قاسم حسن سليمان الغزواني (85) عاماً التقينا في منى وهو يسير وحيداً بخطوات بطيئة جداً حتى ظننا أنه يعاني من ضربة شمس في جو ملبد بالغيوم..
ولكن بعد أن استوقفناه شعرنا أن خطواته البطيئة ما هي إلا تعبير صادق لاحترام قدسية الزمان والمكان وتأسيا بما أوصى به المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع (السكينة.. السكينة) العم قاسم الغزواني رغم كبر سنه إلا أنه فضّل القدوم إلى منى وحيداً ولم يحمل معه أمتعة سوى مظلة خفيفة تقيه حرارة الشمس وبرد الشتاء عند الحاجة.?
كيف كانت رحلة الحج في أول مرة جئت إلى مكة..؟
ابتسم وسكت برهة وظهر عليه التأثر الشديد وتمنيت لو لم اسأله هذا السؤال وكأني بنفسي أقلّب مواضع الألم في جسده.. زادني حيرة عندما زرفت دموعه وتلعثم لسانه عن الإجابة.. ورغم ضجيج منى إلا أن تقاسيم وجهه التي استوقفتني جعلتني أكثر إصراراً في إكمال الحديث معه ونقل قصته للقارئ الذي هو رصيدنا..
وإذا بي دون أن أشعر أكرر له السؤال مرة ثانية متى حججت لأول مرة يا عم قاسم؟
قال: لا أتذكر التاريخ ولا يمكن أن أتذكرها ولكن قبل أكثر من نصف قرن كنت في عنفوان الشباب جئت مشياً لمدة أسابيع من جازان إلى مكة المكرمة وكنا نقف في بعض المحطات للراحة والتزود بالطعام والشراب ما أمكن حتى وصلنا مكة المكرمة وكنا مع مجموعة من الحجاج عندما شاهدوا الكعبة سقطوا مغشياً عليهم لم يتمالكوا أنفسهم في الموقف، والحمد لله مضينا في الطواف والسعي ثم بقينا داخل الحرم بأمتعتنا حتى يوم التروية خرجنا إلى منى.
ويضيف كان عدد الحجاج قليلاً جداً، أكثرهم يسيرون على أقدامهم وبعضهم راكبين الخيل والبغال والحمير وكانت منى بلا خدمات وكل يحمل معه ماءه وزاده ما يكفيه لأيام الحج وبقائه في المشاعر.. ورغم ضيق المساحات والطرقات كان الناس يتميزون بخلق التسامح والإيثار ملتزمين بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الحج (السكينة السكنية).. سكت العم قاسم قليلاً وإذا بالدموع تذرف من عينيه حتى ابتلت لحيته الحمراء.. وقال: أجمل ما أتذكره في تلك الرحلة صعوبة الحصول على الماء ومع ذلك لا أحد يشكو من أحد كانت منى بلا خيام ولا إضاءة.. وكانت الحكومة تضع قنديلاً بجوار كل جمرة من الجمرات الثلاث ليستدل الناس على موقع الجمرات في الليل حتى يرموا.?أما الحجاج فكانت كل مجموعة تضع السمن أو الزيت داخل العلبة ويشعلون الفتيل لإضاءة ما حولهم.. والحقيقة بعد هذه السنوات الطويلة ورغم تقدم سني شعرت برغبة كبيرة في الحج هذا العام وجئت من جازان طمعاً لأن أنال الحج المبرور مع جموع الحجيج واسأل الله أن يجزي حكومة خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء فما أراه اليوم لو حدثني عنه أحد قبل أن أراه لوصفته بالجنون ولكن توفيق الله ثم إخلاص ولاة الأمور في هذا الوطن حوّل الخيال على حقيقة وتحقق الإنجاز الذي يشبه الإعجاز.
جريدة المدينة (http://www.almadinapress.com/index.aspx?Issueid=2569&pubid=1&CatID=74&sCatID=219&articleid=1033971)
http://www.almadinapress.com/images/thumbnails/1033971.jpg
محمد رابع سليمان – منى ?
فارق الزمن كان خير شاهد على رحلة الحج بين اليوم والأمس..
جئت وأنا شاب في الثلاثينيات قبل نصف قرن..
واليوم أعود بعد أن شاب رأسي وانحنى ظهري وضعفت قوتي ولم تعد لدي طموحات في هذه الحياة سوى الستر وأن ألقى الله بحج مبرور وسعي مشكور وذنب مشكور.. هذه هي قصة المواطن قاسم حسن سليمان الغزواني (85) عاماً التقينا في منى وهو يسير وحيداً بخطوات بطيئة جداً حتى ظننا أنه يعاني من ضربة شمس في جو ملبد بالغيوم..
ولكن بعد أن استوقفناه شعرنا أن خطواته البطيئة ما هي إلا تعبير صادق لاحترام قدسية الزمان والمكان وتأسيا بما أوصى به المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه في حجة الوداع (السكينة.. السكينة) العم قاسم الغزواني رغم كبر سنه إلا أنه فضّل القدوم إلى منى وحيداً ولم يحمل معه أمتعة سوى مظلة خفيفة تقيه حرارة الشمس وبرد الشتاء عند الحاجة.?
كيف كانت رحلة الحج في أول مرة جئت إلى مكة..؟
ابتسم وسكت برهة وظهر عليه التأثر الشديد وتمنيت لو لم اسأله هذا السؤال وكأني بنفسي أقلّب مواضع الألم في جسده.. زادني حيرة عندما زرفت دموعه وتلعثم لسانه عن الإجابة.. ورغم ضجيج منى إلا أن تقاسيم وجهه التي استوقفتني جعلتني أكثر إصراراً في إكمال الحديث معه ونقل قصته للقارئ الذي هو رصيدنا..
وإذا بي دون أن أشعر أكرر له السؤال مرة ثانية متى حججت لأول مرة يا عم قاسم؟
قال: لا أتذكر التاريخ ولا يمكن أن أتذكرها ولكن قبل أكثر من نصف قرن كنت في عنفوان الشباب جئت مشياً لمدة أسابيع من جازان إلى مكة المكرمة وكنا نقف في بعض المحطات للراحة والتزود بالطعام والشراب ما أمكن حتى وصلنا مكة المكرمة وكنا مع مجموعة من الحجاج عندما شاهدوا الكعبة سقطوا مغشياً عليهم لم يتمالكوا أنفسهم في الموقف، والحمد لله مضينا في الطواف والسعي ثم بقينا داخل الحرم بأمتعتنا حتى يوم التروية خرجنا إلى منى.
ويضيف كان عدد الحجاج قليلاً جداً، أكثرهم يسيرون على أقدامهم وبعضهم راكبين الخيل والبغال والحمير وكانت منى بلا خدمات وكل يحمل معه ماءه وزاده ما يكفيه لأيام الحج وبقائه في المشاعر.. ورغم ضيق المساحات والطرقات كان الناس يتميزون بخلق التسامح والإيثار ملتزمين بوصية المصطفى صلى الله عليه وسلم لأصحابه في الحج (السكينة السكنية).. سكت العم قاسم قليلاً وإذا بالدموع تذرف من عينيه حتى ابتلت لحيته الحمراء.. وقال: أجمل ما أتذكره في تلك الرحلة صعوبة الحصول على الماء ومع ذلك لا أحد يشكو من أحد كانت منى بلا خيام ولا إضاءة.. وكانت الحكومة تضع قنديلاً بجوار كل جمرة من الجمرات الثلاث ليستدل الناس على موقع الجمرات في الليل حتى يرموا.?أما الحجاج فكانت كل مجموعة تضع السمن أو الزيت داخل العلبة ويشعلون الفتيل لإضاءة ما حولهم.. والحقيقة بعد هذه السنوات الطويلة ورغم تقدم سني شعرت برغبة كبيرة في الحج هذا العام وجئت من جازان طمعاً لأن أنال الحج المبرور مع جموع الحجيج واسأل الله أن يجزي حكومة خادم الحرمين الشريفين خير الجزاء فما أراه اليوم لو حدثني عنه أحد قبل أن أراه لوصفته بالجنون ولكن توفيق الله ثم إخلاص ولاة الأمور في هذا الوطن حوّل الخيال على حقيقة وتحقق الإنجاز الذي يشبه الإعجاز.
جريدة المدينة (http://www.almadinapress.com/index.aspx?Issueid=2569&pubid=1&CatID=74&sCatID=219&articleid=1033971)