مغروور قطر
10-10-2005, 05:05 AM
منطقتا «اليورو» و«الدولار» تقرعان ناقوس الخطر من آثار التضخم
قرع صانعو السياسة النقدية على جانبي الأطلسي نواقيس الخطر بشأن مخاطر استفحال الضغوط التضخمية التي تلوح في الأفق، وتوالت في الأسبوع الماضي وعلى نحو شبه متزامن كلمات مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي في منطقة «الدولار»، ومسئولي البنك المركزي الأوروبي في منطقة «اليورو».
وكان الخوف من مخاطر التضخم هي الرسالة المشتركة التي أطلقها المسؤولون في المنطقتين للأسواق،كما كان حديثهم عن أسعار النفط المرتفعة كأحد مصادر ارتفاع التضخم قاسما آخر مشتركا فيما بينهم. وعززت هذه المخاوف المتصاعدة من التضخم التوقعات بمواصلة بنك الاحتياط الفيدرالي سياسة رفع الفائدة،
وإقلاع البنك المركزي الأوروبي عن سياسة وضع السدادة على أسعار الفائدة، والبدء في رفعها في منتصف العام المقبل، وذلك على الرغم من أن البنك حافظ على المستوى الحالي لسعر الفائدة الأوروبية دون تغيير خلال اجتماعه الذي عقده يوم الخميس الماضي للنظر في أسعار الفائدة.
* مخاطر التضخم في منطقة الدولار
ففي منطقة الدولار، توالت في الأسبوع الماضي كلمات مسئولي بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي المحذرة من مخاطر التضخم، وجاءت هذه الكلمات التي ألقيت في مناسبات منفصلة، على نحو شبه متزامن، وهو ما عزز الاعتقاد لدى المحللين بوجود إجماع بين صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة بشأن ضرورة اتباع نهج متشدد في منع التضخم من أن يتخذ مسارا آخر، يخرج به عن نطاق السيطرة.
فمن جانب، حذر توماس هونيج رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في كنساس من أن ثمة توليفة من ضغوط الأسعار المرتفعة والناتجة من الأجور والسلع تلوح في الأفق، ودعا صناع السياسة النقدية إلى إعطاء خطر التضخم اهتماما خاصا، ودعمت هذه الملاحظات التوقعات بأن بنك الاحتياط الفيدرالي سيواصل سياسة رفع الفائدة.
وجاءت ملاحظات هونينج خلال حديثة أمام تجمع من أصحاب الأعمال في مدينة كاسبير، حيث أوضح أنه حتى قبل أن يضرب إعصارا كاترينا وريتا ساحل خليج المكسيك والذي تتواجد فيه بكثرة مصافي التكرير، كانت أسعار النفط تسلك مسار الصعود، وقفزت أسعار الجازولين والغاز الطبيعي إلى مستويات مرتفعة.
وأشار إلى أنه وعلى الرغم من عدم قلقه من تراكم ضغوط التضخم ومحاصرتها للاقتصاد الأميركي، إلا أنه من الأهمية بمكان معرفة نوعية الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الأميركي، بحيث يكون صناع السياسة النقدية على درجة عالية من التأهب في التعامل مع هذه الضغوط، على نحو يعزز النمو الاقتصادي على المدى الطويل .
ولاحظ هونينج في معرض استعراضه لنوعية الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الأميركي أن معدل الإنتاجية (متوسط عدد ساعات العمل بالنسبة للعامل) قد تراجع 5,2% عن المعدلات المرتفعة التي سجلها والتي كانت تتراوح بين 4% و 5% خلال السنوات الأخيرة، موضحا أن الإنتاجية المرتفعة ترتبط بصعود مستويات المعيشة، فيما تعني الإنتاجية المنخفضة أن المنتج يتكلف أكثر لإنتاج نفس الكمية من السلع .
ومن ثم ترتفع تكلفة وحدة العمل بنسبة للمنتج، وخلص إلى أن هناك ضغوطا مرتبطة بالأجور بدأت تتكالب على الاقتصاد خلال هذه المرحلة. علاوة على الضغوط المرتبطة بارتفاع أسعار السلع كالصلب والاسمنت والتي من المحتمل أن تتصاعد بفعل عمليات إعادة أعمار المناطق التي ضربتها موجة الأعاصير. واستدرك موضحا أن مصادر ضغوط التضخم تتكالب سويا على الاقتصاد وليس فرادى وفي مرحلة يجري فيها تبني سياسة نقدية قائمة على التأقلم والتكيف.
وأشار هونينج إلى أن القضية هنا لا تتعلق بالمستوى الحالي لمعدل التضخم والبالغ 2,2 %، فهو معدل معتدل، ولكن القضية تتمثل في عدم رغبتنا في رؤية هذا المعدل يرتفع عن المستوى الحالي، حيث أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تغيير مسار التضخم.
* توخي الحذر ازاء المخاطر
وفيما عبر هونينج عن ضرورة توخي الحذر إزاء المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد من التضخم على نحو خاص، إلا أنه عبر بشكل عام عن تفاؤله بشأن أفق النمو الاقتصادي، وقال إنه على الرغم من أن الاقتصاد الأميركي يواجه بعض التحديات ذات التأثير الكبير،إلا أن الاقتصاد مازال قادرا على مواجهة التحديات،وأنه سيحرز نموا قويا عندما يتخطى المرحلة الانتقالية بدءا من العام القادم فصاعدا.
وأعرب عن اعتقاده بأن موجة الأعاصير التي ضربت ساحل خليج المكسيك ستقلص النمو الاقتصادي بنسبة 5,0% خلال النصف الثاني من العام الجاري. ووفقا لتوقعات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فإنه من المتوقع أن يتقلص معدل النمو الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 5,0 و1% خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وقد رفع بنك الاحتياط الفيدرالي معدل الفائدة 11 مرة على نحو متوال ومنتظم منذ منتصف 2004 لتصل إلى 75,3% ولم يكن هونينج من بين الذين صوتوا على رفع الفائدة خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية ولكن تماثلت في الآونة الأخيرة لهجة تعليقاته مع لهجات العديد من صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
وعلى نفس المنوال، دعا أنطوني سانتيمورو رئيس بن الاحتياط الفيدرالي في فيلادلفيا يوم الثلاثاء الماضي إلى العمل على الحيلولة من أن تطبع الضغوط الدورية للأسعار وأي ارتفاعات عرضية في أسعار الطاقة بصماتها على نحو دائم في بيئة الأسعار، وبالتالي سوف يكون من المتعين على بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي الاستمرار في التحول من سياسته الراهنة والقائمة على التكيف إلى سياسة نقدية أكثر حيادية.
وفي اليوم ذاته، وفي خطبة منفصلة،أكد ريتشارد فيشر رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في دالاس أمام غرفة دالاس التجارية أن هناك حالة تأهب تسود صناع السياسة النقدية، وقال إن معدل التضخم وصل إلى أعلى سقف منطقة تسامح البنك الإتحاد الفيدرالي الأميركي، وانه يظهر القليل من الميل لان يسلك مساراً مغايرا .
وأشار الى أنه في أعقاب الإعصارين اللذين ضربا خليج المكسيك، حاولت قطاعات الإعمال تحميل المستهلكين كلفة أسعار الطاقة المرتفعة. ويعتبر كل من فيشر وسانتيمورو من أعضاء لجنة السياسة النقدية ببنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي الذين صوتوا لصالح رفع الفائدة خلال اجتماعها الأخير.
وعلى نفس المنوال، وفي توقيت متزامن، قال ويليام بول رئيس البنك الاتحادي الفيدرالي في سانت لويز أنه لا يخامره أدنى شك بأن كلا من لجنة السياسة النقدية والسوق سيستجيبان لمفاجأة التضخم الذي يبدو كما لو كان مستمرا في تراكمه ليشكل مشكلة آخذة في الاستفحال، وأشار إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي يأمل في الحفاظ على التضخم في نطاق يتراوح بين 1إلى 2%.
على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، شاطر مسؤولو البنك المركزي الأوروبي هموم مسؤولو بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي إزاء مخاطر التضخم، وعلى الرغم من أن نتائج الاجتماع الذي عقده البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس الماضي جاءت متسقة مع التوقعات، إلا أن التصريحات التي أدلى بها جان كلود تريشيه في ختام الاجتماع عززت الاعتقاد بان البنك مقبل على تغيير نهجه تجاه الفائدة وانه سوف يعمل على رفعها خلال العام المقبل.
فقد أعلن رئيس البنك المركزي الأوروبي أن اقتصاد منطقة اليورو يتجه الى الانتعاش في النصف الثاني من هذا العام، ولكنه حذر من ان أسعار النفط المرتفعة تنطوي على مخاطر بالنسبة لهذا الانتعاش، وقال تريشيه إن توقعات البنك ومؤشرات المسوح الأخيرة تدعم وجهة نظر البنك بأنه يمكن أن ينعش النمو الاقتصادي بدءا من منتصف العام الجاري فصاعدا، ولكنه حذر من أن أفق النمو مازالت عرضة لضغوط التراجع بفعل أسعار النفط والقلق بخصوص الاختلالات العالمية وضعف ثقة المستثمر.
وقال تريشيه إن معدلات الفائدة في منطقة اليورو مازالت ملائمة رغم ضغوط أسعار النفط. مشيرا إلى أن السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي ساهمت في إنعاش النمو في منطقة اليورو وأن البنك المركزي الأوروبي أظهر يقظة قوية بشأن مخاطر التضخم،
مضيفا بأنه من حيث الجوهر مازالت توقعات التضخم عند مستويات تنسجم مع استقرار الأسعار، موضحا أن منطقة اليورو لم تظهر تراكما لضغوط التضخم على الرغم من أسعار النفط المرتفعة، وتوقع أن يرتفع معدل التضخم في الأجل القصير.
* اسعار الفائدة الأوروبية
وحافظت أسعار الفائدة الأوروبية على معدلها عند مستوى 2%، وهو معدل ظل ساريا دون تغيير منذ يونيو 2003، على اعتبار أن ضغوط ارتفاع الأسعار ما زالت عند مستويات متدنية حتى الآن، وأن أفق النمو الاقتصادي ما زال هشا. وجاءت نتائج الاجتماع متسقة مع التوقعات، فمن جانب،لم يتوقع أحد ممن استطلعت وكالة رويترز آراءهم في أواخر سبتمبر أن يقوم البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة خلال هذا الاجتماع أو حتى خلال الفترة المتبقية من العام
.
ومن جانب آخر، أظهرت قطاعات الصناعات التحويلية والخدمية قوة مفاجئة كما قويت ثقة رجال الأعمال على مدى الشهر الماضي، رغم مناخ عدم اليقين السياسي الذي ساد ألمانيا أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. كما خفضت المفوضية الأوروبية توقعاتها للنمو في عام 2005 إلى 2,1% من 3,1%.
وهكذا وقبل اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، ساد الاعتقاد بأن البنك سيشدد من لهجته التحذيرية إزاء التضخم، ولكنه سيضع سدادة على زيادة معدل الفائدة حتى العام القادم، وذلك للتثبت من قوة التعافي الاقتصادي.
ويقدر محللون بأنه من المحتمل أن تضع العلامات المقلقة للضغوط التضخمية واضطراب أسعار النفط وضعف العملة صانعي السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي في حالة تأهب قصوى . وهم بالفعل، قد صعدوا من لهجتهم التحذيرية إزاء التضخم خلال الأسابيع الأخيرة، مما عزز القناعة في أسواق السندات بأن البنك سوف يطلق سعر الفائدة بحلول منتصف عام 2006، وربما قبل هذا الموعد .
ولكن في رأي محللين آخرين أنه من المحتمل أن يعمد البنك المركزي الأوروبي إلى تخفيف لهجته المتشددة إزاء التضخم بسبب خشيته على أفق الانتعاش الاقتصادي، مع الأخذ في الاعتبار، بأن معدل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو مازال في طور التعافي .
وعبر عن هذا الرأي، ديفيد براون كبير الاقتصاديين في مؤسسة «بير إستيرن» بقوله انه ربما يكون البنك المركزي الأوروبي راغبا في إطلاق معدل الفائدة، ولكن يعوزه المبرر المنطقي لفعل ذلك، وذلك إلى حين اشتداد قوة الانتعاش الاقتصادي في العام المقبل. ووفقا لرئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه، من غير المتوقع إن تحقق دول منطقة اليورو البالغ عددها 12 دولة معدلا للنمو في حدود 2%، إلا خلال وقت ما في عام 2006.
وتستهدف اللهجة المتشددة للبنك المركزي الأوروبي تجاه التضخم السيطرة على مساره الصعودي، حيث أظهرت دراسة مسحية عن معنويات السوق في منطقة اليورو أن المقارنة بين القراءة الأولى لاتجاهات السوق في 14 يوليو، والقراءة الثانية في 17 يوليو،أن معدل التضخم آخذ إلى الصعود. ومع الأخذ في الاعتبار، أن تريشيه يعتمد على معنويات السوق في اتخاذه للقرارات، فإنه من الحتمي أن يسبب المسار الصعودي للتضخم المزيد من القلق داخل البنك المركزي الأوروبي.
* مرحلة جديدة
ومثل هذه الخلفية في نظر بعض المحللين تؤسس لمرحلة جديدة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي للتحدث عن اليقظة الشديدة في متابعة مخاطر التضخم، وهو ما يمثل في رأي جوليان كالوي الاقتصادي في بنك باركليز تصعيدا في اللهجة التحذيرية التي استخدمها البنك في شهر سبتمبر الماضي بتوصيفه لنهجه في متابعة التضخم بأنه يعتمد على اليقظة بشكل خاص.
بيد أن التفاؤل تنامى خلال الأسابيع الأخيرة و أظهر مؤشر معنويات السوق في منطقة اليورو أن اتجاهات الإعمال سجلت أعلى مستوى لها منذ 6 شهور، وتلا ذلك، بروز مفاجآت مماثلة على صعيد النتائج التي أظهرتها مؤشرات ثقة الإعمال في كل من ألمانيا وإيطاليا، فمن جانب سجل مؤشر الصناعات التحويلية في سبتمبر أعلى مستوى منذ فبراير الماضي،حاصلا على دعم من زيادة الإنتاج وزيادة حجم الطلبات الجديدة.
كتب مجدي عبيد
قرع صانعو السياسة النقدية على جانبي الأطلسي نواقيس الخطر بشأن مخاطر استفحال الضغوط التضخمية التي تلوح في الأفق، وتوالت في الأسبوع الماضي وعلى نحو شبه متزامن كلمات مسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي في منطقة «الدولار»، ومسئولي البنك المركزي الأوروبي في منطقة «اليورو».
وكان الخوف من مخاطر التضخم هي الرسالة المشتركة التي أطلقها المسؤولون في المنطقتين للأسواق،كما كان حديثهم عن أسعار النفط المرتفعة كأحد مصادر ارتفاع التضخم قاسما آخر مشتركا فيما بينهم. وعززت هذه المخاوف المتصاعدة من التضخم التوقعات بمواصلة بنك الاحتياط الفيدرالي سياسة رفع الفائدة،
وإقلاع البنك المركزي الأوروبي عن سياسة وضع السدادة على أسعار الفائدة، والبدء في رفعها في منتصف العام المقبل، وذلك على الرغم من أن البنك حافظ على المستوى الحالي لسعر الفائدة الأوروبية دون تغيير خلال اجتماعه الذي عقده يوم الخميس الماضي للنظر في أسعار الفائدة.
* مخاطر التضخم في منطقة الدولار
ففي منطقة الدولار، توالت في الأسبوع الماضي كلمات مسئولي بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي المحذرة من مخاطر التضخم، وجاءت هذه الكلمات التي ألقيت في مناسبات منفصلة، على نحو شبه متزامن، وهو ما عزز الاعتقاد لدى المحللين بوجود إجماع بين صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة بشأن ضرورة اتباع نهج متشدد في منع التضخم من أن يتخذ مسارا آخر، يخرج به عن نطاق السيطرة.
فمن جانب، حذر توماس هونيج رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في كنساس من أن ثمة توليفة من ضغوط الأسعار المرتفعة والناتجة من الأجور والسلع تلوح في الأفق، ودعا صناع السياسة النقدية إلى إعطاء خطر التضخم اهتماما خاصا، ودعمت هذه الملاحظات التوقعات بأن بنك الاحتياط الفيدرالي سيواصل سياسة رفع الفائدة.
وجاءت ملاحظات هونينج خلال حديثة أمام تجمع من أصحاب الأعمال في مدينة كاسبير، حيث أوضح أنه حتى قبل أن يضرب إعصارا كاترينا وريتا ساحل خليج المكسيك والذي تتواجد فيه بكثرة مصافي التكرير، كانت أسعار النفط تسلك مسار الصعود، وقفزت أسعار الجازولين والغاز الطبيعي إلى مستويات مرتفعة.
وأشار إلى أنه وعلى الرغم من عدم قلقه من تراكم ضغوط التضخم ومحاصرتها للاقتصاد الأميركي، إلا أنه من الأهمية بمكان معرفة نوعية الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الأميركي، بحيث يكون صناع السياسة النقدية على درجة عالية من التأهب في التعامل مع هذه الضغوط، على نحو يعزز النمو الاقتصادي على المدى الطويل .
ولاحظ هونينج في معرض استعراضه لنوعية الضغوط التي يتعرض لها الاقتصاد الأميركي أن معدل الإنتاجية (متوسط عدد ساعات العمل بالنسبة للعامل) قد تراجع 5,2% عن المعدلات المرتفعة التي سجلها والتي كانت تتراوح بين 4% و 5% خلال السنوات الأخيرة، موضحا أن الإنتاجية المرتفعة ترتبط بصعود مستويات المعيشة، فيما تعني الإنتاجية المنخفضة أن المنتج يتكلف أكثر لإنتاج نفس الكمية من السلع .
ومن ثم ترتفع تكلفة وحدة العمل بنسبة للمنتج، وخلص إلى أن هناك ضغوطا مرتبطة بالأجور بدأت تتكالب على الاقتصاد خلال هذه المرحلة. علاوة على الضغوط المرتبطة بارتفاع أسعار السلع كالصلب والاسمنت والتي من المحتمل أن تتصاعد بفعل عمليات إعادة أعمار المناطق التي ضربتها موجة الأعاصير. واستدرك موضحا أن مصادر ضغوط التضخم تتكالب سويا على الاقتصاد وليس فرادى وفي مرحلة يجري فيها تبني سياسة نقدية قائمة على التأقلم والتكيف.
وأشار هونينج إلى أن القضية هنا لا تتعلق بالمستوى الحالي لمعدل التضخم والبالغ 2,2 %، فهو معدل معتدل، ولكن القضية تتمثل في عدم رغبتنا في رؤية هذا المعدل يرتفع عن المستوى الحالي، حيث أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تغيير مسار التضخم.
* توخي الحذر ازاء المخاطر
وفيما عبر هونينج عن ضرورة توخي الحذر إزاء المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد من التضخم على نحو خاص، إلا أنه عبر بشكل عام عن تفاؤله بشأن أفق النمو الاقتصادي، وقال إنه على الرغم من أن الاقتصاد الأميركي يواجه بعض التحديات ذات التأثير الكبير،إلا أن الاقتصاد مازال قادرا على مواجهة التحديات،وأنه سيحرز نموا قويا عندما يتخطى المرحلة الانتقالية بدءا من العام القادم فصاعدا.
وأعرب عن اعتقاده بأن موجة الأعاصير التي ضربت ساحل خليج المكسيك ستقلص النمو الاقتصادي بنسبة 5,0% خلال النصف الثاني من العام الجاري. ووفقا لتوقعات البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، فإنه من المتوقع أن يتقلص معدل النمو الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 5,0 و1% خلال النصف الثاني من العام الجاري.
وقد رفع بنك الاحتياط الفيدرالي معدل الفائدة 11 مرة على نحو متوال ومنتظم منذ منتصف 2004 لتصل إلى 75,3% ولم يكن هونينج من بين الذين صوتوا على رفع الفائدة خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية ولكن تماثلت في الآونة الأخيرة لهجة تعليقاته مع لهجات العديد من صناع السياسة النقدية في الولايات المتحدة.
وعلى نفس المنوال، دعا أنطوني سانتيمورو رئيس بن الاحتياط الفيدرالي في فيلادلفيا يوم الثلاثاء الماضي إلى العمل على الحيلولة من أن تطبع الضغوط الدورية للأسعار وأي ارتفاعات عرضية في أسعار الطاقة بصماتها على نحو دائم في بيئة الأسعار، وبالتالي سوف يكون من المتعين على بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي الاستمرار في التحول من سياسته الراهنة والقائمة على التكيف إلى سياسة نقدية أكثر حيادية.
وفي اليوم ذاته، وفي خطبة منفصلة،أكد ريتشارد فيشر رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في دالاس أمام غرفة دالاس التجارية أن هناك حالة تأهب تسود صناع السياسة النقدية، وقال إن معدل التضخم وصل إلى أعلى سقف منطقة تسامح البنك الإتحاد الفيدرالي الأميركي، وانه يظهر القليل من الميل لان يسلك مساراً مغايرا .
وأشار الى أنه في أعقاب الإعصارين اللذين ضربا خليج المكسيك، حاولت قطاعات الإعمال تحميل المستهلكين كلفة أسعار الطاقة المرتفعة. ويعتبر كل من فيشر وسانتيمورو من أعضاء لجنة السياسة النقدية ببنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي الذين صوتوا لصالح رفع الفائدة خلال اجتماعها الأخير.
وعلى نفس المنوال، وفي توقيت متزامن، قال ويليام بول رئيس البنك الاتحادي الفيدرالي في سانت لويز أنه لا يخامره أدنى شك بأن كلا من لجنة السياسة النقدية والسوق سيستجيبان لمفاجأة التضخم الذي يبدو كما لو كان مستمرا في تراكمه ليشكل مشكلة آخذة في الاستفحال، وأشار إلى أن بنك الاحتياط الفيدرالي يأمل في الحفاظ على التضخم في نطاق يتراوح بين 1إلى 2%.
على الضفة الأخرى من المحيط الأطلسي، شاطر مسؤولو البنك المركزي الأوروبي هموم مسؤولو بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي إزاء مخاطر التضخم، وعلى الرغم من أن نتائج الاجتماع الذي عقده البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس الماضي جاءت متسقة مع التوقعات، إلا أن التصريحات التي أدلى بها جان كلود تريشيه في ختام الاجتماع عززت الاعتقاد بان البنك مقبل على تغيير نهجه تجاه الفائدة وانه سوف يعمل على رفعها خلال العام المقبل.
فقد أعلن رئيس البنك المركزي الأوروبي أن اقتصاد منطقة اليورو يتجه الى الانتعاش في النصف الثاني من هذا العام، ولكنه حذر من ان أسعار النفط المرتفعة تنطوي على مخاطر بالنسبة لهذا الانتعاش، وقال تريشيه إن توقعات البنك ومؤشرات المسوح الأخيرة تدعم وجهة نظر البنك بأنه يمكن أن ينعش النمو الاقتصادي بدءا من منتصف العام الجاري فصاعدا، ولكنه حذر من أن أفق النمو مازالت عرضة لضغوط التراجع بفعل أسعار النفط والقلق بخصوص الاختلالات العالمية وضعف ثقة المستثمر.
وقال تريشيه إن معدلات الفائدة في منطقة اليورو مازالت ملائمة رغم ضغوط أسعار النفط. مشيرا إلى أن السياسة النقدية للبنك المركزي الأوروبي ساهمت في إنعاش النمو في منطقة اليورو وأن البنك المركزي الأوروبي أظهر يقظة قوية بشأن مخاطر التضخم،
مضيفا بأنه من حيث الجوهر مازالت توقعات التضخم عند مستويات تنسجم مع استقرار الأسعار، موضحا أن منطقة اليورو لم تظهر تراكما لضغوط التضخم على الرغم من أسعار النفط المرتفعة، وتوقع أن يرتفع معدل التضخم في الأجل القصير.
* اسعار الفائدة الأوروبية
وحافظت أسعار الفائدة الأوروبية على معدلها عند مستوى 2%، وهو معدل ظل ساريا دون تغيير منذ يونيو 2003، على اعتبار أن ضغوط ارتفاع الأسعار ما زالت عند مستويات متدنية حتى الآن، وأن أفق النمو الاقتصادي ما زال هشا. وجاءت نتائج الاجتماع متسقة مع التوقعات، فمن جانب،لم يتوقع أحد ممن استطلعت وكالة رويترز آراءهم في أواخر سبتمبر أن يقوم البنك المركزي الأوروبي برفع أسعار الفائدة خلال هذا الاجتماع أو حتى خلال الفترة المتبقية من العام
.
ومن جانب آخر، أظهرت قطاعات الصناعات التحويلية والخدمية قوة مفاجئة كما قويت ثقة رجال الأعمال على مدى الشهر الماضي، رغم مناخ عدم اليقين السياسي الذي ساد ألمانيا أكبر اقتصاد في منطقة اليورو. كما خفضت المفوضية الأوروبية توقعاتها للنمو في عام 2005 إلى 2,1% من 3,1%.
وهكذا وقبل اجتماع مجلس محافظي البنك المركزي الأوروبي، ساد الاعتقاد بأن البنك سيشدد من لهجته التحذيرية إزاء التضخم، ولكنه سيضع سدادة على زيادة معدل الفائدة حتى العام القادم، وذلك للتثبت من قوة التعافي الاقتصادي.
ويقدر محللون بأنه من المحتمل أن تضع العلامات المقلقة للضغوط التضخمية واضطراب أسعار النفط وضعف العملة صانعي السياسة النقدية في البنك المركزي الأوروبي في حالة تأهب قصوى . وهم بالفعل، قد صعدوا من لهجتهم التحذيرية إزاء التضخم خلال الأسابيع الأخيرة، مما عزز القناعة في أسواق السندات بأن البنك سوف يطلق سعر الفائدة بحلول منتصف عام 2006، وربما قبل هذا الموعد .
ولكن في رأي محللين آخرين أنه من المحتمل أن يعمد البنك المركزي الأوروبي إلى تخفيف لهجته المتشددة إزاء التضخم بسبب خشيته على أفق الانتعاش الاقتصادي، مع الأخذ في الاعتبار، بأن معدل النمو الاقتصادي في منطقة اليورو مازال في طور التعافي .
وعبر عن هذا الرأي، ديفيد براون كبير الاقتصاديين في مؤسسة «بير إستيرن» بقوله انه ربما يكون البنك المركزي الأوروبي راغبا في إطلاق معدل الفائدة، ولكن يعوزه المبرر المنطقي لفعل ذلك، وذلك إلى حين اشتداد قوة الانتعاش الاقتصادي في العام المقبل. ووفقا لرئيس البنك المركزي الأوروبي جان كلود تريشيه، من غير المتوقع إن تحقق دول منطقة اليورو البالغ عددها 12 دولة معدلا للنمو في حدود 2%، إلا خلال وقت ما في عام 2006.
وتستهدف اللهجة المتشددة للبنك المركزي الأوروبي تجاه التضخم السيطرة على مساره الصعودي، حيث أظهرت دراسة مسحية عن معنويات السوق في منطقة اليورو أن المقارنة بين القراءة الأولى لاتجاهات السوق في 14 يوليو، والقراءة الثانية في 17 يوليو،أن معدل التضخم آخذ إلى الصعود. ومع الأخذ في الاعتبار، أن تريشيه يعتمد على معنويات السوق في اتخاذه للقرارات، فإنه من الحتمي أن يسبب المسار الصعودي للتضخم المزيد من القلق داخل البنك المركزي الأوروبي.
* مرحلة جديدة
ومثل هذه الخلفية في نظر بعض المحللين تؤسس لمرحلة جديدة بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي للتحدث عن اليقظة الشديدة في متابعة مخاطر التضخم، وهو ما يمثل في رأي جوليان كالوي الاقتصادي في بنك باركليز تصعيدا في اللهجة التحذيرية التي استخدمها البنك في شهر سبتمبر الماضي بتوصيفه لنهجه في متابعة التضخم بأنه يعتمد على اليقظة بشكل خاص.
بيد أن التفاؤل تنامى خلال الأسابيع الأخيرة و أظهر مؤشر معنويات السوق في منطقة اليورو أن اتجاهات الإعمال سجلت أعلى مستوى لها منذ 6 شهور، وتلا ذلك، بروز مفاجآت مماثلة على صعيد النتائج التي أظهرتها مؤشرات ثقة الإعمال في كل من ألمانيا وإيطاليا، فمن جانب سجل مؤشر الصناعات التحويلية في سبتمبر أعلى مستوى منذ فبراير الماضي،حاصلا على دعم من زيادة الإنتاج وزيادة حجم الطلبات الجديدة.
كتب مجدي عبيد