المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع (( الريـــال ))



A H M A D
05-01-2008, 09:04 PM
حوار مع الريال

رأيت فقيراً مقطعّ الثياب، كبيراً بالسن، يبدو عليه آثار الجوع والعطش.
رأيته مستلقياً على عتبة البنك، وقد استغرق في نوم عميق، وكانت أشعة الشمس تدنوا منه قليلاً قليلا حتى وصلت إلى صدره، وهو لا يشعر بحرارتها.

وقفت عنده أنظر إليه وأتأمله، وأقول في نفسي: «سبحان الله! إن بين هذا الفقير وخزينة المال بضعة أمتار، إننا والله نعيش في عالم المتناقضات».
أدخلت يدي في جيبي، فأحسست بحركة غريبة فيه، أمسكت الذي يتحرك في جيبي وأخرجته، وفوجئت عندما رأيته «ريالا».

فقلت له: لماذا تتحرك في جيبي؟
الريال: أنا في جيبك منذ زمن بعيد، وأنت لم تتعامل معي وفق هدف وجودي.
قلت: وما هدف وجودك يا ريال؟!
الريال: هو الإنفاق على أهلك ووالديك، وقضاء حاجتك الشخصية وحوائج المسلمين، من تفريج كربة، وإعانة مدين، وتوسعة على يتيم، وغيرها من وجوه البر والخير.
قلت: وكيف جئت إليّ يا ريال؟!
الريال: إن لي قصة طويلة، فقد انتقلت بين أيدٍ كثيرة، فالأول اشترى بي خمراً، والثاني اشترى بي فلماً مخلاً للأدب، والثالث دفعني رشوة لآخر، والرابع اشترى منك بضاعة فوصلت إليك، وكل هؤلاء كانوا عبّاداً للمال، ولا أعرف عنك أي شيء بعد.
قلت: وكيف علمت أن هؤلاء هم عبّاد المال؟
الريال: من طريقة تعاملهم معي، وأنهم كانوا لا ينفقونني في سبيل الله ولهذا قال الحسن البصري - رحمه الله - : «لكل أمة وثن يعبدونه، وصنم هذه الأمة الدينار والدرهم» (1).
وأنت يا صاحبي إن لم تصرفني في وجوه الخير فسأحرقك باسمي.
قلت مستغرباً: ماذا تفعل؟
ستحرقني بإسمك؟!! وكيف ذلك؟!!
الريال: إن أول اسمي «دين» ليذكرك بحقوق دينك عليّ وآخر اسمي «نار» ليحرقك إن كنزتنى أو أنفقتني بالحرام.
قال تعالى {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوي بها جباههم وجنوبهم وظهورهم، هذا ما كنزتم لأنفسكم، فذوقوا ما كنتم تكنزون} (2).
قلت: إن شأنك لخطير يا ريال!
الريال: نعم إن لي شأناً كبيراً، فأحسن معاملتي، حتى لا يعذبك الله بسببي، وانظر إلى الذين كنت عندهم كانوا يزرعون السيئات ويرجعون الحسنات، هل يجتبني من الشوك العنب؟
فاحذر أن تسير على دربهم، وهذا فقير أمامك إدفعني إليه وسأكون شاهداً لك يوم القيامة إن شاء الله.
واحرص على أن يكون عندك بعد ذلك شعور «ابن عينيه».
قلت: وما هو شعور «ابن عينيه»؟ ومن هو «ابن عينيه»؟
الريال: إنه أحد التابعين، وكان اسمه «سفيان ابن عينيه» وكان مشهوراً بالإنفاق وحب الخير، حيث يروي لنا أحد أصحابه فيقول: «كنت أمشي مع سفيان بن عينيه إذ أتاه سائل فلم يكن معه ما يعطيه، فبكى.
فقلت: يا أبا محمد ما الذي أبكاك؟
قال: أي مصيبة أعظم من أن يؤمّل فيك رجل خيراً فلا يصيبه» (3)
قلت: سبحان الله، إنه لشعور رقيق جداً.
الريال: هكذا فكن، واستغل مواسم عمرك، ولا تفرط في شبابك حتى يضاعف الله أجرك.
قلت: وهل هناك فرق بين من يتصدق في شبابه أو في هرمه؟
الريال: نعم فقد «جاء رجل إلى النبي [ فقال: يا رسول الله: أي الصدقة أعظم أجراً»؟.
قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر» (2).
ومعنى صحيح شحيح: «أي أن من يكون صحيح البدن فإنه غالباً يكون شحيحاً أي بخيلاً بالمال لأنه يجد للمال وقعاً في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر مع الفقر.
وقال ابن بطال ولما كان الشحّ غالباً في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصدر المال لغيره» (4).
قلت: والله لقد فتحت عليّ أبواباً كانت مغلقة، فجزاك الله خيراً.
ثم عاد وقال: ولكن ألا تعتقد أنك فتنة في هذه الحياة الدنيا؟
الريال: بالتأكيد أنا فتنة فكم من عالم قد فتن بي؟
وكم من زاهدٍ قد فتن بي؟
وكم؟ وكم؟ كلهم كانوا صرعى الريالات والدراهم، وإنك لترى أحياناً بعض الدعاة ملتزمين بالسنة في الملبس والمشرب ولكنهم لا يتحملون بريق الدينار، ولا صوت الدراهم.
قلت: وكيف ذلك؟!. وأنت تقول أنهم ملتزمين!!
الدينار: إنها الفتنة يا صاحبي. فإنك لم تبصرها بعد.

وأسمع إلى قول الشاعر يصف ذلك:

لا يغرنك من الم ... رء إزارٌ رقعهْ
وقميص فوق كعب ... الساق منه رفعهْ
وجبينٌ لاح فيه ... أثر قد خلعه
أره الدرهم تعرف ... غيه أم ورعه

قلت: صدقت يا ريال، أسأل الله أن يغنيني ولا يفتنّي.
الريال: والآن إدفعني إلى هذا الفقير حتى يحبك الله، وأكون سبباً في إطفاء غضب الله عليك، ويجازيك على ما فعلت.
قلت: حسناً.
ثم جلس بقرب الفقير، ووضعت يدي على صدره، وقلت له: يا هذا.. يا هذا.. فقام فزعاً وفتح عينيه.
فقلت له: لا تخف إني رجلٌ محسن، وهذا دينار فخذه ليعينك على نوائب الدهر.
فجلس ورفض أن يأخذ الريال وقال: أنا لست متسوّل..
قلت: أعرف ذلك، ولكنه في حاجة إلى المال.
فأخذ مني الريال وقال: جزاك الله خيراً.. ثم أخذ يردد:

إجعل المال إلى الله زاداً
واجعل الدنيا طريقاً وحسراً
إنما التاجر حقاً يقيناً
تاجرٌ يربح حمداً وأجراً

دنيا الاسهم
06-01-2008, 12:36 AM
(الصدقة تطفئ غضب الرب)
وفي الحديث (داووا مرضاكم بالصدقات)
سبحان الله رب العالمين يعطينا المال ليبتلينا ويختبرنا
الله يجعلنا من المرحومين ومن المتصدقين

الكاسر007
06-01-2008, 07:00 AM
شكرا على موضوعك

Al-sa7er
06-01-2008, 09:57 AM
حوار جميل,,

اللهم اعط منفقا خلفا, واعط ممسكا تلفا

بارك الله فيك اخوي احمد على الموضوع

بوخالد2
06-01-2008, 10:12 AM
جزاك الله خير اخوى احمد

shrook
06-01-2008, 12:01 PM
يعطيك العافية على الحوار الراااااائع

جزاك الله كل الخير اخوي

بو جواد
06-01-2008, 12:04 PM
ونعم الرجال

فلسطيني
06-01-2008, 02:53 PM
جزاك الله خيراً
والله يعطيك العافغيه

موضوع رائع .


جزاك الله خيرا كثيرا عليه... وأسأل الله ان يصلح المسلمين.

A H M A D
07-01-2008, 01:41 PM
شاكر مروركم جميعا

مالي ومال الناس
07-01-2008, 01:47 PM
شكرا على الموضوع الجميل والمفيد ... نسأل الله ان يرزقنا وياكم الفائدة منه

ناصر العمادي
07-01-2008, 10:33 PM
قصه رائعه فعلا وتستحق القراءه

بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء ...

ونسال الله ان نكون ممن يتصدقون ويدخلون الجنه بأذن الله

كل الشكر والتقدير لك اخي العزيز

ربي يسعدك ويوفقك ويدخلك جنة النعيم ان شاء الله

تحياتي لك