المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماذا بعد فوائض النفط؟



حسن بن علي
08-01-2008, 11:17 PM
مازالت تجربة النمور الآسيوية والقفزات التنموية التي حققتها دول الشرق الآسيوي تلفت الأنظار إليها حتى الآن لأنها تجربة فريدة في التحول من التخلف الاقتصادي إلى قوة تنموية واقتصادية مؤثرة في الساحة العالمية، وفي فترة زمنية قصيرة نسبياً. غير أن هناك تجربة جديدة يرى المراقبون أنها قد تستأثر باهتمام عالمي مماثل في السنوات المقبلة: تجربة دول الخليج العربية التي أصبحت خلال السنتين الأخيرتين، وعلى الرغم من حداثتها، محط اهتمام الكثيرين بفعل باستثمارات داخلية وخارجية تقدر بالتريليونات، وشهية مفتوحة على عمليات استحواذ كبر.

"النمور الآسيوية" مصطلح ظهر قبل نحو 30 عاما للإشارة إلى النمو الاقتصادي الملفت للانتباه الذي شهدته 4 دول آسيوية هي سنغافورة وتايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية.

فمن أمم فقيرة محطمة حققت هذه الدول، منذ ستينيات القرن الماضي، قفزات صناعية واقتصادية مذهلة ونسب نمو بمعدل 10 % سنويا بينما كانت دول أوروبا الغربية المتطورة تكافح لتحقيق معدلات نمو تبلغ فقط نصف هذا المعدل.

فكوريا الجنوبية مثلا نهضت من أمة منهارة (قتلت الحرب الأهلية فيها أربعة ملايين نسمه ) إلى دولة صناعية رائدة تملك اليوم تاسع أكبر اقتصاد في العالم. أما تايوان فلم تكن أكثر من جزيرة صغيرة للصيادين حققت قفزات اقتصادية مدهشة رفعت دخل المواطن إلى 13ألف دولار ووضعتها في المركز الـ 23 ضمن أكبر اقتصاديات العالم. والشيء نفسه يقال عن هونغ كونغ قبل انضمامها للصين عام 1997، وكذلك سنغافورة بعد انفصالها عن ماليزيا عام 1965.

دور جديد

شيئا فشيئا، بدأت دول الخليج العربية تمارس دور اللاعب الأساسي في الاقتصاد العالمي بفضل عائدات النفط المجزية التي أتاحت لها تمويل مشاريع عقارية ضخمة وشراء شركات أجنبية بارزة بالكامل، أو شراء حصص في شركات أخرى، كان مجرد التفكير بالاستحواذ عليها، أو على جزء منها، ضربا من الوهم قبل سنوات قليلة خلت.

فقد سمح سعر برميل النفط الذي اقترب من عتبة 100 دولار الشهر الماضي، ملأ خزائن دول مجلس التعاون الخليجي الست "السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان والبحرين" بمئات المليارات من الدولارات، التي باشرت هذه الدول استثمارها في مشاريع داخلية وخارجية.

وأدت هذه العائدات الهائلة إلى ازدهار اقتصادي كبير ترجم على الأرض بمشاريع عقارية ضخمة، في حين لا تنفك الأرصدة الأجنبية لدول مجلس التعاون التي تملك 40 بالمئة من الاحتياطي العالمي من النفط، بالتضخم يوما بعد آخر.

فبين عامي 2002 و2006 أضافت دول مجلس التعاون التي لا يزيد تعداد سكانها عن 35 مليون نسمة، ما بين 1200 و1500 مليار دولار من العائدات النفطية إلى أرصدتها التي ارتفعت في الخارج إلى أكثر من ألف مليار دولار، بحسب تقديرات دولية.

وارتفع الناتج الإجمالي لدول مجلس التعاون الخليجي من 406 مليارات دولار في 2003 إلى 712 مليار دولار في 2006، بحسب صندوق النقد الدولي الذي يتوقع أن يبلغ 790 مليار دولار في 2007 و883 مليار دولار في 2008 .

ويقول خبير اقتصادي كويتي أن "ارتفاع سعر النفط، زاد كثيرا من وزن دول مجلس التعاون في الاقتصاد العالمي". فيما يرى الخبير النفطي السعودي عبد الوهاب أبو داهش أن "أهمية دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد محدودة بالثروة النفطية، بل تضاعف تأثيرها من خلال استثمارات أجنبية مكثفة ومن خلال عمليات استحواذ واسعة النطاق في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا".

وتحت تأثير أسعار النفط المرتفعة نما الناتج الإجمالي للدول الست بنحو 7 بالمئة في السنوات الأخيرة ويتوقع أن يواصل مسيرة الارتفاع خلال السنوات القادمة، لا بل أن آخر تقديرات صندوق النقد الدولي تفيد بأن معدل النمو في دولة الإمارات العربية المتحدة وصل 20 % هذا العام.

مجرد أمثلة

وفي غياب أرقام رسمية تقدر أرصدة دول مجلس التعاون الخليجي في الخارج بألف مليار دولار بحسب أرقام صندوق النقد الدولي والمعهد الدولي للعلوم المالية. وفي عام 2007 تقدر عائدات الاستثمارات الخارجية بما بين 60 و100 مليار دولار أى ما يساوى إجمالي العائدات النفطية قبل بدء ارتفاع الأسعار في 2002.

ونظرا لحقيقة أنه لا يمكن للمنطقة استيعاب هذا المستوى من السيولة، فقد اتجهت دول الخليج إلى عمليات استحواذ ضخمة لشركات وحصص في شركات في الخارج.

في أبرز هذه الاستحواذات اشترى جهاز أبوظبي للاستثمار من مجموعة سيتي جروب ما قيمته 7.5مليار دولار من وحدات الملكية القابلة للتحويل إلى أسهم عادية مما يوفر لأكبر بنك أمريكي رأسمال جديداً في إطار مساعيه للتغلب على آثار أزمة الرهون العقارية عالية المخاطر.

وفي أعقاب هذه الصفقة توقعت مجموعة سيتي جروب المصرفية ، أن تبقى شهية دول مجلس التعاون الخليجي مفتوحة على عمليات الاستحواذ الدولية.

وقبل أيام فقط أعلنت "اتصالات" الإماراتية الحائزة على جائزة أفضل مشغل للعام 2007 في منطقة الشرق الأوسط استحواذها على 15.97 % من شركة اتصالات الهاتف المتحرك الاندونيسية "اكسيلكوميندو" ثالث أكبر مشغل للهواتف المتحركة في اندونيسيا والمقدرة قيمة حقوق المساهمين فيها ب2.742 مليار دولار.

وفي مايو/أيار من العام 2007 أعلنت شركة نيودون لإدارة الأصول والمملوكة لشركة دبي انترناشيونال كابيتال لإدارة الأصول، والشريك الرئيسي في صندوق الاستثمارات الاستراتيجية العالمية، البالغة قيمته ملياري دولار استحواذ الصندوق على حصة كبيرة من مجموعة شركة الخدمات المالية العالمية العملاقة "اتش إس بي سي".

ويتوقع تقرير حديث صدر عن بنك "اتش اس بي سي" أن تعزز الشركات الخليجية عمليات التملك والاستحواذ في قطاعات البتروكيماويات العالمي، وفي القارة الأوروبية على وجه الخصوص،

وكانت شركة موانئ دبي العالمية المملوكة لحكومة دبي،وعلى الرغم من اضطرارها لبيع حصتها بفعل ضغوط سياسية، قد أصبحت في عام 2006 شركة إدارة حاويات وموانئ عالمية بعد شرائها "بى آند أو" البريطانية في صفقة بلغت قيمتها 9.6 مليارات دولار.

كما اشترت شركة "دبي إنترناشونال كابيتال" الزراع الاستثمارية لحكومة دبي 12.3 بالمئة من أسهم "المجموعة الأوروبية للصناعات الدفاعية والجوية" في حين استحوذت بورصة دبي على 9.19 بالمئة من رأس مال ناسداك وعلى 28 بالمئة من بورصة لندن، وتبعتها قطر، التي اشترت 20 بالمئة من بورصة لندن.

أما عملاق الصناعات البتروكيماوية السعودي "سابك" فقد اشترت شركة "جى اى بلاستكس" الأمريكية بمبلغ قيمته 6.11 مليار دولار.

هذه مجرد أمثلة للاستثمارات في شركات أجنبية وفي الأسواق العالمية والقطاع العقاري.

حسن بن علي
08-01-2008, 11:18 PM
صدى عالمي

وبينما لا يمر أسبوع دون الإعلان عن دخول مؤسسات مالية عالمية أو مستثمرين أجانب إلى سوق المنطقة للاستفادة من توفر السيولة المالية الكبيرة فيها فإن أصداء عمليات الاستحواذ الخارجية والنشاطات الاستثمارية المختلفة التي تقوم بها جهات مرموقة في المنطقة، كجهاز أبوظبي للاستثمار، وشركة مبادلة والأذرع الاستثمارية لحكومة دبي وكذلك جهاز قطر للاستثمار،صارت تتردد في أوساط المال والأعمال حول العالم.

فمبادلة للتطوير المملوكة لحكومة أبوظبي، تملك حصة قدرها 35 % في بياجيو إيرو إند ستريز، وهي شركة إيطالية لصنع محركات الطائرات. كما اشترت ربع أسهم ليزبلان وهي شركة أوروبية لإدارة السيارات، و5 % من أسهم فيراري وهي الشركة الإيطالية الشهيرة لصناعة السيارات.

وفي العام الماضي اشترت دبي انترناشيونال كابيتال، شركة مونكاسترز الدفاعية البريطانية التي تصنع قطعاً لطائرات مقاتلة ودبابات أمريكية. وفي العام الحالي اشترت دبي انترناشيونال وباعت لاحقاً، غالبية متاحف مدام توسو الشهيرة لتماثيل الشمع.

ودفعت شركة "استثمار" الدبوية 340 مليون دولار لشراء مجموعة من ستة مباني شهيرة في نيويورك، من بينها فندق نيكر بوكر ودبليو ومندرين أوريتال.. وتملك استثمار أيضاً 2.4 في المائة من أسهم وخيارات تايم دارنر. كما أنها استحوذت على شركة ليهمان لتجارة التجزئة في نيويورك مقابل 300 مليون دولار في يوليو/ تموز الماضي.

ولوحظ أن استثمارات دول الخليج في الولايات المتحدة أخذت طابع التسريع خلال هذا العام بعد توقف في العام الماضي في أعقاب إجبار الكونغرس الأمريكي شركة موانئ دبي العالمية على بيع الحصة التي استحوذت عليها في " بي آند أو" كجزء من صفقة أكبر.

حسن بن علي
08-01-2008, 11:19 PM
وبعد تنفيذ مشاريع استثمار محلية وخليجية تقدر بتريليون دولار، تبحث شركات مملوكة لدول الإمارات العربية المتحدة والسعودية والكويت وقطر عن شركات وعقارات في الخارج لتتملكها. ومع استقرار أسعار النفط فوق عتبة الـ 90 دولاراً للبرميل، يواصل المستثمرون العرب البحث عن استحواذات جديدة في آسيا وأوروبا.

خريطة تتغير

وحديثا دخل نوع جديد من الاستثمارات هو الاستثمار الإسلامي سوق الاستثمار العالمي. ويرى مراقبون أن هناك احتمالا قويا بأن يتمكن هذا السيل العارم من الثروات الخاصة في بعض البلدان الإسلامية، من تغيير خريطة الاستثمارات المالية في العالم.

فقد ذكر تقرير لوكالة الائتمان ستاندرد آند بورز "أن المؤسسات المالية الإسلامية لا تسد سوى حوالي 15 % من حاجة السوق المتاحة من الخدمات المالية للمسلمين حول العالم". وأضاف التقرير أن حجم الأصول المالية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية يبلغ اليوم حوالي 400 مليار دولار، وهو أقل بكثير من حجم السوق الذي تقول عنه وكالة الائتمان أنه يبلغ حوالي 4 تريليونات دولار.

وعلى صعيد آخر، وفي محاولة من شركات حكومية خليجية للدخول في استثمارات سليمة لاستغلال الأرباح المحققة من ارتفاع أسعار النفط، تركز هذه الشركات على تسريع وتيرة شراء شركات أجنبية ناجحة مثل شركة داو الأمريكية للكيماويات.

وفي مقابل زحف الاستثمارات الخليجية والإسلامية نحو الأسواق العالمية يزداد اهتمام رجال الأعمال بالاستثمار في منطقة الشرق الأوسط إلى أعلى المستويات على الإطلاق.

فوفقاً لمؤشر الثقة للاستثمار الأجنبي المباشر وهو استبيان دوري لرجال الأعمال حول العالم تصدره شركة الاستشارات الإدارية "أيه تي كيرني"، حصلت وجهات الاستثمار في الشرق الأوسط على أعلى المراتب في تاريخ هذا المؤشر الذي بدأ قبل 10 سنوات.

ونال موقعان في المنطقة مراتب ضمن أفضل 25 وجهة استثمار جذابة حول العالم. وقد احتلت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الثامنة في مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر لعام 2007 مرتفعة من المرتبة 22 في مؤشر عام 2005. ودخلت دول الخليج الأخرى (البحرين، الكويت، عمان، وقطر) في المؤشر وحصلت على المرتبة 17. وبالرغم من أن السعودية، ومصر لم تحصلا على أية مرتبة ضمن أفضل 25 دولة حول العالم، فإنهما تعتبران جذابتان بشكل خاص للمستثمرين من الدول النامية.

ومقارنة بالعام الماضي، فإن 29 بالمائة من المستثمرين قد أبدوا توقعات أكثر إيجابية نحو دولة الإمارات العربية المتحدة ليضعوها في المرتبة الرابعة فقط بعد الهند، الصين والبرازيل من ناحية تفاؤل المستثمرين حول العالم.

ويوفر مؤشر الاستثمار الأجنبي المباشر نظرة فريدة على الآراء والتوقعات المستقبلية لتدفق الاستثمارات الدولية في السنين القادمة. وتشكل مبيعات الشركات المشتركة في الاستبيان ما يزيد على 3.8 تريليون دولار من الدخل العالمي.

وقال بول لوديسينا المدير التنفيذي ورئيس أيه تي كيرني :"ارتفع اهتمام المستثمرين في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير في عام 2006 . ومن الواضح أن هذا التوجه سيستمر في المستقبل. لقد حسنت الإصلاحات في عدد من الدول المناخ الاستثماري والبنية التحتية بشكل كبير بما يتناسب مع التجارة العالمية. كما تجذب بالطبع سوق المنطقة الغنية وتوفر مراكز صناعة الخدمات مثل دبي الشركات العالمية على الاستثمار في المنطقة. ومن العوامل المحفزة التي تعمل في صالح البيئة الاستثمارية للمنطقة، عدد السكان الذي ينمو بسرعة، وتوفر رأس المال، ومخزونات الطاقة."

وتأتي الإمارات العربية المتحدة ضمن أفضل 10 وجهات استثمارية لمستثمري قطاع الخدمات بالإضافة إلى الصناعات الخفيفة والثقيلة.

عوائق استثمارية

لكن ووفقا لاستبيان أيه تي كيرني فإن انعدام الاستقرار السياسي يستمر في تشكيل عائق في وجه الاستثمار في المنطقة. وتتركز مخاوف المستثمرين في الشرق الأوسط على استمرار انعدام الاستقرار في العراق بالإضافة إلى احتمالات اندلاع الحرب مع إيران. ومن العوامل الأخرى المعيقة للاستثمار الأجنبي خطر الإرهاب، التحيز ضد الغرب، والصراعات الطائفية في المنطقة.

ولفت الاستبيان إلى نقطة هامة تمثلت في تفاوت الاهتمام في الاستثمار في الشرق الأوسط بحسب مناطق العالم. حيث ظهر أن هناك اهتماما ضعيفا بالمنطقة من قبل مستثمري أمريكا الشمالية مقارنة بزملائهم في آسيا و أوروبا. فقد حصلت الإمارات العربية المتحدة على المرتبة الخامسة بين المستثمرين الآسيويين وعلى العاشرة بين المستثمرين الأوروبيين. وعلى العكس لم تحصل الإمارات العربية المتحدة على أية مرتبة ضمن أفضل 15 وجهة استثمارية جذابة بالنسبة لمستثمري أمريكا الشمالية.

وقال مارتن واكر مدير مجلس السياسات التجارية العالمية :"هذا الاهتمام الأقل من المستثمرين في أمريكا الشمالية، ربما يعود جزئياً إلى مخاوف الشركات من احتمالات رد الفعل السياسي في بلادهم بسبب الاستثمار في المنطقة. ولكنه أيضاً مؤشر على التحديات الإستراتيجية والاستثمارية التي تواجه رجال الأعمال والمدراء في عالم مليء بخيارات الاستثمار الخارجي المباشر بشكل أكبر من أي وقت سابق."

ذهاب وإياب

وبخصوص تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى المنطقة قال أحدث تقرير للبنك الدولي إن التدفقات الاستثمارية المباشرة التي حصلت عليها السعودية في عام 2006 بلغت 4.6 مليار دولار، محتلة المركز الثالث في دول جنوب آسيا.

وقد جاءت بعد الإمارات التي حصلت على 12 مليار دولار، وتركيا التي حصلت على 9.7 مليار دولار.

وأشار التقرير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي، حظيت بزيادة كبيرة في حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة الواردة إليها حيث زادت تلك التدفقات بنسبة 60 في المئة.

وحصلت 14 دولة جنوب آسيوية على 34 مليار دولار، كان نصيب دول مجلس التعاون منها نحو 18.5 مليار دولار.

ويؤكد التقرير أن كل دول مجلس التعاون الخليجي شهدت زيادات كبيرة في حجم التدفقات الاستثمارية المباشرة الواردة إليها عام 2006، إذ تدفقت إلى البحرين استثمارات أجنبية مباشرة بمقدار مليار دولار، محتلة بذلك المركز الرابع ثم سلطنة عمان بمقدار 715 مليون دولار والكويت 25 مليون دولار.

وأوضح التقرير أن هناك دولاً عدة، ومنها بعض دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد ترى أن هناك حاجة لأية مساندة مالية كبيرة من البنك الدولي نظراً لما لديها من احتياطات ضخمة بالعملات الأجنبية ولتمتع موازناتها بوضعية جيدة.

حسن بن علي
08-01-2008, 11:19 PM
وذكر تقرير البنك أن دول التعاون، ورغم الانتعاش الكبير الذي تشهده حاليا، تواجه تحديات معقدة على الصعيد الاجتماعي والتنموي نابعة من طبيعة مرحلة التحول التي تمر بها باتجاه الرقي لمرحلة تطور أعلى، إذ تتراوح هذه التحديات بين الحاجات التنموية والأفضليات المختلفة التي توليها هذه البلدان للخدمات التنموية والاجتماعية. كما أنها تولي اهتماماً كبيراً باستحقاقات الوصول السريع إلى خبرات فنية مستهدفة بعينها وإلى وجود مؤسسات عامة شفافة وخاضعة للمساءلة، تقوم بتشجيع ازدهار القطاع الخاص وخلق الوظائف وفرص العمل.

ويقول التقرير إن اقتصاديات دول المنطقة حققت نمواً بلغ في المتوسط 5.8 في المئة على مدار السنوات الأربع الماضية، وهذا هو أسرع معدل للنمو في ثلاثة عقود. كما عملت هذه البلدان بكل جد واجتهاد لتصبح أكثر مناعة ضد صدمات الأسواق المالية مثل الأزمة المالية في آسيا في فترة التسعينات من القرن الـ20 التي دفعت بملايين الناس إلى هوة الفقر. وقامت هذه البلدان أيضاً بتقوية موازناتها العمومية من خلال تبني سياسات للمالية العامة تتصف بمزيد من الحصافة والحكمة، وبناء احتياطات دولية إضافة إلى الحد من اعتمادها على الاقتراض الحكومي.

أداء قوي

أما على صعيد الاستثمارات الخليجية محليا، فقد أكد التقرير ارتفاع حجم مشاريع الاستثمار في دول مجلس التعاون إلى 800 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة مع تركيز على قطاعات النفط والغاز والبنى التحتية والعقارات. وقال التقرير أن الاستثمارات في القطاعات غير النفطية ستشكل 50 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2007. واعتبر التقرير أن استدامة هذا النمو يعتمد على "التنفيذ الجاري لمشاريع استثمارية ضخمة وعلى الإصلاحات البنيوية المستمرة".

وأشاد التقرير بـ "الأداء القوي" لدول مجلس التعاون في السنوات الأربع الأخيرة، فيما وصل الفائض الحالي لديها إلى ما بين 23 و 27 في المائة من نمو الناتج المحلي لعام 2006 وسينخفض إلى 17 في المائة (300 مليار دولار) في عام 2008.

وأشار التقرير إلى أن دول مجلس التعاون تشكل ثلاثة أرباع الحجم الإجمالي لفائض الشرق الأوسط وآسيا الوسطى المالي الذي وصل إلى 2.1 مليار بين 2003 و2008. وذكر التقرير أن الإنفاق الحكومي وصل إلى 20 في المائة من الناتج المحلي.

وقال إن القطاعات غير النفطية أصبحت "عاملا رئيسيا" في دول مجلس التعاون بحيث ساهمت في 84 في المائة من نمو الناتج المحلي الفعلي في عام 2006 بعد تسجيلها 49 في المائة فقط في عام 2003، إضافة إلى الازدهار البارز في الاستثمار المحلي الذي سيصل إلى 800 مليار في السنوات الخمس المقبلة، و75 في المائة من هذه الاستثمارات في قطاعات غير الطاقة.

وأشاد التقرير بالتطورات البارزة التي تشهدها دول مجلس التعاون في مجالات التشريع وإصلاح القطاع المالي لكنه أوصى "بتحديث الإطارات الإشرافية والناظمة التي تحكم الأسواق المالية".

وأشار إلى تضاعف التدفق المالي الصافي خارج دول مجلس التعاون ومنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى الذي وصل إلى 130 مليارا في عام 2007 بسبب الأداء المالي القوي في الكويت وقطر والسعودية والإمارات فيما كانت السودان من أكثر الدول المستوعبة للتدفق المالي.

ضغوط تضخمية

ولاحظ التقرير أن الطلب المحلي القوي والقيود القصيرة الأمد على القدرات ساهمت في ضغوط التضخم في عدد من دول مجلس التعاون مع ارتفاع واضح في إيجارات المنازل ولاسيما في قطر والإمارات.

ووصف التقرير اقتصاد الإمارات العربية وقطر "بالسريع النمو" لكن هذا الأداء القوي يترافق مع "تمدد قدرة البنى التحتية"، وقال إن الإمارات هي الاقتصاد العربي الأكبر بعد السعودية. وأشار إلى أن الإمارات والمملكة العربية السعودية تشكلان معا 40 في المائة من الاستثمارات الخارجية المباشرة في المنطقة، فيما حققت الإمارات نموا وصل إلى 4.9 في المائة في عام 2006 مع استثمارات ستصل إلى 300 مليار في السنوات الخمس والعشر المقبلة.

لكن التقرير حذر الإمارات من أن "سرعة توسع الاقتصاد وتدفق اليد العاملة إليها سيضعان قيودا على الموارد الموجود فيها مما قد يؤدي إلى نقص في العقارات ويرفع من نسبة التضخم، عبر الارتفاع الحاد في الإيجارات".

من جهته، أكد صندوق النقد الدولي، أن النمو في منطقة الشرق الأوسط ككل حافظ على استقراره عام 2007 رغم الريبة التي شهدتها الأسواق العالمية، معربا عن قلقه من ارتفاع معدلات التضخم والبطالة في المنطقة.

وجاء في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي حول الشرق الأوسط وآسيا الوسطى لعام 2007، أن المنطقة تمر بفترة "تحول بارزة في دورها وأهميتها في العالم مع الارتفاع الواضح في مداخيلها الفردية والاندماج الإقليمي المعزز والتغييرات البارزة في أنظمتها الاقتصادية"، حيث أصبحت هذه المنطقة تساهم ما بين 3 إلى 6 في المائة من الصادرات العالمية.

وأشار التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حافظت على استقرار النمو فيها الذي وصل إلى 6 في المائة فيما المغرب العربي سجل نسبة 5 في المائة.

واعتبر صندوق النقد أن الدافع وراء هذا الأداء هو الارتفاع في أسعار المنتوجات النفطية وغير النفطية، متوقعا أن يحافظ هذا النمو على معدل 6 إلى 7 في المائة في عام 2008 . وأضاف أن الأنشطة الاقتصادية غير النفطية ساهمت في رفع معدل نمو الناتج المحلي فيما تضاعف تدفق الاستثمارات الخارجية المباشرة منذ عام 2002 ليصل إلى 80 مليار دولار في عام 2007.

وارتفعت صادرات النفط والغاز إلى نحو 750 مليار دولار في عام 2007 فيما العائدات الحكومية من هذه القطاعات وصلت 510 مليارات في عام 2007، وتوقعت أن ترتفع إلى 580 مليار دولار في عام 2008 ولا سيما بسبب ارتفاع سعر برميل النفط من 25 دولارا في عام 2001 - 2002 إلى نحو 69 في عام 2007.

صحوة اقتصادية

وأشار التقرير إلى النمو السريع للقطاع المالي في كل دول المنطقة الذي أسهم في تطوير القطاع الخاص بحيث ارتفعت سلفة المصارف إلى القطاع الخاص إلى 50 في المائة من الناتج المحلي. وأضاف أن "الاضطراب العالمي الأخير في سوق الائتمان" لم يؤثر في المنطقة حتى الآن، مشيرا إلى إصدارات السندات المالية الإسلامية (الصكوك) التي تستمر في الازدهار.

ويرى ناصر السعيدي، كبير الاقتصاديين في سلطة مركز دبي المالي العالمي، إن منطقة الخليج تعيش ما يمكن تسميته بالصحوة الاقتصادية نظرا لنجاحها في تحويل مرتكزات نموها إلى الأصول المالية عوضاً عن النفط.

ولفت السعيدي إلى إن الاستثمارات الحالية في مشاريع البنية التحتية بالمنطقة بلغت 1.3 تريليون دولار، فيما سيبلغ الاحتياطي الأجنبي عام 2008 أكثر من 455 مليار دولار.

وقال السعيدي، الذي شغل في السابق منصب وزير الاقتصاد في لبنان، أن الاحتياطي الأجنبي في دول الخليج شهد نموّاً ملحوظاً خلال السنوات العشر الماضية، حيث بلغ حوالي 365 مليار دولار أمريكي في العام 2007، ومن المتوقـّع أن يصل إلى 455 مليار دولار في عام 2008.

الفصل مطلوب

وحث السعيدي المنطقة على فصل إدارة عوائد النفط عن الاستثمارات، وعلى استخدام الثروات الناتجة عن الموارد الطبيعية للاستثمار في الأجيال المقبلة.

ودعت دراسة متخصصة أصدرتها شركة استشارات عالمية دول الخليج العربي إلى الاستعداد لمرحلة تراجع إنتاج النفط، مؤكدة حاجة تلك الدول إلى التغيير في مجال القدرة على الاستمرارية الاقتصادية، حيث إن مواردها ستتعرض لضغوط متزايدة.

وأوضحت شركة الاستشارات الإدارية العالمية "أيه تي كيرني" في تحليلها لتوجهات قطاع الطاقة العالمي بشكل عام والشرق أوسطي بشكل خاص، أن دول الخليج العربية تنتج ما يكاد يكون ثلثـي الإمداد العالمي من النفط، غير أن الاحتياطيات النفطية تتضاءل. ونقلت "أيه تي كيرني" عن العلماء العاملين في "مركز تحليل نضوب النفط" الذي يتخذ لندن مركزاً له، أن الإنتاج العالمي للنفط سيصل إلى ذروته في السنوات الأربع المقبلة، قبل الدخول في تراجع حاد ستترتب عليه نتائج هائلة على الاقتصاد العالمي. وحيث إن اقتصادات معظم الدول الخليجية تعتمد إلى حد كبير على النفط والغاز، فإن هذه الاقتصادات ستصبح غير محصنة.

وبالتالي، فإن هذا من شأنه أن يضطر العديد من هذه الدول الخليجية إلى استخدام ما يزيد على 50 في المائة من الناتج القومي العام من أجل ضمان مصادر للدخل والتمويل الحكومي مستقبلاً. وسيكون التأثير المالي المحتمل، الناتج عن تحويل صافي عائدات الصادرات النفطية إلى واردات هائلا جداً. كما أن السعي إلى الثراء، وزيادة السكان والاعتماد القوي على الدولار الأمريكي المتداعي، ستزيد من تفاقم هذا التحدي أيضاً. وإضافة إلى ذلك، فإن الصناعات الأخرى، كالبناء والنقل، ستتأثر هي الأخرى بتداعيات نتائج التراجع النفطي - وهذا يعني أن ذلك سيستقطع 15 في المائة من الناتج القومي العام.