المتأمل خيرا
11-01-2008, 09:43 AM
- مقالة تعيدني.. وبسرعة للأسهم القطرية -
حقاً أني غبت لظرف خاص.. لكن أيضاً كان بي بعض تردد للعودة سريعاً لأسباب أخرى.. لكن عندما طالعت صباح اليوم مقالة الدكتور على فخرو في جريدة الراية.. رأيت واجبي أن أعود وأضع هذه المقالة بين "أيدي".. و"عيون" و "هموم" متصفحي المنتدى.
وأيضاً وعند بحثي لذكرنبذة عن هذا الرجل المثقف المتواضع.. الذي يحمل هموم المواطن الخليجي والعربي.. كما يحمل هموم الإنسان أينما كان.. وجدت أن له مقالات عديدة وكثيرة سابقة رأيت أن انقل – على الأقل – بعضها هنا.. قاصداً أن نستنير من فكر رجل عاصر أحداثاً شكّلت حاضرنا.. وبالتالي سيكون لها دورها في مسقبلنا..
إخوتي الأعزاء..: فكر هذا الرجل المكتوب بإسلوب سهل الفهم وبعيد عن التطويل – في ظنـّي - من الظلم لأنفسنا ألا نطـّلع عليه.. وهذا لا يمنع بالطبع من أن تكون هناك وجهات نظر قد ترى بعض الأمور من زوايا مختلفة.. وقد تضيف لها.. حيث هذه سنـّة الحياة..
واسمحوا لي ان أبدأ بنبذة عنه منقولة :
"شغل منصب وزير التعليم بدولة البحرين من 1982 إلى 1995،
عمل سفيراً لدولة البحرين في فرنسا وبلجيكا واسبانيا وسويسرا،
عضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية في دبي..
رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
آمل إخوتي الكرام ألا تستكثروا بضع دقائق من وفتكم لقراءة من قلم رجل يحمل همومنا جميعاً.. من أجل مستقبل مشرق لابنائنا وأحفادنا.. حيث هو ظلم للنفس أن نحرمها من زاد الشرفاء المخلصين أمثاله. وقد رأيت أن تكون أول مقالة له هنا هي المعنونة "خطوة لتجاوز جنون الطائفية".. التي سبق وأن نشرت في الثاني من شهر يناير 2007م.. وتليها المقالة المنشورة اليوم بجريدة الراية.. بعنوان : "أغنياء العرب... والكسر الاجتماعي" ..
مع خالص التقدير وأمنيات الخير لكم جميعاً.. ولأمتنا المحاصرة.. حيث هي كالعملاق الذي يخشى الأعداء قيامه.. قيامه بدوره التاريخي والإنساني.. الذي يتناقض مع دورهم مهدّم أمن الفرد.. ومغتصب حقوقه..
"خطوة لتجاوز جنون الطائفية".. ((بقلم : د. على محمد فخرو))
هل معارك الفتنة الإسلامية الكبرى، الحربية والسياسية والمذهبية، تطلًّ بمحيًّاها القبيح على أمًّة العرب والمسلمين؟ هل ستعود إلينا معارك الجمل وصفٍّين، وأسئلة من أحقًّ أن يحكم المسلمين، وادٍّعاءات من يمثل الإسلام الصحيح ومن له الحظوة الروحية الأكبر عند نبي الإسلام؟ ما عادت هذه الأسئلة الجنونية أسئلة أكاديمية أو مزحة في المشهد السريالي العربي. إنها في قلب العَفَن الحالي في العراق ولبنان وفلسطين والعفن الآتي قريباً لأرض العرب كلٍّها. وإذا كان القنصل الفرنسي في بيروت قد وصف الشرقيين منذ حوالي مائة وخمسين سنة بأنهم بشر لا يميلون للإنتماء إلى أمة أو وطن وإنما يفضٍّلون الانتماء إلى مذاهب وأديان، فانًّ الواقع العربي والإسلامي الحالي المر يؤكٍّد بأن ذلك الوصف لا يزال ينطبق علينا، لكأنًّ الزمن العربي الإسلامي في الفكر والممارسة قد تسمًّر في الماضي السحيق. نعم، أن التمزُّق الذي نشاهده أمامنا اليوم هو حصيلة تناحر سياسي للفوز بالحكم وتسابق اقتصادي للاستئثار بالغنائم، وهو حتماً جزء من مخطُّط التجزئة والتشرذم الأمريكي الصهيوني الذي يطال كل بلاد العرب والإسلام، لكن كل ذلك يحدث متأثراً بصورة أو بأخرى بالتًّمايز المذهبي المتشدٍّد كفكر متخلف وإيديولوجية فقهية غير مرنة وأوهام تاريخية ومشاعر مريضة وغياب لأخلاق التسامح. وإذن فجزء من المشكلة الطائفية يكمن في الاختلافات والصٍّراعات المذهبية التاريخية بين المسلمين. هذه حقيقة مؤلمة. ومواجهتها لا تكون بتجاهلها وإنما بالقيام بخطوة شجاعة تساعد على حلٍّ إشكالية لم يستفد من بقائها طيلة القرون إلاً جماعات المصالح والأغراب وأعداء الإسلام.
إذا كانت القرون لم تنجح في تقريب المذاهب الإسلامية بحيث تستطيع أن تتعايش بسلام ومحبة، وبحيث لا تنقلب إلى أدوات يستعملها كل من هب ودب من أجل مصالحهم الأنانية الضيٍّقة، وإذا كانت حوارات التقريب بين المذاهب عبر القرن الماضي كله لم تزل تراوح مكانها.. إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يتجرًّأ أحد على القفز فوق كل تلك المذاهب ويؤصٍّل لمدرسة فقهية جامعة جديدة؟
لقد طرحت هذا السؤال، بعفوية وبغيرة على مستقبل الإسلام والمسلمين والعرب، على عدد من المفكرين الإسلاميين فلم يستهجنوا ذلك، وإنمًّا تحدًّثوا عن المصاعب المعقدة التي تقف في وجه خطوة كهذه.
أحدهم قال بأن بناء أي مذهب يحتاج لوجود أسس نظرية جديدة من أجل تأصيله، كما فعل مثلاً الإمام الشافعي أو الإمام جعفر الصادق. فاستعمال نفس المعايير والضوابط القديمة لاستنباط الأحكام الشرعية سيقود إلى مذهب مماثل للذين سبقوه. وآخر حذًّر من إمكانية ازدياد التشرذم والخلافات المذهبية. وآخر وافق بلا تحفظات.
إذن فهذا موضوع قابل للنقاش وقابل للنظر بجديًّة. ذلك أن التراكم المعرفي المذهل في حقول العلوم الطبيعية والطبية والبيولوجية والاجتماعية، إضافة إلى الخبرات البشرية الهائلة عبر عدة قرون وتوفٌّر العلماء المسلمين الغيارى في تلك الحقول لا يمكن إلاً ان يعزٍّز تلك المنطلقات النظرية التي سيحتاجها تأصيل أية مدرسة فقهية جديدة. وبالطبع فان ذلك لا يمكن أن يتمًّ على يد فرد، حتى ولو كان فذاً كما كان الأوائل من المؤسٍّسين لمختلف المدارس الفقهية، وإنما سيحتاج إلى مؤسسة تضمُّ متخصٍّّّّّّّّصين في شتى العلوم وعلماء في شتًّى فروع الدين. لقد أنتجت غيرة الأوائل المؤسسين على دينهم وشجاعتهم وعبقريتهم مدارس فقهية كانت غاية في الإبداع لمتطلبات عصورهم، لكن الأزمنة تغيرُّت وتخلٌّف الأمة قد قاد إلى تمترس مذهبي يتصف بغياب المرونة وعدم التسامح، كما أن الأغراب لا يعدمون وسائل للاستفادة من مثل هذه الأوضاع لتفتيت الأمة ودينها، فهل نطلب الكثير حين نتطلًّع لسبر أغوار كل الإمكانيات التي قد تخرج الأمة من أخطار التشرذم المذهبي الطائفي الحالي؟
التفكير في التأسيس لمدرسة فقهية جديدة سيساهم في حلٍّ جانب من مشكلة العاصفة الطائفية الحالية وأيضاً في حلٍّ إشكالية الإجتهاد الذي ينتظر مأسسته ليعاود إبداعه.
لقد جنى المسلمون على دينهم، وعلى عقلائهم أن يعملوا على عودة صفائه وألق توحيد قلوب معتنقيه.
"أغنياء العرب... والكسر الاجتماعي" ((بقلم : د. على محمد فخرو))
.. في ملاحظة مركزة يصف المفكر البريطاني "جون جري" صورة كالحة لما وصلت إليه المجتمعات الغربية، يستطيع الأغنياء أن يمضوا طيلة حياتهم دون أي اتصال أو ملامسة بالآخرين في مجتمعاتهم، وطالما أن الفقراء لا يكونون أي تهديد للأغنياء فسيتركون لحالهم، وكثمن لهذا السلام بين الأغنياء والفقراء استعيض عن نظام الديمقراطية الاجتماعية بنظام حكم الأقلية الغنية.
هكذا انتهت جهود وتضحيات ونضالات أربعة قرون إلي هذا الكابوس في حضارة غربية تقفز قفزات مذهلة في عالم التكنولوجيا والاستهلاك المادي والترفيهي النهم بينما شيئا فشيئا تنطفيء أنوارها وتموت روحها وتخفت أصوات بشائر التقدم الإنساني في حنجرتها وترهن مستقبلها في يد حفنة من الأغنياء، نهاية مرعبة بائسة، فهل نستطيع أن نتعلم من عبرها؟ أخشي أن الجواب سيكون بالنفي، فأغنياء العرب أينما يكونون، وعلي الأخص في مجتمعات الخليج العربي، يسيرون بخطيء ثابتة نحو جعل مجتمعاتهم تعيش نفس الظاهرة.
أسفارهم في طائرات خاصة مملوكة أو مستأجرة أو فوق يخوت خاصة تعبر البحار والمحيطات من مرافيء خاصة إلي مرافيء خاصة أخري، مجمعاتهم السكنية داخل أسوار عالية محمية بعيون الكاميرات وأسلحة الحرس المرتزقة، أولادهم يدرسون في مدارس خاصة غالية الأقساط ومنقطعة الجذور الثقافية مع محيطها، مشترياتهم من عواصم العالم الكبري، رعايتهم الصحية في أجنحة فندقية داخل مستشفيات خاصة يستدعي للقيام بها أكابر وأغلي اختصاصي العالم، في أماكن عملهم لهم مواقف خاصة لسياراتهم وأبواب ومصاعد خاصة لدخول مكاتبهم وألف سكرتيرة وحارس يكشون عنهم ذباب المتطفلين، اتصالهم بالعالم من خلال شاشة الكمبيوتر أو خط التليفون أو الشركات الخدمية، وأوقات تسليتهم في نواد خاصة حيث يشربون ويأكلون ويمارسون الرياضية ويمرحون في أجواء خاصة بهم وبطبقتهم.
هؤلاء وأولادهم وأحفادهم لن يشاهدوا قط منظراً مؤذيا، ولن يسمعوا قط أنين فقير أو يتيم أو أرملة، ولن يمروا قط في شارع يموج بالمظاهرات والاحتجاجات والمطالب، ولن يشعروا بزيادة أسعار الغذاء والملبس والسكن والسفر، ولن يلامسوا جموع العاطلين والمهمشين والمتسكعين وضحايا السكر والادمان والبغاء والهجرة غير المشروعة، نعم سيرون وسيشعرون بكل ذلك من خلال شاشات التليفزيون ولكن ستضيع معاني كل ذلك في زحمة برامج التسلية والفكاهة والاثارة.
ليست تلك الصور روائية، بل هي تحفر بعمق في الواقع العربي، إنها نقيضة لما سارت عليه الحياة الاجتماعية العربية عبر القرون، في الماضي كان علية وأغنياء القوم يتعلمون في مدارس العامة ويتعالجون في مستشفياتهم ويسافرون معهم وينضمون إلي نواديهم ويزورون متاجرهم وبيوتهم، وهذا الانقلاب المفاجيء يشير إلي أننا مقبلون علي شرخ كبير في العظم الاجتماعي العربي، هذا الشرخ لن يؤدي فقط إلي استقطاب مجتمعي في الثروة، حيث ستتواجه قلة بالغة الثراء مع كثرة بالغة الفقر والعوز، وإنما إلي استقطاب ثقافي حاد، فالبعد الجغرافي في المدينة الواحدة، الذي تكرسه هندسة الخوف المعمارية في أشكال الأسوار العالية والقضبان الحديدية المحيطة بالشبابيك والنوافذ وكاميرات الانذار والتجسس، وغياب التواصل البشري الاجتماعي اليومي، وهيمنة ثقافة العولمة وولاءاتها علي عقول وقلوب أصحاب الثروة.. كل ذلك سيؤدي إلي تكون نوعين من المواطنين، سيكون هناك مواطنو المال ومواطنو الوطن.
أمام الشرخ الاقتصادي في حياة المجتمعات العربية، والذي يتسع ويكبر، والشرخ الثقافي، والذي هو في سيرورة الترسخ، سيكون الحديث عن السلام الاجتماعي، في ظل ديمقراطية اجتماعية عادلة، نوع من الهذر والأحلام المستحيلة، في مثل هكذا مجتمع لن توجد لغة مشتركة وستكون للقيم معان مختلفة ونسبية عند مختلف مكونات المجتمع، وستنحر العدالة علي مذبح هذا الشرخ الاقتصادي/ الثقافي.
من أجل تجنب الانزلاق في جحيم ما يعرف بالكسر الاجتماعي علي أغنياء العرب أن يصبحوا مواطني الوطن لا مواطني المال الذي تنادي به بقوة ثقافة رأسمالية العولمة المتوحشة.
حقاً أني غبت لظرف خاص.. لكن أيضاً كان بي بعض تردد للعودة سريعاً لأسباب أخرى.. لكن عندما طالعت صباح اليوم مقالة الدكتور على فخرو في جريدة الراية.. رأيت واجبي أن أعود وأضع هذه المقالة بين "أيدي".. و"عيون" و "هموم" متصفحي المنتدى.
وأيضاً وعند بحثي لذكرنبذة عن هذا الرجل المثقف المتواضع.. الذي يحمل هموم المواطن الخليجي والعربي.. كما يحمل هموم الإنسان أينما كان.. وجدت أن له مقالات عديدة وكثيرة سابقة رأيت أن انقل – على الأقل – بعضها هنا.. قاصداً أن نستنير من فكر رجل عاصر أحداثاً شكّلت حاضرنا.. وبالتالي سيكون لها دورها في مسقبلنا..
إخوتي الأعزاء..: فكر هذا الرجل المكتوب بإسلوب سهل الفهم وبعيد عن التطويل – في ظنـّي - من الظلم لأنفسنا ألا نطـّلع عليه.. وهذا لا يمنع بالطبع من أن تكون هناك وجهات نظر قد ترى بعض الأمور من زوايا مختلفة.. وقد تضيف لها.. حيث هذه سنـّة الحياة..
واسمحوا لي ان أبدأ بنبذة عنه منقولة :
"شغل منصب وزير التعليم بدولة البحرين من 1982 إلى 1995،
عمل سفيراً لدولة البحرين في فرنسا وبلجيكا واسبانيا وسويسرا،
عضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية في دبي..
رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
آمل إخوتي الكرام ألا تستكثروا بضع دقائق من وفتكم لقراءة من قلم رجل يحمل همومنا جميعاً.. من أجل مستقبل مشرق لابنائنا وأحفادنا.. حيث هو ظلم للنفس أن نحرمها من زاد الشرفاء المخلصين أمثاله. وقد رأيت أن تكون أول مقالة له هنا هي المعنونة "خطوة لتجاوز جنون الطائفية".. التي سبق وأن نشرت في الثاني من شهر يناير 2007م.. وتليها المقالة المنشورة اليوم بجريدة الراية.. بعنوان : "أغنياء العرب... والكسر الاجتماعي" ..
مع خالص التقدير وأمنيات الخير لكم جميعاً.. ولأمتنا المحاصرة.. حيث هي كالعملاق الذي يخشى الأعداء قيامه.. قيامه بدوره التاريخي والإنساني.. الذي يتناقض مع دورهم مهدّم أمن الفرد.. ومغتصب حقوقه..
"خطوة لتجاوز جنون الطائفية".. ((بقلم : د. على محمد فخرو))
هل معارك الفتنة الإسلامية الكبرى، الحربية والسياسية والمذهبية، تطلًّ بمحيًّاها القبيح على أمًّة العرب والمسلمين؟ هل ستعود إلينا معارك الجمل وصفٍّين، وأسئلة من أحقًّ أن يحكم المسلمين، وادٍّعاءات من يمثل الإسلام الصحيح ومن له الحظوة الروحية الأكبر عند نبي الإسلام؟ ما عادت هذه الأسئلة الجنونية أسئلة أكاديمية أو مزحة في المشهد السريالي العربي. إنها في قلب العَفَن الحالي في العراق ولبنان وفلسطين والعفن الآتي قريباً لأرض العرب كلٍّها. وإذا كان القنصل الفرنسي في بيروت قد وصف الشرقيين منذ حوالي مائة وخمسين سنة بأنهم بشر لا يميلون للإنتماء إلى أمة أو وطن وإنما يفضٍّلون الانتماء إلى مذاهب وأديان، فانًّ الواقع العربي والإسلامي الحالي المر يؤكٍّد بأن ذلك الوصف لا يزال ينطبق علينا، لكأنًّ الزمن العربي الإسلامي في الفكر والممارسة قد تسمًّر في الماضي السحيق. نعم، أن التمزُّق الذي نشاهده أمامنا اليوم هو حصيلة تناحر سياسي للفوز بالحكم وتسابق اقتصادي للاستئثار بالغنائم، وهو حتماً جزء من مخطُّط التجزئة والتشرذم الأمريكي الصهيوني الذي يطال كل بلاد العرب والإسلام، لكن كل ذلك يحدث متأثراً بصورة أو بأخرى بالتًّمايز المذهبي المتشدٍّد كفكر متخلف وإيديولوجية فقهية غير مرنة وأوهام تاريخية ومشاعر مريضة وغياب لأخلاق التسامح. وإذن فجزء من المشكلة الطائفية يكمن في الاختلافات والصٍّراعات المذهبية التاريخية بين المسلمين. هذه حقيقة مؤلمة. ومواجهتها لا تكون بتجاهلها وإنما بالقيام بخطوة شجاعة تساعد على حلٍّ إشكالية لم يستفد من بقائها طيلة القرون إلاً جماعات المصالح والأغراب وأعداء الإسلام.
إذا كانت القرون لم تنجح في تقريب المذاهب الإسلامية بحيث تستطيع أن تتعايش بسلام ومحبة، وبحيث لا تنقلب إلى أدوات يستعملها كل من هب ودب من أجل مصالحهم الأنانية الضيٍّقة، وإذا كانت حوارات التقريب بين المذاهب عبر القرن الماضي كله لم تزل تراوح مكانها.. إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا يتجرًّأ أحد على القفز فوق كل تلك المذاهب ويؤصٍّل لمدرسة فقهية جامعة جديدة؟
لقد طرحت هذا السؤال، بعفوية وبغيرة على مستقبل الإسلام والمسلمين والعرب، على عدد من المفكرين الإسلاميين فلم يستهجنوا ذلك، وإنمًّا تحدًّثوا عن المصاعب المعقدة التي تقف في وجه خطوة كهذه.
أحدهم قال بأن بناء أي مذهب يحتاج لوجود أسس نظرية جديدة من أجل تأصيله، كما فعل مثلاً الإمام الشافعي أو الإمام جعفر الصادق. فاستعمال نفس المعايير والضوابط القديمة لاستنباط الأحكام الشرعية سيقود إلى مذهب مماثل للذين سبقوه. وآخر حذًّر من إمكانية ازدياد التشرذم والخلافات المذهبية. وآخر وافق بلا تحفظات.
إذن فهذا موضوع قابل للنقاش وقابل للنظر بجديًّة. ذلك أن التراكم المعرفي المذهل في حقول العلوم الطبيعية والطبية والبيولوجية والاجتماعية، إضافة إلى الخبرات البشرية الهائلة عبر عدة قرون وتوفٌّر العلماء المسلمين الغيارى في تلك الحقول لا يمكن إلاً ان يعزٍّز تلك المنطلقات النظرية التي سيحتاجها تأصيل أية مدرسة فقهية جديدة. وبالطبع فان ذلك لا يمكن أن يتمًّ على يد فرد، حتى ولو كان فذاً كما كان الأوائل من المؤسٍّسين لمختلف المدارس الفقهية، وإنما سيحتاج إلى مؤسسة تضمُّ متخصٍّّّّّّّّصين في شتى العلوم وعلماء في شتًّى فروع الدين. لقد أنتجت غيرة الأوائل المؤسسين على دينهم وشجاعتهم وعبقريتهم مدارس فقهية كانت غاية في الإبداع لمتطلبات عصورهم، لكن الأزمنة تغيرُّت وتخلٌّف الأمة قد قاد إلى تمترس مذهبي يتصف بغياب المرونة وعدم التسامح، كما أن الأغراب لا يعدمون وسائل للاستفادة من مثل هذه الأوضاع لتفتيت الأمة ودينها، فهل نطلب الكثير حين نتطلًّع لسبر أغوار كل الإمكانيات التي قد تخرج الأمة من أخطار التشرذم المذهبي الطائفي الحالي؟
التفكير في التأسيس لمدرسة فقهية جديدة سيساهم في حلٍّ جانب من مشكلة العاصفة الطائفية الحالية وأيضاً في حلٍّ إشكالية الإجتهاد الذي ينتظر مأسسته ليعاود إبداعه.
لقد جنى المسلمون على دينهم، وعلى عقلائهم أن يعملوا على عودة صفائه وألق توحيد قلوب معتنقيه.
"أغنياء العرب... والكسر الاجتماعي" ((بقلم : د. على محمد فخرو))
.. في ملاحظة مركزة يصف المفكر البريطاني "جون جري" صورة كالحة لما وصلت إليه المجتمعات الغربية، يستطيع الأغنياء أن يمضوا طيلة حياتهم دون أي اتصال أو ملامسة بالآخرين في مجتمعاتهم، وطالما أن الفقراء لا يكونون أي تهديد للأغنياء فسيتركون لحالهم، وكثمن لهذا السلام بين الأغنياء والفقراء استعيض عن نظام الديمقراطية الاجتماعية بنظام حكم الأقلية الغنية.
هكذا انتهت جهود وتضحيات ونضالات أربعة قرون إلي هذا الكابوس في حضارة غربية تقفز قفزات مذهلة في عالم التكنولوجيا والاستهلاك المادي والترفيهي النهم بينما شيئا فشيئا تنطفيء أنوارها وتموت روحها وتخفت أصوات بشائر التقدم الإنساني في حنجرتها وترهن مستقبلها في يد حفنة من الأغنياء، نهاية مرعبة بائسة، فهل نستطيع أن نتعلم من عبرها؟ أخشي أن الجواب سيكون بالنفي، فأغنياء العرب أينما يكونون، وعلي الأخص في مجتمعات الخليج العربي، يسيرون بخطيء ثابتة نحو جعل مجتمعاتهم تعيش نفس الظاهرة.
أسفارهم في طائرات خاصة مملوكة أو مستأجرة أو فوق يخوت خاصة تعبر البحار والمحيطات من مرافيء خاصة إلي مرافيء خاصة أخري، مجمعاتهم السكنية داخل أسوار عالية محمية بعيون الكاميرات وأسلحة الحرس المرتزقة، أولادهم يدرسون في مدارس خاصة غالية الأقساط ومنقطعة الجذور الثقافية مع محيطها، مشترياتهم من عواصم العالم الكبري، رعايتهم الصحية في أجنحة فندقية داخل مستشفيات خاصة يستدعي للقيام بها أكابر وأغلي اختصاصي العالم، في أماكن عملهم لهم مواقف خاصة لسياراتهم وأبواب ومصاعد خاصة لدخول مكاتبهم وألف سكرتيرة وحارس يكشون عنهم ذباب المتطفلين، اتصالهم بالعالم من خلال شاشة الكمبيوتر أو خط التليفون أو الشركات الخدمية، وأوقات تسليتهم في نواد خاصة حيث يشربون ويأكلون ويمارسون الرياضية ويمرحون في أجواء خاصة بهم وبطبقتهم.
هؤلاء وأولادهم وأحفادهم لن يشاهدوا قط منظراً مؤذيا، ولن يسمعوا قط أنين فقير أو يتيم أو أرملة، ولن يمروا قط في شارع يموج بالمظاهرات والاحتجاجات والمطالب، ولن يشعروا بزيادة أسعار الغذاء والملبس والسكن والسفر، ولن يلامسوا جموع العاطلين والمهمشين والمتسكعين وضحايا السكر والادمان والبغاء والهجرة غير المشروعة، نعم سيرون وسيشعرون بكل ذلك من خلال شاشات التليفزيون ولكن ستضيع معاني كل ذلك في زحمة برامج التسلية والفكاهة والاثارة.
ليست تلك الصور روائية، بل هي تحفر بعمق في الواقع العربي، إنها نقيضة لما سارت عليه الحياة الاجتماعية العربية عبر القرون، في الماضي كان علية وأغنياء القوم يتعلمون في مدارس العامة ويتعالجون في مستشفياتهم ويسافرون معهم وينضمون إلي نواديهم ويزورون متاجرهم وبيوتهم، وهذا الانقلاب المفاجيء يشير إلي أننا مقبلون علي شرخ كبير في العظم الاجتماعي العربي، هذا الشرخ لن يؤدي فقط إلي استقطاب مجتمعي في الثروة، حيث ستتواجه قلة بالغة الثراء مع كثرة بالغة الفقر والعوز، وإنما إلي استقطاب ثقافي حاد، فالبعد الجغرافي في المدينة الواحدة، الذي تكرسه هندسة الخوف المعمارية في أشكال الأسوار العالية والقضبان الحديدية المحيطة بالشبابيك والنوافذ وكاميرات الانذار والتجسس، وغياب التواصل البشري الاجتماعي اليومي، وهيمنة ثقافة العولمة وولاءاتها علي عقول وقلوب أصحاب الثروة.. كل ذلك سيؤدي إلي تكون نوعين من المواطنين، سيكون هناك مواطنو المال ومواطنو الوطن.
أمام الشرخ الاقتصادي في حياة المجتمعات العربية، والذي يتسع ويكبر، والشرخ الثقافي، والذي هو في سيرورة الترسخ، سيكون الحديث عن السلام الاجتماعي، في ظل ديمقراطية اجتماعية عادلة، نوع من الهذر والأحلام المستحيلة، في مثل هكذا مجتمع لن توجد لغة مشتركة وستكون للقيم معان مختلفة ونسبية عند مختلف مكونات المجتمع، وستنحر العدالة علي مذبح هذا الشرخ الاقتصادي/ الثقافي.
من أجل تجنب الانزلاق في جحيم ما يعرف بالكسر الاجتماعي علي أغنياء العرب أن يصبحوا مواطني الوطن لا مواطني المال الذي تنادي به بقوة ثقافة رأسمالية العولمة المتوحشة.