المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الراتب = زوجة + خادم + مسكن + سيارة



بويوسف
16-01-2008, 03:46 PM
د.يوسف بن أحمد القاسم - 07/01/1429هـ
-صحيفة الاقتصاد الالكترونية


لا يخفى على القارئ الكريم أن هناك ما يعرف في السياسة الدولية بالضربة العسكرية الاستباقية لغرض وأد عملية عسكرية يخطط لها بليل, وأن هناك ما يعرف بالتحرك الدبلوماسي الاستباقي لغرض إفشال سياسة معادية تطبخ تحت نار هادئة..إلخ, ويظهر أن بعض التجار لدينا أصبح عندهم هذا الحس السياسي؛ لكثرة ما يشاهدونه ويسمعونه في الفضائيات من هذا الحراك الدبلوماسي المستعر, فاستلهموه في تجارتهم, ووظفوه بما يخدم أطماعهم التي ليس لها حدود! وعلى سبيل المثال لا الحصر, فإن بعض التجار الموزعين للحديد حين نما إلى علمهم أن بعض الشركات الكبرى المنتجة للحديد تنوي- مجرد نية- رفع سعره مع مطلع هذا العام الهجري الجديد بما نسبته 15 في المائة, قاموا بتحرك استباقي عاجل, وذلك بعرض الحديد بسعره الجديد قبل أن يرفع من الشركة الأم! ليباغتوا الناس بالزيادة, من أجل الرفع من هامش الربح, وهكذا حصلوا على الزيادة بأثر رجعي!

حيث باعوا الحديد (المشترى بالسعر القديم) بقيمة السعر الجديد!! وبعضهم كان أكثر ذكاء (أو خبثاً لا أدري!) فاعتذر عن بيع ما لديه من حديد, بحجة أنه يقوم بعملية جرد نهاية العام - لفترة امتدت لأسابيع!- أو بحجة عدم وجود المقاس المطلوب من الحديد!! كما أخبرني بذلك غير واحد من العارفين بالسوق, والدافع لهذا النوع من المماطلة: هو أنه يتربص ارتفاع الأسعار؛ لئلا يقع في ورطة رفع السعر قبل الشركة المنتجة, فيقع في فخ اللوم والتقريع, وربما الصدود عنه وعن بضاعته مستقبلاً, وهكذا في سلسلة طويلة من الاحتيال المكشوف, ولا أدري أين حظ هؤلاء التجار من قول النبي صلى الله عليه وسلم:(رحم الله عبداً سمحاً إذا باع, سمحاً إذا اشترى) فأين هي السماحة؟ وهم يعلمون جيداً أن جل الناس يصرخون من ارتفاع الأسعار, ويجأرون إلى الله تعالى بالدعاء أن يخفف عنهم الغلاء الذي تسلل إلى أرصدتهم, فجعلها فارغة إلا من أصفار الشمال!

ولا أدري أين تكون البركة في بيع من كذب على زبائنه, واحتال عليهم؟ ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول عن المتبايعين:(فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما, وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما) فهل يريد التاجر أن يرجع إلى منزله أو قصره متأبطاً محق البركة, وانحسار الرزق, لا سمح الله!!

وهنا يتساءل كثيرون: أين دور وزارة التجارة من هذه الممارسات المكشوفة, والتي لا يحتاج الوقوف عليها إلى مزيد تعب أو عناء؟ لقد كنا نتطلع أن يقوموا بواجبهم قبل أن نفاجأ هذه الأيام بارتفاع الأسعار مرة أخرى.

ومع هذا التضخم الذي لحق بالريال فأنهكه, وأضعف قواه, ارتفعت أصوات كثير من المثقفين والمهتمين للمطالبة بزيادة الرواتب، لتتواكب مع هذه الزيادة المطردة في الأسعار, وأضم صوتي إلى هذه الأصوات، للمبررات المنطقية التي ذكروها, ولا أحب أن أكرر ما قاله بعض الكتاب في هذا الشأن, ومن هنا فإني أعتقد أن الزيادة ليست علاجاً مسكناً, بل هي مضاد حيوي, وفعال, ولكن متى وجدت الرقابة الصارمة على الأسعار بعد الزيادة, وبشكل مستمر؛ لئلا يفقد هذا العلاج المضاد قيمته, فتضعف المناعة, وتقوى الفيروسات على المقاومة, وحينئذ يعود المرض أقوى مما كان!!

لقد جاءت الإشارة في الحديث الشريف على أن أجرة العمل, وهي ما يسمى بالراتب في عصرنا الحاضر, ينبغي أن يغذي الحاجات الضرورية, وهي الزوجة, والخادم, والمسكن, والدابة- السيارة اليوم- كما في الحديث الذي أخرجه أحمد في مسنده عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من ولي لنا عملاً وليس له منزل فليتخذ منزلاً, أو ليست له زوجة فليتزوج, أو ليس له خادم فليتخذ خادماً, أو ليس له دابة فليتخذ دابة..) (صححه محقق المسند 29/543) ورواه بنحوه أبو داود في سننه, والحاكم في مستدركه, وقال"هذا حديث صحيح على شرط البخاري, ولم يخرجاه"أهـ وقد علق الإمام الخطابي في معالم السنن على هذا الحديث بقوله: "هذا يتأول على وجهين: أحدهما أنه إنما أباح له اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجر مثله, وليس له أن يرتفق بشيء سواها.

والوجه الآخر: إن للعامل السكنى والخدمة, فإن لم يكن له مسكن وخادم, استؤجر له من يخدمه, فيكفيه مهنة مثله, ويكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله"أهـ وهذا الحديث يشير إلى أنه ينبغي أن يكون الراتب محققاً للكفاية, وموفراً للحد الأدنى لتوفير الضروريات الأساسية لحاجات الفرد, وهي الحاجيات الأربع التي نص عليها هذا الحديث الشريف, والواقع أن متوسط رواتب العامة هذه الأيام لا تكاد تفي بمتطلبات استئجار المنزل مع نفقات المطعم والمشرب والملبس, فضلاً عن متطلبات بناء المنزل أو شرائه, وغيرها مما تمس إليه الحاجة, والله تعالى وحده الموفق والهادي.