@الشبح@
25-01-2008, 08:01 PM
عدالة توزيع الأرض
بقلم : د. علي محمد فخرو (كاتب ومفكر بحريني ) ..منذ عقود عدة كتب فيلسوف العلوم السياسية الأمريكي جون رولز كتابه الشهير المعنون نظرية العدالة ، ولم يكن الكتاب أساساً عن مفاهيم العدالة النظرية المجردة، والتي عالجها الكثيرون من المفكرين والفلاسفة القدماء، وإنما كان محاولة في فهم تطبيق العدالة في المجتمعات.
من هنا ركز الكاتب علي ما سمّاه عدالة التوزيع . والتوزيع، حسب تصوره، لا يشمل فقط الأشياء المادية الملموسة كالدّخل مثلاً، وإنما يشمل أشياء غير مادية من مثل الحرية والسلطة السياسية.
في دول مجلس التعاون الخليجي هناك نقص شديد في عدالة توزيع الحريات والسلطات السياسية، وهو أمر عالجه الكثيرون من خلال المناقشات المستفيضة حول الانتقال الي الديمقراطية. أما هذه المقالة فستركز علي مثال واحد من قصور عدالة التوزيع المادي، وهو مثال ظاهره التوزيع المجحف للأرض العامة المشاع في بلداننا.
فمنذ قيام الدولة الحديثة في الخليج العربي أصبحت الأراضي العامة المشاع تحت تصرَّف رأس الدولة مباشرة. وكانت تلك الأراضي توهب إلي الأفراد والمؤسسات لأسباب مختلفة، من بينها القرب والولاء لرأس الدولة ونظام الحكم. وكان أمراً طبيعياً أن ينال أفراد أسرة الحاكم قسطاً وافراً من الأرض الموهوبة، خصوصاً عندما كانت مداخيل الدولة البترولية محدودة وكان أولئك الأفراد لا يمارسون أية نشاطات تجارية أو اقتصادية تدرّ عليهم دخلاً يسمح لهم بالعيش ضمن معطيات مكانتهم الاجتماعية العالية.
لكن ذلك الوضع قد تغير تغيراً جذرياً في السنوات القليلة الماضية، فمن جهة ارتفعت عائدات البترول ارتفاعاً كبيراً ووصلت الي أرقام فلكية، وبالتالي أصبح من الممكن رفع المخصصات والعطايا والمساعدات للقريبين والأقرباء في النظام السياسي. ومن جهة ثانية دخل كل هؤلاء في قلب الحياة الاقتصادية كرجال أعمال وكمستثمرين وكفاعلين قياديين في مجالس إدارة الشركات والبنوك وغيرها. وكل ذلك بالطبع زاد من مداخيلهم.
تحت مثل تلك الظروف هل يجوز ان يبقي نظام توزيع الأرض العامة المشاع في صورته السابقة؟ دون أسس موضوعية اقتصادية واجتماعية تمس المجتمع، لن يفعل أكثر من أن يضيف الي ظاهرة الاستقطاب للثروات، فيزيد الأغنياء والموسرين غني ويسراً.
ثم إن فوائض الثروة البترولية، وقلة المشاريع الاقتصادية الإنتاجية، أدّي الي استثمار قسم كبير من هذه الفوائض في مضاربات عقارية جنونية، وهذا بدوره أدي الي ارتفاع كبير في أسعار الأراضي، الأمر الذي أوجد عقبات أمام المواطن العادي الذي أصبح غير قادر علي شراء أرض لبناء منزل سكني له ولعائلته.
وأصبحت الأرض التي توهب تباع الي الأغنياء والمغامرين وشركات السياحة الترفيهية المحلية والأجنبية، وهو أمر أدّي الي ظاهرة الاستقطاب في ملكية الأراضي، فأصبح لدينا من يملكون أراضي شاسعة ومن لا يملكون شبراً واحداً من أرض وطنهم.
نحن إذن أمام ظاهرة استقطاب مالي وعقاري بالغة الخطورة، إذ أنها لا يمكن إلاّ أن تحمل في المستقبل نذر هدم السلم الاجتماعي في هذه المجتمعات. وعليه لا بد من إعادة النظر في نظام الأرض العامة المشاع: ملكيتها، آلية توزيعها، وعدالة ذلك التوزيع وارتباطه بمصالح المجتمع وساكنيه.
لو أخذنا بلداً كاسكتلندا في بريطانيا، فإننا سنجد أن سلطة التاج هناك كانت تملك منذ قرن أربعين في المائة من الأرض العامة المشاع. لكن مع الوقت، وبتوزيع مستمر للأرض لمؤسسات عامة خدمية أو تعليمية أو إنتاجية ولمشاريع إسكانية كبري، تقلّصت تلك النسبة الي أربعة في المائة. القسم الأعظم من الأرض المشاع أصبحت تملكها مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع.
وبالطبع هناك أمثلة كثيرة يمكن الاستفادة من تجاربها، مطلوب الانتقال السريع الي نظام قانوني جديد يؤمّن عدالة توزيع ثروة الأرض ويقلل من فحش سوق المضاربات بها ويعطي الناس حقوقهم المادية في أوطانهم.
:anger2::weeping::court:
بقلم : د. علي محمد فخرو (كاتب ومفكر بحريني ) ..منذ عقود عدة كتب فيلسوف العلوم السياسية الأمريكي جون رولز كتابه الشهير المعنون نظرية العدالة ، ولم يكن الكتاب أساساً عن مفاهيم العدالة النظرية المجردة، والتي عالجها الكثيرون من المفكرين والفلاسفة القدماء، وإنما كان محاولة في فهم تطبيق العدالة في المجتمعات.
من هنا ركز الكاتب علي ما سمّاه عدالة التوزيع . والتوزيع، حسب تصوره، لا يشمل فقط الأشياء المادية الملموسة كالدّخل مثلاً، وإنما يشمل أشياء غير مادية من مثل الحرية والسلطة السياسية.
في دول مجلس التعاون الخليجي هناك نقص شديد في عدالة توزيع الحريات والسلطات السياسية، وهو أمر عالجه الكثيرون من خلال المناقشات المستفيضة حول الانتقال الي الديمقراطية. أما هذه المقالة فستركز علي مثال واحد من قصور عدالة التوزيع المادي، وهو مثال ظاهره التوزيع المجحف للأرض العامة المشاع في بلداننا.
فمنذ قيام الدولة الحديثة في الخليج العربي أصبحت الأراضي العامة المشاع تحت تصرَّف رأس الدولة مباشرة. وكانت تلك الأراضي توهب إلي الأفراد والمؤسسات لأسباب مختلفة، من بينها القرب والولاء لرأس الدولة ونظام الحكم. وكان أمراً طبيعياً أن ينال أفراد أسرة الحاكم قسطاً وافراً من الأرض الموهوبة، خصوصاً عندما كانت مداخيل الدولة البترولية محدودة وكان أولئك الأفراد لا يمارسون أية نشاطات تجارية أو اقتصادية تدرّ عليهم دخلاً يسمح لهم بالعيش ضمن معطيات مكانتهم الاجتماعية العالية.
لكن ذلك الوضع قد تغير تغيراً جذرياً في السنوات القليلة الماضية، فمن جهة ارتفعت عائدات البترول ارتفاعاً كبيراً ووصلت الي أرقام فلكية، وبالتالي أصبح من الممكن رفع المخصصات والعطايا والمساعدات للقريبين والأقرباء في النظام السياسي. ومن جهة ثانية دخل كل هؤلاء في قلب الحياة الاقتصادية كرجال أعمال وكمستثمرين وكفاعلين قياديين في مجالس إدارة الشركات والبنوك وغيرها. وكل ذلك بالطبع زاد من مداخيلهم.
تحت مثل تلك الظروف هل يجوز ان يبقي نظام توزيع الأرض العامة المشاع في صورته السابقة؟ دون أسس موضوعية اقتصادية واجتماعية تمس المجتمع، لن يفعل أكثر من أن يضيف الي ظاهرة الاستقطاب للثروات، فيزيد الأغنياء والموسرين غني ويسراً.
ثم إن فوائض الثروة البترولية، وقلة المشاريع الاقتصادية الإنتاجية، أدّي الي استثمار قسم كبير من هذه الفوائض في مضاربات عقارية جنونية، وهذا بدوره أدي الي ارتفاع كبير في أسعار الأراضي، الأمر الذي أوجد عقبات أمام المواطن العادي الذي أصبح غير قادر علي شراء أرض لبناء منزل سكني له ولعائلته.
وأصبحت الأرض التي توهب تباع الي الأغنياء والمغامرين وشركات السياحة الترفيهية المحلية والأجنبية، وهو أمر أدّي الي ظاهرة الاستقطاب في ملكية الأراضي، فأصبح لدينا من يملكون أراضي شاسعة ومن لا يملكون شبراً واحداً من أرض وطنهم.
نحن إذن أمام ظاهرة استقطاب مالي وعقاري بالغة الخطورة، إذ أنها لا يمكن إلاّ أن تحمل في المستقبل نذر هدم السلم الاجتماعي في هذه المجتمعات. وعليه لا بد من إعادة النظر في نظام الأرض العامة المشاع: ملكيتها، آلية توزيعها، وعدالة ذلك التوزيع وارتباطه بمصالح المجتمع وساكنيه.
لو أخذنا بلداً كاسكتلندا في بريطانيا، فإننا سنجد أن سلطة التاج هناك كانت تملك منذ قرن أربعين في المائة من الأرض العامة المشاع. لكن مع الوقت، وبتوزيع مستمر للأرض لمؤسسات عامة خدمية أو تعليمية أو إنتاجية ولمشاريع إسكانية كبري، تقلّصت تلك النسبة الي أربعة في المائة. القسم الأعظم من الأرض المشاع أصبحت تملكها مؤسسات الدولة وأفراد المجتمع.
وبالطبع هناك أمثلة كثيرة يمكن الاستفادة من تجاربها، مطلوب الانتقال السريع الي نظام قانوني جديد يؤمّن عدالة توزيع ثروة الأرض ويقلل من فحش سوق المضاربات بها ويعطي الناس حقوقهم المادية في أوطانهم.
:anger2::weeping::court: