المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أجل الصعود بالمؤشر



المــستشار
29-01-2008, 09:22 AM
من أجل الصعود بالمؤشر

http://www.aleqt.com/admpic/417.jpg

د.يوسف بن أحمد القاسم

قديماً قيل:

"السنبلة الفارغة ترفع رأسها في الحقل, وإن الممتلئة بالقمح تخفضه, فلا يتواضع إلا كبير, ولا يتكبر إلا حقير!"

ولو أدركت صاحب هذه المقولة لقبلت رأسه الممتلئ علماً وحكمة, لقد رسم المثال بدقة, ورصد الواقع كما هو دون تزويق, فما أقل الرؤوس الممتلئة, وما أكثر الرؤوس الفارغة في عصرنا الحاضر! نعم إنها رؤوس فارغة من كل شيء إلا من الكبر والتعالي على خلق الله, ففازت بالحقارة في الدنيا, وظفرت بالوعيد في الآخرة,

أما تلك الرؤوس الممتلئة علماً وخشية لله تعالى, فانخفضت تواضعاً لله, وذلاً له ولعباده المؤمنين (أذلة على المؤمنين), فما زادها الله إلا عزة ورفعة في الدنيا, ونعيماً في الآخرة بإذن الله تعالى, فهنيئاً لأصحاب الرؤوس الممتلئة والنفوس المتواضعة, وتباً لأصحاب الرؤوس الفارغة والنفوس المتكبرة.

إنك لتعجب أشد العجب حين ترى من يترفع على والديه, ومن كان سبباً في وصول النعمة إليه, أو يتكبر ويتجبر على زوجه وأم أولاده, وربما كان مع هذا بخيلاً, عنيفاً, سيئ الخلق, حتى أصبح حاله كزوج تلك المرأة التي نعت نفسها, حين وصفت زوجها المتغطرس بأنه لحم جمل غث على رأس جبل وعر, لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل, فهي على الأرض, وزوجها يرمقها بعينه من أعلى القمة, فلا ينظر إليها إلا شزراً, ولا يضاحكها إلا دهراً, يزهو بنفسه, ويسمو بها فوق موضعها! فما أنغص العيش معه, وما أبغض العشرة مع من هذا ديدنه وهجيراه, ولو كان كبيراً في قومه, أو عظيماً في جاهه! ويزيد العيش تنغيصاً وبغضا حين يكون هذا الزوج ـ ذو الرأس الفارغ ـ ممن يتظاهر بالدين, أو يتشدق بالعلم! وهو أبعد ما يكون عنهما.

ومن مشاهير الرؤوس الفارغة: من يشمخ بأنفه؛ ويترفع بجاهه؛ لكونه وزيراً في وزارة, أو مديراًً في دائرة, أو وكيلاً في وكالة, أو قاضياً في قضاء, أو أستاذاً في جامعة..., وما يترفع بعض أصحاب هذه الكراسي إلا لأنهم ارتفعوا بين الناس بكراسيهم, ولو أزيحوا عنها لسقطوا في هامش الحياة غير مأسوف عليهم! أما من ارتفع بين الناس بتواضعه, وكرم نفسه, وحسن خلقه, فهذا أرفع من أرجل كرسيه الذي يجلس عليه, ولهذا لا يزحزحه الكرسي عن مكانته في قلوب الناس ولو نأى من كرسيه, أو حل عنه, فاختر لنفسك أيهما شئت: احترام الناس لذاتك, أو لكرسيك؟ وإجلالهم لمقامك, أو لمقام كرسيك؟

وليسمح لي أصحاب الكراسي بأنواعها وأحجامها, أن أتقدم لهم بهذا الرأي المقترح: أرى أن يقوموا بكسر حاجز الكلفة بينهم وبين موظفيهم ومراجعيهم ما أمكن, وأن يزيلوا هاجس الرهبة من نفوسهم, وذلك برفع سقف التواضع, وتوسيع هامش الابتسامة, والنهوض بمستوى الأداء الخلقي, من أجل الصعود بمؤشر المحبة والمودة إلى أعلى نسبة ممكنة, وبذلك تسترد النفس عافيتها, ويرتفع رصيد المؤمن من الحسنات أحوج ما يكون إليها في الآخرة.