المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آراء وتحليلات ....مواجهة التضخم في قطر



سيف قطر
10-02-2008, 06:34 AM
آراء وتحليلات ....مواجهة التضخم في قطر
| تاريخ النشر:يوم الأحد ,10 فبراير 2008 12:18 أ.م.



د.جاسم حسين

محلل اقتصادي وعضو اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب في البحرين

jasim.husain@gmail.com




أصبحت قضية الغلاء أو التضخم (أي ارتفاع الأسعار وبقاءها مرتفعة) ظاهرة في قطر. فحسب تقرير حديث صادر عن مؤسسة (ميريل لينش) المتخصصة في مجال الاستثمارات، من المتوقع أن يبلغ متوسط التضخم في قطر14.5 في المائة مع نهاية العام الجاري مقارنة مع 14 في المئة في العام 2007.

وكرد فعل لمحاربة التضخم قررت السلطات القطرية تحديد ارتفاع قيمة الإيجارات بواقع10 في المائة سنويا كحد أقصى ابتداء من عام 2006، وقد تم اتخاذ الخطوة للحد من قيام أصحاب الأملاك بإجراء زيادة دورية أو غير عادية على الإيجارات.


معضلة الإيجارات والعقارات

بيد أنه لم تظهر مؤشرات على نجاح هذه السياسة ربما بسبب قوة الطلب. وذهب تقرير لوحدة البحوث الاقتصادية التابعة لمجموعة (الإيكونومست) البريطانية إلى حد الزعم بأن سياسة وضع حد أعلى لزيادة الإيجارات لم تفلح وذلك على خلفية استمرار توافد الأجانب إلى قطر مستفيدين من الطفرة الاقتصادية في البلاد. كما واجهت سياسة الحد من الزيادة السنوية في إيجار العقارات تعقيدات تمثلت في رغبة بعض أصحاب الأملاك في الالتفاف حول القانون فضلا عن استعداد بعض المستأجرين لدفع أسعار أعلى بسبب مشاكل متعلقة بالعرض وخصوصا في المناطق المرغوبة أكثر من غيرها.

يساهم ارتفاع أسعار العقار بشكل نوعي في استمرار ظاهرة الغلاء في الاقتصاد القطري. فقد كشف تقرير منشور في مجلة (ميد) بأن مستوى التضخم في قطر بلغ 14.81 في المائة في شهر مارس من عام 2007، وحسب التقرير فقد ارتفعت أسعار الإيجارات وكلفة السكن بنحو 29 في المائة في الشهر نفسه الأمر الذي ساهم في تسجيل هذا الرقم الكبير نسبيا في مؤشر الغلاء. تعتبر أسعار العقارات أحد المتغيرات الرئيسية لمشكلة الغلاء في قطر وهي حقيقة لا يمكن إنكارها ألبتة.


نمو اقتصادي متميز

يمتاز الاقتصاد القطري بسرعة النمو، بل يعد واحدا من أكثر الاقتصادات العالمية تسجيلا للنمو. تتوقع مجموعة (الإيكونومست) البريطانية أن يرتفع النمو الحقيقي (أي المعدل لعامل التضخم) للناتج المحلي الإجمالي لقطر من 7.8 في المائة في عام2007 إلى9.3 في المائة في عام 2008. كما من المنتظر أن ترتفع نسبة النمو الاقتصادي الحقيقي إلى12.4 في المائة في العام2009 لعدة أسباب منها التطورات السريعة في قطاع الغاز.

تعتبر قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم وهي في طريقها لتصبح أكبر مصدر غاز (بكل أنواعه) في العالم في عام 2010، وكانت قطر قد فتحت صناعة الغاز قبل عدة سنوات أمام الشركات النفطية العالمية والتي بدورها نجحت في تطوير القطاع النفطي برمته. كما تساهم بعض القطاعات الأخرى وخصوصا الصناعة فضلا عن الضيافة في تسجيل تسريع وتيرة النمو الاقتصادي في البلاد.


امتصاص السيولة

من جهة أخرى، نقلت مجلة (ميد) عن وزير المالية يوسف حسين كمال قوله بأن السلطات القطرية تدرس سبل أخرى للحد من ارتفاع التضخم بما في ذلك بيع السندات لغرض امتصاص السيولة إضافة إلى تشديد القيود على زيادة الإيجارات فضلا عن فرض قيود على الأسعار. بدورها حذرت مجموعة (الإيكونومست) من خطر وضع قيود على الأسعار لما لذلك من تأثير سلبي على النشاط التجاري في البلاد. ربما تتسبب الخطوة في تحاشي المؤسسات بالاحتفاظ بكمية من المواد المطلوبة في المخازن الأمر الذي قد ينال من الكميات المتوافرة في السوق.

بدورنا نعتقد بأنه ليس من السهل التعامل مع ظاهرة التضخم في هذه الفترة التاريخية نظرا لارتباط الاقتصاد القطري بالتطورات في الدول الأخرى. المعروف بأن الريال القطري مرتبط بالدولار الأمريكي بقرار سيادي من السلطات القطرية ما يعني المطلوب من استيراد معدلات الفائدة السائدة في الولايات المتحدة. وكان بنك الاحتياط الفدرالي الأمريكي قد قرر في الأسابيع القليلة الماضية تخفيض قيمة الفائدة بواقع 75 نقطة و50 نقطة أخرى تخوفا من حدوث تراجع اقتصادي في الولايات المتحدة. بمقدور الاقتصاد الأمريكي الذي يحتل المرتبة الأولى في العالم بلا منازع التكيف مع موضوع معدلات الفائدة لكن الأمر لا ينطبق بالضرورة على الاقتصادات الصغيرة.

بدورها قررت السلطات المالية في قطر تخفيض معدلات الفائدة ما يعني توافر المزيد من السيولة حيث إن مصلحة المستثمرين تقتضي عدم إيداع الأموال في المصارف نظرا لتراجع العائد. الشيء المؤكد هو أن توافر المزيد من الأموال في السوق يعني فيما يعني تعزيز ظاهرة الغلاء لأسباب بسيطة منها عمليات الشراء أو الاستثمار في العقارات.


شكرا للحكومة

يبقى أن ما يميز قطر عن بعض الدول الأخرى في المنطقة هو استعداد حكومتها لمساعدة مواطنيها في التكيف مع ظاهرة الغلاء بدليل زيادة الرواتب في عام2007 بنسبة40 في المائة. كما يدفع المواطن القطري مبلغا رمزيا لتعرفة الكهرباء فضلا عن الهاتف الثابت. كما أن قرب القيادة السياسية القطرية من الناس وتواجدهم في الأماكن العامة والحديث إلى العامة أمور تساهم في تحسس المسؤولين للهموم المعيشية للناس بشكل مستمر. حديثا سمعت إشادة من بعض الباحثين الاقتصاديين الغربيين مفادها استعداد السلطات القطرية لنشر إحصاءات التضخم الأمر الذي يساهم في تعزيز مفهوم الشفافية وبكل تأكيد مصداقية الأرقام المنشورة والخطوات التي يتم اتخاذها لمعالجة تداعيات الأزمة.

ختاما يعد التضخم أكبر عدو لأي اقتصاد بل أكثر سوءاً من البطالة. ومرد ذلك أن التضخم يضر الجميع، حيث ترتفع الأسعار بالنسبة للفقير والتاجر (أكثر ضررا على الفقير من الناحية النسبية) لكن لا ينطبق الأمر نفسه بالضرورة على البطالة حيث يتركز الضرر على العاطلين والقريبين منهم. وعليه المطلوب من السلطات العمل بلا كلل أو ملل لمحاربة ظاهرة التضخم والتي بدورها تعتبر عدو الجميع.