FG
10-02-2008, 07:21 AM
ديرك مولر الوسيط المالي في مؤشر «داكس» الألماني الذي صورته «نيويورك تايمز» و«فايننشال تايمز» و«التايمز» يروي لـ «الشرق الأوسط» لماذا يشبه سائق سيارات؟
http://www.asharqalawsat.com/2008/02/08/images/hassad1.457506.jpg
لندن: ناصر التميمي
مع الاضطرابات والتقلبات التي اجتاحت أسواق المال والبورصات العالمية أخيرا سقط مئات الألوف، إن لم يكن الملايين من الضحايا، سواء من الأفراد العاديين أو الشركات أو حتى البنوك الكبرى، نتيجة تبخر تريليونات الدولارات من القيمة الاسمية لأسواق الأسهم في جميع إنحاء العالم. ومثلما يقول المثل المعروف «المصائب تجلب معها كذلك فرصا ثمينة»، فقد جلبت الأزمة المالية الأخيرة معها فرصة تاريخية لأحد الوسطاء الماليين القابع في احد زوايا بورصة فرانكفورت في ألمانيا لتصنع منه نجما إعلاميا عالميا، وهو ديرك مولر، الوسيط المالي الذي يعمل في سوق فرانكفورت للأوراق المالية. لم يشتهر مولر بسبب حنكته التجارية أو تسجيله خسائر جسيمة، ولكن لأن تعابير وجهه تعكس ما يحدث بالسوق تماما. فوجه مولر، 39 سنة، عكس الحالة النفسية للعالم مع الهبوط الحاد بسوق الأسهم، وذلك بشكل معبر وإنساني. صفحات الأعمال والاقتصاد ونشرات الأسهم في وكالات الإنباء والصحف والمجلات العالمية، التي لقبت مولر باسم «مستر داكس» في اشارة الى مؤشر داكس للأسهم الألمانية، نقلت وجه مولر وعليه اثار القلق والخوف والحسرة والترقب. فعندما تتراجع السوق، يضع مولر رأسه بين يديه، ويبدأ بفرك عينيه، ويقوم بتثليم حاجبه ورفع رأسه إلى الأعلى. وعندما يرتفع مؤشر الأسهم يقفز عاليا ويصرخ من شدة الفرح، أو يرفع اصبع الإبهام تعبيرا عن الرضى. لكن ديرك مولر ليس فقط مجرد وجه معروف للتصوير، فهو أيضا محلل بارع، فمنذ الصيف الماضي وهو يحذر من حركة تصحيح قوية في السوق، حيث كان يتوقع انخفاضا كبيرا في البورصات العالمية. كما انه لا يزال حتى هذه اللحظة متشائما نوعا ما من أداء بعض الأسواق. وربما كان محقا في استنتاجاته، فإذا كان البعض يعتقد ان الوقت أصبح مناسبا للدخول إلى أسواق الأسهم نتيجة تراجع الأسعار، فعليه التفكير مرة أخرى، خصوصا في ظل توقعات ان الأمور قد تزداد سوءا. أصبح ذلك الوسيط المالي الألماني الذي يعمل لدى «بروكر هاوس آي.سي أف» معروفا لقراء الصحف في جميع أنحاء العالم من مونتريال بكندا وصولا إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية في نيوزيلندا، اذ احتل وجه «مستر داكس» في الأسبوع الأسود التي هز البورصات الدولية، الصفحات الأولى لصحف «نيويورك تايمز» الاميركية و«فايننشال تايمز» البريطانية، و«انترناشونال هيرالد تريبيون» الاميركية و«التايمز» اللندنية، و«ذي ريبوبليك» الايطالية، و«هانديلزبلات» الألمانية و«ليبراسيون» الفرنسية، وغيرها من الصحف الدولية الأخرى. الوجه الوحيد الذي نافس مولر في الصحف خلال اسبوع الازمة كان وجه الوسيط الفرنسي جيروم كيرفيل الذي يقول بنك «سوسيتيه جنرال» الفرنسي انه كبده خسائر مالية في الأسواق المالية بأكثر من7 مليارات دولار واعتبرت اكبر فضيحة مالية في التاريخ.
مولر كان مندهشا بهذا الصعود والنجومية السريعة، وخصوصا عندما قرأ احدى الصحف العالمية والتي وصفته «بأنه شاب لطيف مثل الدب القطبي الذي يجعل الزوار يتدفقون إلى حديقة حيوان برلين لرؤيته». المفارقة ان مولر يحمل اسما مشابها تماما لاسم بطل سباقات السيارات والسائق العالمي الشهير الألماني دريك مولر الذي فاز بسباقات عالمية معروفة ومن ضمنها سباق «الفورميولا ون». وقال مولر لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من فرانكفورت بنبرة ضاحكة وربما بفخر «طبيعة عملي لا تختلف عن السائق المعروف مولر فكلانا يحتاج إلى اليقظة والتركيز والسرعة والخبرة لأن الأمر لا يحتمل الخطأ، رغم ان القيادة بكل تأكيد تحمل مخاطر على الحياة أو احتمال التعرض للخطر إذا حصل حادث لا قدر الله».
شركة «بروكر هاوس آي سي إف» التي يعمل بها مولر تأسست في نوفمبر (تشرين الثاني) 1997، من قبل 11 سمسارا رسميا في بورصة فرانكفورت، ويعمل بها حاليا نحو 100 موظف، وتهدف إلى توفير خدمات متطورة في مجال الأوراق المالية، مثل الأسهم والسندات وهيكلة المنتجات والمشتريات الدولية والوطنية للعملاء، فضلا عن وضع وتنفيذ مكان اتجاه السوق نماذج وحلول تكنولوجيا المعلومات.
ويتابع مولر «عندما بدأت العمل عام 1998 في مؤسسة «بروكر هاوس آي سي إف» كانت صور الشاشة الكبيرة وقاعة التداول قد أصبحتا مملتين للمصورين والصحافيين وكانوا يبحثون عن وجه يعكس حالة السوق بطريقة إنسانية وقريبة من مشاعر الناس. كنت أتصرف بطريقتي العفوية فلاحظ احد المصورين ذلك، ومنذ ذلك الحين كانت صوري تظهر بين الفينة والأخرى».
لكن هل يشعر زملاؤه بالغيرة؟ يرد مولر بدون تردد «إنهم يفكرون بنفس الطريقة التي أفكر بها ويعتبرون الأمر مسليا ومضحكا في آن. إنهم لا يشعرون بالغيرة نهائيا».
وشأنه شأن زملائه في العمل، كان مولر يتوقع منذ فترة أيضا حركة تصويب حادة في الأسواق. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المشاكل التي ناقشناها على مدى نصف العام الأخير يمكننا رؤية آثارها تحدث الآن. حصة كبيرة من الخسائر جاءت من المضاربة من جانب وسيط واحد في سوسيتيه جنرال. وبدونه ربما لم تكن الازمة لتكون قوية أو طويلة بهذا الشكل. لكن على أية حال ثمة أزمة هيكلية في الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي». ويتفهم مولر ان عمله وعمل المضاربين او المتعاملين في البورصة عموما قد لا يكون مفهوما بشكل واضح للكثيرين. ويتابع «بالنسبة لمعظم الناس، فان سوق الأسهم لا تزال مبهمة، مكانا مزدحما جدا بالحواسيب، وتتحرك فيه مبالغ كبيرة من المال، كما تحدث هناك أشياء غريبة.. لكني أحاول ان أضع الأمور في عبارات بسيطة. بصراحة أنا لا أتصنع الأمور وأعتبر الأمر برمته مسليا، إنها تعابير وجهي الحقيقية، وكل ما افعله هو ان وجهي يمنح حالة السوق ولغة الأرقام بعدا إنسانيا». ومن خبرته في السوق يؤمن مولر، ان قول الحقيقة هو طريق النجاة. ويضيف «إذا عطست الولايات فان اوروبا ستصاب بالأنفلونزا. عندما يقول الناس ان اوروبا سوف تتأقلم مع الوضع وتخرج سالمة من الأزمة الحالية فان اقل ما يقال عن ذلك بأنه كلام ساذج. صحيح إننا ينبغي ان نتجنب نشر الذعر والهلع، لكني أؤمن ان عدم قول الحقيقة هو اشد خطورة من الهلع والذعر نفسه».
تعتبر مهنة الوسيط المالي أو سمسار الأسهم مهنة حساسة ومرهقة جدا، ولكنها في العديد من الأحيان مربحة وعوائدها مجزية للغاية. فالوسيط أو السمسار الجيد يستطيع ربح الملايين للمؤسسة التي يعمل لديها، ويضمن لنفسه مكافأة كبيرة قد تصل إلى ملايين الدولار مع نهاية كل عام. وسمسار أو وسيط الأسهم هو شخص مؤهل ومهني ومعترف به قانونيا، وحاصل على شهادة من السلطات المعينة في البلد التي يعمل فيها. وهو يقوم ببيع وشراء الأسهم من خلال صناع السوق لصالح المستثمرين.
ولفهم طبيعة الوسيط أو السمسار الذي يتاجر بالسهم يمكن القول ان هؤلاء يستخدمون أموال المؤسسات التي يعملون فيها من اجل القيام بعمليات شراء عند سعر معين من اجل الربح من خلال اتخاذ ما يسمى (takes positions)، وهي النقطة التي يعتقدون ان المنتج سيصل إليها خلال فترة معينة من الزمن، أو من خلال المتاجرة بأسلوب (دلتا ون Delta one)، حيث تقوم المؤسسات المالية والبنوك الاستثمارية بتوظيف أموال العملاء بالأسواق مقابل نسبة معينة.
ومن المصطلحات الدارجة في هذا المجال ما يسمى بالعقود الآجلة حيث يتعهد الوسيط بالشراء أو البيع عند سعر معين وفي وقت معين. ولنفترض على سبيل المثال ان وسيطا يعمل بالمضاربة على عقود النفط ويعتقد ان الأسعار سترتفع مثلا من 90 إلى 120 دولارا، فانه يوقع عقودا بشراء النفط على سعر 90 دولارا بعد 3 اشهر. وفي حال ارتفع سعر النفط فانه يربح الفارق، ولكن في حال تراجعت أسعار النفط فانه يدفع الفارق. وكلما كان التراجع كبيرا كلما كان الوسيط في مأزق أكبر. وفي ظل تقلبات السوق المستمرة فان الوسيط أو السمسار يمكنه ان يرى استثماراته تتبخر خلال وقت قصير.
وتتفرع الشركات والبنوك أو المؤسسات التي تتاجر بالأسهم إلى قسمين، المكتب الأمامي وهو الذي «يواجه العملاء» ويشمل الموظفين والوسطاء الذين يتاجرون بالأسهم. بينما يختص «المكتب الخلفي» بضمان قيام الوسطاء بعملياتهم ضمن قوانين البنك وبدون تحمل مخاطر كبيرة، فضلاء على تسجيل حسابات النشاط اليومي. إلا أن طريق هذه المهنة ليس حافلا بالورود، فحركة واحدة خاطئة، يمكن ان تتبخر معها جميع الأرباح وتتدمر معها سمعة الوسيط والمؤسسة التي يعمل فيها. فبعد الفضيحة التي لحقت ببنك سوسيتيه جنرال الفرنسي وتقديمه شكوى قانونية ضد جيروم كيرفيل، متهما إياه بالنصب والتسبب في خسارة البنك مبلغ 7.1 مليار دولار، أصبح واضحا ان أسواق المال تحمل داخل أحشائها مخاطر جسيمة على العاملين والمستثمرين فيها على حد سواء، أو الشركات التي تعمل داخلها أو حتى النظام المالي المحلي والعالمي.
ونتيجة معرفته الجيدة بالسوق والأعباء والخبايا التي تدور، فان مولر لا يجد حرجا بالتعليق على فضيحة بنك «سوسيتيه جنرال» على الرغم من ان تلك الفضيحة قد وضعت سمعة المتعاملين بالبورصات العالمية على المحك، كما أنه لا يجد حرجا للدفاع عن «زميل المهنة» الفرنسي جيروم كيرفيل «الذي تمت إدانته قبل ان يصدر الحكم عليه». وقال مولر لوكالة الصحافة الفرنسية: «انه لا يزال شابا (يقصد جيروم كيرفيل)، تحمل قدرا كبيرا من المسؤولية، وكانت لديه فرصة لكسب الكثير من المال مع المنتجات المالية التي لا علاقة لها بالاستثمار الجاد. لا يحق لأحد إلقاء اللوم عليه وحده بكل ما حصل، ولكن النظام المالي، الذي يشبه أحيانا القمار في الكازينو، لم يعد لديه الكثير من العوامل المشتركة مع الاقتصاد الحقيقي». وإذا قال مولر ذلك، فان الواحد منا ينبغي بشكل أو آخر ان يصدقه، فقد تلقى درسا قاسيا ذات مرة من سوق الأسهم في مرحلة مبكرة من عمله ادت لخسارته خسارة كبيرة.
http://www.asharqalawsat.com/2008/02/08/images/hassad1.457506.jpg
لندن: ناصر التميمي
مع الاضطرابات والتقلبات التي اجتاحت أسواق المال والبورصات العالمية أخيرا سقط مئات الألوف، إن لم يكن الملايين من الضحايا، سواء من الأفراد العاديين أو الشركات أو حتى البنوك الكبرى، نتيجة تبخر تريليونات الدولارات من القيمة الاسمية لأسواق الأسهم في جميع إنحاء العالم. ومثلما يقول المثل المعروف «المصائب تجلب معها كذلك فرصا ثمينة»، فقد جلبت الأزمة المالية الأخيرة معها فرصة تاريخية لأحد الوسطاء الماليين القابع في احد زوايا بورصة فرانكفورت في ألمانيا لتصنع منه نجما إعلاميا عالميا، وهو ديرك مولر، الوسيط المالي الذي يعمل في سوق فرانكفورت للأوراق المالية. لم يشتهر مولر بسبب حنكته التجارية أو تسجيله خسائر جسيمة، ولكن لأن تعابير وجهه تعكس ما يحدث بالسوق تماما. فوجه مولر، 39 سنة، عكس الحالة النفسية للعالم مع الهبوط الحاد بسوق الأسهم، وذلك بشكل معبر وإنساني. صفحات الأعمال والاقتصاد ونشرات الأسهم في وكالات الإنباء والصحف والمجلات العالمية، التي لقبت مولر باسم «مستر داكس» في اشارة الى مؤشر داكس للأسهم الألمانية، نقلت وجه مولر وعليه اثار القلق والخوف والحسرة والترقب. فعندما تتراجع السوق، يضع مولر رأسه بين يديه، ويبدأ بفرك عينيه، ويقوم بتثليم حاجبه ورفع رأسه إلى الأعلى. وعندما يرتفع مؤشر الأسهم يقفز عاليا ويصرخ من شدة الفرح، أو يرفع اصبع الإبهام تعبيرا عن الرضى. لكن ديرك مولر ليس فقط مجرد وجه معروف للتصوير، فهو أيضا محلل بارع، فمنذ الصيف الماضي وهو يحذر من حركة تصحيح قوية في السوق، حيث كان يتوقع انخفاضا كبيرا في البورصات العالمية. كما انه لا يزال حتى هذه اللحظة متشائما نوعا ما من أداء بعض الأسواق. وربما كان محقا في استنتاجاته، فإذا كان البعض يعتقد ان الوقت أصبح مناسبا للدخول إلى أسواق الأسهم نتيجة تراجع الأسعار، فعليه التفكير مرة أخرى، خصوصا في ظل توقعات ان الأمور قد تزداد سوءا. أصبح ذلك الوسيط المالي الألماني الذي يعمل لدى «بروكر هاوس آي.سي أف» معروفا لقراء الصحف في جميع أنحاء العالم من مونتريال بكندا وصولا إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية في نيوزيلندا، اذ احتل وجه «مستر داكس» في الأسبوع الأسود التي هز البورصات الدولية، الصفحات الأولى لصحف «نيويورك تايمز» الاميركية و«فايننشال تايمز» البريطانية، و«انترناشونال هيرالد تريبيون» الاميركية و«التايمز» اللندنية، و«ذي ريبوبليك» الايطالية، و«هانديلزبلات» الألمانية و«ليبراسيون» الفرنسية، وغيرها من الصحف الدولية الأخرى. الوجه الوحيد الذي نافس مولر في الصحف خلال اسبوع الازمة كان وجه الوسيط الفرنسي جيروم كيرفيل الذي يقول بنك «سوسيتيه جنرال» الفرنسي انه كبده خسائر مالية في الأسواق المالية بأكثر من7 مليارات دولار واعتبرت اكبر فضيحة مالية في التاريخ.
مولر كان مندهشا بهذا الصعود والنجومية السريعة، وخصوصا عندما قرأ احدى الصحف العالمية والتي وصفته «بأنه شاب لطيف مثل الدب القطبي الذي يجعل الزوار يتدفقون إلى حديقة حيوان برلين لرؤيته». المفارقة ان مولر يحمل اسما مشابها تماما لاسم بطل سباقات السيارات والسائق العالمي الشهير الألماني دريك مولر الذي فاز بسباقات عالمية معروفة ومن ضمنها سباق «الفورميولا ون». وقال مولر لـ«الشرق الأوسط»، عبر الهاتف من فرانكفورت بنبرة ضاحكة وربما بفخر «طبيعة عملي لا تختلف عن السائق المعروف مولر فكلانا يحتاج إلى اليقظة والتركيز والسرعة والخبرة لأن الأمر لا يحتمل الخطأ، رغم ان القيادة بكل تأكيد تحمل مخاطر على الحياة أو احتمال التعرض للخطر إذا حصل حادث لا قدر الله».
شركة «بروكر هاوس آي سي إف» التي يعمل بها مولر تأسست في نوفمبر (تشرين الثاني) 1997، من قبل 11 سمسارا رسميا في بورصة فرانكفورت، ويعمل بها حاليا نحو 100 موظف، وتهدف إلى توفير خدمات متطورة في مجال الأوراق المالية، مثل الأسهم والسندات وهيكلة المنتجات والمشتريات الدولية والوطنية للعملاء، فضلا عن وضع وتنفيذ مكان اتجاه السوق نماذج وحلول تكنولوجيا المعلومات.
ويتابع مولر «عندما بدأت العمل عام 1998 في مؤسسة «بروكر هاوس آي سي إف» كانت صور الشاشة الكبيرة وقاعة التداول قد أصبحتا مملتين للمصورين والصحافيين وكانوا يبحثون عن وجه يعكس حالة السوق بطريقة إنسانية وقريبة من مشاعر الناس. كنت أتصرف بطريقتي العفوية فلاحظ احد المصورين ذلك، ومنذ ذلك الحين كانت صوري تظهر بين الفينة والأخرى».
لكن هل يشعر زملاؤه بالغيرة؟ يرد مولر بدون تردد «إنهم يفكرون بنفس الطريقة التي أفكر بها ويعتبرون الأمر مسليا ومضحكا في آن. إنهم لا يشعرون بالغيرة نهائيا».
وشأنه شأن زملائه في العمل، كان مولر يتوقع منذ فترة أيضا حركة تصويب حادة في الأسواق. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «المشاكل التي ناقشناها على مدى نصف العام الأخير يمكننا رؤية آثارها تحدث الآن. حصة كبيرة من الخسائر جاءت من المضاربة من جانب وسيط واحد في سوسيتيه جنرال. وبدونه ربما لم تكن الازمة لتكون قوية أو طويلة بهذا الشكل. لكن على أية حال ثمة أزمة هيكلية في الولايات المتحدة والاقتصاد العالمي». ويتفهم مولر ان عمله وعمل المضاربين او المتعاملين في البورصة عموما قد لا يكون مفهوما بشكل واضح للكثيرين. ويتابع «بالنسبة لمعظم الناس، فان سوق الأسهم لا تزال مبهمة، مكانا مزدحما جدا بالحواسيب، وتتحرك فيه مبالغ كبيرة من المال، كما تحدث هناك أشياء غريبة.. لكني أحاول ان أضع الأمور في عبارات بسيطة. بصراحة أنا لا أتصنع الأمور وأعتبر الأمر برمته مسليا، إنها تعابير وجهي الحقيقية، وكل ما افعله هو ان وجهي يمنح حالة السوق ولغة الأرقام بعدا إنسانيا». ومن خبرته في السوق يؤمن مولر، ان قول الحقيقة هو طريق النجاة. ويضيف «إذا عطست الولايات فان اوروبا ستصاب بالأنفلونزا. عندما يقول الناس ان اوروبا سوف تتأقلم مع الوضع وتخرج سالمة من الأزمة الحالية فان اقل ما يقال عن ذلك بأنه كلام ساذج. صحيح إننا ينبغي ان نتجنب نشر الذعر والهلع، لكني أؤمن ان عدم قول الحقيقة هو اشد خطورة من الهلع والذعر نفسه».
تعتبر مهنة الوسيط المالي أو سمسار الأسهم مهنة حساسة ومرهقة جدا، ولكنها في العديد من الأحيان مربحة وعوائدها مجزية للغاية. فالوسيط أو السمسار الجيد يستطيع ربح الملايين للمؤسسة التي يعمل لديها، ويضمن لنفسه مكافأة كبيرة قد تصل إلى ملايين الدولار مع نهاية كل عام. وسمسار أو وسيط الأسهم هو شخص مؤهل ومهني ومعترف به قانونيا، وحاصل على شهادة من السلطات المعينة في البلد التي يعمل فيها. وهو يقوم ببيع وشراء الأسهم من خلال صناع السوق لصالح المستثمرين.
ولفهم طبيعة الوسيط أو السمسار الذي يتاجر بالسهم يمكن القول ان هؤلاء يستخدمون أموال المؤسسات التي يعملون فيها من اجل القيام بعمليات شراء عند سعر معين من اجل الربح من خلال اتخاذ ما يسمى (takes positions)، وهي النقطة التي يعتقدون ان المنتج سيصل إليها خلال فترة معينة من الزمن، أو من خلال المتاجرة بأسلوب (دلتا ون Delta one)، حيث تقوم المؤسسات المالية والبنوك الاستثمارية بتوظيف أموال العملاء بالأسواق مقابل نسبة معينة.
ومن المصطلحات الدارجة في هذا المجال ما يسمى بالعقود الآجلة حيث يتعهد الوسيط بالشراء أو البيع عند سعر معين وفي وقت معين. ولنفترض على سبيل المثال ان وسيطا يعمل بالمضاربة على عقود النفط ويعتقد ان الأسعار سترتفع مثلا من 90 إلى 120 دولارا، فانه يوقع عقودا بشراء النفط على سعر 90 دولارا بعد 3 اشهر. وفي حال ارتفع سعر النفط فانه يربح الفارق، ولكن في حال تراجعت أسعار النفط فانه يدفع الفارق. وكلما كان التراجع كبيرا كلما كان الوسيط في مأزق أكبر. وفي ظل تقلبات السوق المستمرة فان الوسيط أو السمسار يمكنه ان يرى استثماراته تتبخر خلال وقت قصير.
وتتفرع الشركات والبنوك أو المؤسسات التي تتاجر بالأسهم إلى قسمين، المكتب الأمامي وهو الذي «يواجه العملاء» ويشمل الموظفين والوسطاء الذين يتاجرون بالأسهم. بينما يختص «المكتب الخلفي» بضمان قيام الوسطاء بعملياتهم ضمن قوانين البنك وبدون تحمل مخاطر كبيرة، فضلاء على تسجيل حسابات النشاط اليومي. إلا أن طريق هذه المهنة ليس حافلا بالورود، فحركة واحدة خاطئة، يمكن ان تتبخر معها جميع الأرباح وتتدمر معها سمعة الوسيط والمؤسسة التي يعمل فيها. فبعد الفضيحة التي لحقت ببنك سوسيتيه جنرال الفرنسي وتقديمه شكوى قانونية ضد جيروم كيرفيل، متهما إياه بالنصب والتسبب في خسارة البنك مبلغ 7.1 مليار دولار، أصبح واضحا ان أسواق المال تحمل داخل أحشائها مخاطر جسيمة على العاملين والمستثمرين فيها على حد سواء، أو الشركات التي تعمل داخلها أو حتى النظام المالي المحلي والعالمي.
ونتيجة معرفته الجيدة بالسوق والأعباء والخبايا التي تدور، فان مولر لا يجد حرجا بالتعليق على فضيحة بنك «سوسيتيه جنرال» على الرغم من ان تلك الفضيحة قد وضعت سمعة المتعاملين بالبورصات العالمية على المحك، كما أنه لا يجد حرجا للدفاع عن «زميل المهنة» الفرنسي جيروم كيرفيل «الذي تمت إدانته قبل ان يصدر الحكم عليه». وقال مولر لوكالة الصحافة الفرنسية: «انه لا يزال شابا (يقصد جيروم كيرفيل)، تحمل قدرا كبيرا من المسؤولية، وكانت لديه فرصة لكسب الكثير من المال مع المنتجات المالية التي لا علاقة لها بالاستثمار الجاد. لا يحق لأحد إلقاء اللوم عليه وحده بكل ما حصل، ولكن النظام المالي، الذي يشبه أحيانا القمار في الكازينو، لم يعد لديه الكثير من العوامل المشتركة مع الاقتصاد الحقيقي». وإذا قال مولر ذلك، فان الواحد منا ينبغي بشكل أو آخر ان يصدقه، فقد تلقى درسا قاسيا ذات مرة من سوق الأسهم في مرحلة مبكرة من عمله ادت لخسارته خسارة كبيرة.