المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع الدكتور علي خليفه الكواري اجرته صحيفة العرب



سهم بن سهم
18-02-2008, 08:27 AM
حوار مع د. علي خليفة الكواري
إعداد : د. امحمد مالكي

أستاذ العلوم السياسية

مدير مركز الدراسات الدستورية السياسية

مراكش - المغرب

يكتسي الحوار مع د.علي خليفة الكواري ميزة خاصة، بسبب طبيعة مساره الفكري والعملي، وبالنظر لثراء تجربته. فقد جمع بين دقة التكوين وسعة الانشغالات، وإستراتيجية القضايا التي تشكل عمق اهتمامه منذ سنوات. فمن طالب حتى السنة الثالثة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة ينتقل من مصر مضطراً الى كلية التجارة (إدارة أعمال) في جامعة دمشق (1966)، إلى دكتوراه فلسفة من كلية العلوم الاجتماعية، جامعة درهم Durham، في المملكة المتحدة (1974) يدرس نمط تخصيص عائد النفط في إمارات الخليج العربي(الكويت, البحرين, قطر وأبو ظبي)، ليشغل مناصب عديدة في قطاع النفط في قطر ويعمل في الوقت نفسه أستاذاً مساعداً و محضاراً غير متفرغ في علم الاقتصاد في جامعة قطر ومديراً لمشروع دراسات التنمية في الخليج العربي سنوات 1977-1982 . وبين (1974-1982) تقلد د.علي خليفة الكواري مسؤوليات رفيعة في قطاع النفط داخل بلده وخارجها، بدءا من مدير لإدارة تسويق النفط الى نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة القطرية لإنتاج البترول وعضوية مجالس ادارة عدة شركات في قطاع النفط والغاز, (1976-1980) إلى رئيس الوفد القطري أو عضو فيه في اللجان المشتركة للتعاون الاقتصادي مع دول أجنبية أو عربية شقيقة. وتكشف السيرة الذاتية للدكتور علي خليفة الكواري تأثير الرهانات الإستراتيجية التي يتيحها النفط على وعيه مبكراً أهمية هذا القطاع في دعم التنمية، هذا إن تم استغلاله بالشكل العقلاني المطلوب ووجهت الموارد النفطية وعائداتها الى الاستثمار بدل الاستهلاك الذي كان وما يزال يستحوذ على معظمهاحسب رأيه.

يمكن ملامسة تجليات هذا الوعي في المسار العلمي والفكري للدكتور على خليفة الكواري والإشكاليات التي شغلت تفكيره. فهكذا، سيتحمل مسؤوليات علمية في العديد من المنابر الفكرية في أقطار الخليج العربي، من قبيل عضو مجلس إدارة مجلس "دراسات الخليج والجزيرة العربية" في جامعة الكويت (1978-1982)، و مدير مشروع دراسات التنمية لأقطار الخليج العربي, جامعة قطر (1980- 1982), ومنسق ندوة التنمية لأقطار الجزيرة العربية المنتجة للنفط (1980-1983)، وعضو مجلس الإدارة في "مجلة العلوم الاجتماعية" الكويت (1983-1986)، وعضو الهيئة الاستشارية في "مجلة قضايا التنمية"، في دولة الامارت العربية المتحدة (1992)، علاوة على عضويته في العديد من مراكز الجامعات الغربية المعروفة، مثل زميل باحث بعد الدكتوراه في جامعة هارفرد(1978-1980) وزميل شرف في مركز دراسات الخليج العربي في جامعة أكستر ، المملكة المتحدة (1997)، و عضو رئيسي مشارك في كلية سانت أنتونس بجامعة أكسفورد (لعدة مرات)، إعتباراً من1979، وزميل شرف مركز الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية جامعة درهم في المملكة المتحدة (2001)، كما تحمل، موازاة لذلك، مسؤوليات في هيئات وإطارات ذات توجه قومي كمنسق في "الجماعة الأهلية لتعزيز جهود إيقاف الحرب العراقية الإيرانية "(1986-1988)، ومنسق الجماعة الاهلية لتعزيز التضامن العربي (1988-1990) وعضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، وعضو الهيئة التأسيسية للمجلس العربي للطفولة في القاهرة، وعضو مجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس امناء المؤسسه العربية للترجمة, وعضو مجلس إدارة صندوق العون القانوني للفلسطينيين منذ 2003، إضافة إلى إحداثه مع الدكتور رغيد الصلح وإشرافه على "مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية"، أكسفورد، المملكة المتحدة، الذي بقي وفيا لانعقاده سنويا منذ 1991 وأصدر جل أشغال لقاءاته.

ففي هذه الرحلة الغنية في مسار د. علي خليفة الكواري يتكامل العلم والثقافة والفكر مع الممارسة والتعاطي مع القضايا التي شغلت الأمة العربية منذ العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، ولازالت ضاغطة على حاضر العرب الآن، وفي صدارتها قضايا الوحدة و التنمية، والديمقراطية ، و فلسطين.

لنبدأ د. علي إذا سمحتم بالسؤال التالي:

-منذ متى بدأ اهتمامك بالشأن العام؟

بدأ إهتمامي بالشأن العام منذ عام 1954م، وكان عمري آنذاك 13 عام تقريباً، عندما إنتقلت من الصف الثالث الإبتدائي للعمل في شركة نفط قطر ، هناك بدأ إحتكاكي بنادي عمال النفط في دخان وتفتح ذهني على الحركة العمالية المطلبية من ناحية، ومن ناحية أخرى بدأت أطلع على المجلات العربية ومنها مجلة الأحد اللبنانية وكتابات رياض طه رحمه الله, ومجلات مصرية أُخرى مثل المصور وآخر ساعة وكان هذا في وقت صعود الثورة المصرية والحركة العربية القومية وصولاً إلى حرب السويس عندما شاركت في المظاهرات التي جاءات من مناطق النفط إلى العاصمة الدوحة. وفي هذه الفترة أنتخبت نائباً لرئيس نادي العمال في أم سعيد بعد إن إنتقلت إليها في مطلع 1956م وشاركت في النشاطات الثقافية والأجتماعيه التي يقوم بها النادي.

-ماذا عملت وأنت في هذا السن؟

كانت شركة نفط قطر تجتذب الطلاب وغيرهم من الفتيان للعمل لديها و في العادة يبدؤون متدربين في الحرف التي يتطلبها عمل الشركة. وكان من حظي ربما لأنني أجيد القراءة والكتابة العربية, أن عينت متدرباً على الأعمال المكتبية في مدرسة الشركة, ثم تم تدريبي على

تشغيل السينما عندما أ إنتقلت إلى أم سعيد وهي ميناء تصدير النفط و يقع على بعد 30 كيلو متر من الدوحة .

وفي هذه الفترة تعرفت على بعض طلاب المدارس الذين كانوا يحضرون لمشاهدة السينما ووجدت نفسي أميل إلى العودة الى المدرسة.

-هل عدت إلى المدرسة؟

نعم عدت إلى المدرسة في أواخر عام 1956م بعد أن تركت الشركة, وكان ذلك عملاً غير معتاد فالطلاب يتهربون من المدرسة إلى الشركة بسبب الرواتب المجزية. وقد تم قبولي قبل إمتحان نصف السنة بأيام قليلة، في الصف الخامس إبتدائي.

-كيف وجدت أجواء الطلاب مقارنة بأجواء العمل؟

أجواء الطلاب وطنية مثل أجواء العمال, وكانت أصداء حرب السويس هي السائدة. وأذكر أنه بعد إنتهاء إمتحانات نصف العام ربما في مطلع 1957م نظمت المدرسة مهرجاناً، وهنا حدث خلاف بين الطلاب وإدارة التعليم حول رفع صورة جمال عبد الناصر فذهبت مع وفد من الطلاب منهم الصديق خليفة خالد السويدي, لمقابلة وزير المعارف آنذاك وهو حاكم قطر السابق، فأيد مطلبنا ورفعنا الصورة في المهرجان، فقد كان الشيخ خليفة مؤيدا للناصرية في مواجهة الإنجليز وكان في ذلك الوقت قريباً من الحركة المطلبية العمالية والشعبية.

-ماذا بعد في فترات تأسيس الوعي هذه؟

نعم لقد كانت فترة غنية بالمشاعر الوطنية والقومية حيث بدأت أصداء الثورة الجزائرية المباركة و إنشغلنا في جمع التبرعات للجزائر. وأذكر أنني خلال هذه الفترة بدأت أخطب في المساجد أحث على التبرع للجزائر, وكنت أرافق المرحوم حمد عبدالله العطية في حملات التبرعات من اجل الجزائر وجديراً بالتأكيد ان حمد العطية توفى في السجن عندما كان معتقلاً بسبب حركة 1964 الوطنية .

وفي هذه الفترة أيضاً كان التقارب بين جمال عبد الناصر وحزب البعث يزيد ، وبشائر وحدة مصر وسوريا تبدو في الأفق ، والحركة العمالية والشعبية في قطر نشطة تحت مظلة المطالب العمالية تجاه شركة نفط قطر ومظلة نصرة القضايا العربية. وكانت المطالب الوطنية تأخذ شكل مواجهة مع الحاكم وإمتيازات الأسرة الحاكمة و رواتب افرادها الضخمة إلى جانب الوجود الإنجليزي في الحكومة ومطالب العمال لدى شركة نفط قطر خاصة، وكان بعض شباب الأسرة الحاكمة يشاركون الشعب في بعض هذه التوجهات الوطنية.

سهم بن سهم
18-02-2008, 08:28 AM
-وماذا عن الدراسة؟

الدراسة بالنسبة لي كانت تحتاج إلى قفزات بسبب السن. فبعد أن أنهيت الصف الخامس عام 1957، قررت إدارة المدرسة منحي فرصة تقديم إمتحان الصف السادس في نهاية الصيف, فإن نجحت في الامتحان أنتقل إلى الصف الأول الإعدادي وقد نجحت. وفي الصف ألاول الاعدادي ، قضيت العام الكامل الوحيد في مدارس قطر وقد كان عاماً غنياً بالصداقات والتحركات الطلابية. استمر أغلبها حتى اليوم. ثم إنتقلت إلى مصر وهناك كان من حسن حظي أن أُُقبل في الصف الثالث الإعدادي دون المرور على الثاني وحصلت على الإعدادية من مصر عام 1959 . فعدت إلى قطر وعملت بعض الوقت في البنك العربي ثم وزارة التربية والتعليم وأكملت دراستي في المدارس الليلية حيث حصلت على الثانوية العامة عام 1962م. ومن الطرائف أن بعض الطلاب الذين أختصرت المسافة بيني وبينهم ظنوا أنني على علاقة بالإخوان المسلمين لانه في بداية التحاقي بالمدرسة كان الاخوان هم القائمون على إدارة التعليم.

-هل كانت لك علاقة بالإخوان؟

كانت علاقتي طيبة وساعدني بعض المدرسين خاصة الشباب منهم واذكر بالخير الاستاذ على شحاده ومحمد مرسي وعبد الحليم محمد احمد وأستاذ شاب اسمه نبيل . وكذلك كانت علاقتي طيبة مع بقية المدرسين العرب من مختلف التيارات. وفي هذه الفترة جاء مدرسون بعثيون من سوريا إلى المدرسة الثانوية وكان مدير المدرسة هو الأستاذ احمد الخطيب الذي أصبح عضوا في مجلس الرئاسة في سوريا في منتصف الستينيات وقد كانت علاقاتي طيبة معه ومع الاستاذ محمود الايوبي الذي تولى ايضاً رئاسة الوزارة في سوريا.

وإذا كان لي أن أصنف نفسي خلال تلك الفترة المبكرة فأنا متدين وقريب على المستوى الشخصي من بعض المدرسين من الإخوان, معجب بعبد الناصر وتوجهاته الثورية والعربية و على علاقة احترام متبادل مع الأساتذة والطلاب البعثيين في قطر.تستطيع ان تقول انه لم تكن لي ميولاً ايدولوجية لاى من تلك التيارات فقد كنت انظر على ان الحزب هو وسيلة للعمل الوطني الجماعي .

-ماذا عن الإهتمامات العامة خلال هذه الفترة؟

إهتماماتي العامة خلال هذه الفترة بعد ان عدة من مصر عام 1959 هي إستمرار للفترة السابقة تحرر وطني وعدالة إجتماعية وتطلع إلى وحدة عربية، وإهتمام متزايد بمخاطر الوجود الإنجليزي والهجرة الإيرانية الكثيفة إلى دول الخليج العربي بتشجيع من الإنجليز في ذلك الوقت. أما من الناحية العملية فقد تركز إهتمامي حول إنشاء نادي الطليعة منذ أن كنت في القاهرة وبعد أن عدت, إلى أن قمنا بتأسيس النادي أوائل عام 1960م. وهو نادي ثقافي أصدر مجلة حائط و أحدث مسرحاً وقدم ندوات ثقافية ومسابقات شعرية. وقد إستقطب النادي معظم الشباب القطري من غير أصحاب الإهتمام الطاغي بكرة القدم و الذي كان الاتجاه السائد في ذلك الوقت بين الشباب .

-هل كان نادي الطليعة ناديا ثقافياً؟

نعم كان النادي الثقافي الوحيد المستقل عن الحكومة في تاريخ قطر، وربما جاءت قبله المكتبة الإسلامية التي أسسها بعض الشباب القطري منهم عبدالله حسين نعمه و جاسم جمال و عبدالله المطاوعه, في مطلع الخمسينيات ربما 1953 وأغلقتها الحكومة. وجاءت بعده أندية أخرى ذات صفة إجتماعية مثل نادي الجزيرة ونادي الجسرة الراهن. ومع الاسف لم يستمرنادي الطليعة اكثر من عام حتى داهمته الشرطة بالدبابات و المسلحين وأعتقلت من فيه بعد حوالي سنة من إنشائه وبروز نشاطاته وإستقطابها أهل قطر والعرب عموماً.

-ماذا كانت هوية النادي ونشاطاته حتى يثير الحكومة؟

هوية النادي وطنية قومية عامة، فيه بعض ذوي التوجهات البعثيه وربما أخذ أسمه منهم، أما نشاطاته فقد كانت تستقطب كل الوطنيين أعضاءه وغيرهم, ويحضر نشاطاته مئات من القطريين. ومن الإشاعات التي أطلقت على النادي أن فيه أصنام،في إشارة إلى تمثال جمال عبد الناصر والذي أهداه احمد عبدالله منصور للنادي, وأنه متهم بتطوير متفجرات لان مجلة النادي نشرت تجربة علمية لمحمد يوسف العالي (طالب إعدادي آن ذاك) صمم قطعة صفيح مملوءة بالبارود العادي إنطلقت مسافة عشرة أمتار ونشرت مجلة النادي صورة لها .

سهم بن سهم
18-02-2008, 08:29 AM
-هل اعتقلت مع من أعتقل؟

نعم اعتقلت بعد يومين من مداهمة النادي بصفتي رئيس النادي و إستمر سجننا لمدة ثلاثة أسابيع اضربنا على إثرها عن الطعام وتدخل أباء وأقرباء المعتقلين وبعض الشخصيات العامة الذين لا يوجد أحد معتقل من ذويهم منهم المرحوم عبد العزيز الغانم وخالد بن على الخليفي رحمهما الله .

-ماذا بعد تلك الفترة المؤسسة للوعي؟

رفضت الحكومة إعادة إفتتاح النادي وصادرت ممتلكاته وأهمها المكتبة, واستمرت علاقات أعضائه ، كما بدأت تأخذ أشكال مختلفة من العمل الوطني حسب الأحداث. شاركوا في جمع تبرعات الجزائر ومناصرتها وتأييد الوحدة والوقوف ضد الانفصال في سوريا والاستمرار في تأييد الحركة العمالية والتفاعل اكثر مع الحركة الشعبية, واستمرت معارضتهم للوجود البريطاني والهجرة الايرانية وأخيراً التقينا في القاهرة عندما ذهبنا للدراسة في الجامعة ، واتخذنا مواقف طلابية انطلقت من القاهرة ووصلت إلى زملائنا في بريطانيا عندما اعتقلت الحكومة في عام 1963 عدة شخصيات بسبب تقديم مطالب وطنية, بعضها يطالب بالغاء امتيازات ورواتب الاسرة الحاكمة وبعضها الاخر يطالب بمثل الخدمات والامتيازات التي حصل عليها شعب الكويت من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. هذا إضافة إلى تأييد الوحدة الثلاثية التي أعلنت بين مصر وسوريا والعراق. وقد بدأت تلك الحركة الشعبية والعمالية بعد أن أطلق أحد أفراد الأسرة الحاكمة الرصاص على المتظاهرين المؤيدين للوحدة الثلاثية عام 1963.

-ما هو دور مجموعة الطليعة ،ماذا عملت ، هل يمكن تقريبنا من صورة ما حدث؟

مجموعة نادي الطليعة دعت الطلاب في القاهرة إلى اجتماع وكذلك فعل زملاؤنا في بريطانيا وأصدرنا بيانا ونشرناه في الصحف العربية مع قآئمة مطالب المعتقلين في قطر. وهنا بدأت غضبة الحكومة علينا ، التي مازالت قآئمة بالرغم من تعاقب ثلاثة حكام على قطر, ففصلت خمسة من طلاب القاهرة من البعثة الدراسية وسعت لدى بعض الأوساط في مصر من اجل إبعادهم وقد تم ذلك عام 1964 . وهنا بدأت مشاكلنا المستمرة مع كل سلطة في قطر، حيث يتغير الحكام ويستمر ملف كل منا هو المرجع يضاف اليه ولايحذف منه. استمر الفصل من البعثة والمنع من التوظيف في قطر بالنسبة لى من عام 1963 الى1972 , وبالنسبة لزملائي الآخرين لمدد مختلفة.

-هل يفهم من ذلك ان السلطة شرعت في تكوين ملف سياسي عنك؟

نعم انه ملف مازال في حوزة الأمن يبدأ به كل مسئول أمنى في التعرف علي والتعامل على أساس ذلك معي.

-و ماذا عن الجامعة والتخصص لماذا اخترت الاقتصاد ثم انتقلت إلى إدارة الأعمال؟

أخترت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة لانها كانت افضل الكليات العربية في ذلك الوقت. ثم اخترت علم الاقتصاد لما فيه من تحليل عميق. وقد تأثرت كثيرا بالدكتور رفعت المحجوب الذي قام بتدريسنا مبادئ الاقتصاد السياسي ففتح أمامي آفاقاً التفكير و التحليل. ولكن مع الأسف بعد نجاحي في السنة الثانية وحصولي على تقدير لم يسمح لي بالعودة إلى مصر بعد الإجازة ، وكانت البعثة الدراسية مقطوعة فعدت إلى قطر وعملت في شركة تنقيب عن النفط في الصحراء إلى أن حصلت على قبول في كلية التجارة في دمشق وعلى منحة دراسية (150 ليرة شهرياً) من الحكومة السورية فألتحقت بالسنة الثالثة وأنهيت دراستي عام 1966 .

-كيف كانت الأجواء العربية في ذلك الوقت؟

كانت الأجواء العربية ملبدة بالغيوم والشقاق على اشده بين الناصرية والبعث، وداخل البعث الكثير من المناورات والإقصاءات بلغت ذروتها عام 1966م. و قد شهدت الانشقاق الرسمي داخل حزب البعث, ذلك الشقاق الذي لم تزده الأيام إلا مزيداً من التفاقم بين البعثيين وانقساماتهم المستمرة التي ادت إلى أن يترك أغلب البعثيين العمل الحزبي. وقد كانت تداعيات أيلول الأسود في الأردن خاتمة مرحلة عشتها قريباً من البعث فكرياَ.انصرفت بعدها إلى الدراسات العليا وذهبت إلى بريطانيا عام 1971 حيث حصلت على الدكتوراه عام 1974 .

سهم بن سهم
18-02-2008, 08:29 AM
-لكن قبل ذلك كيف كانت الفترة الممتدة من 1966 الى 1970 بالنسبة لمساركم؟

عدت إلى قطر بعد التخرج وكنت واحدا من ثلاثة خريجين قطريين هم أول من تخرج من الجامعات العربية، توظف الاثنان مدراء في الحكومة واستمر المنع من العمل ضدي قائماً. وبعد اشهر من الانتظار بدأت عملا خاصا بسيطا أطلقت عليه "برادات الأمل". فتحولت برادات الأمل إلى نقطة التقاء وموقع تعاطف أدت إلى نجاح المشروع التجاري إلى درجة خفت فيها على نفسي ان اتحول الى تاجر في اهتماماته وعلاقاته ولذلك كان على ان اختار. فقررت ان استمر في العمل التجاري حتى يعود أخي يوسف من الدراسة وبعد ان تخرج يوسف بعت البرادات وما رافقته من أعمال تجاريه ناجحة و توجهت الى الدراسة العليا في بريطانيا على حسابي الخاص ,لاني مازلت على القائمة السوداء لوزارة المعارف.

-هل كان هناك نشاط وطني, حركة وطنية في قطر في نهاية الستينيات؟

كان هناك نشاطات وطنية متفرقة وهي إمتداد لما كان في مطلع الستينيات، تجمع الوطنيون النكسات العربية مثل هزيمة 1967 ، و وفاة جمال عبد الناصر وصراع الثورة الفلسطينية مع الحكومة الأردنية، تنشط مجموعة من الوطنيين في كل أزمة لجمع التبرعات وتتعاطف مع المواقف العربية العامة، وربما تتظاهر أحياناً, دون أن يكون هناك حركة وطنية شعبية أو عمالية تجمع الوطنيين من مختلف الإتجاهات كما كان الحال قبل 1964 .

-لماذا اخترت دراسة نمط عائدات النفط في إمارات الخليج العربي؟

ربما لأنني حرمت منها دون وجه حق.

-هل تمزح؟

هو مزح يحمل بعض الجد. فقد كنت معارضاً لمخصصات الحكام والاسرة الحاكمة من عائدات النفط وما زلت, و مراقباً لسوء إستخدام عائدات النفط عموماً ومهتماً بالتنمية. وأذكر أن أول بحث قمت به في جامعة القاهرة عام 1963 ، كان عن أسعار النفط وقد إستفدت فيه من كتابات عبدالله الطريقي وأدبيات مؤتمر البترول العربي. النفط كان محط إهتمامي وسوء توزيع عائداته وتبذيرها كان أحد الأسباب التي دفعتني للعمل العام وعندما ذهبت إلى بريطانيا وتنسمت الحرية الأكاديمية قررت أن أبين كيف أسئ استخدام النفط ولم يتم توجيه عائداته. للاستثمار وإنما وجه معظمها للاستهلاك والتوزيع غير العادل ، وقد تبين من الدراسة ان الأسر الحاكمة حصلت في معظم إمارات الخليج العربي بإستثناء الكويت بعد عام 1962 ، على نسبة تراوحت بين ربع ونصف إجمالي عائدات النفط ، وصرف الباقي بشكل اضر بالقدرات الإنتاجية للبلدان والأفراد. وأثناء تحضيري للدكتوراه اعوام 1971 -1974 ، كان النفط وعائداته و إستخدامها أو تدوير فوائضها محط اهتمام العالم كله, وكانت فرصة لى ان اعي ضرورة تغير نمط تخصيص عائدات النفط بشكل جذري يخدم التنمية والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المدى البعيد.

-لعل فترة الدراسة هذه ساهمت في تعميق وعيكم بإمكانيات قطاع النفط ومركزيته في التنمية وفي العلاقات الاقتصادية الدولية؟

بكل تأكيد، و إن كانت اهتماماتي بالنفط ونقدي للطريقة التي تعاملت بها الدول المصدرة للنفط, هو الذي قادني إلى دراسة نمط تخصيص عائداته. والدعوة الى استخدام النفط للاستثمار بدلا من تبذيره في الاستهلاك, هي التي شغلتني وقادتني إلى الاهتمام بعملية التنمية باعتبارها عملية حضارية كما يحمل عنوان ورقة اعتز بها نشرت في مجلة المستقبل العربي عام 1983 . واهتمامي بدراسة نمط تخصيص عائدات النفط لم يقف عند إمارات الخليج العربي وإنما إمتد إلى العراق الذي نشرت دراسة حوله عام 1976 في مجلة دراسات الخليج في الكويت, بعد أن تعذر نشرها مع الاسف في مجلة النفط والتنمية في العراق. وقد اعتذر لي عن ذلك بألم الصديق الدكتورعبدالرحمن منيف رئيس تحرير المجلة قبل ان يستقيل ويغادر العراق الى فرنسا.

-هل يمكن القول أن اطلاعكم، من موقع المسؤولية، على التفاعلات المصاحبة لرهانات الفاعلين الاقتصاديين الدوليين حيال قطاع حساس واستراتيجي مثل النفط وما يرتبط به، ساهم في تشكيل وعيكم وتوجيه تفكيركم نحو التنمية في بلدكم والخليج العربي أساسا والعالم العربي بوجه عام؟

ربما كان إدراكي بوجود سياسات النفط خارج سلطة الدولة المنتجه ورؤيتي لقلة الاستفادة من الموارد النفطية وعدم توظيف عائداتها من اجل التنمية هو الذي قادني الى دراسة النفط والقيام بفحص نمط تخصيص عائداته وانعكاس ذلك على فرص التنمية في كل من البحرين والكويت وقطر وابو ظبي

-هل كان ذلك موضوع رسالتك للدكتوراه في جامعة درهم؟

نعم هذا هو موضوع الرسالة وهو ما تفرغت لدراسته. لقد كان إختياري للموضوع تستطيع ان تقول قد جاء مع سبق الاصرار والترصد ونتيجة لتوجه يسعى الى كشف سوء استخدام النفط وهدر العائد واستيلاء الأُسر الحاكمة دون وجه حق على نصيب وافرمنها في شكل رواتب دون عمل ومخصصات من المال العام وخدمات من دوائر الدولة ـ مازالت مستمرة ـ ، وجدت ان اكثر من ثلاثة ارباع مجموع عائدات النفط منذ بدأ التصدير حتى عام 1970 وجه للصرف على النفقات التحويلية والنفقات الجارية و ان اقل من الربع تم صرفه على مشروعات البنية التحتية وتكوين احتياطي استثماري

-ماذا تقصد بالنفقات التحويلية والنفقات الجارية؟

النفقات التمويلية هي في الحقيقة مخصصات الحكام والاسرة الحاكمة وقد تراوحت مخصصات الأُسر الحاكمة بين ربع ونصف اجمالي عائدات النفط في الفترة المدروسة. ومع الاسف مازالت النسبة عالية حتى اليوم وفيما عدا الكويت لايوجد فصل بين المال العام والاموال الخاصة للحكام ، اما النفقات الجارية فالمقصود بها النفقات المتكررة للحكومات على الرواتب والخدمات .

-هل نشرت الرسالة؟

نعم نشرت باللغة الانجليزية من قبل جامعة درهم في انجلترا وصدرت طبعة ثانية في امريكا ولم تترجم مع الاسف، كما لم تنشر باللغة العربية لانها محظورة في دول المنطقة.

-صدر لكم عام 1981 ضمن سلسلة "عالم الفكر" الكويتية كتاب موسوم "دور المشروعات العامة في التنمية الاقتصادية، دراسة حول كفاءة أداء المشروعات العامة في أقطار الجزيرة العربية المنتجة للنفط". , هل يمكن اعتباره محصلة نقدية لسنوات من الخبرة في قطاع النفط؟

نعم كان الكتاب محصلة نقدية لأداء القطاع العام في دول الخليج العربية وقد تفرغت لاعداد الدراسة عندما تركت قطاع النفط وأخذت تفرغ دراسي لمدة عامين قضيتها في جامعة هارفرد وعلى علاقة بجامعة اكسفورد. تركت قطاع النفط أواخر 1978, عندما توصلت الى قناعة ان المسؤلين لايرغبون وربما لايتحملون سياسات نفطية وطنية ولاهم قادرين على إيقاف الفساد الداخلي في قطاع النفط في قطر حيث كنت اعمل. وكلما تحدثت مع المسؤلين الكبار يقولون ان الوقت لم يحن بعد. فقلت لهم سأخذ اجازة تفرغ الى ان ترون الوقت مناسباً لإصلاح وتوجيه الموارد النفطية وجهة تخدم التنمية

-ماذا حدث هل عدت الى قطاع النفط؟

لا لم اعد لأن شيئا لم يتم اصلاحه ولم تكن هناك رغبة حقيقية لعودتيتابع/ حوار مع د. علي خليفة الكواري
-ما هي الرسالة التي حملها الكتاب ، و باسم من جاءت ،و لمن هي موجهة فعلا؟

تحمل رسالة الكتاب تحذيرا ولفت نظر الى ان المشروعات العامة التي استثمرت فيها كل عائدات النفط بالسبعينيات تواجه مخاطر سوء الادارة و التدخلات السياسية, وهي عاجزة عن ان تكون وعاء لحفظ نصيب الاجيال القادمة من الثروة النفطية التي يجري استنضابها وتصديرها الى الخارج. كما انها غير قادرة بحكم التدخلات السياسية على آداء دور تنموي. وبالمناسبة المشروعات العامة في دول الخليج تشمل صناديق واجهزة ومجالس استثمارات الاحتياطيات العامة للدولة وتتضمن شركات النفط التي استردت ملكيتها من الشركات الاجنبية وكذلك الشركات الصناعية الكبرى مثل سابك في المملكة العربية السعودية الى جانب العديد من الشركات التي تملكها الدول او تملك نصيبا كبيرا فيها, ومنها شركات الطيران وبنوك وغيرها من المشروعات العامة الاقتصادية. هذا اضافة الى المشروعات العربية المشتركة. اما لمن وجهت الرسالة التي حملها الكتاب فإنها كانت موجهة الى الحكومات والمواطنين عامة وكل من بيده سلطة اتخاذ قرار او قدرة على ترشيد القرارات

سهم بن سهم
18-02-2008, 08:30 AM
والخيارات العامة. وقد كان الموجهون لهذه الرسالة مدراء واعضاء وبعض رؤساء مجلس ادارت تلك المشروعات العامة في الكويت والمملكة السعودية والبحرين وقطر والامارات , ولست انا الوحيد الذي وجهتها.

-كيف كان ذلك؟

لتوضيح ذلك، اسمح لى ان اعود الى بداية التفكير في دراسة كفاءات ادارة المشروعات العامة في دول المنطقة من منظور دورها في التنمية الاقتصادية. عندما طلبت التفرغ الدراسي كان ذلك بسبب مالمسته من سوء ادارة وانعدام رؤية او تحديد دور تنموي للمؤسسة العامة القطرية للبترول وهي التي استلمت قطاع النفط والشركات المنتجة، وكذلك حولت اليها ملكية شركات البتروكيماويات, والمشروعات الصناعية الكبرى. من خلال معرفتي بما يدور في قطر وفي بقية دول الخليج العربي الأخرى في قطاع النفط وفي بقية المشروعات العامة الأخرى, كان همّ المشروعات العامة ضاغطاً على فكري وغالباً على إهتماماتي. ففكرت القيام بدراسة كفاءات اداء هذا القطاع . ووجدت ان الدراسة المكتبية غير مفيدة لوحدها لذلك قررت ان اشارك زملائي ابناء المنطقة المسئولين عن ادارة المشروعات العامة والمقيدين بتوجهات وتدخلات سياسية تمنعهم من اداء ادوارهم. وقد تم التعاون مع عدد من الوزراء ورؤساء واعضاء مجالس ادارة مشروعات عامة ومدرائها, في الدراسة ومناقشتها وتقديم ما ينتج عنها الى المسؤلين وكل المعنيين بالشأن العام. لذلك بدأت الدراسة باجراء حوالي مائة مقابلة مع مدراء وأعضاء ورؤساء مجالس ادارات المشروعات العامة واشركنا بعض وزراء المالية والصناعة مثل محمد بالخيل وغازي القصيبي في المملكة ويوسف الشيراوي في البحرين وعبدالرحمن العتيقي في الكويت واحمد خليفة السويدي وسعيد غباش في الامارات .

بعد إجراء المقابلات وتحليلها في ضوء ادبيات ادارة المشروعات العامة في العالم والشكوى من سوء ادارتها وتردي كفاءات الادارة فيها, قمت باعداد محاور للنقاش ووجهت دعوة الى ندوة حول " كفاءات اداء المشروعات العامة في دول الجزيرة العربية المتجة للنفط " ، عقدت الندوة في ابو ظبي اواخر عام 1979 تحت رعاية الصديق احمد خليفة السويدي ومثله فيها الصديق سعيد غباش وزير التخطيط وحضرها حوالي 40 من مدراء واعضاء مجالس ادارات المشروعات العامة والقائمين على رقابتها من وكلاء وزارات وموظفين عامين ومن النواب والشخصيات العربية العامة في دول المنطقة. بعد هذه الندوة رأى المجتمعون انهم لابد ان يستمروا في اللقاء وان يشكلوا " منتدى التنمية " لطرح كل القضايا ذات العلاقة بالتنمية للحوار فيما بين ابناء المنطقة. فتشكل منذ ذلك الوقت منتدى التنمية لدول الخليج العربي واصبحت اول منسق لنشاطاته وتعاقب على المنتدى خمسة منسقين عامين واصبح مؤسسة دراسات وحوار, وفي عام 2004 احتفل المنتدى بمررو 25عاماً واصدر بمناسبتها مشروعاً للاصلاح الجذري على ضوء دراسات المنتدى وحواراته وتوصياته خلال 25 عام. و قد نشرت دار قرطاس في الكويت هذا المشروع في كتاب قمت بتحريره. ومازال منتدى التنمية مستمراً في الوجود يعقد حواراته كل عام .

-تلت الكتاب المشار إليه أعلاه أعمال أخرى من قبيل "نحو فهم أفضل لأسباب الخلل السكاني في أقطار الجزيرة العربية المنتجة للنفط، دراسة تحليلية لحجم وتركيب ونوعية قوة العمل في قطر" (1983)، و"نحو إستراتيجية بديلة للتنمية الشاملة" (1985) ، و " هموم النفط وقضايا التنمية" (1985) ، و"تنمية الضياع..أم ضياع لفرص التنمية: محصلة التغيرات المصاحبة للنفط في دول مجلس التعاون" (1996).. هل يمكن اعتبار هذه الأعمال استمرارا لما سبق؟، وهل يشكل البحث عن تصورات جديدة للتنمية، يلعب النفط في إطارها دورا مفصليا، الهاجس الذي كان لديكم خلال هذه الفترة، وهل هناك خيط ناظم بين كل هذه العناوين، وإن تباعد ظهورها نسبيا في الزمن؟.

نعم شكلت قضية التنمية بشكل عام وادارتها بشكل خاص محور اهتمامي في عقد الثمانينيات ومازالت كذلك وان اصبحت دراسات الديمقراطية او بالاصح تفكيك الاستبداد, تستحوذ على جهدي. فقد كنت مهتماً بادارة التنمية والكتابة حولها وتدريسها في جامعة قطر, وكذلك إجراء الحوارات في منتدى التنمية وفي مشروع دراسات التنمية في اقطار الخليج العربي الذي قمت بتأسيسه في جامعة قطر وكنت مديره الى ان أُخرجت من الجامعة عام 1982 دون وجه حق بسبب اجتذاب محاضرات المشروع للشباب القطري. ومع دراستي للتنمية والاهتمام بادارتها وجدت ان المفقود هو إرادة التنمية وليس إدراتها فقط. ومن هنا تزايد اهتمامي بالمشاركة السياسية وما يحول دونها من استبداد بالرأي والقرار في الشئون العامة . و قد إستمراهتمامي بالديمقراطية دون أن يتوانى أو يتراجع اهتمامي بالتنمية التي كان اخر ماكتبت فيها هو رثاء ، بعد ان وجدت من خلال فحص حالة بلدي قطر والتغيرات المصاحبة للنفط خلال خميسن عام ، ان مايسمى بالتنمية عندنا ليس له من التنمية بمعناها الايجابي

سهم بن سهم
18-02-2008, 08:31 AM
نصيب, وانما هو في حقيقة الامر ـ لاسباب كثيرة من اهمها الخلل السكاني وابعاده الخطر وتزايد الوجود الاجنبي و تآكل الارادة الوطنية ـ " تنمية للضياع" :ضياع المواطن والوطن والمستقبل

-"تنمية الضياع" هو فعلا عنوان كتاب لك؟

نعم انه عنوان كتاب صدر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 1996, أهتم بتتبع التغيرات المصاحبة للنفط التي اضاعت فرص التنمية في المنطقة بل ادت الى مسارات خطرة تنذر بضياع الوطن بعد ان شوهت المجتمعات وباتت على وشك النكوص.

-ماذا عن الكتب الاخرى التي اشرت اليها في السؤال؟

الكتب السابقة وما صاحبها من اهتمام عبر عقدين من الزمن هي الخلفية التي اوصلتني الى وصف مسار التنمية الراهنة في دول مجلس التعاون بتنمية الضياع اذا لم يوقف ويتغير إتجاه مسارها الخطر الراهن.

-عطفا على ما سلف، ما هو تشخيصكم لأعطاب التنمية في دول الخليج أساسا، والتجارب العربية بوجه عام. هل تعتقدون بوجود حلقة مفقودة مفسرة لحصول هذه الأعطاب على الرغم من الوفرة المالية المستخلصة من عائدات النفط ومشتقاته؟، وهل تشكل الديمقراطية، بما هي مشاركة واسعة، إرادية، نزيهة، ومستقلة، في صياغة القرارات والاستراتيجيات الكبرى، أحد الوجوه المعبرة عن هذه الحلقة المفقودة؟.

اوجُه الخلل في مسار التنمية في منطقة الخليج يعود الى فهم خاطئ لمفهوم التنمية والنمو الاقتصادي واعتبار ماهو متوفر من دخل محلي اجمالي ومتوسط لدخل الفرد, مؤشراً كافيًا على التنمية الاقتصادية ، وقد تم ، نتيجة ذلك، تجاهل الارتباط العضوي بين النمو والتنمية الاقتصادية بانتاجية المجتمع ، و هو امر ليس متوفرا. فليست انتاجية المجتمع في دول المنطقة وانما استنضاب الثروة وتصديرها في شكلها الخام الى الخارج هو السبب في ماينسب الى متوسط دخل الفرد من نمو مضطرب. لذلك فإن ماهو ظاهر من ارتفاع مستوى الدخل وتحسن ظروف المعيشة مرهون باسبابه التي تتمثل في استنضاب الثروة النفطية وارتفاع اسعارها, الامر الذي يؤدي الى توليد ريع اقتصادي مؤقت لوجود الموارد النفطية الاقتصادية وارتفاع سعر النفط ، وهذه امور ليست دائمة. وممازاد الطين بلة ان ايرادات النفط وصلت الى الحكام فاستخدموها في اخضاع التركيبة السكانية بحيث اصبح المواطنون قلة في سوق العمل ودورهم هامشي في النشاطات وليس لهم وزن او تأثير على القرار. وقد جاء هذان العاملان : الريع النفطي الذي صب في خزانة الحكام ورموا بالفتات منه للمواطنين من ناحية. ومن ناحية اخرى، اعتمدت النشاطات على عمالة وافدة ليست لها حقوق تجاه الحاكم يغير افرادها كيفما يشاء. وقد اكملا الحكام هذان العاملان بعامل الوجود والحماية الاجنبية التي اطلقت ايديهم، انه التحليل الذي كان يقول به ابناء المنطقة منذ زمن واستخلصه بشكل مركز الزميل الدكتور محمد غباش في ورقته الهامة المقدمة الى منتدى التنمية بعنوان " سلطة اكثر من مطلقة ومجتمع اكثر من عاجز " وقد نشرت الورقة في المستقبل العربي و في الكتاب الذي قمت بتحريره لمنتدى التنمية عام 2004

-هل نفهم من ذلك أن التنمية في بعدها الاقتصادي لا تنجز المقاصد المرجوة والأهداف منها، إذا لم تصاحب بشروط سياسية واجتماعية تجعل العيش المشترك المبني على قيم المشاركة والتكافؤ والعدالة الاجتماعية ممكنا ومعترفا به؟، وهل تشاطرون الرأي القائل بأن عمق التأخر الحاصل في البلاد العربية يكمن في الاختلال الناجم عن سوء توزيع السلطة والثروة؟.

الشئ المؤسف ان دول الخليج العربية ليس فيها عملية نمو أو تنمية اقتصادية بالمفهوم الاقتصادي العلمي, وماهو موجود في هذه الدولة المعتمدة بشكل مطلق على تصدير النفط الخام لايعتبر من الناحية العلمية تنمية أو نموا اقتصاديا، فذلك يتطلب ان يصاحب ارتفاع معدل دخل الفرد تغيرات هيكلية في البنية الأساسية الإنتاجية وارتفاع في انتاجية الفرد. كما يتطلب ان يكون ارتفاع مستوى دخل الفرد ارتفاعاً سنوياً مستمراً دون انقطاع لمدة تزيد على عقدين او اكثر من الزمن. وهذا ليس موجودا في حالة دول الخليج العربية وكل ما هناك هو تغيرات غير منتظمه متأثره بشكل كامل بصادرات واسعار النفط الخام فقط لا غير. والدخل المتاح هو نتيجة استنزاف لثروة ناضبة وليس نموا في القدرات والطاقات المجتمعية وتزايد في انتاجية الفرد. هذا موضوع تناولته وتناوله غيري من الاقتصاديين العرب ، وهناك اتفاق ان ما هو موجود في الدول المصدرة للنفط ليس تنمية او حتى نموا اقتصاديا. اما ما تفضلت بالاشاره اليه عن سوء توزيع السلطة والثروة, فهو أيضاً مسألة ضرورية لقيام تنمية شاملة ذات وجه انساني. والمنطقة تفتقر للبعدين الاجتماعي والسياسي الى جانب البعد الاقتصادي للتنمية

سهم بن سهم
18-02-2008, 08:31 AM
. بل أنني أصف ، كما سبق وان اشرت، التغيرات الاقتصادية والاجتماعية المصاحبة للنفط بتنمية " الضياع " اضافة الى هدرها فرص التنمية بالنسبة للجزيرة العربية بل الدول العربية كلها .

-من خلال قراءة سيرتكم الذاتية، يبرز اهتمامكم منذ بداية الثمانينيات بمسألة الديمقراطية، والحال أن الفكر العربي حصل له الاهتمام نفسه منذ هذا التاريخ..وقد تجسد ذلك لديكم بسلسلة من الدراسات والأبحاث، وبانخراطكم إلى جانب ذلك، في العديد من الإطارات ذات الصلة بهذا الموضوع. كيف يفهم د.علي خليفة الكواري العلاقة بين التنمية المعاقة والديمقراطية الغائبة في المجال السياسي العربي؟.

قبل عقد الثمانينيات كان تركيزي على ادارة التنمية كما سبقت الاشارة. ربما كان ذلك بسبب عملي في ادارة النفط وما يتعلق بها من مشروعات.و منذ مطلع الثمانينيات أنتقل أهتمامي الى إرادة التنمية الى جانب إدارة التنمية, وهنا زادت قراءتي في ادبيات الديمقرطية وانتقل اهتمامي من مجرد المطالبة بالمشاركة السياسية الى المطالبة بنظام حكم ديمقراطي, باعتبار ذلك النظام هو المنهج الوحيد لتحقيق مشاركة سياسية فاعلة وليس هناك مكان لمشاركة سياسية فاعلة قبل ان تزول سيادة الفرد او القلة على الناس وتصبح المواطنة مصدر الحقوق ومناط الواجبات ، ولعل خير معبر عن هذه النقلة المقالة التي نشرت لي في مجلة المستقبل العربي عام 1983 بعنوان "التنمية باعتبارها عملية حضارية " والتي كتبتها في صيف عام 1982 تحت ضغط ووعي ما يحصل في بيروت من عدوان صهيوني دون ردة فعل رسمية عربية على ما تتعرض له عاصمة عربية استبيحت. وها هي تستباح من العدو نفسه مرة اخرى في صيف 2006 بسبب استبداد الحكام العرب واعاقتهم لطاقات الشعوب العربية في مواجهة العدو.

-أطلقتم، معه د. رغيد كاظم الصلح، منذ الثمانينيات مبادرة مهمة أسميتموها "مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية" (1991)، التي اتخذت اكسفورد مقرا لها، وقد عقدتم سلسلة من اللقاءات الفكرية خلقت حوارات حول قضايا مركزية ذات صلة بالديمقراطية، من قبيل "الحركات والأحزاب العربية والديمقراطية: المواقف والمخاوف المتبادلة"، و "المواطنة والديمقراطية في البلاد العربية"، و "الديمقراطية داخل الأحزاب العربية" و"الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة"، وقد صدرت جلها ضمن منشورات مركز دراسات الوحدة العربية. نود معرفة مسوغات إحداث هذا المشروع الذي تجاوز عمره خمسة عشر عام؟ ولماذا مدينة اكسفورد وليس عاصمة من العواصم العربية؟.

مشروع دراسات الديمقراطية في البلاد العريبة مر عليه الان ستة عشر عاما مستمراً دون انقطاع، يعقد لقاءاً سنوياً في اكسفورد ، ويقوم بعدد من الدراسات التطبيقية حول مستقبل الديمقراطية في عدد من الدول العربية, وفي هذا العام 2006 تم عقد ندوتين لمناقشة الرؤية المستقبلية التي توصلت اليها كل من دراسة مستقبل الديمقراطية في مصر وقد عقدت في الاسماعيلية وحضرها مختلف ممثلي الطيف السياسي في مصر, والاخرى حول مستقبل الديمقراطية في الكويت وعقدت في مدينة الكويت وحظيت بحضور متميز من ممثلي التيارات الوطينة والتيارات الاسلامية بكامل اطيافهما ربما لاول مرة منذ زمن بعيد .

بالاضافة الى هذين البرنامجين – اللقاءات السنوية ودراسات مستقبل الديمقراطيةـ يقوم المشروع ببرنامج ثالث يشمل عددا من الدراسات المتخصصة في ضوء الحوارات والدراسات التي تم نشرها, وفي الوقت الحاضر هناك دراسات حول كل من الدستور الديمقراطي, والاحزاب الديمقراطية وكذلك الدولة في البلاد العربية. وهذه دراسات تحاول ان تحلل وتقيم الدولة والدستور والانتخابات والاحزاب في البلاد العربية في ضوء مفهوم الديمقراطية وما يجب ان يوجد في اي من تلك المؤسسات حتى تكتسب صفة الديمقراطية

-سألتك عن مسوغات احداث هذا المشروع في مدينة اكسفورد وليس في عاصمة عربية؟

نعم سالتني عن ذلك ولم انس، وانما حاولت ان اعرف بمشروع دراسات الديمقراطية .اما الاجابة على سؤالك فانها تتركز في حاجة المشروع الى حرية التعبير واجراء حوارات جادة بين التيارات والقوى السياسية الفاعلة على الساحة العربية دون اقصاء او استثناء احد من المشاركه في الحوار. وفي عام 1989 عندما بدأت والصديق رغيد الصلح التفكير في دراسة الحياة السياسية في البلاد العربية، باعتبارها من اضعف الحقول المعرفية التي يقوم العرب بدراستها علمياً وإجراء الحوارات الجادة حول الاسباب التي جعلتها تتصف بالجمود والتخلف والشقاق, وتوصلنا الى قناعة ان مثل تلك الدراسات والحوارات يصعب إجراؤها بشكل منتظم في بلد عربي. ووجدنا ان مدينة اكسفورد وفي رحاب جامعتها العريقة وتقاليدها في رعاية الحريات الاكاديمية يمكن ان تكون مقراً آمناً للمشروع العربي عند بداية اخراجه الي حيز الوجود عام1991

سهم بن سهم
18-02-2008, 08:32 AM
-هل ستستمر مدينة أكسفورد مقرا للمشروع؟

لابد للمشروع الدراسي من أن ينتهي ونأمل ان يولد منه مركز للدرسات الديمقراطية الى جانب منتدى حوار، وفي هذه الحالة يمكن اعادة النظر في المؤسسات الجديدة وربما يكون من المناسب ان تتخذ احد البلاد العربية مقراً وفي هذه الحالة فان الصلة باكسفورد يمكن ان تستمر ويستفاد منها. فهناك عدد من السياسيين العرب ليس من السهل عليهم حتى الان التنقل في الدول العربية .

-أود، إذا سمحتم د. علي، الانتقال معكم إلى بعض القضايا التفصيلية ذات الصلة باهتمامات المشروع المشار إليه أعلاه، والتي لا تخرج عن دائرة انشغالاتكم. فمن الملاحظ أن العالم العربي تعرض خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا مع بداية الألفية الجديدة، لمجموعة من الدعوات المنادية بإصلاح دوله ومؤسساته، ويبدو من خلال الوثائق المؤطرة لهذه الدعوات، وهي كثيرة، اشتراكها في تشخيص الاعطاب التي وسمت البلاد العربية على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. علما أن فكرة الإصلاح نفسها ليست جديدة، بل إن التطلع إلى إنجازها قديم كما تعرفون، فمنذ القرن التاسع عشر وسؤال الإصلاح يتردد في الخطاب العربي. كيف ينظر د. علي لموضوع الإصلاح المطروح بكثافة في البلاد العربية، وما هي سبل إنجازه وحظوظ نجاحه؟.

الاصلاح مرغوب ومطلوب من اي مصدر جاء وفي اي حقل كان, احوالنا العربيةعامة من السياسة الى الاقتصاد الى التربية والفكر على وجه الخصوص, على مستوى الدول والمجتمعات تحتاج إلى اصلاح جذري . والاصلاح الجذري لايمكن ان يحدث الا من الداخل وضمن توافق مجتمعي على قواسم مشتركة, واي دور من الخارج لايتعدى دور معزز او مشجع او عدم معترض على الاصلاحات ،اما ما هو مطروح من شعارات اصلاح مفروض من الخارج ففيه جوانب رئيسية لاتمت الى الاصلاح كما نفهمه بصلة. فالاصلاح الذي يطلبونه منا وهو إعادة تشكيل فكرنا وقيمنا وعقائدنا ومصالحنا لتوافق ما عندهم وتُسخر لخدمة مصالحهم المشروعة منها وغير المشروعة. وقد سبق ان ميزت بين مفهوم الاصلاح عندنا الذي هو قيمة في حد ذاته وبين المعنى الذي تحمله كلمة Reform في اللغة الانجليزية , التي قد تقف عند معنى اعادة التشكيل فقط الذي يؤدى الى تفكيك ما هو قائم واعادة بنائه على نموذج لايمت للمجتمع الذي يطبق فيه ولا لمصالحه باية صلة، ومن ذلك الاصلاحات التي يفرضها البنك الدولي والاصلاحات التي يتضمنها مشروع الشرق الاوسط الكبير او الشرق الاوسط الجديد .

الاصلاح كما نفهمه يحتاج بادئ ذي بدء الى تحديد مواقع القصور والفساد، ويتطلب تسمية المشاكل والمفسدين بأسمائهم وتحديد اهداف عملية لاصلاح وتوفير آليات القيام بها. ومن هنا علينا ان ننظر الى المضمون والتوجه ولا تغرنا الالفاظ فتلك " اسماء ليس لنا الا مسمياتها ، اما معانيها فليست تعرف" على حد قول الرصافي رحمه الله .

-عطفا على السؤال السابق، أود معرفة رأيكم في قوى الإصلاح، وكيف يجب أن تتفاعل من أجل خلق أرضية مشتركة لإنجاح المشروع.. ففي الظن تحتاج عملية الإصلاح إلى شركاء فعليين متشبعين بالفكرة ومستعدين للنضال من أجلها.. فمن هم في نظركم هؤلاء الشركاء، وهل يستلزم الأمر توسيع دائرة الشراكة لتشمل المناصرين للإصلاح من خارج السلطة وداخلها؟.

عملية الاصلاح المطلوب في كل دولة عربية دون استثناء يجب ان تكون عملية جذرية تبدأ باصلاح السلطة واصلاح علاقتها بالمجتمع, هذا دون ان نهمل اصلاح سائر اوجه الخلل حيثما امكن ومن هنا لابد من تنمية حركة للاصلاح تبدأ بالقوى والتيارات التي تنشد التغيير بعد ان تتوصل الى قواسم مشتركة تشكل مبادئ جامعة لبناء نظام سياسي واجتماعي بديل للنظام القائم. عند بلوغ تلك المصالحة التاريخية بين القوى المعارضة, يمكن التقدم باتجاه بناء الكتلة التاريخية القادرة على الضغط من أجل الاصلاح السياسي واقامة نظام حكم ديمقراطي يقوم ببقية اوجه الاصلاح .فالديمقراطية هدف من اهداف الاصلاح وهي وسيلة من وسائله ايضا، ان قيام كتلة تاريخية من اجل الاصلاح هي السبيل لوضع طلب فعال واجبار السلطة في الداخل وحُماتها في الخارج من تعديل وجهة نظرهم و الى تغيير اسلوب حكمهم والقبول بالمشاركة الفعالة في الثروة وفي سلطة تحديد الخيارات واتخاذ القرارات العامة

-أود، في السياق نفسه، معرفة رأيكم في العلاقة بين "الديمقراطية والإسلام"، فقد ذهبت العديد من الكتابات، سيما الصادرة في الغرب، إلى إقامة نوع من "التنافي" بين الإسلام والديمقراطية، بل شددت بعضها على استحالة التقاء الاثنين. للإشارة خصصتم لقاءكم السنوي السابع عام 1997 لموضوع "الحركات الإسلامية والديمقراطية"، وقد صدرت أشغاله عن دار قرطاس في الكويت سنة 1999. كيف تنظرون إلى هذه العلاقة، سيما وأنكم مطلعون على أساسيات النقاش الدائر حول هذه الإشكالية. بحكم إشرافكم على مشروع دراسات الديمقراطية في البلاد العربية، وبسبب عضويتكم في الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي، ومواكبتكم لدينامية الحوار القومي الإسلامي؟.

الديمقراطية في أي مجتمع حتى تستقر لايجوز ان توضع في موضع المعارضة لثوابت ذلك المجتمع ومصالحه. والاسلام عقيدة كما انه ثقافة لجميع العرب مسلمين وغير مسلمين وليس هناك جماعة عربية التوجه تدعو الى تحليل حرام او تحريم حلال بالضرورة . وليس هناك من بين الحركات السياسية الفاعلة من يدعو الى دولة دينية . كما ان الديمقراطية ليست عقيدة وانما تتأثر ممارساتها بعقائد وثوابت المجتمعات التي تمارس فيها بحكم اختيارات المجتمع. ومن هنا يجب ان نفهم علاقة الديمقراطية تاريخياً باللبرالية باعتبار اللبرالية عقيده سبقت الممارسة الديمقراطية في المجتمعات اللبرالية بصيغها ومنها الحريات الاجتماعية والحريات الاقتصادية الفردية المطلقة المنحلة والمتوحشة احيانا.

ومن هنا فان مفهوم الديمقراطية الدستورية المعاصرة لايتعارض مع جوهر الاسلام كما ان جوهر الاسلام لايتعارض مع ما هو بالضرورة من مبادء الديمقراطية ومؤسساتها وآلياتها و ضوابطها، وقد قام عدد من المفكرين العرب مسلمين وغير مسلمين بمقاربات هامة جداً لازالة التعارض بين الاسلام والديمقراطية. ولعل مالك بن نبي ومعاصريه من ابرز المفكرين الذين قدموا مقاربات جوهرية وكذلك طارق البشري و معاصريه في الوقت الحاضر، وفي تقديري ان هناك مقاربتين مهمتين علينا ان نصل اليهما عبر حوار عقلاني وطني مسؤول،اولهما: قبول الشريعة الاسلامية كمصدر رئيسي للتشريع بعد ان يتم حصر المقصود بالشريعة الملزمة بالوحي ومقاصده دون الفكر وثانيهما : ان يحال الى محكمة دستورية ومسألة النظر في دستورية القوانين من زاوية مراعاتها للشريعة, مثلما تنظر المحاكم الدستورية في بقية المواد الحاكمة في الدستور. وقد حاولت توضيح الحاجة الى هذ المقاربات بين الاسلام ومفهوم الديمقراطية في دراسة حول الخليج العربي والديمقراطية, نشرها مركز دراسات الوحدة العربية عام 2002 . وليس هنا مجال الاعادة .

-هذا يحيلني إلى سؤال آخر، هل تحتاج عملية الإصلاح إلى بناء تحالفات مفتوحة بين كل الحركات والتيارات التي تشترك في الفكرة، أي فكرة الإصلاح من اجل إنضاج مشروع الانتقال إلى الديمقراطية؟.

نعم، تحتاج عملية الاصلاح الجذري الى بناء تحالفات بين التيارات الاسلامية والتيارات الوطنية بكافة اطيافهما. ان الاصلاح المطلوب لابد من قدرة على اخذه من فم الاسد كما يقال. والاسد علينا في الدول العربية هو تحالف السلطة في الداخل والمصالح الخارجية التي قدمت وتقدم الحماية لكل حاكم متسلط. ان الاصلاح والانتقال الى انظمة حكم ديمقراطية في الدول العربية يحتاج الى جهود متصلة ومثابرة في تفكيك الاستبداد في النظم الحاكمة وداخل كل حركة من الحركات التي تنشد التغيير وتتوهم انها لوحدها قادرة عليه. كفانا تفرداً وكفانا شقاقاً حتى لم يعد بلداً او مجتمعاً او حركة او حاكما آمنا على مستقبله .

-أنتم بصدد اعداد دراسة سيكون موضوعها "الديمقراطية والانتخابات". ومن المعروف أن المنطقة العربية شهدت ثلاث لحظات انتخابية بارزة في كل من مصر، والعراق، وفلسطين.. كيف قرأتم محصلة هذه الانتخابات وحظوظ تأثيرها على الحياة السياسية في هذه الأقطار أساسا والعالم العربي بوجه عام؟.

الانتخابات ليست هي الديمقراطية وانما هي الية هامة من اليات الديمقراطية . وحتى تؤدي الانتخابات وظيفتها كالية من اليات الديمقراطية, لابد ان يكون الهدف من اجرائها هو انتخابات بالمعنى العميق لكلمة انتخابات, يتم بمقتضاها تفويض السلطة لمتخذي القرارات ومحددي الخيارات العامة وفق عملية انتخابية فعاله و حرة ونزيهة تتساوى فيها الفرص الى جانب الحقوق والواجبات, ومع الأسف أن الأنتخابات في العراق وفلسطين أنتخابات جرت تحت الاحتلال . وبالرغم مما صاحب الانتخابات الفلسطينية من حرية ونزاهة عند اجرائها الا ان المحتل، وما يسمى بالمجتمع الدولي، لم يسمح لمن تم انتخابهم بممارسة صلاحياتهم، وهذا يؤكد حدود الديمقراطية دون وجود حق تقرير المصير وامتلاك الارادة الوطنية. اما الانتخابات في مصر وغيرها من الدول العربية فنحن بصدد دراستها وبيان ما اذا كانت انتخابات ديمقراطية تتيح للشعب ان ينتخب بحرية ودون محاباة أو تميز متخذي القرارات ومحددي الخيارات العامة من ناحية ومن ناحية اخرى النظر في مدى الحرية والنزاهة التي صاحبت كل انتخابات منها . والهدف من دراسة مفهوم الانتخابات الديمقراطية والنظر على ضوء ذلك المفهوم, هل اي من الانتخابات التي تجري في البلاد العربية ترتقي الى مفهوم الانتخابات الديمقراطية... يأتي في سياق مجموعة من الدراسات التي تنظر في المؤسسات السياسية في البلاد العربية وتقيمها من حيث كونها ديمقراطية في المقام الاول ومن هذه الدراسات الدراسة الافتتاحية التي تقومون بها يا دكتور أمحمد حول مفهوم الدستور الديمقراطي والدساتير في الدول العربية. وكذلك الدراسة التي يقوم بها الدكتور بومدين بو زيد حول الدولة العربية والدراسة التي يقوم بها الاستاذ عاطف السعداوي حول الحزب الديمقراطي والاحزاب في البلاد العربية فيما يخص الجانب النظري حول مفهوم الانتخابات الديمقراطية يقوم الدكتور عبدالفتاح ماضي بدراستها بإعتبارها مقدمة للبحوث التي سوف تتناول بلدان عربية بذاتها

-هل سيستمر "مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية" على الشكل الذي دأب عليه، أي تنظيم لقاء سنوي وإصدار أشغاله، أم لديكم تصورات من شأنها الإنتقال بالمشروع إلى صيغة أو صيغ جديدة؟.

مشروع درسات الديمقراطية هو مشروع دراسي كما هو معروف...هذا من ناحية ومن ناحية, اخرى يسعى المشروع الى اجراء حوارات حول الجوانب المختلفة من نظام الحكم الديمقراطي يشارك فيها مفكرون وممارسون وباحثون عبر مختلف التيارت والقوى السياسية الفاعلة على الساحة العربية. الان و بعد 16 عاما اقترب فيها المشروع الدراسي من تحقيق اهدافه وآن له ان يتحول الى مركزاً للدرسات الديمقراطية الى جانبه منتدى للحوار, يعزز جهودهما وقفُ متخصص لدراسات الشورى والديمقراطية في الدول العربية وهذا الوقف تم ان انشاؤه منذ عام 1991 وايرادات الوقف المتواضعه ساعدت مشروع درسات الديمقراطية على الاستغناء عن اي تمويل من غير مصادر الوقف معتمداً في ذلك على تواضع الحاجة للانفاق بفضل قيام اصدقاء المشروع من الباحثين بالتطوع بجهودهم البحثية. والحقيقة ان مشروع دراسات الديمقراطية قد اكتسب صدقية داخل الدول العربية وخارجها من خلال كونه مشروعاً دراسيا ً قائم على تطوع الباحثين وقيام اصدقاء المشروع بمواجهة نفقات مشاركتهم في نشاطاته دون حاجة كبيرة للتمويل.